الإحساس بالذنب هو تعبير من الضمير ناتج عن شعور عميق بعدم الرضا عن النفس وهو يصل إلى العقل عن طريق المشاعر، حيث يعتقد الشخص بأنه قام بعمل خاطئ وذلك عندما يرى أن سلوكه وأفعاله لا تتفق مع ما هو يجب عليه أن يفعله، وبتعبير آخر يشعر بتأنيب الضمير.
ومن أوائل مَنْ تحدثوا عن فكرة الشعور بالذنب العالم النفسي فرويد، حيث قسَّم العقل البشري إلى ثلاثة أجهزة وهي الهو Id والأنا Ego والأنا العليا Super Ego.
ويمثل الهو النزعات الغريزية الموجودة لدى الجنس البشري وهدفها إشباع الدوافع البيولوجية كالجوع والعطش والجنس دون النظر إلى المعايير الاجتماعية. أما الأنا فهو الجانب الواقعي ويبدأ في الظهور مع شعور الطفل بذاته وكيانه ويتكون من امتصاصه للمعايير والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع. والأنا العليا تتمثل في المعايير الأخلاقية التي امتصها الطفل من الوالدين حيث تشكل جزءًا من كيانه النفسي والمعروف باسم “الضمير”، وهو يعمل على توجيه اللوم والتأنيب للأنا بالإضافة لمقاومة الهو (النزعات التي تسبب لذة حسية). لذلك فإن الأنا هو مسرح الصراع بين اللذات الحسية والضمير الذي يراقب سلوكنا، وهكذا تظل الأنا Ego في صراع دائم بين قوى النفس. فإذا اتجهت الأنا نحو الهو وقعت في مصيدة الشهوة بينما إذا توجهت نحو الأنا العليا Super Ego فقد تصاب بتأنيب الضمير والشعور بالذنب.
وتلعب التنشئة الاجتماعية دورًا هامًا في تكوين الشعور بالذنب حيث تعمل السلطة الخارجية المتمثلة في الوالدين والمدرسون على فرض حدود جامدة لسلوك الطفل ومحاولة توجيه اللوم والتأنيب والنقد المستمر وإشعاره بالتقصير بهدف تحسين سلوكه وأدائه، إلا أنه في أغلب الأحيان تعمل هذه التوجهات على تعميق مشاعر الخجل والعار والذنب. ويظل هذا الشعور ينمو في كيان الطفل إلى أن تتحول هذه التوجهات الصادرة من الخارج إلى توجهات داخلية صادرة من ضميره الداخلي فتظل هذه المشاعر تلازمه طوال مراحل حياته المختلفة، كما أن توجيه اللوم والإدانة المستمر من الوالدين قد يصيب الأبناء بالأذى النفسي مما يسبب لهم صراعًا داخليًا بين المحبة والكره للسلطة الوالدية. وقد يتصف الأشخاص الذين يعانون من مشاعر الذنب بتركيبة نفسية معقدة قد تمنعهم من مواصلة الحياة بشكل صحي إذ تتشكل نفسياتهم وفقًا لهذه المشاعر السلبية الموجهة نحو ذواتهم. ومن أهم مظاهر هذه التركيبة النفسية ما يلي:
– عقاب الذات: قد تنشأ من توجيه اللوم والنقد المستمر محاولة الشخص معاقبة ذاته أو جلد نفسه وذلك للتخفيف من ثقل الشعور بالذنب حيث يرى أنه يستحق العقاب لم اقترفه من أخطاء، علمًا بأن هذه الأخطاء قد تكون حقيقة أو وهمية. وقد يؤدي جلد الذات إلى الشعور بالاستمتاع حينما يؤذيه الآخرين وذلك مثل الزوجة التي تفضِّل أن تستمر في علاقة مؤذية مع زوج قاسي بدلًا من الانفصال أو البعد عنه. إن استمرار مثل هذه العلاقة قد يعمل على استنفاذ طاقتها النفسية والعاطفية. وقد اكتشف الباحثين ظاهرة مماثلة لذلك تُعرف باسمStockholm Syndrome وهي حادثة مشهورة وقعت في العاصمة السويدية ستوكهولم حيث استولى لصوص على بنك ثم أسروا موظفيه لمدة طويلة وحينما حاول البوليس فك أسر هؤلاء الموظفين رفضوا التخلي عن اللصوص حيث تعلقوا بهم رغم أنهم ظلوا فترة طويلة تحت تهديد السلاح. كما أنه في أحيان كثيرة فإن شعور الشخص بأنه يستحق العقاب ويستحق احتقار الغير قد يدفعه إلى الوقوع في المرض الجسدي مثل الصداع المستمر أو آلام القولون ليكون موضوع شفقة الآخرين بدلًا من أن يكون موضوع عقابهم واحتقارهم.
– ضعف المتانة النفسية وعدم القدرة على وضع حدود: إن الإحساس بالذنب قد يؤدي إلى ضعف المتانة النفسية حيث تقل قدرة الشخص على ممارسة مهارات الحياة فلا يمكنه قول كلمة “لا” أو الاعتراض على العلاقات التي تسبب له الأذى النفسي مما يجعله غير قادر على وضع حدود للآخرين، حيث يسمح لهذه العلاقات المسيئة بالاستمرار في حياته وبالتالي يترك ذاته للأذى، وذلك مثل الفتاة التي تتعلق بشاب سيئ الخلق فتسمح له بالإساءة لها سواء الجسدية (الضرب) أو المعنوية (الإهانة)، حيث ارتبط الحب لا شعوريًا بالأذى النفسي كما حدث مع الأهل الذين امتزج حبهم بالإساءة.
– هوس الكمال: إن توجيه اللوم والتأنيب الذي يصدر من الأنا العليا (الضمير) للشخص يصيبه بعدم الرضا عن أدائه فهو دائمًا يشعر بالتقصير فيما يقوم به حيث يطلب المثالية التي لا يمكن الوصول إليها فيظل دائمًا يبحث عن الكمال. ومن أشهر الحالات التي ذكرها علماء النفس قصة الكاهن الذي كان يقوم برعاية شعبه وتقديم الخدمات لكنسيته إلا أنه كان دائمًا يشعر بالتقصير في أداء واجباته إلى أن وقع فجأة صريع المرض. لقد اكتشف المعالج النفسي أنه يعاني من مشاعر الذنب وذلك نتيجة معاملة والديه اللذين كانا يطالبانه بأقصى أداء دراسي حتى ينال تقديرهم ولذلك عاش طوال حياته في قيد مشاعر التقصير والذنب التي دفعته إلى محاولة الوصول إلى المثالية التي عجز عن الوصول إليها.
– فقدان الهوية: من المهم معرفة أن التربية المبنية على توجيه اللوم الدائم والإدانة والنقد المستمر وإحساس أطفالنا بالتقصير ونقص أدائهم ومطالبتهم بإمكانيات تفوق قدراتهم العقلية والنفسية قد تؤدي إلى وصول رسائل لهم بأنهم غير مقبولين إلا إذا استوفوا الشروط المطلوبة منهم، وقد يدفعهم ذلك إلى التخلص عن هويتهم الأصلية وارتداء شخصية مزيفة وذلك لإرضاء الآخرين وخاصةً السلطة الوالدية، فيلجأ الشخص إلى إخفاء مشاعره وأحاسيسه وعدم التعبير عن أفكاره وآرائه ويعيش بكينونة مزيفة ومغايرة لحقيقته مستخدمًا ميكانيزم دفاعي يُعرف بالتكوينات العكسية، فمثلًا يُظهِر مشاعر الحب للآخرين وهو يحمل في داخله كراهية شديدة لهم حتى يمكنه دفع ثمن القبول المشروط. والوصية الكتابية تقول: “رَبِّ الولد في طريقه”، والمقصود طريقه هو إدراك إمكانياته وقدراته ومهاراته والعمل على تطويرها وتنميتها. إن فقدان الهوية الأصلية للشخص له نتائج مدمرة حيث يصاب الشخص بالإخفاق والفشل في محاولاته المستمرة لاستخدام المكانيزمات الدفاعية التي تُظهِره بالهوية التي ترضي الآخرين مما يفقده التوازن النفسي والذي ينتهي به إلى الدخول في اضطرابات متعددة من أهمها اضطراب الوسواس القهري O.C.D، حيث الشعور الضاغط الذي يدفعه إلى سلوكيات قهرية مرضية والتي من أبسط صورها تكرار غسل الأيدي وذلك للتفكير عن مشاعر الذنب الذي يعاني منه.
علاج الإحساس بالذنب
ليس هناك علاج حاسم لمشكلة الإحساس بالذنب إلا أن نغمر الشخص بالحب غير المشروط والذي أحبنا به الأب السماوي فنمكِّن له المحبة التي تشفي إحساسه بالتقصير والذنب وعدم التقدير حتى يستطيع أن يختبر محبة الأب. إن إدراكه لمحبة الأب يعمل على تجديد ذهنه وتغيير أفكاره من نحو نفسه ومن نحو الآخرين كما يمكِّنه من أن يتمتع بالغفران الإلهي فيدرك قيمته الحقيقية فيستطيع أن يغفر لنفسه وللآخرين الذين أساءوا له، وهذا لا يتأتى إلا بالعلاقة الحقيقية مع شخص المسيح.