منذ أيام، استيقظ العالم أجمع على خبر حدوث الزلزال الهائل المُدمر الذي اجتاح مدن كثيرة من جنوب تركيا وبعض المدن من شمال سوريا، وأسفر عن تدمير العديد من المباني السكنية والمنشآت الحيوية في هاتين الدولتين، وترك وراءه عشرات الآلاف من القتلى والضحايا ومئات الآلاف من المصابين والمفقودين وملايين البشر من المهجَّرين والمشردين الذين فقدوا كل ما يملكون!
وكلما نظرنا إلى مشاهد الخراب والدمار عيوننا تدمع ونقول في دواخلنا: “كيف يحدث هذا في ثواني قليلة؟! فالحياة مقدارها بضع ثوان!” وبعد أن يسود الظلام ويأتي السكون نصرخ بصوت عالٍ ونقول: “هذه هي الطبيعة، وهذا هو غضبها!” فعلينا أن نحترس من الغضب الآتي. قد يكون غضبًا مُرعبًا.. غضبًا مُفزعًا .. غضبًا مُهلكًا، فالحياة تمضي وكل أحداثها تسير معها متوازية، ولكن ليس هذا هو أول الزلازل التي حدثت ولا هو آخر الزلازل التي ستحدث!
ولو عدنا إلى بداية الألفية الجديدة أو القرن الحادي والعشرين، فسنجد أن بلدانًا كثيرة من كل قارات العالم تعرضت إلى كوارث وأعاصير. ففي أمريكا الشمالية، تعرضت “هاييتي” البلد الصغير إلى زلزال مدمر رهيب وكان ضحاياه مئات الآلاف من البشر. وكان هناك تسونامي في اليابان والذي كان أشبه بالكارثة المُفزعة وخلفت آثاره دمارًا وخرابًا في كل أنحاء اليابان. وكان هناك إعصار كاترينا الذي دمر ساحل الخليج من شدة قوته في أمريكا، وأيضًا تسونامي في أندونيسيا وأحدث خسائر فادحة في البنية التحتية وخلَّف الآلاف من الضحايا والمصابين والمشردين. وكل عام تحدث زلازل وأعاصير وفيضانات وبراكين وانهيارات أرضية جميعها تتسبب في فقدان مئات الآلاف من البشر رجال ونساء وأطفال وتشريد ملايين الأشخاص في أنحاء العالم!
لذا، هل الله مسئول عن كل هذه الكوارث الطبيعية؟!.. أحيانًا نوجه له هذه الأسئلة.. لماذا؟!.. كيف يحدث هذا؟!….
لكن حاشا لله أن يفعل شيئًا يأتي بالضرر على الإنسان الذي خلقه وأحبه. وفي الحقيقة بالفعل الله له السيادة والسلطان على كل الكون ويتحكم في كل الخليقة بالكامل من كل أنواعها وأجناسها، ولكن هذا لا يعني أنه يتمادى في إيذاء البشر أجمعين، ولكنها قد تكون إنذارات ومواعظ وناقوس خطر تهدد وجودهم. فلننتبه من الغفلة والنوم العميق! ففي لحظة لا تظنون يأتي الهلاك بغتة، فانتبهوا أيها البشر!…
وبلا أدنى شك الله لديه القدرة والإرادة للتدخل في عالم الطبيعة، وقد حدث هذا قديمًا حين منع المطر أيامًا، وأرسل الضربات على شعب مصر، وشق الأرض فابتلعت بيت قورح الذي تمرد على موسى كليم الله، وأمطر نارًا وكبريتًا سدوم وعمورة، وأرسل الطوفان في أيام نوح وأهلك الطبيعة والحيوانات والبشر. ويعلِّمنا سفر التكوين أن العالم القديم كان عالمًا مثاليًا وحسنًا، ولكن بعد تمرد الإنسان ضد الله بالعصيان والخطية والإثم أصبح الموت هو الحقيقة الحتمية لمصيره وبالأحرى الانفصال عن معية ومحضر الله الذي منحه ووهبه الحياة..
فنحن نعيش فوق أرض عنيفة وقاسية ليست لديها رحمة أو شفقة، أرض مليئة بالشوك والحسك حيث تنفجر البراكين وتحدث الزلازل والعواصف الرعدية المدارية والحلزونية والبروق المفزعة والفيضانات التي تغطي مساحة كبيرة من الكرة الأرضية. كل هذا حدث والإنسان كما هو غافل مُستهتر لا يبالي بأن الحياة على الأرض حتمًا شاقة ولا شيء مضمون على سطحها، وبدلًا من الاستفسار عما إذا كان الله يعاقبنا بكل هذا العقاب حيث الآلام والأوجاع والأحزان يذهب بعيدًا ولا ينظر وراءه كأنه يعيش في كوكب آخر.
قد تكون الطبيعة غاضبة وقاسية على الإنسان وأفعاله من بغضة وكراهية وعنف وحروب وتمييز عنصري. كل هذا أدى بالإنسان إلى الجوع والمرض والتشرد، وبذلك استهان وغفل بقصد عن وصايا الله وأحكامه!
فلنستيقظ من النوم والغفلة لئلا تأخذنا الرياح إلى حيث ما لا نشتهي ولا نعرف إلى أين نحن راحلون، ولنعلم يقينًا أن الله هو المتحكم والمسيطر على كل المسكونة، وكل ما يحدث فيها يكون بإرادته وسلطانه وقدرته التي ليست لها حدود ولا نهاية… فانتبهوا أيها البشر واحذروا من الغضب الآتي لأنه سيكون مُرعبًا وصادمًا للكل!