بينما كنت متفكر في كتابة مقدمة لكتابي الجديد “أنا والسلطة” والمزمع أن يطرح في المكتبات خلال أيام من تاريخ نشر هذا المقال، وهو الكتاب الذي يضم عدة مقالات قمت بكتابتها ونشرها بجريدتنا “الطريق والحق” وكلها تتعلق بمواجهتى وتعاملاتي وآرائي فيما يختص بالسلطة المصرية والعربية من رؤساء ووزراء ومحافظين ومسؤلين بالبوليس، أو خطابات مفتوحة أرسلتها إلى، أو كتبتها عن، من كانوا في السلطة، وكلها تدور حول أحداث ومواقف ولقاءات ومراسلات، وفي بعض الأحيان تلميحات أو تصريحات ورسائل شفوية، وفي أحيان أخرى استدعاءات واستجوابات وخناقات وتحديات وتهديدات كانت ترسل إلي ممن كانوا في السلطة على اختلاف مستوياتهم ومكانهم ومكانتهم، سواء أكانوا في عصر السادات، أو طيلة عصر مبارك وما بعدهما، جلست أتفكر في ذلك التاريخ الطويل والمعاناة الشاقة والوقت الضائع بها، واسترجعت على غير رغبة منى لذكريات بعضها، فأضحكنى أقلها، وأبكاني أكثرها وأحبطتني جميعها، إذ يبدو أن الحال لم يتغير إلا قليلاً منذ أن بدأت معي هذه التحديات. لكن أجمل ما في هذه الذكريات هو إحساسي بالمعية الإلهية على طول الخط من الإله الأمين الذي وإن كنا، أنا والآخرين، غير أمناء، فهو يبقى أمينًالن يقدر أن ينكر نفسه.
والعجيب أن يدور كل ما يتعلق بي وبالسلطة سواء المصرية أو الخارجية حول كوني خادمًا للمسيح يسوع، تبارك اسمه، وكاتبًا عن كنيسته، ومدافعًا عن أقباطها وتاريخها ومستقبلها كمؤسس ورئيس هيئة “رجاء للمضطهدين”.
وفي البداية أود أن أقرر عدة أمور:
أولها: هو أننى، وبمحض إرادتي الحرة واختيارى الشخصى المبنى على اقتناع كامل بالدور الروحي المسيحي الذي يريدني القدير أن أقوم به وأنا في الحياة الدنيا، لست برجل سياسة ولم ولن أكون في يوم من الأيام، لا في أمريكا ولا في مصر، ولا طموح عندي للحصول على مقعد في مجلس شعب أو شورى أو شيوخ أمريكي أو مصري وما بينهما، بالرغم من إلحاح الكثيرين من أصدقائي المصريين المقيمين بكاليفورنيا علىَّ لترشيح نفسى لمجلس الشعب المصرى ضمن المقيمين بالخارج، أو بترشيحي لمجلس الشيوخ الأمريكى، لأن المدينة التى أسكن بها تحتوى على أكثر من40% من سكانها عرب، والغالبية العظمى منهم يتطلعون إلى مواطن أمريكى من البلاد العربية، لينخرط في السلك السياسى وهم على استعداد لانتخابه بالإجماع، فقط لأنه عربي مثلهم، حتى لو كانوا متأكدين أنه لا يصلح لتمثيلهم، وبنفس عقلية “اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفهوش”، المهم إنه وارد من إحدى الدول المعروفة بالدول العربية حتى لو لم تكن دولة عربية الأصل كمصر وحتى لو كان المرشح مصريًا قبطيًا.
ثانيًا: إن الهدف الوحيد من كتابة هذا المقال أو ما شابهه من مقالات سابقة سواء تلك التى كانت كخطابات مفتوحة لرؤساء جمهوريتنا الغالية مصر، الذين تعاقبوا على حكم مصر في فترة إصدار جريدتنا الطريق والحق، مبارك ومرسى والسيسى، كمقال “سيادة الرئيس شكرًا وعفوًا ولكن…” أو “سيادة الرئيس أنا سأختارك ولكن….”، أو “سيادة الرئيس احترس، المسيح ليس خطًا احمر فحسب” و”المكسب والخسارة لثورة يناير الجبارة” و”يا صديقى كلهم مرسى” أو “سقطت سقطت القاهرة المدينة العظيمة” أو تلك التى كتبت فيها عن موضوعات مختلفة ولها علاقة بالسلطات الأمنية أو السياسية أو القضائية المصرية كمقال “برضه هتنضرب على قفاك” أو “اعترافات محافظ” أو “ما بين محاكم الأرض ومحكمة السماء” وغيرها، الهدف الوحيد هو نقل صورة حية لما يفكر فيه الشعب المصرى وخاصة الأقباط منهم إلى أولى الأمر في مصر والبلاد العربية، وتدوين الحقائق كما يراها الغالبية العظمى من الأقباط، إن لم يكن كلهم، في مصر وبلاد العالم أجمع بعيدًا عن الرسميات واللقاءات والمعانقات والقبلات الغاشة الكاذبة أمام الكاميرات والصحف والمجلات، وهذه المقالات ليست على الإطلاق للتشهير أو التحقير بأحد أو الإساءة لرئيس أو مرؤوس، وزير أو غفير، كبير أو صغير، فالصحافة كما يقولون هي ضمير الأمة، وويل للأمة التى لا ضمير لها ولا صحافة حرة نزيهة مهدفة بها، فهي في شر عظيم وعار وفي طريقها إن آجلاً أم عاجلاً إلى الاضمحلال.
ثالثًا: إن ما أكتبه في هذا المقال وما ذكرته في مقالات سابقة، يعلم علام الغيوب وحده، أنه ليس للافتخار الشخصى، أو فرد عضلات، وخاصة إن كنت لا أمتلكها ولا أحتاجها، إنما هو فقط لتدوين الحقائق، وللشهادة لمسيحي وإلهي عن أمانته وتشجيعه وحفظه وإرشاده وحمايته التى أحاطنى بها وعن قوته وشجاعته التي وهبني إياها في عدم استحقاق منى في ذاتي الترابية الضعيفة. فلست بمدعى الزعامة أو البطولة ولا أريدها أو احتاجها، فكشاب مصرى عادي في مقتبل العمر كنت كغيرى من الشباب أكره، وأخاف، وأرهب الاحتكاك بالسلطات في مصر، بدءًا من الأستاذ المدرسي المتعسف والذي كان يضرب الفصل كله على ظهور أيدينا الغضة الصغيرة بعصاته الخشبية المسننة الفظة الكبيرة، لا لسبب سوى أن تلميذًا واحدًا من فصل يضم ٦٦ طالب مسكين قد تكلم أو همس بصوت منخفض أثناء كتابة المدرس عنوان الدرس مثلاً على السبورة، وامتد الخوف من المدرس إلى الناظر والمفتش ثم أستاذ الجامعة وضابط الأمن بالكلية وعسكرى المرور والشاويش عطية ومأمور القسم ثم مباحث أمن الدولة، إلى نهاية سلم السلطات في مصر، ولقد نجحت السلطات المصرية منذ أوائل أيام عبد الناصر سنة 1952 وحتى قيام ثورة يناير2011 في ترويع الناس، وإرهابهم وتكميم أفواههم، صغيرهم وكبيرهم في مصر، ولم أنتبه أنا في معظم الأوقات والمواقف أنني كنت في تحدٍ ومواجهة مستمرة معها جميعها منفردة أو مجمعة، وخاصة بعد تأسيسي لهيئة اتحاد الشباب المسيحي المصرى، لذا فقد كانت تصرفاتي وكلماتي وردودي على أسئلة السلطات المصرية في كثير من الأوقات والمواقف لا يمكن أن توصف إلا بأنها غير مسؤلة ومتهورة ومستفذة، لكنها في الحقيقة لم تكن كذلك بل كانت تنفيسًا طبيعيًا على الضغط والقهر والاضطهاد الذي كنا نواجهه كمصريين وخاصة كأقباط، وفي كل من هذه المواقف كنت أعرف أن إلهي الذي أنا له والذي أعبده هو وحده من استطاع أن يكسر في داخلى حاجز الخوف من المخاطر والمخاوف والأماكن والمكائد من السلطات ليس في مصر فقط بل في كل بلدان العالم، وأن يضمن لي الأمن والسلام والحرية الداخلية الحقيقية في كل المواقف كبيرها وصغيرها.
زيارة العراق وليبيا
زرت العراق الشقيق قبل إزالة صدام حسين من السلطة، ومنحتنى السلطات العراقية تأشيرة دخول العراق تحت اسم “شخصية اعتبارية” أي إننى زائر ممثل للكنيسة الإنجيلية في مصر، في أيام كان صدام حسين ينتج اللحم المفروم “بلوبيف” من أجسام معارضيه ومن يسخط عليهم سواء أهو أم رجال أمنه حتى لو كانوا من عائلته، وقمت بزيارة بغداد في اليوم التالي لفتح الحدود بين الأردن والعراق، حيث كان السفر خطرًا للغاية والطرق غير ممهدة ولم يكن هناك حكومة أو بوليس تلجأ إليه في حالة التعرض لأي سوء بأي شكل من الأشكال، والمخاوف كانت في كل مكان ولم تكن هناك سوى سيارات التاكسى التى كان يسمونها الأحباء العراقيون يومها “الجِمْسِي” بتعطيش الجيم، وهي الكلمة العراقية التى كانوا يختصرون بها موديل عربات نقل الركاب وهي GMC” جي أم سي” التى كان معظم سائقيها هم الذين يبلغون عصابات الخطف والنهب والسلب والقتل بأن بصحبتهم زبونًا أجنبيًا يستحق الخطف، وقد زرت ليبيا كناشط دينى في أيام القذافي وقد كانت أول النصائح التى أسداها لي الصديق الذي جاء بعربته لنقلي من المطار إلى بيته أن لا أنطق كلمة القذافي أبدًا طيلة إقامتى في ليبيا لا بخير أو شر، وإن اضطررت على النطق بهذه الكلمة المحرمة على الجميع، لا بد أن تسبقها ديباجة مثل “حفظه الله ورعاه”، أما ثاني النصائح، فكانت، عندما نعبر في طريقنا إلى البيت من أمام أحد قصور القذافي الرئاسية علي أن لا أدقق النظر إليها حتى لا يراني أحد الحراس الذين يمشون حول السور نهارًا وليلاً لئلا يشك أحدهم بي وبنواياي من جهة سيادة الزعيم حفظه الله ورعاه يومئذ، ولقد زرت تونس في أيام كان من العسير دخول مصرى مسيحي خادم للمسيح بها، وبالرغم من رفض السلطات التونيسية يومئذ أن تعطينى تأشيرة دخول، كما قمت بزيارة الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والجزائر والسودان وإسرائيل وتركيا وغيرها من الأماكن التى كان من المستحيل علىَّ قبول زيارتها بسبب الخوف إن لم يكن القدير قد كسر حاجز الخوف داخلى، وتمتلئ جعبتي بالقصص الطريفة والمخيفة في نفس الوقت والتي حدثت لي ومعي في كل دولة من الدول السابقة الذكر دون استثناء.
في سوريا
عند زيارتي لسوريا لأول مرة كنت سأقضى ليلة واحدة في بيت أحد أصدقائي وبعدها سأغادر سوريا إلى حال سبيلى، بالطبع دونت في بطاقة دخولي سوريا أنني سائح لزيارة الأماكن المسيحية الأثرية القديمة كزقاق المستقيم الذي يقولون إنه هو نفسه الزقاق الذي تقابل فيه بولس الرسول مع الأخ حنانيا يوم تغيرت حياة شاول الطرسوسى ووقعت القشور من عينيه وتحول من مجدف ومضطهد ومفترٍ على كنيسة الله إلى إناء مختار ليحمل رسالة السلام في المسيح إلى كل الأرض، وصلت إلى سوريا الساعة الثانية ظهرًا، جلسنا صديقى وزوجته وأنا في شقتهم نتجاذب أطراف الحديث، لم ندر إلا وقد صارت الساعة الخامسة عصرًا دون أن نغادر شقة صديقى، رن جرس التليفون المحمول الخاص بصديقي، سمعته يقول: “أهلين”، وسادت بعد هذه الكلمة فترة من الصمت من جانب صديقي، ثم أجاب: معي د. ناجي وسننزل الآن لتناول طعام العشاء وبعدها سنزور بعض الأماكن الأثرية، لأنه سيغادر غدًا ظهرًا إن شاء الله، ثم فترة صمت، وبعدها قال صديقي: “مع السلامة الله يباركك”، كان صديقي هادئًا بطبعه لا يتكلم كثيرًا، ظننته في بادئ الأمر يتحدث إلى أحد أعضاء كنيسته ويشرح له ما سوف نعمله اليوم وغدًا حتى أمضي بسلام من سوريا إلى الأردن، سألت صديقى: “مين اللي كان بيكلمك؟”، ابتسم وقال: واحد صاحبنا، قلت: “مين حد أنا أعرفه؟”، ضحك وقال: لا، لأن أنت لا تعرفه، لكن واضح أنك لابد أن تتعرف عليه قبل أن تغادر سوريا، فهمت القصة كلها، أكمل صديقي: لابد أن ننزل من هنا الآن بسرعة ونذهب المطعم الفلاني، نهض صديقي مسرعًا ونزلنا إلى المطعم، وهناك دق جرس التليفون مرة ثانية، أجاب صديقى: أهلين، وساد الصمت، ثم قال: “أي وقت؟”، (صمت) ثم قال: صديقي “عُلِمْ الله معك” وانتهت المكالمة، علمت دون التحدث مع صديقى أن هناك مشكلة ما بسبب زيارتي لسوريا، لم يشرح لي صديقى ماذا يحدث وأنا لم أسأله عن التفاصيل بسبب وجودنا في مكان عام، انهينا عشاءنا وذهبنا إلى بيت صديقي، دخلت لأنام في الغرفة التى عينها لنومي الساعة العاشرة مساءً، سألني إن كنت أريد أي شئ قبل أن أنام، أجبت بالنفي وشكرته وقلت له تصبح على خير، قال صديقى،أنا ذاهب لمشوار صغير وسأراك في الصباح، قلت خد راحتك، تصبح على خير، ظللت أسترجع أحداث اليوم، كنت أجزم بيني وبين نفسي أنه من المؤكد أن من اتصل بصديقى في البيت وفي المطعم وكان يسأل عنى لابد أن يكون من مباحث أمن سوريا، قلت لنفسى هذا شئ طبيعي اعتدت عليه في كل زياراتي، ليس في خارج مصر فحسب بل في داخلها أيضًا، تذكرت أول مرة زرت فيها محافظة المنيا المصرية وقضيت مع صديق لي ثلاثة أيام في بيته، بعد رحيلى استدعى ضابط أمن شئون الكنائس بالمنيا صديقي المنياوي وبدأ باستجوابه، وسأله من هو ناجي يوسف، وما علاقتك به، ولماذا جاء للمنيا، وما الموضوعات التى تحدثتم بها، ما هى خطط ناجي للمنيا، متى سيرجع مرة ثانية، لماذا لم تعطنا خبرًاأن ناجي سيأتي لزيارة المنيا وسينزل في بيتك و.. و.. و.. قال لي صديقي المنياوي إنه قال لضابط شئون الكنائس: “أنا ما كنتش أعرف أن ناجي مهم جدًا بالنسبة لكم بهذا الشكل والمقدار ولذلك لم يخطر ببالي أن أبلغكم بمجيئه للمنيا، فناجي إنسان مصري عادي بسيط وصديق لي قديم ليس إلا، أو على الأقل هذا كل ما أعرفه أنا عنه”، قال لي صديقي المنياوي: “في نهاية المقابلة مع رئيس مكتب شؤن الكنائس بالمنيا –يومئذ- قال لي الضابط لو ناجي مر بالقطار على المنيا، حتى لو لم ينزل وتلمس قدماه رصيف المحطة، ولم تبلغنا بمروره ستكون أنت المسئول عن كل ما يمكن أن يحدث لك”. تذكرت كل هذا وأنا مفتوح العينين اللتين كانتا مثبتتين على سقف الغرفة وأنا ملقٍ على ظهري، فوق سرير نومي في غرفة صديقي السوري، قلت لنفسي إن كان هذا قد حدث في المنيا، في مصر، بلدي اللي اتولدت واتربيت واللي معروف فيها، فلماذا لا يحدث في سوريا؟!، فهذه أول زيارة لي لسوريا ومن الطبيعى أن يتعرف على رجال الأمن ولابد من السؤال عن أغراضى المعلنة والخفية لزيارة سوريا، إلى هنا كنت أتقبل كل أحداث اليوم بصدر رحب، غلبني النوم فنمت، الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وجدت صديقى يلهث وهو يفتح باب غرفتي ويقول لي د. ناجي قم من فضلك بسرعة البس وتعال بالخارج لأن هنا المقدم “فلان” من مباحث الأمن العام السورية وهو يريد مقابلتك، قمت مفزوعًا من نومي على صوت صديقي ظانًا أنني في كابوس ليلي، سألته وأنا بين مستيقظ ونائم هي الساعة كام دلوقت، قال الساعة الواحدة صباحًا، أنا آسف لكن إحنا في سوريا، قلت وقد رجعت إلى كامل تركيزي: “ولا يهمك أنا واخد على كده، حتى في مصر وفي كل بلد أزورها يحدث تقريبًا شئ مماثل لا يختلف كثيرًا إلا في الشخصية التى تريد مقابلتى ومكان المقابلة وزمانها، أما مضمونها فواحد”، تركني صديقي وقال، بعد إذنك سأذهب لأن الرجل يجلس بمفرده في غرفة الجلوس، قلت اتفضل سألحق بك، ارتديت ملابسى وتعمدت أن أتأخر أكبر مدة ممكنة قبل أن أخرج من غرفتي، خرجت لأتقابل مع رجل مباحث أمن الدولة، رحب بي سيادته وبدأ الكلام قائلاً: أهلاً بيك في سوريا، أنت عارف طبعًا أن عندنا حرية دينية في سوريا، لكن أنا جاي علشان أتعرف عليك كأخ مصرى وصديق عزيز للأخ فلان (يقصد مضيفي)! ضحكت ضحكة خبيثة، أعتقد أنه فهمها، وقلت له، طبعًا واضح، وقصدت أجيبه بطريقة عادل أمام في مسرحية الزعيم عندما جاءه رئيس مباحث أمن الدولة للقبض عليه وأمسك برقبته من الخلف وقال له أنا جاي لك أتكلم معاك كأخ مع أخيه، صديق مع صديقه، أخذ الضابط يتكلم إليّ بكل لطف ولؤم سائلاً عن البلد الذي أعيش فيه والبلد الذي ولدت فيه ومهنتي وكم هي مكلفة علاجات الأسنان في أمريكا وعن علاقتى بمضيفي السورى، وكيف ومتى تعرفت عليه، لم أهتم كثيرًا بما كان يقوله محدثي، لكنني كنت أفكر مع نفسي وأقول بداخلي، أي صديق أو أخ هذا الذي يوقظني من نومي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ويطلب أن يشرب قهوة معي على غير رغبة منى، ويعطيني درسًا في الحرية الدينية التى يمارسونها في سوريا؟!، استمرت زيارة سيادة الضابط حتى الثانية بعد منتصف الليل، وبعدها صافحني، وقبل انصرافه سمعته يقول لصديقي سأنتظرك في المكتب غدًا بعد انصراف الدكتور تيجي تشرب معايا قهوة، أجاب صديقى “صار” أي اعتبر طلبك وكأنه صار ونفذ. رجعت إلى سريرى وأنا أتساءل مما يخاف هؤلاء الضباط حتى يتصرفوا بهذه الطريقة التى أعتبرها لا آدمية من وجهة نظرى!، نعم إن لديهم كل الحق في مراقبة كل ضيف غريب عن البلد وخاصة إذا كان قادمًا من بلد آخر ومعروف عنه أنه ناشط سياسيًا أو دينيًا وخلافه، لكن ليست بهذه الطريقة المستفذة العلنية التى تسبب قلقًا وإحباطًا للزائر وتفقده الاستمتاع برحلته وعائلته أو أصدقائه. في صباح اليوم التالي ونحن على طاولة طعام الفطور قال لي صديقى: أنا آسف على ما حدث بالأمس، لكن أنت تعلم أننا في بلاد عربية، قال: أنا لم أرد أن أذكر لك أن أول تليفون جاءني بالأمس قبل أن ننزل للمطعم كان من واحد منهم (يقصد رجال الأمن السوري) وقد قال لي الضابط بمجرد إن فتحت الخط معه: “أنت تسمعنى فقط ولا ترد أو تعلق على أي شئ أقوله لك الآن، ثم أكمل، الضيف اللي عندك قال إنه جاء إلى سوريا لزيارة الأماكن الأثرية وللآن هو لم ينزل من عندك شو بتعملوا وليش ما نزل، قال صديقي لذلك أنا جاوبته أننا سننزل حالاً وقلت لكم إننا لابد أن ننزل حالاً للمطعم”، كان صديقي يروى لي هذه القصة بينما كنا نتناول طعام الفطور ثم علا رنين تليفونه مرة أخرى، تكررت المأساة، رجل مباحث آخر، يريد أن يلتقي بي قبل أن أترك سوريا، بعد أن أنهى صديقي المكالمة قال لي قبل أن ترحل لا بد أن تقابل مسؤل الأمن العام، قلت: نفس الشخص الذي قابلنى بالأمس قال: لا هذا فرع آخر من فروع أمن الدولة، ثم علا رنين التليفون مرة ثالثة وكانت كل الكلمات التي نطق بها هي “أهلين، صار، صار، صار” ليس إلا، وبعد أن أنهى صديقى المكالمة، سألته، يا ترى مين تاني عايز يقابلني؟، قال: سيادة العقيد مسئول الأمن العسكرى، عندها لم أتمالك نفسى ضحكت بصوت عال، قلت لصديقى أن أتقابل مع مباحث الأمن، فهذا مفهوم ولا مشكلة عندي فيه، وأن أتقابل مع مسؤل الأمن الوطني ممكن أفهمه، لكن ما لا يمكن أن أفهمه أو اقبله هو سبب المقابلة مع مسؤل الأمن العسكري، هل أخبر أحد عني أو رآني أحد من الجيش السورى داخل إلى سوريا راكبًا طائرة إف ١٥ أو مدفع أو دبابة؟، قال صديقي، بكل أسى إحنا في بلد عربي، في سوريا، وأنت مصرى عايش في أمريكا، ولولا إن اتصل صديقى بالضابط الذي أتى لمقابلتي ليلاً وأبلغه أنني مطلوب لكل هذه المقابلات وأنني لا بد أن أغادر سوريا في خلال ساعتين، ويبدو أن سيادته أطال الله عمره قام بمهمة التحدث إلى زملائه، مؤكدًا لهم أنه شخصياً قد تقابل معي في بيت صديقي الليلة الماضية، الأمر الذي جعل المسؤلين الآخرين يتنازلون عن شرف مقابلتى شخصيًا، لكنت قد قضيت اليوم كله متنقلاً بين مكاتب الأمن المختلفة في سوريا، البلد الذي أثق أن لديهم حرية دينية أكثر من جميع البلدان العربية، بما فيهم بلدي مصر. فسوريا البلد العربي الإسلامي الوحيد الذي كان يخرج فيه المسيحيون في الشوارع جماعات بالموسيقى والترنيم للاحتفال بأعياد الميلاد والقيامة، وسوريا هي البلد الوحيد الذي كان يسمح للمواطن المسيحي العادي أن يستخدم مكبر الصوت من شرفته ليذيع ترنيمات الميلاد والقيامة وغيرها من الأمور التى تحسب للحكومة السورية ويشكرون عليها مع أنه حق واجب لكل مسيحي سوري.
في مطار القاهرة
لم يكن ما حدث لي في سوريا بالجديد أو الغريب، ففي مصر حدثت معي أمور تطن لها الآذان، منها الطريف والظريف ومنها السخيف والمخيف كما قلت سابقًا، وهذهإحداها، قصة طريفة حدثت لي في مطار القاهرة حيث كنت مغادرًا لمصر بعد زيارة من زياراتي القصيرة لها، ونظرًا للازدحام الشديد والانتظار أمام شباك ختم جوازات المغادرة في تلك الأيام، وبدلاً من التطلع في وجه ضابط الجوازات الذي بمجرد أن يراك مصريًا يعاملك كأنك إرهابي شيطان وكأنه هو الإله الذي بيده مقاصير الأمور وبيده قرار إطلاقك من أرض الكنانة أو حبسك بها دون إبداء أسباب، الأمر الذي كنت ولازلت أكرهه من كل قلبي،إذ في كل مرة كنت أترك فيها مصر،أظل في حالة من التشويش والاضطراب والاكتئاب بعد رؤيتى لمثل هذه الوجوه وكنت بالتالي أجلد نفسى وأقول لها، تستاهلي لأنك بتحبي مصر وبتحنى لها، ومش قادرة تتخلي عن مصر وبترجعي لها في أول فرصة تغتنميها، هذا هو جزاء كل من يحتفظ بحبه لمصر من أبنائها بالخارج، وتجنبًا لكل هذا، قررت في كل مرة أنزل فيها إلى مصر أن أشتري طابعًا حكوميًا للحصول على التأشيرة في المطار كالغريب وأدخل إلى مصر إن شاء الله ضمن الآمنين بجواز السفر الأمريكاني، وبدلاً من انتظاري في طوابير القادمين أو المغادرين لمصر أو منها؟، كان أحد أصدقائي العاملين بشركة سياحة ينتظرني، قبل وصولي لشباك تأشيرات الدخول ويأخذ جواز سفري ويحضر لي ختم الدخول وهكذا كان يفعل في خروجي أيضًا، الخدمة التى لم يكن للمصريين حاملي جواز السفر المصري حق الاستمتاع بها وكانت للأجانب فقط، وكان ذات مرة أنه في وقت خروجي من مصر في نهاية إحدى رحلاتي إليها، إن صديقي أخذ جواز سفرى كعادته ودخل به أحد مكاتب أمن المطار ليحصل لي على تأشيرة الخروج، تأخر صديقى عن الخروج من مكتب ضابط الأمن، بدأ القلق يتسرب لي، ترى ما الذي يجرى بالداخل، ترى هل قرر الأمن المصري عدم السماح لي بمغادرة مصر، ولماذا، انتظرت لأكثر من عشر دقائق، جاء صديقي يجرى وعلى وجهه علامات تدل على أن هناك مشكلة في جواز سفري، تلك العلامات التى لا بد أن ترتسم على وجهك عند التعامل، وخاصة في تلك الأيام الغبراء، مع أقل رتبة في البوليس المصرى، كالحيرة والرجاء وتوقع الأسوأ، وعدم فهم الأمور واللخبطة والقرف والسخط على الدنيا وما فيها وعلى حظك العاثر الذي رماك على التعامل مع واحد من إياهم. قال لي صديقي، استعد، سيادة العميد يريد مقابلتك شخصيًا والتحدث إليك، سألته: “هو فين وليه؟؟” قال: “مش عارف، هو قعد يقلب في البسبور وبعدها قال لي لازم أقابل هذا الشخص بنفسى”، قلت: “وبعدين؟”، قال ولا قبلين ولا بعدين، لازم تقابله، هممت بالحركة تجاه مكتبه، وجدته آتيًا وسألنى، أنت الأستاذ ناجي يوسف، وفتح الباسبور على الصفحة التى بها صورتي وكأنه غير واثق أننى سأجيبه بصدق، قلت نعم أنا، خير؟ قال جواز سفرك أكبر من الجواز السفر الأمريكاني العادي بالضعف، فواضح أن أمريكا أعطت لك جواز سفر خاص غير كل الناس، ثانيًا جواز سفرك مليان بأغرب تأشيرات دخول ممكن نشوفها في جواز أمريكاني، فأنت عندك تأشيرة دخول للسودان، والعراق، وليبيا، وسوريا، وتونس، والجزائر، وكلهم زرتهم، ومافيش تأشيرة واحدة لبلد ما فيهاش حرب أو مجاعة، لا عندك فيزا للكويت أو دبي أو أبو ظبي مثلاً، فأنا محتاج تفسير لهذا الأمر قبل ما أتركك تغادر البلاد، ممكن تقول لي إنت بتشتغل إيه بالظبط؟، ابتسمت وقلت له، جواز سفري أكبر من الحجم الطبيعي، لأني أسافر كثيرًا وهذا إجراء عادٍأن تعطي الحكومة الأمريكية جواز سفر يحتوي على ضعف عدد أوراق جواز السفر العادي لأي مسافر يستخدم جوازه كثيرًا مثلي لأنهم في أمريكا والبلاد المتقدمة يحاولون تسهيل الأمور على مواطنيهم لا تعقيدها، نظر إليَّ فاهمًا ما قصدت، ثم استطردت، أما مهنتي فهي متعلقة بالفقراء والمحتاجين والأقلية والمهمشين والمضطهدين في كل مكان في العالم، لأني قسيس وخادم للمسيح، ولذلك تجدني في أي مكان به حروب وقلاقل وفقر وإرهاب، ولذلك لم أزر لا البحرين ولا أبوظبي ولا واحدة من دول الخليج ولست أظن أنني سأفعل، نظر إلىَّ الضابط وقال: “إذن نحن فخورون ونفتخر بك كمصريين، أجبته أشكرك، ناولني جواز السفر وقال لي مع السلامة”، وبالرغم من نهاية هذه المقابلة بطريقة جيدة ومرحة دون مشاكل، لكني كنت أتفكر كيف أن الذين يتعاملون معك من السلطات المصرية دائمًا يتوجسون ويتوقعون منك الأسوأ، وأنك متهم ومجرم وشرير إلى أن تثبت براءتك. والحقيقة إن لي قصصًا وحكايات وروايات حدثت بينى وبين السلطة في مصر يمكنني أن اكتبها ليس فقط في مقال أو كتاب،إنما في مجلدات.
في إحدى رحلاتي لمصر وكنت قادمًا من الأردن الشقيق، وقفت في طابور جوازات الدخول، وكما ذكرت سابقًا، فأنا عادة ما أشترى طابع الفيزا كأحد الغرباء حتى أوفر على نفسى الإجابة على سيل الأسئلة التى يحلو لضباط الجوازات سؤالها عن اسمي المصرى واسمي الأمريكاني وعن أصلي، إن كنت من أصل مصرى أم من أصل أمريكي، و.. و.. و… كان المسافر الذي يقف أمامي في طابور الحصول على تأشيرة الدخول مصرى يحمل جواز السفر المصرى الأخضر، وقف أمام ضابط الجوازات وقد كان الضابط برتبة رائد، بعد أن تصفح الضابط الجواز، نادى على عسكري يقف بجانب الشباك وقال له: “انده سيادة العميد وقل له مصرى جاي من الأردن”، أشار ضابط الجوازات للمواطن المصرى بيده ليقف على جنب وليفسح لي المجال، أشار لي بيده لأتقدم للشباك، وضعت جواز سفرى الأمريكى أمامه، فتصفحه وقال، لي أنت من أصل مصري؟، أجبته وصعيدي كمان، قال لي، معاك شئ يثبت أنك مصرى؟، قلت له،أنا اشتريت طابع الفيزا ووضعتها أمامه، أشار إلى اسمي المكتوب في كارت الدخول الذي يعطى في الطائرة للداخلين لمصر وسألني: “هو ده اسمك المصرى؟”، أجبته: لا، سألني “ايه اسمك المصرى؟”، قلت ناجي يوسف عطية، نظر الضابط إلى اسمي المصرى واسمي الأمريكي وسألني بغضب، أنت غيرت اسمك واسم أبيك واسم عيلتك، ليه عملت كده؟!!، كنت على وشك أن أجيبه “مش شغلك، أنا حر أغير اسمي أو لأ، واختار الاسم اللي يعجبنى،”لكن قبل أن انطق بأولى الكلمات التى كنت مزمع أن أطلقها عليه كالرصاص، كان سيادة العميد قد وصل، ورأى المسافر المصرى الذي أمامه، ورأى جواز سفره المصرى الأخضر، ورآني أقف بجانبه، وأعتقد أنه عرف أنني أنا أيضًا مصرى، لكنه رأى جواز سفري الأمريكاني، فما كان من سيادة العميد إلا إن قال: “البيه اللي معاه الجواز الأمريكاني يدخل على راسي، والأستاذ اللي معاه الجواز المصرى يُعْرَض عليَّ في المكتب”، نظرت إلى ضابط الجوازات وقلت له وأنا في حالة من القرف والغضب “عرفت ليه أنا غيرت اسمي واسم أبوى واسم جدي، وهل تكفيك الإجابة دي من سيادة العميد علشان تعرف ليه غيرت أنا اسمي واسم أبوي واسم جدي ولا تحب أكملها لك؟، نظر إلىَّ الضابط وقال بأعلى صوته: “والله العظيم معاك حق، والله العظيم معاك حق أن تغير اسمك بالكامل، ووضع جواز سفري أمامي وقال بغضب، مع السلامة. الحقيقة إنه لولا أنني أحب مصر من كل قلبي ولا أطيق البعد عنها مهما كان بها من حسنات أو سيئات من فيها لعدت لتوى في نفس اللحظة إلى حيث أتيت، سألت نفسى، ما الفرق بين جواز السفر الأخضر والأزرق، المصرى والأمريكاني، ألست أنا والمسافر الآخر مصريين، ولدنا وعشنا على هذه الأرض، وكنا في زيارة نفس الدولة، الأردن، وجئنا معًا على نفس الطائرة، إلى أرض وطننا الواحد، إلى أصحابنا وأهلنا؟! لكنها عقلية الكثيرين من أصحاب السلطة في مصر الذين يتعاملون مع المواطن المصري لا على أساس آدميته وانتماءه لمصر بل على أسس أخرى كديانته ومؤهلاته ورصيده في البنوك ونوع جواز سفره … إلخ. القصة التي رويتها الآن هي “أنا والسلطة”.
إن ما أقصده بكسر حاجز الخوف هو كسر سلطان الخوف على الإنسان، نعم الخوف له سلطان وهذا السلطان يجعل المرء يعيش في عذاب، كما علمنا الكتاب المقدس أن “الخوف له عذاب”، وهو كثيرًا ما يمنع المخلوق من اتمام مشيئة الخالق في حياته، بسبب الخوف من الناس وكلامهم، أو السلطات وغطرستها في معظم الأحيان والشيطان ووسوساته وأتباعه وسحره ومكائده وسهامه الشريرة الملتهبة وغيرها، ولكسر ما أسميته أنا بحاجز الخوف في حياتي. قصة طريفة، كنت في إحدى رحلاتي لإحدى الدول البوليسية والتى كان من المعروف أن رئيسها السابق ليس إلا مختلاً عقليًا لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، كان من المقرر أن أذهب لتفقد أحوال الكنيسة التى في بلاده، كانت الكنيسة الحقيقية الحية في بلاده تجتمع تحت الأرض، في السر لا في العلن، وكان قد وضع الكثيرين من المصلين في غياهب السجون، لكنني بطريقة أو أخرى كنت مقتنعًا تمام الاقتناع في داخلى أن الله يريدني أن أذهب إلى تلك البلد، فملأني الخوف وكنت متأكدًا أننى ربما سأذهب بلا رجعة، كان الصراع كبيرًا داخلى، فصوت داخلى يقول لي لابد أن تذهب لتتفقد أحوال الكنيسة هناك وتشجع الإخوة وتسد لو جزء بسيط من احتياجاتهم الروحية والنفسية والمادية، وصوت آخر يقول لي لا، تريث، ينبغى أن تكون حكيمًا، فأنت تعلم أنك ربما لن تعود من هناك، لن يعرف أحد مكان جثتك، فرئيس هذه البلاد لا يتورع أن يعمل من جسدك لحمًا مفرومًا لإطعام الأسماك في مزرعته الكبيرة، لن يهتم باختفائك أحد، لا في مصر ولا في أمريكا، ستحكي عليك الصحافة والإعلام وبعدها ستنسى، أولادك مازالوا صغارًا يحتاجونك، فسيصبحون يتامى منذ نعومة أظفارهم وفي بداية حياتهم، ستصبح زوجتك أرملة في سن الثلاثين، وفي النهاية ستكون أنت الذي تسببت في تعاستهم وستنتهي خدمتك قبل ميعادها وللأبد، سألت عقلي فقال لا، لا تذهب، وقال قلبي اذهب، استمر صراعي طويلاً حتى أعياني مجرد التفكير في اتخاذ القرار النهائي، ذهبت للمولى في صراع ودموع، قلت، يا سيدى المتسلط في مملكة الناس والعليم بكل شئ، أنت تعلم صراعي وقلقي ومخاوفي، أنا لا أريد أن أكون متهورًا مندفعًا بمشاعري وعواطفي دون سماع أمر محدد منك تأمرني فيه بالذهاب إلى هذه البلد، ولا أريد أن أكون معاندًا لإرادتك وأتقاعس عن تنفيذ أوامرك ولا أذهب لهذا البلد، فالحياة بالنسبة لي هي أنت وطاعتك هي جل مقصدي، وعجزي عن اتخاذ قرار نهائي يتفق مع مشيئتك، قد يؤدي إلى نهاية حياتي، أنا خائف، أرشدني، فأنت أعلم بي منى، بينما كنت أصلى بدموع وجدت صوتًا داخليًا يهمس في قلبى سائلاً، هل تتذكر قصة بولس الرسول عندما قرر 40 يهودي سفاحٍ متطرف أن يصوموا ولا يأكلوا حتى يقتلوه بسبب مناداته بالمسيح يسوع ربًا ومخلصًا، قلت نعم يا سيدى، قال الصوت، وهل استطاعوا أن يقتلوه، قلت لا ياسيدي، قال لماذا لم يستطيعوا أن يقتلوه، بالرغم من كثرة عددهم وعتادهم وتطرفهم واتصالاتهم برؤساء الكهنة وأعيان اليهود والحكومة الرومانية وولاتها ورجال أمنها، قلت: أثق أنهم لم يقتلوه لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد ولأنك لم تسمح لهم بقتله لخطة وضعتها لحياته وأنك أنت وحدك الذي تحيي وتميت، قال إذن لا تخف لأني معك، لا تتلفت لأني إلهك، لن يقع بك أحد ليؤذيك ولن يكن لأحد عليك سلطان البتة إن لم يكن قد أعطي من فوق، منذ ذلك الحين، وكلما حاول إبليس الحية القديمة أن يخيفنى من أي شئ في أي مكان وبأي صورة ما، أسترجع ذلك الحديث القدسى الذي غير حياتي وأطلقنى حرًا من الخوف، فيهرب الوسواس من أمامي.
اتحاد الشباب المسيحي
أما علاقتى “أنا والسلطة”، فقد بدأت في سن مبكرة جدًا، إذ كان علىَّ أن أقوم مرغمًا مقهورًا بزيارة مكاتب أمن الدولة المصرية وأنا في الرابعة والعشرين من عمرى، حين شاء القدير من لا رادًا لكلماته وأوامره أن أقوم بتأسيس هيئة “اتحاد الشباب المسيحي” كان ذلك قبل مقتل الرئيس الأسبق السادات بسنة ونصف تقريبًا، وكان من رابع المستحيلات أن يقوم شاب في مثل عمرى، مسيحي، من عائلة متوسطة الحال، ليست معروفة ولا نفوذ لها في مصر، ومن طائفة مسيحية غير مشيخية أي ليست من كبريات الطوائف الإنجيلية، شاب لا نصير له ولا معين سوى الخالق سبحانه الذي يقول فيكون ويأمر فيصير، بإنشاء ورئاسة وإدارة هيئة مسيحية مصرية، يوم لم يكن هناك هيئات مسيحية مصرية يمكن أن تعمل خارج الكنيسة على الإطلاق، ولم تكن هناك خدمات إنجيلية وبالتالي لم تكن هناك رابطة للخدمات الإنجيلية، أو اجتماعات روحية يمكن أن تعقد خارج مباني الكنائس، ولا بطاقات دعوة لحضور مثل هذه الاجتماعات يمكن أن توزع في الجامعات والمدارس والشوارع، ولولا استخدام الله للراحل الدكتور القس صموئيل حبيب، رئيس الطائفة الإنجيلية الأسبق، يومها للتصدي للسلطات المصرية وإعلان انتماء اتحاد الشباب المسيحي للطائفة الإنجيلية في احتفال عام عقد في قاعة سانت اندرو بالإسعاف، ذلك الاحتفال الذي حضره عشرات من الخدام والقسوس وقادة اجتماعات الشباب، وبعضهم باقي إلى اليوم، ما كان ممكنًا لشاب مثلى، حسب المنظور الجسدي للأمور، أن يقوم بتأسيس هذه الجماعة، وخاصة إن إهداف هذه الجماعة كانت معلنة وبوضوح منذ اللحظة الأولى لتكوينها، وهذه الأهداف متضمنة في اسمها “اتحاد الشباب المسيحي” لتجميع الشباب المسيحي المتفرق بين الطوائف والملل والنحل إلى ترابط واتحاد حقيقي لقبول المسيح مخلصًا شخصيًا لهم واشتراكهم معًا في خدمته لتشجيع ومساندة وتوصيل رسالته لكل المحرومين من الشباب المصرى المسيحي الأمر الذي فهمته السلطات المصرية خطأ وبدأت مطاردتها لي بكل الوسائل، فلم يكن يمر أكثر من شهرين إلا ويتم استدعائي في قسم شئون الكنائس بمباحث أمن الدولة لاظوغلي لاستجوابي وسؤالى عن خططي المستقبلية لاتحاد الشباب المسيحي وعن المرشح الرئاسي أو النقابي الذي سأطلب من الشباب المسيحي انتخابه أو التصويت ضده أو في صالحه، مع أنه لم يكن لدينا على طول الخط إلا مرشح واحد لرئاسة الجمهورية لا يجرؤ أحد أن يرشح نفسه أمامه وكانت نتيجة انتخابه وعدد الأصوات التي يحصل عليها معروف قبل بداية عملية الانتخاب، كانوا يسألوني عن المراسلات التى كانت الجماعة ترسلها كدرس كتاب للمسيحيين المصريين والهدف منها، وكانوا يصادرون كل الخطابات والمراسلات التى تأتي إلي صندوق البريد الخاص بالاتحاد، كانوا يسألون عن الهيئات الأجنبية التى تعضدنا معنويًا وماديًا وروحيًا، بالرغم من أن سياستنا كانت ولا تزال حتى لحظة كتابة هذا المقال، أننا لن نقبل مليمًا واحدًا من هيئة أجنبية في أي مكان في العالم سوى من المصريين فقط بالخارج والداخل حتى لا يتحكم فينا أحد ولا نضطر أن نقدم تقارير “مضروبة” لا أساس ولا وجود لها في أرض الواقع لأي هيئة أجنبية خارج مصر أو داخلها، كانوا، رجال أمن الدولة، يسألونني أيضًا عن ضيوف اتحاد الشباب المسيحي من الخدام وخاصة غير المصريين منهم، و.. و.. و.
وإحقاقًا للحق، أقول، إن رجال مباحث شؤن الكنائس كانوا يحسنون معاملتى ولم يحدث مرة واحدة أن وجه لي أحدهم أية إساءة أو إهانة بأي شكل من الأشكال، لكن الحقيقة هي أن زيارة مكاتب مباحث شئون الكنائس بأمن الدولة بلاظوغلي والمرور بجانب الحجرات المغلقة والتى ينبعث منها رائحة التعذيب لم يكن بالظريف أو المقبول لا منى ولا من غيرى لا من المسيحيين أو حتى المسلمين المعتدلين، لكنه كان أمرًا مقضيًا، ولا رادًا لقضاء الله.
لم يكسر سيدي المسيح حاجز الخوف من داخلى فحسب، بل حقق وعده أنه ليس على أو على أي مسيحي مؤمن وخادم له – تبارك اسمه- إن يفكر فيما عسى أن تكون إجابته على أسئلة أعدائه والمتربصين به في المحاكم والمجامع ومكاتب مباحث أمن الدولة، لأن روح المولى القدوس سيعطيه الإجابة التى ينبغي عليه أن يقولها في التو واللحظة وهذا ماحدث معي بالضبط، وإليك ما حدث، استدعاني المقدم (يومئذ) رجب عبد الحميد من كان رئيس مكتب مباحث شئون الكنائس بلاظوغلي للاستجواب، جلست أمامه، ففتح درج مكتبه وأخرج منه ورقة صغيرة ووضعها على مسافة أقل من خمسة سنتيمترات من وجهي وكان ينظر من جانبها مدققًا ليقرأ بخبرته البوليسية نظراتي وحركات عيني، وسألني بخشونة غير معهودة لي منه “مين اللي كتب هذه الورقة وبعتها لواحد من المسلمين”، وبالرغم من أننا، كجماعة اتحاد الشباب المسيحي كنا بكل تأكيد وإصرار لا نتعامل مع المسلمين لا بتبشير أو مراسلة أو حتى دعوة لحضور أي من اجتماعاتنا، ولم نكن نجيب حتى على أسألتهم أو استفساراتهم المكتوبة، إذا ما حضر أحدهم اجتماع لنا دون علمنا، فلقد كانت فلسفتي الخاطئة غير السليمة أو الحكيمة في هذا الأمر هو أن لدينا10 مليون مسيحي في مصر، يومئذ، عندما ننتهي من تبشيرهم وكسبهم للمسيح سنبحث عن المسلمين، أي إن رسالتنا كانت موجهة بالكامل عن قصد وعمد للمسيحيين دون المسلمين في ذلك الوقت وإلى الأبد، نظرت إلى الورقة التى كان يمسك بها سيادة المقدم فوجتها عبارة عن رسالة كتبها أحد أصدقائي المقربين لشخص مسلم يدعوه فيها لقبول المسيح مخلصًا شخصيًا لحياته، شارحًا له أنه بدون قبول المسيح يسوع ، تبارك اسمه، ربًا وسيدًا ومخلصًا لحياته من آثامه وخطاياه، لن يرى الحياة الأبدية في النعيم الأبدي في السماء مع الخالق نفسه –سبحانه- فالمسيح يسوع- تبارك اسمه- هو الطريق والحق والحياة وليس بأحد غيره الخلاص وأنه -سبحانه- هو الطريق الوحيد للسماء وهو الوحيد الشفيع بين الله والناس من ستقبل شفاعته يوم الدين، وهو الديان للأحياء والأموات يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن الجنة مكان غير حقيقي والخمر والتمر واللبن وحور العين ما هي إلا سراب لا وجود له، كان خط صديقي والمقيم الآن بإحدى البلاد الأوربية منذ أكثر من28 سنة لم يزر فيها مصر أبدًا، خطًا مميزًا واضحًا لا يمكن أن يخطئه أحد معارفه، كنت متأكدًا من كاتب هذه الورقة، لم يكن لدي سوى لحظات قليلة للتفكير وكان سيادة المقدم ينظر إلى عيني بكل تركيز، قلت في نفسى أنا لا أستطيع أن أكذب وأقول له إنني لا أعرف كاتب هذه الرسالة، فأنا أعرفه والمقدم أيضًا يعرفه ويعرف أنني أعرفه، فلو قلت لا أعرفه، لكنت كذابًا ولأخطأت في حق إلهي الذي أوصانا قائلاً لا تكذب، ولو قلت للمقدم اسمه، لكنت خائنًا للأمانة ولكان لزامًا عليه أن يقبض على صديقي وعندها سيقول له ناجي هو الذي أرشد عنك، وأسقط في يدى فأنا لا أستطيع أن أقول إني أعرفه ولا أستطيع أن أقول إني لا أعرفه، وليست هناك إجابة أخرى يمكن أن أقولها، استغرقت أحداث هذه الواقعة أقل من خمس ثوان ولم أدرٍ إلا وأنا أضحك بأعلى صوتي وبطريقة لا يضحك بها سوى من كان سكرانًا فاقدًا للوعي يجلس على مقهى مع شلة من السكارى أمثاله، انتفض سيادة المقدم وصرخ في وجهي قائلاً: “أنت بتضحك بالطريقة دي على إيه، هو أنا حكيت لك نكتة، إيه اللي بيضحكك؟!” وانطلقت الإجابة من فمي كالرصاص الحي، دون تحكم في كلماتها من ناحيتي، قلت بأضحك لأني أول مرة أكتشف أنني أنا ضابط مباحث، هو مين فينا ضابط المباحث، أنا ولا أنت؟، لما يكون عندك ورقة مش عارف مين كتبها تسألنى أنا ولا لما يكون عندي أنا ورقة أجيبها لحضرتك وأسألك مين اللي كتبها”، كانت هذه الإجابة هي أغبى إجابة يمكن أن يجيب بها إنسان في مكاني ضابط مباحث أمن دولة يحقق معه، نظر إليَّ سيادة المقدم نظرة قال فيها دون أن يتكلم أنه لم يقتنع بهذه الإجابة وأنه يعرف أننى أتهرب من الموقف، ثم قال لي “ماشي هعديهالك المرة دي” سألني “تشرب إيه؟”، قلت له “قهوة سادة”، أحضر لي العسكري المنوط بخدمة سيادة المقدم فنجان القهوة السادة الذي انهيت على محتوياته في رشفتين اثنتين وبعدها استأذنت ومضيت إلى حال سبيلى، في الشارع وعلى بعد أمتار من مبنى لاظوغلي بدأت ركبتاي تصطكان بعضهما ببعض، وبدأ الخوف يملأني، قلت لنفسى، ما الذي حدث في مكتب سيادة المقدم، ناجي، هل أصابك الجنون، هل أنت إنسان عاقل حتى تجيبه هذه الإجابة التى كان من الممكن أن تكون سببًا في الزج بك في غياهب السجون إلى الأبد، يا إلهي ما هذا الضحك وهذه الإجابة والكلمات التى قلتها في غير وعي مني، وابتدأ القدير يهمس في أذني، هذه ليست إجابتك، بل أنا الذي أعطيتك إياها كما وعدتكم في كتابي المقدس قائلاً: “فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموابل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس”.
في حادثة أخرى تقابلت مع أحد القساوسة الذين كانوا مشهورين بتعاملهم كمرشدين لمباحث أمن الدولة في أحد مؤتمرات اتحاد الشباب المسيحي قبل نزوحي إلى بلاد العم سام، جاء هذا القسيس الإنجيلى إلى مؤتمرى دون دعوة أو علم مسبق لي بحضوره، اقترب مني وهمس في أذني وقال عندي رسالة لك من مباحث أمن شئون الكنائس، قلت خير اللهم اجعله خير، يجعل كلامنا خفيفًا عليهم، وتظاهرت بالجهل وعدم معرفتي أنه مرشد لهم، قال أنا كنت مع مجموعة منهم وسألوني عنك وقالوا لي: “ الدور عليه”، قلت أي دور؟، قال الدور للقبض عليك، قلت بأي سبب، إن كل ما أعمله من خدمات روحية في مصر هو فقط بين المسيحيين وفي اجتماعات ولقاءات علنية وكلها مسيحية دينية لا علاقة لها لا بالمسلمين ولا بالسياسة، قال الدور عليك، لأنك بتجريهم وراك من أسوان للإسكندرية وما بتدفعش، قلت أولاً أنا ما سمعتش أن رجال أمن شئون الكنائس بيدفعولهم، وحتى لو بيدفعولهم أنا ما بعملش حاجة ضد دين ولا دولة ولا في السر علشان أدفع، ثم ليس من عادتي أن أدفع لأحد لأحصل على سكوته أو حمايته، فحمايتي الوحيدة هي من سيدي المسيح المتسلط في مملكة الناس والذي لا يستطيع أحد أن يتعدى أوامره سبحانه، ثم سألته سؤالاً حكيمًا قصدت أن أيقظه به من ضلاله، قلت له حضرة القسيس أنت رجل كبير في السن ربما تكون في عمر والدي أو أقل قليلاً، وبالتأكيد أنت لديك خبرة كبيرة كما هو واضح في التعامل مع رجال أمن الدولة، فبناء على رسالتك التى أبلغتني إياها الآن أنا أحتاج إلى نصيحتك كأب أو كأخ أكبر، ما هو رأيك، هل تنصحني أن أدفع إلى أمن الدولة حتى لا يأتي علىَّ الدور أو تنصحني بأن لا أدفع لهم وأن أتوقف عن الخدمة؟؟!، نظر إلىَّ القسيس وقد فهم الفخ الذي نصبته له، فلو قال لي ادفع لأعطيته درسًا في أن الرشوة محرمة بأمر الكتاب المقدس، وأن الإله الذي لا يستطيع أن يحميني بقوته الإلهية من مكايد أمن الدولة، وينسخ وصيته التى أنزلها في كتابه الكريم بتحريم الرشوة ويسمح لي أن أعمل عكسها، هو إله لا يستحق العبادة والاتباع، وهذا ليس الإله الذي أنا له والذي أعبده، ولو قال لي القسيس لا تدفع، لكن توقف عن خدمة المسيح حتى لا تغضبهم ويضعوك في الدور، لقنته درسًا في أن الإله الذي يأمر عبيده أن يتوقفوا عن الخدمة حتى لا يؤذي البشر أتباعه لا يستحق أن يخدم وهذا أيضًا ليس هو الإله الذيأنا له والذي أعبده، نظر إليَّ القسيس حائرًا وقال بعصبية وصوت غاضب مرتفع، “أنا مش عارف أقول لك إيه، أنا بأنصحك وأنت حر في تصرفاتك”، أجبته شكرًا يا جناب القسيس على نصائحك، لكن أرجوك لما تعرف إجابة لسؤالي، قل لي وأكون شاكرًا أفضالك، عن إذنك” وانصرفت لحال سبيلى.
في مناسبة أخرى، يوم فجر الإرهابيون من رجال الحكومة المصرية والجماعات الإسلامية كنيسة القديسين بالإسكندرية كنت على الهواء مباشرة في برنامج تليفزيونييوني كان يبث من قناة الكرمة الفضائية، كنت أتكلم إلى المخلوع مبارك ورجاله وقلت له: “يا ريس الكتاب المقدس يقول في إشعياء ١٩ إن رؤساء صوعن مشورتهم بهيمية، أي إن مشورة مشيريك الذين حولك مشورتهم التى أشاروا بها عليك بأن لا تصدر أي بيان أو تعليق أو مواساة للشعب المسيحي هي مشورة بهيمية وليست في مصلحتك، فلا تسمع لهم، واخرج وتكلم وطيب خاطر المسيحيين”. بعد دقائق من قولي هذه الكلمات وأنا مازلت على الهواء، قيل لي في إذني عن طريق غرفة التحكم بالفضائية إن الكرمة الفضائية استقبلت مكالمة تليفونية من إحدى الموظفات المسيحيات المعروفة لي ولكل من زار مكتب رئيس الطائفة الإنجيلية السابق من قبل، والتى أصبحت في يوم وليلة ولأسباب غير معروفة واحدة من نساء البلاط الجمهوري ولها اتصال مباشر بمبارك وابنه، إن هذه السيدة اتصلت وقالت قولوا لناجي إن الرئيس مبارك وابنه جمال يستمعون للحلقة اليوم وقولوا له خلي بالك، لأنهم يتابعون كل ما تقول”، قلت لمبلغي قول للمتصلة أن توصل لسيادة الرئيس وابنه أنني سعيد أنهم سمعوا ما قلته عنهم ولهم ولهذا قلته، فأنا أخاطبهم هم ورائع أن كلامي يصل إليهم في عقر دارهم، وقولي لهم إنه لم يخلق بعد من يوقف ناجي عن الكلام أو الكتابة وأن ناجي مصمم على رأيه بأن مشيريك يا سيادة الرئيس مشورتهم بهيمية وفقًا للكتاب المقدس وأن هذه المشورة البهيمية التى أقنعوك بها أن تتجاهل أمر المسيحيين في مصر وتفجير كنائسهم، ستكون هي القشة التى ستقصم ظهرك وظهر البعير وستحصد نتيجتها سريعًا، وقد كان ولم يعد هناك مبارك ولا جمال مبارك فيما بعد على كرسى الحكم في مصر إلى الأبد.
كسر روح الخوف
إن قصتي “أنا والسلطة” لا يمكن أن تسرد في كتاب واحد أو مجموعة كتب، فما ذكرته ليس إلا قطرة ماء في محيط تعج أمواجه، لكنني قررت أن أكتب مقتطفات قليلة منها للتاريخ وللأجيال الحالية والقادمة للدراسة والفهم وللاعتبار ولتشجيع إخوتي وأخواتي وأبنائي على طلب كسر روح الخوف من على أرواحهم، ليختبروا قوة وحماية وسلطان المسيح على حياتهم. أما حكاية “أنا والسلطة” فلم تنتهِ بعد ولست أظنها ستنتهي إلا بدخولي القبر وخروجي من العالم الحاضر الشرير ودخولي إلى حيث يكون المسيح، تبارك اسمه، لأنني سأكون معه إلى أبد الآبدين، استنادًا على وعده الصادق والأمين “حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا”، فهو من لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه ولا ينسخ كلمته، فإنه من أنزل الذكر ومن له حافظ. فله المجد إلى الأبد آمين.
اللهم أشكرك لأجل كل مرة تمتعني فيها بحمايتك، وكل مرة أعلنت لي ومن خلالي أنك أنت القدير العلي المتسلط في مملكة الناس، أشكرك لأن كل آلة تصور ضدي وضد شعبك أو كنيستك لن تنجح وكل لسان يقوم عليها في القضاء تحكم عليه. لك كل الشكر والتقدير والعرفان يا رحمان يا رب العالمين. آمين.