عندما غنى عبد الحليم حافظ أغنية “المسيح”

23

نشأت أبو الخير

في شهر مارس الماضي، مرت الذكرى الـ 47 لرحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، عن عمر يناهز الـ 48 عامًا، وفي هذا الشهر وعلى وجه التحديد يوم 21 يونيو تحل ذكرى ميلاده فقد وُلِدَ في 29 يونيو 1929 ورحل عن دنيانا يوم 30 مارس 1977. ولا أعرف لماذا كلما حلت ذكرى الميلاد وذكرى الرحيل تقفز إلى ذهني أغنية من أشهر أغانيه حينما غنى للمسيح أغنية “المسيح” والتي سأتوقف أمامها.

لقد كان هذا المطرب العظيم يمثل أيقونة لأبناء جيلي، ققد كان عبد الحليم حافظ حالة رومانسية خاصة شكلت وجدان جيل بأسره واستطاع أن يدغدغ مشاعرنا ويخترق قلوبنا. ورغم وجود كبار المطربين إلا أن حليم كان حالة خاصة متفردة حيث اجتذب الصغار والشباب والفتيات والكبار بأغانيه وأيضًا أفلامه، وأطلقت عليه الكثير من الألقاب منها مطرب الثورة، أيًا كان موقف البعض من ثورة 23 يوليو، ومطرب العروبة، وصاحب الحنجرة الذهبية، وقيثارة السماء، وأرق نغمة حب، وصاحب الإحساس الصادق، لكن كان أشهرها لقب العندليب الأسمر. وتعددت أغانيه العاطفية والرومانسية والوطنية وأيضًا بعض الادعية الدينىة، كما اجتذبت أفلامه كل فئات الشعب وخاصةً الشباب.

لقد استطاع هذا الشاب البسيط القادم من ريف مصر إلى أضواء القاهرة أن يتربع على عرش الغناء المصري والعربي بجدارة وبلا منافس بعد رحلة كفاح مريرة مليئة بالدموع والدم والعرق فأصبح أيقونة الغناء في مصر وأسطورة الغناء العربي وكان يغرد وحيدًا على قمة الغناء وما زال. إنه موهبة ربانية نماها بالدراسة والتعلم والصبر والكفاح، وهو فلتة من فلتات الزمان قل أن يجود الزمان بمثله فهو نادر التكرار ولو بعد مئات السنين. لقد تربع على عرش قلوب العرب قبل عرش الغناء العربي. لقبه البعض “سيناترا السويس” نسبةً للمطرب العالمي سينتاترا. إنه هذا الفتى اليافع الذي جاء من بيئة متواضعة بسيطة، وكان يتيمًا عاش طفولة حزينة وعانى كثيرًا من الحرمان ونهش المرض جسده الضئيل الضعيف (ودعوني وأنا أتحدث عن نجم النجوم ونجم الأغنية المصرية والعربية أقتبس بعض فقرات من مقال الأستاذة ليلي الراعي في الاهرام بعنوان “حليم.. وايامنا الحلوة”: لا أدري حقيقة سر هذا الارتباط الكبير بحليم: هل هي أغانيه الرومانسية التي يشدو بها بكل نبضة من نبضات قلبه أم أنها أفلامه التي تابعنا أحداثها وتأثرنا بها نفرح لفرحه ونبكي لحزنه  أم هي أغانيه الوطنية التي ألهب بها صدورنا حماسة وارتباطه بأفراح وأوجاع الوطن… وفي مقطع آخر تضيف: بدأ حياتة الفنية بداية متعثرة يلقى الرفض والتجاهل من الوسط الفني والجمهور على سواء ورغم كل هذه العقبات استطاع النجاح والصمود بخطوات ثابتة واثقة في درب الفن. ربما لهذه الاسباب نحب عبد الحليم فهو يمنحنا الأمل، يري كل واحد منا نفسه في قصة نجاحه هذه، أعطانا درسًا في الصمود والمواجهة والقدرة على النجاح والإبداع رغم كل المصاعب والعقبات. قدم نوعًا جديدًا من الفن في زمنه وبصورة مغايرة عن الفنانين الآخرين. كل هذه الأمور شجعت على فكرة تماهي شباب الطبقة الوسطى الصاعدة في تلك السنوات مع فنه وأسلوبه الجديد. انتهى الاقتباس)

وفي هذا السياق دعوني أتوقف أمام الأغنية التي غناها عن المسيح بكل مشاعره وأحاسيسه الصادقة والجياشة “أغنية المسيح”.

في العادة كانت أغاني عبد الحليم حافظ تُبث عبر أثير الإذاعة بعد عرضها الأول على خشبة المسرح، إلا أغنية “المسيح” للشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي، والتي لحَّنها الموسيقار المصري بليغ حمدي، إذ تم غناء هذه الأغنية للمرة الأولى في عام 1967 بقاعة «رويال ألبرت هول» في العاصمة البريطانية لندن، بحضور أكثر من 8 آلاف شخص. قال البعض إنه خص بها المسيح بغناها بكل إحساس صادق وخرجت كلماتها من قلبه لتصب في قلوب مستمعيه و وقال البعض الأخر إن من يسمع الكلمات يعرف أنها إسقاط سياسي، حيث تدعم أبناء الشعب الفلسطيني، في أرض القدس التي نزل بها المسيح.

لكن الأغنية مُنعت من البث عبر الإذاعات العربية، وقيل وقتها إن السبب هو تهديدات من أجهزة إسرائيلية للعندليب لمنعه من غناء ما يهاجم إسرائيل، خصوصاً أن النسخة الأصلية للأغنية غنى فيها عبدالحليم “صلبوه نفس اليهود”، ثم غناها في نسخة تالية “خانوه نفس اليهود”، وغالبًا تم تغيير كلمة “الصلب” إلى كلمة “الخيانة” بعد اعتراض علماء بالأزهر. ففي أصل القصيدة التي كتبها عبد الرحمن الأبنودي “صلبوه نفس اليهود” وتم تغييرها إلى “خانوه نفس اليهود”. عجبًا حتى في الغناء يتم التدخل.

وتقول أغنية “المسيح” التي غناها المطرب المصري عبد الحليم حافظ كلمات الشاعر الغنائي المصري عبد الرحمن الأبنودي والتي لحنها الموسيقار المصري بليغ حمدي:

يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها

وفتّحي عيون البشر للي حصل على أرضها

على أرضها طبع المسيح قدمه

على أرضها نزف المسيح ألمه

في القدس في طريق الآلام… وفي الخليل رنّت تراتيل الكنايس

في الخلا صبح الوجود إنجيل

تفضل تضيع فيك الحقوق لإمتى يا طريق الآلام

وينطفي النور في الضمير وتنطفي نجوم السلام

ولإمتي فيك يمشي جريح… ولإمتي فيك يفضل يصيح

مسيح ورا مسيح ورا مسيح على أرضها

تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب

دلوقت يا قدس ابنك زي المسيح غريب غريب

تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب

خانوه… خانوه نفس اليهود (في الأصل صلبوه… صلبوه نفس اليهود)

ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود…على أرضها

لم يكن إذن جيلنا فقط هو الذي أحب عبد الحليم حافظ وارتبط به وجدانيًا بل أيضًا أجيال أخرى جاءت بعدنا، وما زلنا بعد ما يقرب من نصف قرن من رحيله نردد أغانيه ونتابع أفلامه سواء الأبيض والأسود أو التي بالألوان والتي بدأت بفيلم “لحن الوفاء” إلى آخر فيلم “أبي فوق الشجرة”. وما زال حليم فوق القمة ونستعيد مع أفلامه أيامنا الحلوة أيام الزمن الجميل بعد أن اعترانا الآن زمن أغبر بكلمات رديئة جعلت الكل يتحسر على زمن مضى زمن جميل بناسه الجميلة. ورغم ذلك سيظل عبد الحليم حاضرًا ومتربعًا على عرش الغناء المصري والعربي وعلى قلوب عشاقه ومحبيه.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا