مما لا يترك مجالًا للشك أن الحملة الفيسبوكية، والإذاعية، والتليفزيونية، المنبعثة والحادثة في مصر، والتي امتد صداها وتأثيرها إلى كثير من الدول العربية ضد الأب الموقر زكريا بطرس هي حملة روحية شيطانية في المقام الأول، كما أراها أنا ويراها الكثير من الفاهمين روحيًا، الذين يستطيعون أن يروا ما هو أبعد وأعمق مما يشاهدونه بعيونهم أو يسمعونه بآذانهم التي وضعها المولى في رؤوسهم، من صيحات واتهامات وتحليلات في الصحف والجرائد والمجلات والإذاعات والتليفزيونات، وذلك فيما يختص بالضجة المفتعلة الكاذبة ضد أحد تسجيلاته التي سجَّلها منذ أكثر من عشرة سنوات، والتي أثق، بل وأنا على يقين، أن الغالبية العظمى ممن يدلون بدلوهم في هذا الأمر حتى من الصحافيين والمذيعين لم يشاهدوها، ولا يعرفون ما الذي سجَّله أو أذاعه الأب زكريا يومها والذي تسبب في كل هذا الهيجان والفوران الإسلامي الفيسبوكي.
وفي بداية مقالي هذا، أريد أن أوضح عدة نقاط أرى أنه لا بد من توضيحها:
١- هذا المقال ليس للدفاع عن الأب زكريا، لا لتبرئته ولا لإدانته على ما نُسب إليه أو ما قاله بالفعل، ولا حتى محاولة مني لتهدئة الأجواء الملتهبة حول هذا الموضوع الخطير. ففي رأيي الخاص أن الأب زكريا لا يحتاج لمن يدافع عنه لأن لديه منبره الذي يستخدمه ليقول به ما يحلو له، وأنا لستُ في مكان الناقض لما قاله، أو القاضي المكلف منه أو من الناس لأتناول قضيته بالفحص أو الحكم فيها، وما أنا إلا بصحافي مُطَالَب أمام الله وأمام قرائي الأعزاء بأن أكتب لهم ما يمليه عليّ ضميري وقناعاتي ودراستي وتحليلي للأمور الحادثة حولي، لإعلامهم وتبصيرهم بما أراه أنا، على الأقل من وجهة نظري، لفائدتهم ومصلحة الجميع مسيحيين ومسلمين.
٢- أنا أرفض رفضًا باتًا الإساءة إلى أي دين، أو مجرد شخص عادي ينتمي لأي دين أو ملة، وبالأحرى إلى أي رسول لأي دين يؤمن أتباع هذا الدين أو ذاك بأنه رسول من عند الله، حتى لو لم أكن أنا مؤمنًا من الأصل بأنه دين أو بأن رسول هذا الدين أو ذاك هو حقًا رسول الله . فإيماني من عدمه بأي دين أو رسول لدين لن يؤثر سلبًا أو إيجابًا في هذا الدين أو ذاك، وأيضًا لا يحل لي إيماني من عدمه الإساءة له بأي شكل من الأشكال، ولأي سبب من الأسباب، فالإساءة لشخص ما، كما علَّمنا كتابنا المقدس العظيم، هي خطية ضد المُسَاء إليه، وضد المولى تبارك وتعالى، وضد الشخص المسيء نفسه، بشرط أن يكون مفهوم وتعريف الإساءة هو التعريف الصحيح، وفقًا لما دوَّنه العلي سبحانه في كتابه الوحيد، التوراة والإنجيل، كما نؤمن نحن المسيحيون جميعًا.
ولتوضيح هذه النقطة المحورية بالذات، على سبيل المثال، فقد علَّمنا كتاب الكتب على فم سيد الأرض والسماء، المسيح يسوع تبارك اسمه، في موعظة الجبل، المفهوم الصحيح للإساءة وهو “الشتيمة أو التحقير من شـأن شخص ما”، بوصفه مثلًا بأنه غبي، بمعنى أنه صاحب رأس فارغ من كل ما هو مفيد ونافع له وللآخرين، أو بوصف شخص ما بأنه أحمق وجاهل. قال المسيح تبارك اسمه في موعظته على الجبل: “قد سمعتم أنه قيل للقدماء، لا تقتل ومَن قتل يكون مستوجب الحكم، وأما أنا فأقول لكم، إن كل مَن يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم ومَن قال لأخيه: رقا (أي يا غبي أو يا صاحب الرأس الفارغ) يكون مستوجب المجمع، ومَن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم.”
٣- أنا أرفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله وخاصةً الإرهاب الديني، سواء أكان منبعه حكومة أو أفرادًا أو جماعات دينية متطرفة أو مسالمة. أرفض ذلك الإرهاب الذي يحرِّم، بالقوة والعنف، على الناس التفكير فيما يسمعونه أو يقرأونه وما يُلقى في آذانهم وعيونهم وعقولهم من خبيث القول كذبًا، لتحريضهم على كراهية الآخر وعلى قتل وتهديد وإرهاب وتنفيذ ما تلقنوه منذ نعومة أظفارهم دون فهم أو فحص، مثل “اعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”، أو مَن تعتبرونه أو تظنونه عدو الله وعدوكم، وأن يدافعوا ضد ما يفهمون أو ما يقتنعون بأنه إساءة لتعاليم دينهم أو نبيهم وإقناعهم بالدفاع عنه بأيديهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
ولعل ما جعلني أجزم أن الحملة ضد الأب زكريا هي حملة شيطانية روحية لها علاقة مباشرةً بروح رابعة العدوية الصوفية الشيطانية ما يلي:
أ – سواء فهمنا أو لم نفهم، قبلنا أو لم نقبل، اقتنعنا أو لم نقتنع، فإننا نعيش في عالم روحي، وكل ما نراه أو نلمسه أو نشمه أو نسمعه، وفقًا لتعاليم كتاب الله، الكتاب المقدس، ما هو إلا أفعال أو ردود أفعال لمكونات هذا العالم الروحي. فوفقًا لما دونه القادر القدير في كتابه الوحيد، التوراة والإنجيل، يقول سبحانه وبحصر اللفظ إن الله روح، والملائكة الخادمة له أرواح، والإنسان روح تسكن في جسد، والشياطين أرواح ساقطة.
وهناك عدة أرواح ذكرها المولى تبارك اسمه في كتابه، التوراة والإنجيل، تعمل مجتمعةً أو منفردةً حتى تغوي وتضل وتقتل وتخيف وتخدر الناس بنوم عميق، وقد تم ذكرها بأسمائها وصفاتها في الكتاب كروح الغي، وروح الضلال، وروح القتل، وروح الخوف، وروح الفشل، وروح السبات أو النوم العميق. وتعمل هذه الأرواح الشريرة تحت إمرة قائدها الشيطان الأكبر الذي هو روح ضد المسيح. وواضح كل الوضوح أنه كلما اقتربنا من نهاية العالم، ومجيء المسيح لاختطاف المؤمنين به مخلصًا وفاديًا وربًا وسيدًا، كما نؤمن نحن المسيحيين جميعًا، بغض النظر عن اختلاف طوائفنا وعقائدنا، اقتربت النهاية، وكثَّف هذا الروح الشرير عمله وحربه ضد القديسين في المسيح، الذين كتبت أسماؤهم في سفر الحياة، الذين هم في حياتهم زاهدون، ولأبديتهم في الآخرة ضامنون، مَن هم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فيحاول الشرير إن أمكن أن يقهرهم وأن يضل المختارين المعيَّنين منهم للنعيم الأبدي، إن استطاع إلى ذلك سبيلًا. وحيث إنه لم ولن يستطيع أن يحقق أمنيته الشريرة هذه، فهو يستعيض عنها بأن يضطهدهم ويسبب لهم ولمن حولهم أذىً كثيرًا. وواضح أيضًا كل الوضوح أن روح ضد المسيح هذا يطل برأسه على القديسين من حين للآخر مكثِّفًا نشاطه، في هذه الأيام بالذات، ضد قادة العمل المسيحي العربي وعلى رأسهم الأب زكريا بطرس.
ب ـ الدليل الثاني على أن ما حادث في هذه الثورة ضد الأب زكريا هو من صنع روح رابعة العدوية هو أن مَن قامت بوضع البوست المثير على الفيسبوك والذين نشروه ونفخوا فيه ليصل للعالم الإسلامي كله هم ممن كانوا ولا يزالون من العناصر الفعالة في اعتصام الإخوان المسلمين في رابعة العدوية، والذين حاولوا تدمير مصر من تلك البقعة الآثمة.
ج ـ أما الدليل الثالث على ارتباط روح رابعة العدوية الصوفية بهذا البوست اللئيم فهو أن روح رابعة العدوية حاولت جر القمص زكريا للحضور والتحدث والوعظ في اجتماع في إحدى كنائس كاليفورنيا، كان المنشد فيه هو المنشد الصوفي المصري الذي يؤمن أن المسيح كان صوفيًا وأيوب كان صوفيًا ويوحنا الحبيب كان صوفيًا، ولذا فقد أطلق على نفسه اسم “المنشد الصوفي” وكتبه تعريفًا له تحت صورته في الفيسبوك لفترة من الزمان. ولولا عناية الله وحفظه لكثير من المؤمنين من العثرة وفقدان الثقة في الآباء والمعلِّمين كبار السن والخبرة والمقام، لكان الأب زكريا بطرس، والذي اعتذر عن حضور الاجتماع والتحدث فيه بعد أن هاجت الدنيا ضده على الفيسبوك، لكان قد انزلق في غلطة عمره التي ما كنا نقبلها منه أبدًا مهما كانت مبرراته لحدوثها.
ولا شك أن خير دليل على ما أسلفتُ هو السؤال التالي: لماذا الآن وفي هذا التوقيت بالذات؟ فالقمص زكريا بطرس يقول ما يقوله عن الإسلام وتعاليمه ورسوله منذ ١٦ سنة وحتى اليوم، فلماذا تثار الآن ضجة حول ما يقوله وما يعلِّم به، ويبثه على قناته الفضائية، ويدلل عليه من تعاليم ومعتقدات وكتب إسلامية، ويتحدى بكل وضوح وصراحة علماء المسلمين أن يردوا عليه، أو أن يناظروه، وأن يقابلوا حجته وتعاليمه بالحجة والتعليم المضاد، وأن يدحضوا ما يقوله إن كانوا بقادرين، ولم يخرج أو يتصدى له أحد مبارزًا إياه، لا بالسيف والخنجر والرصاصة، فهذه وسائل الضعفاء المغيبين والشياطين، بل بسلاح العلم والمنطق والحجة والحقائق؟ وإن استطاع هذا المبارز أن يرديه قتيلًا في معركة العلم والمنطق، ويسكت صوته، لكنا قد خلصنا جميعًا منه، واسترحنا من وجع الدماغ والتوتر والقلق والمعاناة التي نعانيها كمسيحيين نتيجة لردود فعل المسلمين العنيفة، واستخدامهم حتى للقوة والأسلحة للتعبير عن استيائهم منه ومنا كمسيحيين جميعًا، فهذا ما يسببه لنا الأب زكريا بطرس نتيجة تعاليمه وما يذيعه على فضائيته، ولكان اليوم غير موجود على ساحة المبارزة. وإن كان قد أصر على الوجود على الساحة رغم هزيمته، لكان الجميع، وأولهم أنا، قد اعتبروه في عداد المهزومين غير الصادقين وغير القادرين على مبارزة الخصوم، وسببًا في إثارة الفتن والقلاقل. أما أن أحدًا لم يستطع أن يغلبه في معارك العلم والتنوير والمعرفة، ومع ذلك فهم يطالبونه بالسكوت والانسحاب من أرض المعركة، فهذا ما يمكن تعريفه بالإرهاب الفكري والديني المرفوض من كل عقل وضمير ودين.
ولعل أول ما يحتاجه الإنسان هو الوصول إلى تعريفات سليمة للألفاظ والمعاني للكلمات المستخدمة في أي حديث أو موضوع، وخاصةً إذا كانت هذه الكلمات المراد معرفة معانيها وتعريفاتها السليمة تتعلق بالدين، أو برسل هذا الدين وأنبيائه، أو بعلاقة أصحاب الأديان بعضهم مع بعض، فتعريف كلمات مثل “ازدراء” أو “إهانة” أو “تحقير” أو “سب” وغيرها أمر ضروري جدًا في هذا المقام، ويتوقف عليه مدى صحة علاقات الناس والأديان بعضها مع بعض، ومدى مشروعية الأفعال وردود الأفعال المترتبة على تفسيرها ممن يفسرونها بالحق أو على هواهم، وخاصةً إذا كانت هذه الأفعال وردود الأفعال هي أعمال عنف وقتل وتكسير للمحال والمصالح وإيذاء لخلق الله المسالمين ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الأمر كله.
وكمثال على ما أسلفتُ، فإنه لا يُعتبر من الإساءة في شيء لا للإسلام أو لنبيه، ولا يجب أن يجرح مشاعر الأحباء المسلمين، إذا قال أحدهم، سواء أكان القمص زكريا أو غيره، إن نبي الإسلام قد تزوج من عدة نساء في نفس الوقت، والسبب بسيط، فهذه هي الحقيقة الواقعة والموثَّقة في تاريخ الإسلام، وهو أنه بالفعل تزوج منهن، بغض النظر عن تبرير الدين الإسلامي لهذا الزواج من عدمه. وسواء قبلتُ أنا كمسيحي هذا التفسير أم لا، وسواء كنتُ، ليس فقط كمسيحي، بل كمسلم، مقتنعًا بهذا التبرير أم لا، فكم وكم إذا كنتُ مسيحيًا أمرني إلهي في كتابه، التوراة والإنجيل، ألا أتزوج إلا مرة واحدة، من امرأة واحدة في نفس الوقت، وحرَّم عليّ الطلاق إلا لأسباب محددة وواضحة ومنصوص عليها في كتابه الكريم، وما زاد على ذلك فهو من الشيطان.
وكمثال آخر، إذا كان ديني وكتابي المقدس كمسيحي وتعاليم الإسلام نفسها، سواء أكنتُ أؤمن أنها من عند الله أم من عند غير الله، تقول إن كل إنسان قد نخسه الشيطان عند مولده إلا المسيح وأمه، وإذا نصَّ كتابي على أن المسيح لم يتزوج، ولم يعمل خطية ولم يكن في فمه غش، حيث إنه سأل تبارك اسمه سامعيه: “من منكم يبكتني على خطية” فلم يستطع أحد أن يذكر له خطية واحدة، ثم يأتي داعية إسلامي، رفعته الحكومة المصرية إلى أقصى درجات الرفعة الدينية لأسبابها الخاصة، يأتي بخبث ومكر واحتقار لتعاليم الإنجيل، وإهانة لمشاعر المسيحيين، ويقدم برنامجًا لتفسير القرآن في التليفزيون المصري، الممول من أموال دافعي الضرائب المسيحيين والمسلمين، ويشكك سامعيه ويتهمه، تبارك اسمه، علنيًا وبألفاظ وعبارات واضحة، يتهم المسيح بسوء الخلق وبأنه، تبارك اسمه، دخل بخمس عذارى إلى البيت، وأُغلِق الباب، حسب نص الإنجيل في المثل المعروف بمثل العذارى الحكيمات والجاهلات، والذي قاله السيد المسيح نفسه، ليعلِّم الناس أن يسهروا في حالة من الاستعداد لمجيء المولى لمحاسبة البشر على أعمالهم الشريرة وليحذِّرهم من حالة النوم الروحي، لأن المسيح سيأتي ثانيةً ولا بد أن يكون المؤمنون به في حالة يقظة وعفة وطهارة واستعداد للقائه، والتمتع بسمائه، والدخول معه إلى نعيم أعده المولى للمتقين، وقد شُبِهَت الكنيسة كلها بأنها عذراء عفيفة مزيَّنة لرجلها أي المسيح يسوع تبارك اسمه. كل هذه القرائن والآيات والتعاليم السامية، لم يعرف عنها الداعية والشيخ الإسلامي أي شيء، لذا فأفرز ذهنه الغبي والنجس، وهذه ليست شتيمة أو إساءة له، إنما وصف كتابي ورد عن أمثاله في الكتاب المقدس ممن يتكلمون ويعلمون بأشياء كتابية مسيحية وهم لا يعرفون عنها وعن قدسيتها شيئًا، يأتي هذا الداعية ويطلب من مشاهديه أن يتخيلوا ماذا يمكن أن يكون المسيح قد فعل بهؤلاء العذارى عندما أُغلِق عليهن الباب. أليس هذا سؤالًا جنسيًا نجسًا لئيمًا، يحوِّل انتباه بعض السامعين المغيبين الجالسين أمامه، فيبلعون ما يقوله لهم، دون تفكير، وخاصةً أولئك الذين لا يرون ولا يعرفون أن هناك أية أهمية وقيمة ومكانة للمرأة في الإنجيل، ولا يهمهم منها سوى نصفها الأسفل، وأنها خُلقت من ضلع أعوج وأنها ناقصة عقل ودين؟
فعندها لا يكون هناك مجال للشك أو اللبس في أن ما قاله هذا الداعية هو ازدراء بالمسيح وبكتابه ودينه وإهانة للمسيحيين والمسلمين جميعًا، الفاهمين من هو المسيح، والعارفين أنه ما من إنسان أو نبي عاش حياة طاهرة على الأرض سواه، وأن كل منهم احتاج لمن يغفر له ذنبه ويرفع عنه وزره الذي انقض ظهره.
وعليه، فلا بد من التشخيص السليم لحالة كهذه التي نحن بصددها، ولما قاله الأب زكريا بطرس في الڤيديو الذي أهاج الدنيا وأقامها ولم يقعدها، ولا بد من دراسة ما قاله ومعرفة إلى أي قسم من الحديث ينتمي ما جاء بالڤيديو؛ هل ينتمي إلى قسم الاستفسار ومحاولة فهم ما تحدث عنه؟ أم أنه ينتمي إلى قسم التهكم والإهانة لنبي الإسلام؟ أم إلى قسم تحفيز الناس على التفكير فيما يقرأون وما يسمعون؟ إلى آخره من أقسام كثيرة. وعندها فقط نستطيع أن نعرف العلاج الصحيح لمثل هذه الأحداث والأقوال والڤيديوهات والتعاليم، مسيحية كانت أم إسلامية. ولابد من اتفاقنا، مسيحيين ومسلمين، على عدة نقاط للوصول للتشخيص السليم وبالتالي للعلاج الجذري الناجح للأمور. ومن تلك النقاط على سبيل المثال لا الحصر:
أ – لابد من وجود رجال، أو قل علماء، حكماء، يفهمون في الدراسات المسيحية والإسلامية ومشهود لهم من الطرفين المسيحي والإسلامي ليحكموا في مثل هذه الأقوال والبرامج والڤيديوهات والمواد الدراسية التي تلقَن للصغار والكبار في الكتاتيب والمدارس والمعاهد الأزهرية والحكومية والجوامع والكنائس، فلا هي تنفعهم في الدنيا ولا هي تقيهم عذاب القبر والنار بل تزج بهم في جهنم في الآخرة.
ب ـ لا بد لهؤلاء العلماء الحكماء أن يضعوا لنا تعريفات لكلمات مثل “إساءة” و”ازدراء”، وأن يضربوا لنا الأمثلة على ما يُعتبر إساءة وما لا يُعتبر إساءة، وأن يوضحوا هل يُعتبر الاستفسار والسؤال عن تعاليم أو ممارسات دينية في دين الآخر، والتي هي غير مقبولة لبعض العقول الإنسانية المعاصرة، إساءة أم مجرد استفسار، وما هي الحدود والفواصل بين ما يُعتبر إساءة وما يُعتبر استفسارًا، وهل يختلف تفسير وتعريف كلمة “الإساءة” والإقرار بأنها إساءة من عدمه إذا ما اختلفت نوعية أو ديانة السائل أو المسيء، أم أن الإساءة هي إساءة بغض النظر عن دين ونوع وخلفية وجنسية قائلها. فماذا لو قلتُ في برنامج إذاعي أو تلفيزيوني مصري إن كل ما قيل في سورة مريم وغيرها عن ميلاد يسوع عيسى المسيح ليس صحيحًا على الإطلاق، فهو سبحانه لم يولد تحت نخلة حتى تهز العذراء بجزعها فيتساقط لها رطبًا جنيا، بل وُلِد تبارك اسمه في مزود أغنام إذ لم يكن له مكان في منزل، وما كان هناك حول أمه المطوبة مَن جاءوا ليقرعونها ويقولوا لها: “ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا” لأنها من وجهة نظرهم كانت قد جاءت شيئًا فريًا؟ وماذا لو قلتُ إن المسيح لم يتكلم في المهد صبيًا، وما كان ممكنًا أن يتكلم في المهد صبيًا، ليس لصغر سنه بل لكونه طفلًا طبيعي كاملًا، كأي طفل آخر، كان ينمو بصورة طبيعية إنسانية في القامة والحكمة عند الله والناس، لأنه إن لم يكن هكذا فما كان يمكن أن يشابهنا في كل شيء سوى الخطية وما كان يصلح لفدائنا، لذا فهو لم يقل: “إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا”؟ وماذا لو قلتُ إن اليهود صلبوه وقتلوه ولم يُشبَّه لهم؟ هل يُعتبر كل ما تقدم إساءة للقرآن والأحاديث والدين الإسلامي الذي جاء بعكس ما أنزله المولى في كتبه، التوراة والإنجيل/ أم لا؟
ج ـ لا بد لهؤلاء الحكماء الواردة صفاتهم عاليه أن تكون لهم القدرة على محاكمة أفكار وأشخاص الخارجين عن الدين والعُرف والآداب العامة بهدف الحفاظ على سلامة وأمن المواطن العادي.
د ـ لا بد أن يزن هؤلاء الحكماء بميزان واحد لكل الأمور ولكل الأشخاص غير متأثرين بمقولات وأحكام سابقة وقناعات لا أساس لها من الصحة، كمقولة ”إن الإسلام هو الدين الأفضل“ أو ”المسيحيون هم الضالون“ الذين يشكوهم المسلمون إلى الله عشرات المرات في اليوم الواحد واصفين إياهم بالضالين، ويطلبون منه سبحانه كمسلمين أن يهديهم الصراط المستقيم، ”صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين“.
هـ – لا بد لجماعة العلماء أن تدرك وتعترف أن هناك أمراضًا مجتمعية ودينية خطيرة ومميتة ومُعدية وصعبة التشخيص، بل وربما مستحيلة العلاج بين المسيحيين والمسلمين العرب إن لم يتغمدنا الله برحمته.
و ـ لا بد لجماعة العلماء المتخصصين هذه، بعد اكتشاف ودراسة الأمراض الدينية والمجتمعية، أن تعالج المرض من جذوره ولا تعالج فقط أعراض المرض، فمعالجة العرض لا المرض كما نفعل نحن جميعًا في معظم الأوقات عند التعرض لأي مرض مجتمعي أو ديني لن تشفي المجتمع والناس من هذا المرض، بل ستزيده سوءًا وخطورةً، وسيصبح علاج مثل هذا المرض أو ذاك مستحيلًا كما هو الحال اليوم بين المسلمين والمسيحيين، حتى لو أنكر ذلك رجال الدين من الطرفين. فعلاج الأمراض لا يكون بإخفاء الحقائق واستخدام المسكنات والقبلات واللقاءات والهتافات “عاش الصليب مع الهلال”، فما كان هناك يومًا واحدًا عاش فيه الصليب مع الهلال في كل تاريخ مصر منذ الفتح الإسلامي لها وإلى الآن، ولا حتى في ثورة ١٩١٩، حين أطلق فيه سيرجيوس الكاهن هذا النداء، بل ما كان هذا الشعار ليدل إلا على مدى ما وصل إليه المسئولون الكنسيون والمسيحيون جميعًا من جبن وخوف من المسلمين وتملق ومداهنة لهم.
إن أعجب ما حدث في أمر ڤيديو الأب زكريا الذي أهاج الدنيا ضده وضد المسيحيين عمومًا وخاصةً ضد الأقباط الأرثوذكس منهم هو ردود أفعال المسلمين والمسيحيين، وهو يشابه، مع الفارق في التشبيه، أولئك الذين كانوا يسيرون في درب الصليب، يوم أن كان المسيح يحمل صليبه ذاهبًا في طريق الآلام ليصلب. ومع أنني لا أشبِّه المسيح بأي إنسان على الأرض مهما كانت عظمته وخدمته وعطائه للبشرية، إلا أن نوعيات البشر التي كانت تسير بجوار المسيح مخلص العالم كانت تضم عدة مجموعات:
أ – أناس كانوا يبكون على ما لا يعلمون، يظنون أن بكاءهم وعويلهم سيبينان مشاعرهم للسيد وتعاطفهم معه وتأييدهم له، وهم لا يعلمون أن طريق الآلام الذي اختار السيد أن يسير فيه بمحض إرادته كان بسبب محبته لهم واهتمامه بخلاص نفوسهم واعتبار ذلك سرورًا لنفسه، فمن أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي.
ب – أناس كانوا يهتفون “اصلبه اصلبه” وهم لا يعلمون لماذا يُصلب، وأي ذنب ارتكب لكي يُصلب؛ هل لأنه وبخ الكتبة والفريسيين من كتبهم وكشف لهم ضلالهم وشرهم من كتبهم، لذا أصبح يستحق أن يُصلب ويُهدر دمه؟
ج – أناس لهم مصالح يدافعون عنها ويخشون ويخافون على مصالحهم من ردود أفعالهم وشرهم وعدوانهم عليهم وتكسير محالهم وحرق كنائسهم وإفساد خططهم البشرية.
د ـ أناس كل ما يهمهم هو مجاملتهم مجاملة لأصدقائهم ولرجال ونساء يختلفون عنهم ومعهم في الدين والعقيدة ويغالون في مدحهم وعلاقاتهم الأخوية الحميمة وهم يعلمون أن هؤلاء الأصدقاء يبتغون أن يعيشوا وهم الأعلون وأن يحتفظوا بهم كمسيحيين دافعين للجزية عن يد وهم صاغرون.ٍ
هـ – أما أغرب الكل فهم أناس يتقمصون دور البطولة في مثل هذه المناسبات ويتكلمون باسم الطائفة الأرثوذكسية التابع لها الأب زكريا بطرس، فحتى لو كان المسئولون عن طائفته يحاولون التملص والتخلص منه بإصدارهم البيانات والمنشورات وبقولهم إنه غير تابع الآن لطائفتنا، فقد سوَّى معاشه وأحيل على المعاش، أو أنه قد قدم استقالته من الكهنوت والكنيسة وقبلت استقالته، أو أنه لا سلطان للكنيسة الأرثوذكسية عليه لأنه في أمريكا، وكلها حجج واهية كاذبة تدل على جبن المسئولين عنه، حتى لو كانت لسبب وجيه وهو محاولة تهدئة الأجواء وتجنب عنف المتطرفين وغيرها من الأسباب، لكنها في النهاية أسباب كاذبة غير صادقة، وأنا لستُ مقتنعًا بها جميعها، فهذه كلها مقولات وحلول بشرية إنسانية نابعة عن روح الخوف المسيطر على المسئولين عن كل الكنائس في مصر والبلاد الإسلامية. ولذا طل علينا أيضًا مَن لا ذكر لهم في عالم الكنيسة، ولا علاقة لهم بها، ولا يحملون رتبة كنسية أرثوذكسية أو غيرها؛ طل علينا منهم مَن سجل ويسجِّل برامج ومقابلات تقوم بدور المحاور بها شخصيات من النساء يبدو أنهن لم يمارسن في حياتهن سوى الوقوف في المطبخ وفشلن في إعداد وجبة غذائية فاتجهن إلى إجراء الأحاديث الصحفية. وهو يتكلم وكأنه المتحدث الرسمي باسم الطائفة الأرثوذكسية، فيكرر كثيرًا “كنيستنا الأرثوذكسية”، وهو يظن في نفسه ويتصرف وكأنه صحافي معروف ومؤثر في عالم الصحافة، وهو في الحقيقة مجهول الهوية والمهنة حتى لأغلب عائلته الذين منهم مَن يصلون لله حتى يرزقه بعمل يأكل منه عيش.
فيا خلق الله جميعًا، أيها الناس، ألا أدلكم على طريق ينفعكم في الدنيا ويصلح من أبديتكم في الآخرة؟ أفيقوا ولا تعيشوا في أحلامكم وأوهامكم، وادرسوا التوراة والإنجيل والقرآن وقارنوا وافهموا ما تقرأون، واطلبوا من المُنَزِّل الحقيقي للوحي أن يدلكم هو سبحانه على ما تصدقون وما لا تصدقون، وما يتحتم عليكم أن تؤمنون به وما ينبغي عليكم أن ترفضوه مما تقرأونه إن كنتم فاهمين. ففي الآخرة، لن يحاسبكم الله على ما هو مدوَّن لكم في كتب كثيرة بل هو اله واحد لا شريك له، وكتاب واحد لا شريك له، ومصير أبدي واحد لا شريك له. لا تتغافلوا وتتعاموا عن فحص الكتب والتعاليم وما بها، والبحث عن مصدرها ومصدر ما كُتب بها، ومدى مصداقيتها أو كذبها، ولا تنشغلوا بالتركيز على قائلها أو مفسرها أو مرددها من البشر الذين حولكم حتى لو كان عالمًا من العلماء. افحصوا أنتم الكتب واتركوا مفسريها وعقابهم أو مكافأتهم لإلههم فهو الذي سيحاسب الخلق في آخرتهم على ما فعلوا في دنياهم، خيرًا كان أم شرًا.
اللهم أنر عقولنا بكلمتك، ونظِّف قلوبنا بمحبتك، وافتح عيوننا برحمتك، واهدنا الصراط المستقيم لسمائك بنعمتك، اللهم لا تسلمنا لأهوائنا، ولا تولِ علينا سفهاءنا، وحكِّمنا وعلِّمنا وأرشدنا إلى ما فيه خيرنا، إنك أنت إلهنا وربنا.