الأمريكان والعادل الديان وعلاقتهما بالإخوان

2

العدد 91 الصادر في إبريل 2013
الأمريكان والعادل الديان وعلاقتهما بالإخوان

    لا شك أن المتابع، حتى السطحي، لما يحدث في مصر والعالم العربي اليوم يمكنه أن يرصد بكل سهولة ويسر ثلاث قوى رئيسية  تحرك الأحداث، وهم الأمريكان والإخوان والمولى العادل الديان، ولست بمقارن لهذه القوى الثلاث ببعضها البعض وكأنها متساوية أو متماثلة أو متكافئة بأي شكل من الأشكال، فالمولى، تبارك اسمه، قائم بذاته لا يمكن مقارنته بشئ أو بأحد، مهما كان، ولا يصح أن يوضع في قائمة مع غيره من المخلوقات، لكن السبب في إدراجه مع الأمريكان والإخوان، لأنني أثق أنه هو المتسلط في مملكة الناس، وهو الذي يقول للشئ كن فيكون، وعليه فشئنا أم أبينا هو، سبحانه، القوة المسيطرة على الأحداث، والطرف الأساسي فيها. أما عند المقارنة بين الأمريكان والإخوان، فأوجه الشبه بينهم كثيرة، وإن اختلفت في الدوافع وطرق التعامل مع الأحداث، فالأمريكان يتقمصون الأشكال والأقنعة التي تتماشى مع الإخوان وكأنها، أي الأقنعة، هي حقيقتهم، مع أنها في معظم الأوقات ما تكون أقنعتهم واضحة لكل ذي عين، حتى ولو لم تكن هذه العين قادرة على الرؤية في وضح النهار، وهكذا يفعل الإخوان. وهكذا يغيران كلاهما هذه الأقنعة لعشرات المرات في اليوم الواحد، إذا لزم الأمر، والحقيقة أن الأمريكان ليسوا أحسن من الإخوان، بأي حال من الأحوال، وفي أي وقت أو زمان، الفرق الوحيد بينهما هو أن الأمريكان يعرفون أصول اللعب، فهم دائمًا الرابحون، حتى ولو مثلوا دور المغلوب على أمره، والخاسر في دورة أو أخرى من دورات اللعب في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط. أما الإخوان فشأنهم شأن كل المتحكمين في الأمور في عالمنا العربي، وفي معظم البلدان، لا يخسرون جولات فحسب بل يستمرون في خسارتهم حتى الإفلاس، وهم لا يدرون أنهم يخسرون، فلسان حالهم “خسارة قريبة ولا ربح بعيد”، فلذا هم يستمرون في نفس طريقة آدائهم للأمور ويواصلون الخسارة، ويتلقفون الفتات الذي تلقيه أمريكا لهم، وكأنه نصر من الله وفتح مبين.

    1- جاء لزيارتي يومًا صديق ومفكر وكاتب مصري، ومتواجد في الأحداث حتى قبل بدايتها، وقد كان في زيارة لبعض الولايات الأمريكية، وكان يبدو عليه علامات التعجب والحيرة، وقال لي: “لقد تقابلت الأسبوع الماضي مع أحد رجال الكونجرس الأمريكي المهتمين بالشرق الأوسط، والذين لديهم حضور وتأثير في جلسات الكونجرس، وتجاذبنا أطراف الحديث عن مصر وما يحدث بها”، وكانت حركة يناير 2011 لم تتضح معالمها بعد، ولم يتم الإطاحة بمبارك وحكومته بعد، قال صديقي: “صدق أو لا تصدق، الكونجرس الأمريكي بقياداته وأعضائه يريدون أن يحكم الإخوان مصر، وسيقفون معهم حتى يتولوا السلطة بدلاً من مبارك، ولن يسمحوا لنا نحن الذين يسمونا الليبراليين أو المثقفين أصحاب الخبرة أن نشارك في حكمها”. كنت أعلم أن ما قاله حقيقة معلن عنها بطريقة أو أخرى منذ قيام الثورة وما قبلها، لكني سألته: “وما وجهة نظرهم في ذلك؟”، أجاب: “يقول رجل الكونجرس نحن نريد أن نتعامل مع مجموعة معروفة الهوية والتوجهات، ومعروفة الميول والرغبات، وعليه فالجماعة هي الوحيدة التي يتوفر بها كل ما نريد”. لم أتعجب أبدًا لكلام صديقي، فهذا ما قلته في مناسبات كثيرة وبرامج تليفزيونية ولقاءات صحفية عديدة، وقليلون هم الذين فهموه واقتنعوا به، أما الغالبية العظمى فكانت تستبعد أن يفكر الأمريكان بهذه الطريقة التي تبدو للكثيرين بأنها غبية، انتحارية، أنانية، غير الآدمية، فمعظم المسيحيين في مصر والشرق الأوسط  يظنون أن أمريكا دولة مسيحية، لذا فلابد لها بالضرورة أن تساند التيارات الإصلاحية، الديمقراطية، وخاصة المسيحية في العالم كله، غير عالمين أن الحكومة الأمريكية تقف بالمرصاد ضد كل ما هو مسيحي بدعوى عدم خلط السياسة بالدين، فشجرة الميلاد أصبحت من المحرمات في الاحتفالات الرسمية، وداخل مبان الكونجرس الأمريكي، لأنها رمز ديني، ولا يقبلها الملحدون، وينبغي أن نراعي شعورهم وأحاسيسهم التي تجرح عندما يرونها في ذكرى الميلاد، والتحية القديمة التي تربى عليها جيلنا “عيد ميلاد سعيد” تغيرت ولا يستخدمها إلا القليلون من جيلي، وحلت بدلا منها في الإذاعات والتليفزيونات والمحال والمصالح عبارة “اجازة سعيدة” المهم أن لا يذكر الميلاد، أما عيد القيامة، فلا ذكر له على الإطلاق في الصحافة أو التليفزيون الأمريكي، وحيث إن يوم القيامة لابد أن يأتي في يوم الأحد، من عطلة نهاية الإسبوع، لذا، فالمصالح والهيئات وكل العاملين بها لا يحصلون على اجازة خاصة بمناسبته، فيمر كيوم عادي لا يذكر إلا في الكنائس فقط، وأية رموز دينية، كالصليب، الذي كان يزين بعض الجبال يرفع الملحدون الأمريكان، وما أكثرهم، القضايا على أصحابه لنزعه من مكانه، والوصايا العشر تنزع من مداخل أبنية المحاكم والمدارس، والأماكن العامة، ومن يدافع عنها ويبغي إبقاءها في مكانها، حتى كشئ أثري يعتبر متطرفًا، ومحرضًا على كراهية الآخر، والأمريكان يسمحون لكل الأجناس والأشكال والأنواع من الناس أن يمارسوا دياناتهم بكل حرية، ويتصيدون الأخطاء للكنائس والتجمعات المسيحية. فالحصول على ترخيص خاص ببناء كنيسة في أمريكا لا يقل تعقيدًا عن الحصول عليه في مصر، الفرق الوحيد هو في أسلوب التعقيد المقنع  في أمريكا، والسافر في مصر، والأمريكان يسمحون بتدريس معظم الأديان، وخاصة الإسلام في مدارسهم الإبتدائية، ولا يدرس الدين المسيحي فيها، وقد رفعوا كل الرموز الدينية المسيحية من المدارس والمستشفيات والأماكن العامة، بدعوى المساواة، وبناء على شكاوى قدمت من الملحدين وغيرهم. ويعمل الملحدون جاهدين على إزالة كل ما هو مسيحي، وإغلاق البرامج الدينية المسيحية من الإذاعات والتليفزيون الأمريكي وغيرها من الأمور التي تطن لها الآذان، والتي لا يمكن أن يستوعبها الشرق أوسطيين، وخاصة المسيحيين منهم، ولا يمكن أن تُفهم من إنسان، إن لم يكن مؤمنًا ومقتنعًا وفاهمًا أن هناك ما يعرف بروح ضد المسيح، والذي يعمل جاهدًا أن يمحو كل ما هو مسيحي ليس من أمريكا فقط بل ومن كل عالم الأحياء، وأن يضل، لو أمكن، حتى المختارين أي المؤمنين الحقيقيين بالمسيح، تبارك اسمه. ويرى المسيحيون المغيبون العرب أنه بما أن أمريكا في نظرهم مسيحية، إذًا، فلن تقبل أن ينتشر الإسلام أكثر مما هو عليه، ولن تسمح للمسلمين أن يحكموا العديد من أقطار العالم، ولن توافق على الاضطهاد والعنصرية والوقوف ضد الأقلية، أليس مكتوب على الدولار الأمريكى “نحن نثق في الله” وهم لا يعلمون أن حتى هذه الكلمات يصارع الملحدون لكي يرفعونها من على الدولار. ويقول المسيحيون المغيبون العرب: “أليست لدى أمريكا المئات من المحطات التليفزيونية التبشيرية على مستوى العالم، ألم ترسل أمريكا العدد الأكبر من المرسلين والمبشرين إلى كل أنحاء المسكونة، أليست هي الدولة التي تمتلك أطنانًا من الدولارات، والتي تضخها في الحملات الدينية؟!” والكثير من المسيحيين في الدول العربية لا يعلمون أن كل أشكال الاضطهاد الواقعة عليهم إنما تجري على إخوانهم المؤمنين الحقيقيين المستوطنين في أمريكا مع اختلاف الأشكال والطرق والمسببات وطرق العلاج والمضاعفات، فجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون، في كل أنحاء العالم حتى في أمريكا. وبالرغم من كل هذا فأمريكا لا تزال الدولة الأكبر والأعظم والأقوى والأكثر تأثيرًا في هذا العالم، مع أنها ليست الأكبر مساحة أو الأكثر سكانًا، أو الأغنى ماديًا أو الأفضل أخلاقيًا، لكني أعتقد أنه مازال زمان افتقادها متاح لها، مع أنني لست أظن أنها سترجع، بل في رأيي الخاص، أنها وصلت إلى نقطة اللارجعة، فقد بدأ غضب الله ويده القديرة المنتقمة تظهر في مجالات كثيرة بها، لكن إن رجعت إلى الرب، الذي تقف ضده، حتى كتابة هذه السطور، إن رجعت إلى القدير تبنى فهو يكثر الغفران، وليست هي فقط بل حتى مصر وجماعة الإخوان، بالرغم من أنها لم تعرف بعد أن زمان افتقادها قد أوشك على الانتهاء.

    أما متطلبات الأمريكان للتعامل مع أية دولة حولها، والتي تجعل من مصر وجماعتها الحاكمة في هذه الأيام خير رفيق وصديق، فهي تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما. القسم الأول هو أن تكون دولة ذات سيادة واقتصاد ونظام سياسي واقتصادي وأمني وثقافي، غير محتاج في ممارسته واستمراره لأمريكا بأي شكل من الأشكال، وفي هذه الحال تستعمل أمريكا الوجه الديمقراطي الخدمي الحر، وتتعامل مع هذه الدول كالند للند، علمًا بأن عدد الدول الداخلة في هذا المقام لا تزيد عن عدد أصابع اليدين على الأكثر، إن لم يكن عدد أصابع اليد الواحدة، وحتى هذه الدول لن تسلم من التأثير الأمريكي عليها وعلى مواطنيها بطرق كثيرة متضمنة في القسم الثاني. أما القسم الثاني من الدول فيندرج تحته كل دولة تعاني سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو أمنيًا أو علميًا أو أي شكل من أشكال الاحتياج أو المعاناة، وفي هذه الحالة تخول أمريكا لنفسها التدخل في كل ما يتعلق بهذه الدولة، حتى لو لم تطلب هذه الدول المساعدة، فأمريكا هي الشقيق الأكبر لمن يحتاج أو لا يحتاج إلى شقيق، وهي الشقيق الأكبر حتى لو كره الشقيق الأصغر شقيقه الأكبر، وعبر عن ذلك بكل ألوان التعبير، ففي نظرها أنها مسئولة عن أمن العالم وسلامته، وأنها مدعوة للدفاع عن المضطهدين في كل المسكونة، فيصدر الكونجرس تقرير الحريات السنوي، والذي تصنف فيه الدول من حيث اضطهادها للأقليات، وكأنه بعيد كل البعد عن هذه التعديات، أما الطامة الكبرى، وهي تدخل تحت هذا القسم الثاني أيضًا، لكنها تضم مجموعة من الدول التي تحتاج إلى أمريكا أو تعتمد عليها في دخلها أو مساعداتها ماديًا أو علميًا أو عسكريًا أو أمنيًا أو بأية طريقة من الطرق، وكلها يجيد الأمريكان استخدامها وتطويعها لمصالحهم، ليس في الشرق الأوسط فقط، بل في العالم كله. وتستخدم أمريكا عدة أسلحة غير حربية للوصول إلى أغراضها أذكر منها القليل على سبيل المثال لا الحصر أولا: اللغة الإنجليزية، فهي اللغة الأولى المستخدمة في العالم كله، بغض النظر عن لغة أية دولة أخرى، فالسائح الذي يتكلم الإنجليزية مفهوم في كل مكان، وعليه فالمتكلم باللغة الإنجليزية يكسب حتى في مصر أو كوالالمبور، ومن لا يستطيع أن يحصل على مجرد تأشيرة دخول للزيارة من أغلب دول العالم، يمكن أن يحصل على تأشيرة إقامة في نفس البلد كمدرس للغة الإنجليزية، فالشباب اليوم في كل العالم يحلم ومجنون بأن يتقن الإنجليزية، وقد ارتبط التكلم بالإنجليزية وخاصة في مصر والبلاد العربية في ذهن الأغلبية بأن المتحدث بها هو من طبقة اجتماعية عالية، لذلك تجد الشباب المصري يحاول أن يدخل كلمات إنجليزية في محادثاته وكلامه لجذب الانتباه إليه أو للتدليل على رقي مستواه الاجتماعي، أو تحسين وضعه أمام الخلق.

    أما السلاح الثاني، فهو الميديا الأمريكية وخاصة الأفلام، فلا يوجد في العالم أجمع مكان يشبه هوليوود في الإنتاج السنيمائي العالمي، الذي يعمل 24 ساعة في اليوم لإنتاج الأفلام والمسلسلات والبرامج الإذاعية والتليفزيونية والقنوات الإخبارية، وكلها تدور حول محور من عدة محاور كالمال والجنس والعنف والمرح، وهذه المحاور هي المحروم منها شبابنا بشكل أو آخر في بلادنا العربية، فالذين يمتلكون المليارات من الدولارات في دول الخليج ليس لديهم المجالات لصرفها، ولذا تكتظ القاهرة بمتوسطي الحال منهم كل عام، وفي القاهرة يجدوا إشباعًا لكل رغباتهم، حميدة كانت أم مشينة، ولا داعي للتفصيل أكثر من هذا في هذه الجزئية بالذات، أما طبقة الأغنياء منهم فشوارع لندن وباريس مكتظة بهم، وهناك أفضل جدًا، حيث لا آذان يفكرهم بصحرائهم ودينهم، ولا نقاب يفكرهم بنسائهم، ولا عجالات (جمع عقال) تفكرهم بأقرانهم من أصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فأصحاب العجالات المتواجدون في هذه البلاد لا يلبسونها هناك، والمحجبات والمنقبات يتبخترن حاسرات سافرات.  ولقد تغلغلت الميديا الأمريكية في العالم العربي حتى النخاع، فكل ممنوع مرغوب. ويكفي أن تمشي للحظات قليلة في سيتي ستارز مول حتى ترى ما أقول، فبنطلونات الشباب المصري اليوم تكاد تسقط من أوساطهم تقليدًا للشباب الأمريكي، وتسريحات الشعر المقززة، وألوانه فاق ما يعمله الشباب الأمريكي برؤوسهم، والسعودية حامية حمى الإسلام 55% من رجالها يمارسون اللواط مع أمثالهم، وحتى عبادة الشيطان ظهرت ولا تزال لها جماعاتها في مصر والبلاد العربية، وفي رأيي، أن السبب الأول في انتشار هذه الأشياء التي ذِكرها أيضًا قبيح هو غزو الميديا الأمريكية للعالم، أما السلاح الثالث، فهو سلاح التكنولوجيا الأمريكية التي يلهث وراءها العالم كله، بدءًا بما يعرف بالـ “”Ipad ونهاية بالطائرات والصواريخ الأمريكية الصنع، ويعوزني الوقت ومساحة النشر لو تكلمت عن المساعدات المالية الأمريكية لأكثر من 120 دولة في العالم، وما تدفعه هذه الدول في السر أو العلن مقابل هذه المساعدات، والمنح العلمية والدراسية، والمؤتمرات المهنية والتدريبية في كل المجالات التي تعقد في أمريكا أو يقوم بها الأمريكان في كل دول العالم بلا استثناء، وغيرها وغيرها وغيرها. ويبقى السؤال، ما الذي يريده الأمريكان بالضبط، وما الذي يجعل حكم الإسلاميين ليس في مصر وحدها بل في كل البلاد العربية خير صديق لهم حتى يناصرونه ويساندونه ويوصلونهم للحكم؟! إن ما يريده الأمريكان من حكام البلاد العربية وغيرها هو:

    1- الأمريكان يهمهم معرفة ردود الأفعال قبل أن تجرى الأفعال، فلا أحد يحب المفاجآت، فلا بد لمن يتعامل معهم أن يكون لديه تاريخ من المعاملات مع أمريكا، ومنه تستطيع أن تجزم بردود أفعالهم قبل أن يفعلوها، وتاريخ الإخوان معروف، ابتداء من مؤسسهم حتى اليوم، فمبادئ “كالغاية تبرر الوسيلة”، و”الكذب عند اللزوم” ثم “الصوم للحنث ثلاثة أيام يغفر ما تقدم من ذنوبهم وحنثهم وكذبهم”، كلها ترحب بها أمريكا وتعرفها جيدًا، وهي لا تعطي أهمية لتصريحات الرؤساء العرب على اختلاف بلادهم ومواقفهم، فهى تعرف أن معظم تصريحاتهم إنما هي للنشر والتليفزيون ليس إلا، وإلا فليدلنا أحد على قرار واحد اتخذ في جامعة الدول العربية وتم تنفيذه ضد أمريكا أو إسرائيل، أليست أمريكا هي الشيطان الأكبر، وإسرائيل هي الشيطان الأصغر في أعين الجماعات الإسلامية المصرية والعالمية بما فيهم جماعة الإخوان في مصر، فلماذا تلجأ مصر إلى الشيطان ليساعدها في اقتصادها وتسليحها والوقوف معها لتُثبت التزوير في الانتخابات الرئاسية؟! لماذا لا يعلن الإخوان بقيادة زعيمنا المفدي مقاطعتهم لكل ما هو أمريكي وإسرائيلي؟ لماذا لا تدفع الدول العربية الإسلامية الشقيقة ما يعادل مقدار المعونة الأمريكية لمصر سنويًا لمدة من الزمن حتى تدور عجلة إنتاجنا ويصبح لدينا اكتفاء ذاتي، ولا نحتاج إلى الأمريكان أو العرب؟! لماذا استعانت السعودية والكويت بأمريكا للتخلص من صدام حسين، وضرب العراق وتأمين أراضيها؟! لم ولن يحدث شئ من هذا القبيل لأن أمريكا تعرف ردود أفعال الإسلاميين وتدرسها جيدًا، ولا تعير أية تصريحات من أي زعيم عربى التفاتًا، وكأن هذه التصريحات لم تكن. وما أكثر تصريحات التيارات الإسلامية ضد أمريكا وإسرائيل وللآن لم ولن ينفذ منها شئ إلا ما قامت به القاعدة، وهي الجماعة المغضوب عليها من كل الحكام العرب، أكثر من الأمريكان، فهم الذين أنشؤها وسلحوها واتخذوها حجة لغزو البلاد العربية، والحصول على قواعد عسكرية في هذه البلاد وغيرها من عناصر اللعبة السياسية العسكرية المفضوحة.

    2- لابد أن يتوفر أيضًا في الجماعة التي تقيم أمريكا علاقات معها حب السلطة وبذل كل نفيس وغالي للحصول عليها، والتملق وعدم الخجل من كل ما يخالف شرع الله وكسر المتعارف عليه من أساسيات التعامل مع البشر من صدق وأمانة ووضوح وأخلاق، دون الإحساس بالذنب أو إبداء الأسف عليه، مع شرط أن تتمتع هذه الجماعة بعدم الخبرة والكفاءات لإدارة البلاد. فإذا اجتمع العنصران السابقان، أي حب التسلط مع عدم الخبرة في القيادة، كان هذا هو أعظم مناخ يمكن أن يعمل به الأمريكان، فمن ناحية فحب السلطة سيدفع أية جماعة إلى تقديم التنازلات المطلوبة منهم حتى يحصلوا على السلطة في أي بلد، ومن الناحية الأخرى سيدفعهم عدم الخبرة إلى مواصلة الاعتماد على الأمريكان في كل تحركاتهم وقرارتهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية، فليس من حل آخر أمام من يحب التسلط والتحكم وفي نفس الوقت ليس له الخبرة والحكمة في إدارة الأمور إلا أن يركع أمام من يغذي به هذا الحب، ومن يزوده بالحكمة التي تكفيه للاستمرار في آداء دوره التمثيلي، وكأنه صاحب البلاد ومصدر القرارات، ولذا فأمريكا ترى أن قادتنا في هذه الأيام هم أحسن الاختيارات لقلة حكمتهم وخبرتهم وفي نفس الوقت شراهتهم لتولي السلطة منذ عهد مؤسسهم الأول.

    3- المراوغة والخداع وتفضيل المصالح الخاصة على العامة:

    فهذه هي السياسة في أمريكا وخارج أمريكا، وحتى داخل السياسة الأمريكية نفسها، فالديمقراطيون دائمًا في صراع مع الجمهوريين، وكل منهم يتهم الآخر بالعمالة والجهل وتفضيل المصالح الحزبية على المصلحة العامة للمواطن الأمريكاني؟! وأية جماعة يمكن أن تحقق هذا الشرط الخطير للأمريكان أكثر من الإخوان في مصر، فيمكنني أن أكتب كتابًا كاملاً حول هذه النقطة بالذات، وليس هذا بخاف على أحد في مصر أو خارجها.

     4- أما أهم ما يبحث عنه الأمريكان في العلاقة مع حكام الشعوب، وخاصة العربية منها هو من يعرفون أن يستخدموا الدين في تحقيق أغراضهم وخططهم، فصدق من قال “إن الدين أفيون الشعوب”، فإذا ما “سَطلت” شعبًا ما بالدين يمكنك أن تأخذ منه كل ما تريد، فهو يتحرك ويتصرف ويناضل ويقاتل ويصادق ويعادي الكل وهو في غير وعي منه، وتحت تأثير المخدر القوي والخطير المعروف بالدين، وعندها تستطيع أن تقوده وتكممه وتثيره وتفرحه وتكذب عليه وتجعله هزءًا وعارًا عند أصدقائه وأعدائه، وتملى عليه إرادتك وتسوقه حيث تريد، فإذا أردت أن يثور هذا الشعب، اقنعه بأن أعداءه يسيئون إلى رموزهم الدينية، وإذا أردت أن تفرحهم قل لهم “أنتم خير أمة أخرجت للناس”، وقد نجحت خططهم في هذا المجال، وعلموها للقادة العرب، وهم مستمرون في ممارستها، والويل كل الويل لمن يخرج عن هذه الخطط، ولعل أعظم مثال على هذه النقطة هو ما يحدث في سوريا اليوم، سوريا التي لا تريد الربيع العربي، ولا أن تستسلم لخفافيش الظلام، سوريا الدولة العربية الإسلامية الوحيدة التي كانت تسمح للمسيحيين أن يمارسوا حياتهم الإيمانية المسيحية دون تعصب أو قتل أو تدمير للكنائس، ولن أنسى المرة الأولى التي زرت فيها سوريا، ووجدت سيدة البيت التي كنت في زيارته، وكنا في موسم عيد الميلاد، وقد وضعت مكبر الصوت في البلكونة الخاصة بهم، وهو يذيع ترانيم الميلاد، وكرد فعل لمواطن مصري عاش تحت الاضطهاد المسيحي المصري لأكثر من 30 سنة قلت لها: “ماذا تفعلين، هل تسمح حكومتكم بوضع مكبر صوت في البلكونة وإذاعة ترانيم مسيحية؟!” ابتسمت وقالت: “أخ ناجي أنت في سوريا مش في مصر الحكومة تسمح لنا بأن نطوف الشوارع بالصلبان في أعياد القيامة في تجمعات كبيرة للاحتفال بالعيد”. وعند زيارتي لأول مرة لسوريا، وعندما أرادت مباحث أمن الدولة السورية أن تعرف سبب زيارتي، قام رئيس شئون الكنائس السورية بزيارتي شخصيًا في بيت العائلة التي كنت نازلاً عندهم، وقال لى: “أنا جاي أشرب معاك شاي،” وفي نهاية اللقاء قال لى: “أشكرك على هذا اللقاء”، فتذكرت رجال مباحث أمننا المصريون عندما كانوا يستدعونا إلى مكاتبهم، ويحددون لنا الساعة والدقيقة التي لا بد أن نتواجد فيها في المبنى المخيف التابع لهم، ثم يتركوك في الاستقبال لساعة أو أكثر لكي يسمح لك بمقابلة أحدهم، وقد يكون أصغر منك سنًا ليسألك عن كل ما هو سخيف وتافه من أسئلة تتعلق بك وبزوجتك وعائلتك وكنيستك ومشاريعك وخططك للمستقبل، فقط ليثبت وجوده وليحملك برسالة إلى نفسك وإلى أقرانك من الخدام، إننا نستطيع أن نحضركم إلى مكاتبنا متى نشاء وكيفما نشاء، ولا يقدر أحدكم على الاعتراض حتى ببنت شفة، وغيرها وغيرها مما حدث ويحدث في مصر. لكن ما يهم الإخوان وأبناء عمومتهم هو أن لا تبقى بلد واحدة في الوطن العربي غير خاضعة لهم، ففلسطين، ولبنان ومصر وليبيا وتونس والسودان والعراق، والدور على الأردن، الكل لا بد أن يخضع إما لهم مباشرة أو لمن يحقق أغراضهم.

    وبهذه المناسبة فإننى أناشد المؤمنين المسيحيين المصريين، صلوا لأجل سوريا، لقد ضاعت منكم مصر، وإلى الأبد، لأنكم تهاونتم في حقوقكم كمسيحيين، وعشتم في خوف ورعب طيلة حياتكم، وارتميتم ككنيسة وشعب في أحضان الإخوان، وذهبتم لتبنوا جسورًا معهم، فلا تفقدوا سوريا أيضًا، فمازال المجال أمامكم لتتضرعوا لأجلها لكي لا تشرب من نفس الكأس الذي تشربون أنتم منه اليوم، صلوا لأجل سوريا حتى يوقف الله نزيف دماء الأبرياء، صلوا لأجل سوريا التي كانت من أوائل البلاد التي زارها الرسل والأنبياء، والمكتوب عن السيد “وسمع خبره في جميع سوريا”.

    هذه هي حقيقة التحالف الأمريكي الإخواني في مصر والبلاد العربية، وهو تحالف مبني لا على مصلحة الشعوب والغلابة من العامة، الذين لا يعرفون شمالهم من يمينهم، بل لمصلحة الأمريكان والإخوان، وهذا بالطبع يمكن أن يفهم، حتى ولو كان لا يمكن أن يقبل تحت أي بند من البنود، أما ما يعسر على المرء فهمه فهو موقف المولى سبحانه وتعالى من كل هذا، المولى الذي استغفره وأتوب إليه وأتجرأ أن أسأله كما سأله النبي في القديم “لماذا تكون كغريب في الأرض، كمسافر يميل ليبيت” أسأله كما سأله نبيه حبقوق في القديم “حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟ أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص؟ لم تريني إثما وتبصر جورًا وقدامي اغتصاب وظلم ويحدث خصام وترفع المخاصمة نفسها؟ لذلك جمدت الشريعة ولا يخرج الحكم بتة لأن الشرير يحيط بالصديق فلذلك يخرج الحكم معوجًا”.

    ولعلى أسمع الإجابة من السيد بحسب قناعاتي البسيطة عن الأسباب التي لا تجعله سبحانه يتدخل وينهي هذه المهزلة الإنسانية التي نعيش فيها في دقائق معدودات، وهذه الإجابة تتلخص في عدة نقاط على سبيل المثال أيضًا لا الحصر:

    1- لأنه يرى الصورة كاملة وتامة الإتقان، فنحن لا نرى إلا جزءًا بسيطًا من الصورة الكاملة، مهما أُتينا من علم ومعرفة وحكمة وفطنة، أما هو فيعرف الأخير من الأول، لا يغيب عنه شئ فهو العليم الخبير.

    2- لأنه قادر أن يغير أي شئ في أي وقت وأي مكان، حسبما شاء، فالكل له يخضع، إذا فعل من يستطيع أن يرده.

    3- وهو سبحانه لا يشاء أن يفضح الإنسان بل تفضحه مبادئه وسيئاته والروح الكامنة وراءه، حتى إذا ما حاكمه المولى وأدانه، لا يكون له دفاع عن نفسه، ويتم فيه المكتوب “أنت بلا عذر أيها الإنسان” وما يقال على الإنسان الفرد يقال على الدول والجماعات والحكومات وغيرها، فليس عند المولى محاباة.

    لذا، فهو يسلم المرء إلى ذهن مرفوض، فيقول وينسى، ويقول ويكذب، ويقول ولا يفي، ويتعثر في أقواله وأعماله، فمن فمك أدينك.

    4- ليأخذ الجميع فرصتهم وليعرفوا إن كان الإسلام حقًا هو الحل أم لا، فلسنين طويلة علقنا كل مشاكلنا كمصريين وإخفاقاتنا وفشلنا على شماعة “الإسلام هو الحل” واقتنع الناس أن كل الشر الموجود في مصر والعالم لأن الحكومات لا تريد تطبيق شرع الله، واليوم وبعد أن أصبح الإسلاميون في الصدارة، فلماذا لا نرى حلولاً لكل مشاكلنا، ولماذا ساءت أحوالنا، وكثرت فتاوينا وشهداؤنا، ولماذا لم يرض عنا المولى وقد وُلى علينا الإسلاميون أصحاب شعار “الإسلام هو الحل”.

    5- ولعل الله لم يتدخل ويحل أزمة مصر ليعطي الإسلاميين فرصة ليأتوا بآخر ما لديهم من حلول لمشاكلها، وللتأكيد على نواياهم ونوعياتهم وشخصياتهم ومعلوماتهم وإمكانياتهم، فعندما يتولى المرء أمر نفسه تظهر الخبايا التي يحاول أن يخفيها ويعلقها على شماعة الآخرين، فلو لم يتول الإسلاميون الحكم لبقي الناس في قناعاتهم بأن “الإسلام هو الحل والإسلاميون هم الوطنيون المُخْلِصون والمُخَلِّصون لنا من مشاكلنا واحتياجاتنا، والكفرة والعلمانيين.

    6- ليعطي فرصة عملية للمغيبين المصريين، مسيحيين ومسلمين بأن يفيقوا من غيبوبتهم واقتناعهم، ويجربوا بأنفسهم من خلال الاكتواء بناره، أن الحكم الديني الثيوقراطي ليس هو الحل، وأن هذا النوع من الحكومة هو أسوأ أنواع الحكم، ما دمنا في هذه الأرض الملعونة، وما دام الوسواس الخناس ما زال يعبث فيها فسادًا، والنفس مازالت أمارة بالسوء.

    7- ليعطيهم الفرصة لتطبيق ما يؤمنون به عمليًا، وليفشلوا في حكم مصر وإصلاح شأنها، فلو لم يفشلوا عمليًا في هذا لما اقتنعوا، ولما اقتنع العامة معهم أنهم لا يصلحون لحكم قرية صغيرة، وليس أقدم وأعرق أقطار الدنيا وأهمها على الإطلاق.

    8- ليعطيهم الفرصة للتوبة والرجوع والاستيقاظ، ومعرفة أن العلي متسلط في مملكة الناس، وأنه يوليها لمن يشاء، فهو لا يشاء أن يهلك أحد بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.

    9- أخيرًا أقول أن المولى الديان العادل يصبر حتى يمتلئ كأسهم حتى يدينهم، ودينونته عادلة، وأنهم لها لمستحقون.

    اللهم نحمدك حتى ولو حار العقل في سبر أغوارك، ونشكرك فأنت القدير من لا تقاس أعماقك، ونقبل منك خطتك، وإن عصت على الفهم أفكارك، ونسلم لك أمرنا حتى ولو لم نفهم أسرارك، فأنت العظيم الكريم، ومن تشهد عن عظمتك أعمالك.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا