سؤال: بماذا نفسر حالة عدم التفاعل السياسي الحقيقي بين رجال الفكر والسياسة والرموز الحزبية والنيابية والحكومية وأهل المجتمع المدني في بلادي فيما بينهم، وأيضًا فيما بينهم وبين مؤسسات الدولة وجهات اتخاذ القرار بمشاركة فاعلة وجادة بإعلان الرأي والانخراط في البحث والدراسة عبر آليات العمل الوطني والحزبي ونحن في مرحلة بناء وتصحيح أخطاء، وتوقيت تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض، ونعيش على جانب آخر حالة مواجهة تحديات داخلية وخارجية صعبة..
قد يجيب على سؤالي بعض القراء، بالقول: صحيح لدينا أكثر من 100 حزب لكن لا نعيش ممارسة حزبية بالشكل الذي نأمله سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا، ويجيب آخر: لو كان لدينا بحق نُخب سياسية ما كان تم تسليم ثورة 25 يناير وشبابها لرموز أهل التطرف والإرهاب للإجهاز على كل مكتسباتها، ولولا خيبة أملنا في تلك النخب ما اعتلى القتلة ورموز الإرهاب عرش البلاد لأول مرة في التاريخ ..
في زمن الاحتلال البريطاني وتحالفات القصر الملكي مع رموز الاستعمار، ومعاناة شعب يعيش قهرة سيطرة محتل ويحلم بالاستقلال، كنا نرى تلك الحالة من التفاعل الوطني بين أهل الأدب والسياسة والرموز الحزبية تتخذ تنويعات من المواقف عبر كل الوسائط الإعلامية والمنتديات الفكرية والسياسية والأدبية ..
وبمناسبة “الأدب” أستأذن القارئ العزيز لعرض جانب يسير من مقال أدبي سياسي للسياسي والأديب “عباس العقاد” كمثال طريف لحالة حوار سياسي، قد يكون فيه المثال على حالة التفاعل التي قصدتها في بداية المقال.. ويأتي المقال ردًا على طائفة من المقالات نشرها محمد نجيب الهلالي بجريدة “المصري” تحت عنوان “مخالب القط”، وأتى العقاد فنشر في الرد عليها مقالة بعنوان: “مطالب الشطط ومقالب الخطط” أو “جوانب العبط في مخالب القطط”، وهو مقال طويل نشره الدكتور عبد اللطيف حمزة في كتابه الشهير “أدب المقالة الصحفية في مصر” نكتفي منه بهذا القدر الضئيل، وأوله كما يلي :قالت الببغاء الخضراء وهي تكثر من الهراء، وتلتفت إلى الوراء (يعني بالببغاء هنا نجيب الهلالي): عندئذ ألقى عليهم الوزير الأكبر درسًا بل دروسًا في الرسم والهندسة والهيئة والفلك، فعلمهم أن الخط المنحني خير من الخط المستقيم، وأن الزاوية المنفرجة الكبرى أضيق من الزاوية الحادة أو الصغرى، وأن القطع خير من الوصل ..
قالت الببغاء: إن قول الحق لم يدع لي صديقًا، فهل تركتم من المقال طريقًا؟
قال الراوي: بل لعل الباطل -لا قول الحق- هو الذي جنبك الأصدقاء، وأكسبك عداوة الأعداء، وإليك حقيقة الأنباء يا صاحبتي الببغاء هي أنك حمقاء، وإن حسبوك من الأذكياء ، فقد كنت في وظيفة غير صغيرة، فأعرضت عنها لتصبحي وزيرة، وتلك حماقة منك أيتها الببغاء فيها من خلل الحساب ما فيها من قبح الرياء .
قالت الببغاء: أيها الراوي الذي هو للتاريخ حاوي، إن كان ما زعمت خللاً في حساب وقبيحًا من رياء، فلماذا رضي عني زعيم الزعماء، ودخلت من أجله في ذمرة الأولياء؟
…انتهى الاقتباس وبقى للقارئ حق الرفض أو القبول لما عُرض كمثال للتفاعل..
وعليه، وبمناسبة تفعيل آليات الحوار السياسي أتمنى أن تتناول موضوعات الحوار الوطني دعم آليات إنتاج الفكر العلمي والبحثي، وكيف السبيل لتكوين قاعدة علمية كان قد طالب بوجودها صاحب نوبل الدكتور العظيم الراحل أحمد زويل.. وقال أن هذه القاعدة العلمية بمؤسساتها يجب أن تعمل بعيدًا عن البيروقراطية، وأن يوفر للعاملين بها والدارسين في معاهدها الأجواء والمناخات الملائمة للبحث والإبداع، وأن هناك قناعة بأهمية ودور العلم والتكنولوجيا في بناء وتطوير المجتمع. وقد حان الوقت لأن يسهم المواطن من جديد في تقدم البشرية والإنسانية..
عقب ثورة 30 يونيو وتولي الفريق عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، وتحديدًا في شهر سبتمبر 2014، أكد في تصريح بديع حول دور العلم في حياتنا “إن العلم هوالحياة بأسمى معانيها، والشمس التي تشرق دومًا ومن كل الجهات، أما الجهل فهو ظلام الحياة الدامس، والفكر المنغلق الذي يرفض التطور والتقدم، وهو عدو الحياة ولعنتها الكبيرة، فالجهل لا يكون في شيءٍ إلا شانه، أما العلم فلا يكون في شيءٍ إلا زانه، وشتان ما بين العلم والجهل، أحدهما يدٌ تبني، والأخرى تهدم، فالعلم يبني الأمم والعقول والدول، أما الجهل فإنه يهدم كل جميل، بل إنه ينسف جميع أسس الحياة الجميلة لتصبح غارقةً في التخلف…”
نعم سيدي الرئيس “العلم نور والجهل ظلام” عبارة كانت تتردد في زماننا على ألسنة أساتذة اللغة العربية كمفتتح لموضوعات التعبير، وكانت بنصها عبارة مدونة على الغلاف الأخير لكراسات التلامذة من باب التنوير والتحفيز للمزيد من الانتماء والولاء للمدرسة والتعليم وحب دراسة كل العلوم ..
ولكن -للأسف- هناك حالة تراجع إعلامي غريب ومحبط في هذا السياق ــ فقد اختفت المتابعات الإعلامية لأخبار العلم والعلماء والاختراعات ومتابعات لإنجازات المراكز البحثية والعلمية ونشر المقالات التي يحررها أهل العلم والبحث العلمي، وتم رفعها في الزمن المباركي من صفحات الجرائد والمجلات الحكومية والخاصة، وإلغاء البرامج العلمية التي تحصن وتدعم الوعي العلمي.