ما من شك أن واحدة من أسوأ الطرق في علاج المرضى هي طريقة معالجة الأعراض والعلامات التي تظهر على الإنسان عند إصابته بمرض ما، دون التأكد من نوع المرض، والمسبب الحقيقي له، ودون معالجته بطرق أو مواد طبية ثبت بالدليل العلمي القاطع نجاحها في معالجة مثل هذا المرض أو ذاك.
وقد يتعجب المرء ويندهش عند معرفته أن نسبة ليست بقليلة من الأطباء، على اختلاف تخصصاتهم، يقومون بعلاج مرضاهم بطريقة “معالجة العَرض لا المرض”.
والحقيقة إنه ليس الأطباء فقط هم الذين يستخدمون هذه الطريقة العقيمة في العلاج، بل الغالبية الساحقة من الناس جميعًا، يستخدمونها في محاولة معالجة مشكلاتهم وعلاقاتهم وكل ما يصادفونه في حياتهم من صروف الزمان، ولا يستثنى من هذا، لا قادة الكنائس وقسوسها ورتبها الكنسية على اختلافها، ولا كل من هم في منصب كقادة البلاد المختلفة، والساسة، وكبار رجال الأمن وغيرهم.
كانت أول مرة أسمع وأرى وأدرك فيها أن بعض الزملاء الأعزاء من الأطباء على اختلاف تخصصاتهم يستخدمون طريقة “معالجة العَرض لا المرض” عندما بدأت العمل بأول عياداتي الخاصة لطب الأسنان، كان ذلك بعد حصولي على بكالوريوس طب وجراحة الفم والأسنان جامعة القاهرة بثلاثة شهور، أي وأنا طالب في سنة الامتياز. كانت عيادتي الأولى في حي شعبي فقير، بالرغم من وجود عدد من المليونيرات في هذا الحي، بسبب طبيعة عملهم، والتي لا داعي لذكرها بهذا المقال حفاظًا على خصوصية أصحابها. على الجانب الآخر من الشارع أمام عيادتي تمامًا كانت هناك عيادة أحد أصدقائي الأطباء البشريين وكان هو لديَّ من المقربين. كان صديقي الطبيب هذا على وشك إنهاء سنة الامتياز أيضًا، وقد ذاع صيته بأنه “أشطر” أطباء النساء والولادة بالمنطقة، والذي يستطيع أن يعالج حالات العقم عند السيدات علاجًا مؤكدًا، والسبب في ذلك أنه عالج إحداهن من عقمها، فأنجبت، وأهدته صورتها وصورة رضيعها بالحجم الكبير وكتبت أسفلها أنه أعظم طبيب للنساء في العالم، فعلقها في مكان انتظار المرضى، وحيث أن عياداتنا كانت في حي شعبي فقير وبه نسبة كبيرة جدًا من غير المتعلمين، اكتظت عيادته بالمرضى وخاصة النساء إلى ما بعد الواحدة أو الثانية صباحًا من كل أيام الأسبوع، وحيث أنني كنت صديقه الشخصي وعيادتي كانت عبر الشارع من عيادته كان كثير من مرضاه يأتون إليَّ لمعالجة أسنانهم. في كل مرة كان اسم صديقي الطبيب يُذكر، لسبب أو لآخر، كانت المريضة أو المريض يبادرني بالقول “الدكتور فلان، دكتور شاطر جدًا، لكن المشكلة الوحيدة عنده هي أن الثمن الذي ندفعه في شراء الأدوية التي يصفها لنا ثمنًا باهظًا جدًا” وكانوا جميعًا يشتكون من ضعف وهزال بعد انتهائهم من أخذ كمية الدواء الكثيرة التي يصفها لهم. تكررت هذه الشكوى من المرضى على صديقي الطبيب بصورة ملحوظة ومستمرة، فقررت أن أبحث بنفسي في هذه الشكوى خدمة له ولمرضاه. قابلت صديقي الطبيب وقلت له إن معظم مرضاك يمدحونك لكونك طبيبًا شاطرًا وطيبًا ومتواضعًا، لكنهم يشتكون من ارتفاع سعر شراء روشتة العلاجات التي تصفها لهم، فما السبب في ذلك؟ كان جواب صديقي على سؤالي السابق صادم لي بل وأغرب من الخيال. قال صديقي دعني أصارحك القول وأوضح لك حقيقة الأمر، قلت ماذا، قال الحقيقة إنني في مرات كثيرة لا أعرف المسبب الحقيقي للمرض، إن كان بكتريا أم فطرًا أم فيروسًا أم خللاً في جهاز مناعة المريض أم شيئًا آخر، وبالتالي لا أعرف التشخيص السليم لمرضه، وحيث أن المرضى لا إمكانيات لديهم لعمل فحص إليكتروني أو تحاليل طبية معقدة تساعدني على التشخيص السليم، فإنني أقوم “بمعالجة العَرض لا المرض” ولذلك أضطر أن أعطى المريض علاجًا لمقاومة البكتريا، وآخر للقضاء على الفيرس، والثالث لخفض الحرارة والرابع للكحة والسعال و. و. و. وهكذا.
لا أدري لماذا تذكرت هذه الحادثة التي مر عليها أكثر من أربعين سنة عندما تفكرت في طريقة معالجتنا كأفراد في بيوتنا، أو كمسؤولين سواء كنسيين أو حكوميين، لمشاكلنا في هذه الأيام الصعبة التي يمر بها العالم أجمع بما فيه كنيسة الله عمود الحق وقاعدته.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، وعلى مستوى الكنيسة الواحدة أو الطائفة الواحدة عندما يصاب الأعضاء بمرض الغياب عن الكنيسة ويتركون اجتماعاتهم كما لقوم عادة، يجتمع مجلس الكنيسة ويطرح أمر وباء غياب الأعضاء المستمر، يُشخص البعض هذا الوباء على أنه بسبب زيادة الأسعار، وخاصة أسعار البنزين، وعدم توفر أماكن لإيقاف السيارات أمام الكنيسة، وأجرة السايس الذي لا تراه وأنت تبحث عن مكان إيقاف سيارتك وتراه فقط عندما تفتح بابها لتأخذ طريق العودة إلى منزلك، بالإضافة إلى غلو تذاكر المترو لمن استطاع لركوبه سبيلاً وقلة الدخل والحيلة، لذا، فالناس لا تستطيع أن تستخدم سياراتها كثيرًا، والكنيسة بعيدة عن مقر إقامة الكثيرين، ولذلك يكثر غياب الأعضاء، ويُشخص آخر أن السبب في إصابة الإخوة والأخوات بمرض الغياب عن الكنيسة هو في جناب القسيس، فهو لا يزور الأعضاء بصفة مستمرة ويتغيب كثيرًا عن الكنيسة لإصراره على السفر لأمريكا مرة أو مرتين في السنة ولأنه لا يزال يعظ عظاته الطويلة من كتاب كليلة ودمنة والأعضاء لا يفهمون ما يريد أن يقوله لهم، يهم القسيس بالرد على هذا الشخص المتهور في كلامه الناكر للجميل، لكنه يعلم أن بعض ما يقوله عضو المجلس هذا هو حقيقة لا مفر من الاعتراف بها، فيلزم القسيس الصمت، مرددًا داخله: “الصبر يا رب” متوعدًا بينه وبين نفسه أنه سيحاسب ذلك العضو على كل ما قال عندما تسنح له الفرصة المناسبة، يشرد ذهن القسيس حتى يستفيق على صوت عضو ثالث يقول: الحقيقة هذا ما يقوله الكتاب المقدس أنه في الأيام الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين للرب وبالتالي لشعبه ولاجتماعات الكنيسة، يهز القسيس رأسه مؤكدًا ما قاله العضو الثالث ومتفقًا معه دون أن ينطق بكلمة، ثم يذكر أعضاء مجلس الكنيسة سبب رابع وخامس وسادس. أسباب ونقاشات وتحزبات كادت تجعل الأعضاء يشتبكون بعضهم مع بعض بالأيدي لولا محاولات القسيس لتهدئة الموقف والنقاش.
بعد المناقشات المطولة والدراسات القصيرة والتحليلات العجيبة لأسباب المشكلة يقول القسيس بعصبية ملحوظة: والعلاج؟. يبدأ أصغر أعضاء مجلس الكنيسة سنًا وهو ممثل الشباب به ويقول: الاجتماعات أصبحت مملة للشباب، ولذلك يهربون من حضور الكنيسة، نحن نريد أن نستخدم موسيقى الراب Rap، ولابد أن نسمح للشباب، من الإخوة والأخوات بارتداء الجينزات المقطعة، ويلبس الشباب الناشئ أغطية رؤوسهم (الطاقية) بالمقلوب وهم يرنمون ترانيم الراب Rap، ولا مانع أن يستخدموا أيديهم وأصابعهم في عمل نفس الحركات التي يعملها مغنو الراب Rap المشهورين في العالم كله، فالشباب المصري حتى في الكنيسة وفي كل الأحوال يرون ويحفظون كلمات وموسيقى الراب Rap التي تذاع خارج الكنيسة، فلماذا لا يرنمونها بدلاً من أن يغنون أغاني الRap العالمية، لابد من تطور الترنيم، يمتعض أكبر الشيوخ عمرًا وتتسع عيناه، ويرتعش بدنه ويتململ في جلسته، ويرفع ذقنه الذي كان مستريحًا على ظهر يديه التي وضعهما فوق بعضهما، وأمسك بهما عصاه التي لا غنى له عنها ولا يستطيع السير بدونها، يتكلم الشيخ بصوت محبط يائس لكنه حاد ومرتفع وواضح الكلمات، ويظهر تحفظه، بل ثورته على ما قاله الشاب حديث الأيام، مترحمًا على أيام كان الناس ينتظرون بفارغ الصبر مجيء وقت الاجتماع، ويملؤون المقاعد قبل بداية الاجتماع وحضور القسيس، يحاول الشاب أن يثبت للمجلس أن الزمن قد تغير، والترانيم التقليدية لم تعد تعجب الشباب ولا الرجال والسيدات في الكنيسة، ويدلل على ذلك بالأعداد المتزايدة للكنائس التي تنفتح على العالم الخارجي بما في ذلك ترانيم “الرابRap”، يحاول أحدهم أن يخفف من حدة النقاش فيقول، مش لازم نوصل لترانيم “الرابRap”، لكن لابد أن نسمح للحاضرين بالتصفيق في الكنيسة على نغمات الترانيم، ويستشهد على نجاح فكرته وأهمية العمل بها بما صارت إليه بعض الكنائس الإنجيلية المشيخية من ازدحام بسبب تركهم الحرية للحاضرين أن يصفقوا أو يستخدموا الدف أثناء التسبيح في الكنيسة، وبسبب توقفهم عن استخدام كتاب نظم المزامير في الترنيم، من وجهة نظره الأحادية طبعًا، الكتاب الذي كنا نطلق عليه في جيلنا “كتاب الوزارة”.
ينتهي الاجتماع ويحاول القسيس وأعضاء مجلس إدارة الكنيسة عمل كل ما اقترحوه من تغييرات وتصليحات، فتجذب هذه التغييرات عددًا قليلاً جدًا من المترددين الجدد والأعضاء القدامى وتحفز البعض من تاركي اجتماعاتهم كما لقوم عادة على الحضور، لكن سرعان ما يعودون أدراجهم، ويتغيب الكثير منهم مرة أخرى عن اجتماعات الكنيسة، فيجتمع مجلس الكنيسة مرة أخرى لبحث نفس المشكلة وتقدم نفس الاقتراحات والحلول مرة ومرات، وهكذا يظل مرض غياب الأعضاء مرضًا مزمنًا بالكنيسة لأن ما تم لعلاج هذا الأمر من مجلسها هو فقط “معالجة العرض لا المرض”. فالمسبب الأول لهذا المرض الحقيقي هو نقص المحبة لله وبالتالي لكنيسته، فلكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين. وعلاج مرض نقص المحبة ليس كما يظنه أو يقترحه الأعضاء أو المجلس بل ما يقوله الكتاب المقدس. فمرض نقص المحبة لله ولكنيسته يشبه مرض الأنيميا الخبيثة الذي يؤثر على كل أعضاء الإنسان ويعطل وظائفها ويصيب الإنسان بالهزال وغيرها من الأعراض الكثير. والمصاب بمرض نقص المحبة لله ولكنيسته لابد له أن يتناول العلاج الوحيد لهذه الحالة وهو أن يكون في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً، وعندها فقط سيكون كشجرة مغروسة على مجارى المياه والتي تعطى ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح. وسيتغلب على كل المعوقات والموانع التي تمنعه عن الحضور والمشاركة القلبية الفعالة لكل ما يحدث في الكنيسة.
مثال آخر على معالجة العَرض لا المرض هو في طريقة معالجة الإرهاب والقتلة والمجرمين وأعمالهم الإجرامية، يظن البعض أن أنجع علاج للقضاء على الإرهاب والإرهابيين هو بإرهابهم، وبأن نعد لهم ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل لنرهب بها عدو الله وعدونا، ويرى آخرون أن الزج بالإرهابيين في السجون والمعتقلات ومستشفيات الأمراض العقلية هي أسهل وأسرع الطرق لعلاجهم، تمامًا كما عمل عبد الناصر، قديمًا بجماعة الإخوان المسلمين، فنجح نجاحًا سريعًا، فأوقف تخريبهم وتوغلهم في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، لكنه ترك لنا طبيعتهم وشرورهم وعدواهم تسري في عروق الغالبية العظمى من المصريين حتى اليوم، ويرى البعض أن الدين هو الحل وهو علاج لمرض الإرهاب والغش والتحرش في مصر، فيجبرون الصغيرات على التدين ولبس الحجاب، ويجبرون الأطفال على دراسة الدين في المدارس على اختلاف أنواعها، ويعلمونهم أقوال وأفعال السلف الذين كان السيف بالنسبة لهم هو آلة الذبح وآلة الرقص وآلة اللعب والمبارزة في نفس الوقت، فالبطل هو من يعرف أن يضرب الرقاب، والبطل هو من يستطيع أن يرقص بالسيف من فوق ظهر الحصان، والبطل هو من يعرف كيف يصطاد فريسته بضربة واحدة من سيفه وفي وقت الفراغ الأبطال هم الذين يلعبون ويتبارزون بالسيوف، ولإظهار القوة والسيادة تضع أكثر من دولة، وأكثر من منظمة إرهابية السيف على أعلامها والعلامة المميزة لها. واستكمالاً لما يبدأونه مع الأطفال، فهم يؤسسون لهم مدارس وجامعات يقتصر دخولها عليهم كجماعة واحدة، منغلقة على نفسها، ولا يعرف أحد ما يدرسونه وما يلقنونه لهم، وكيف يُخضعون طلابها لغسل أدمغتهم لغرض أو آخر، وعندما يتحول الصغار إلى مرضى بمرض العنف والغدر والخيانة وكراهية الآخر والوطن وكتب الآخرين وكنائسهم ومعابدهم، نبدأ في علاجهم بالطرق السابقة الذكر.
مع أن التشخيص السليم حسب ما ورد في كتاب الله الكتاب المقدس هو أن هذا الشعب يعاني من مرض الكراهية التي يسببه روح ضد المسيح، وتظهر أعراضه في ما وصف سابقًا، وأن العلاج الوحيد للمرضى بالمرض السابق الذكر هو ما أوحى به السيد المسيح – تبارك اسمه – في موعظته التي ألقاها من على جبل في أورشليم فسميت موعظة الجبل، التي إذا ما تعاطاها وسمعها ولهج وآمن الإنسان بها وبمن شرعها، بغض النظر عن ديانته الأرضية وخلفيته العرقية وحالته الاجتماعية لأصبحت له طبيعة سماوية تجعله يكره الشر والخطية ويحب الله والآخر ولتحولت الأرض إلى جنات تجري من تحتها الأنهار ولاختفى العنف والحقد والكراهية وضمن المرء حياته الأبدية في نعيم أعده للإنسان، الله الرحيم رب البشرية.
مثال ثالث على “معالجة العَرض لا المرض” هو طريقة علاج السلطات المصرية والعالمية حالة الغليان المتقدة في صدور المسيحيين منذ خمسة عشر قرنًا من الزمان، والتي أشعلها الوافدون العرب إلى بلادهم المصرية، أولئك الذين زحفوا إليها ففتحوها وشردوا أهلها، وقطعوا ألسنة المتكلمين بلغتهم القبطية حتى اندثرت تمامًا، ووضعوا الأنيار على أكتافهم إلى أن أزرقت رقابهم فعرفوا بأصحاب العظمة الزرقاء، وساقوهم إلى حيث لا يرغبون، ومنعوا تداول كتبهم وخاصة كتاب الكتب، الكتاب المقدس، الذي دأبوا على تشويهه واتهامه بالتحريف وهم لا يدرون أن اتهام كتاب الله بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان هو اتهام للمولى نفسه – تبارك اسمه – بالتقصير في حفظ كلمته التي أرسلها للعالمين نورًا وهدى ورحمة من لدنه، الأمر الذي جعل كتيبات السور القرآنية الإسلامية تلقى على أرجل الجالسين في القطارات والسيارات، مسيحيين ومسلمين، ولا يستطيع مسيحي أن يعلن عن استيائه لهذا العمل، أما الكتاب المقدس فيسجن من يحاول تقديمه لمسلم، حتى لو كان استجابة لطلب المسلم نفسه للكتاب، وعندما يقرر مسيحي أو مسيحية أن يعتنق دين الإسلام يهلل له الجميع ويركبونه أو يركبونها على فرس أبيض ويطوفون بها القرية كلها، بمصاحبة الشرطة ورجالها، ويطيلون الوقوف أمام بيوتهم التي خرجوا منها كمسيحيين، ويسكنونهم في بيوت مقابلة لبيوتهم القديمة، إمعانًا في إذلال أهلهم، ولا يستطيع أحد من أهل المتأسلم أو أهلها الاعتراض على كل هذه الأفعال، أما إذا أراد مسلم اتباع ملة سيد الخلق وديان العالمين، المسيح يسوع تبارك اسمه، وآمن به سبحانه وبمن أرسله رحمة للعالمين، فلابد أن يستتاب وإن لم يرجع إلى دين الإسلام يحلل دمه ويقتل دون حساب أو عقاب لقاتله كما اتفق على هذه الفتوى جل الأئمة والمفتين. وتمكن هذا المرض اللعين من المسيحيين بالاضطهاد والظلم الواقع عليهم حتى أيامنا هذه، فتفاقم وازداد سوءًا وفجأة حاول المسؤولون أن يتقوا شر غضبهم وانفلات أعصابهم ونفاد صبرهم بمعالجة أعراض المرض لا المرض نفسه فتارة يقررون تعيين عشرة مسيحيين في مجلس الشعب، وتارة يضعون أسماء بعض المسيحيين في قائمة انتخابات مشتركة بينهم وبين المسلمين، وأخرى يسمحون للمرأة المسيحية بتولي إدارة وزارات محددة أو محافظات بعينها، ثم يبنون لهم كاتدرائية قبطية أرثوذكسية وفي نفس الوقت يخترعون لهم قانونًا كان من المفروض أن يطلق عليه قانون دور العبادة الموحد، وتحول بقدرة قادر إلى قانون بناء الكنائس. وتبدأ الحكومة في علاج أعراض مرض الانفجار النفسي في المضغوط والمغضوب عليهم والضالين بتقنين أوضاع الكنائس، ويهلل المسيحيون المغيبون لأعداد الكنائس التي تم إصدار التراخيص لها أو تقنين أوضاعها، لكن علاج أمر التراخيص دون علاج المنظومة كلها والمرض الأصلي يُشعر المفكرون والمدافعون عن حقوق الأقباط، الفاهمون لبواطن الأمور وكأنهم يستعطون السلطان لمنحهم التراخيص التي هي من حقهم دون أن يمن عليهم أحد. فالعلاج الوحيد لهذا المرض هو أن يتساوى الجميع مسيحيين ومسلمين في كل شيء، وخاصة في حرية بناء دور العبادة، وأن تخصص ميزانية من الدولة لكنائس الأقباط وطوائفها كتلك التي تعطى للأزهر كلٍ بحسب تعداده وحاجته. فبينما يُمنح الأزهر ورجاله أكثر من 20 مليار جنيه مصري لعام 2019 من ميزانية الدولة الممولة من ضرائب المسيحيين والمسلمين تظل بعض الأوقاف القبطية تحت الحراسة ولا تعطى للكنيسة التي من حقها الحصول عليها والتصرف بها كما تشاء.
وقد يتساءل القارئ: لماذا لا يتم معالجة المرض لا العرض من البداية؟، والإجابة البسيطة على هذا السؤال هو:
ا- قد تعالج الكنيسة أو الدولة أو الفرد في الأسرة العرض لا المرض لجهله أن هناك مرضًا من أساسه يجب أن يُعالج، فكثير من الأمراض تبدأ بسيطة مختفية الأعراض فيهملها أصحابها إلى أن تتفاقم فينتبهون لها.
2- سبب ثاني هو كبرياء المريض ورفضه الاعتراف أنه مريض ومصاب ويحتاج إلى علاج متخصص بالرغم من رؤيته وعلمه بمرضه ومسبباته ونهايته كمريض أن لم يعالج المرض لا العرض.
3- سبب ثالث لعدم علاج المرض هو الاستهانة بالعلاج من جانب الإنسان المريض أو الأمة أو الدولة المريضة، ورفضه للعلاج وخاصة في الأمراض التي لا يصاحبها آلام جسدية، أو مظاهرات شعبية أو تفجيرات شيطانية، فكم من مريض بمرض تسوس الأسنان يأتي إلى عيادتي وعندما أخبره بأن هناك سوسًا ينخر في ضرسه، وأن هذا التسوس هو مرض لابد من إيقافه والتخلص منه بحشو الضرس، تكون إجابته لكن ضرسي هذا لا يؤلمني، فلماذا يجب أن اقوم بحشوه؟، فأجيبه إذا بدأ التسوس في ضرس ما لابد أن يستأصل الجزء المتسوس، ولابد أن يتم حشو الضرس حيث أن التسوس لن يتوقف أبدًا تحت أي بند من البنود دون نزعه وحشو الضرس، ثم أوضح أنا للمريض أن الأمر الثاني إذا لم توافق على حشو ضرسك، فسيزداد التسوس وعندها يكون وقت الحشو قد انتهى ولابد أن يتم نزع العصب من ضرسك العملية المعروفة بعلاج الجذور، وإذا لم تقم بنزع العصب فلن تتحمل يومًا ما الألم الناتج عن إهمالك لعلاج المرض، وفي النهاية لابد أن يخلع الضرس كله ويبقى مكانه خاليًا. بعض المرضى تكون إجاباتهم عجيبة وردود أفعالهم أعجب، فيجيب أحدهم، “لما يألمني الضرس أخلعه”، فأضطر أن أوضح له أن خلع ضرس ما من الفم سيحل مشكلة الألم مؤقتًا، لكن سيتولد ألم وخسارة من جهة أخرى، فألم احتكاك الطعام باللثة مكان الضرس المخلوع سيستمر معك إلى يوم نزولك إلى القبر، والأسنان المجاورة لمكان الخلع ستقترب كل للآخر وهذا سيترتب عليه ما نطلق علية Mal-Oclusion أي عضة الإسنان غير السليمة وهذا سيؤثر سلبًا على عظام الفك والمفصل الفكي الذي يربط الفك السفلي بالعلوى.
4- سبب آخر من أسباب معالجة العرض لا المرض هو أنه في معظم الأحيان تأتي هذه الطريقة بنتائج سريعة ولا يستغرق علاج العرض الوقت والمجهود والتكلفة التي يستغرقها علاج المرض نفسه، والنتيجة إنه سيترتب على علاج العرض لا المرض في هذه الحالة آثار جانبية حتمًا ستكون أكثر تأثيرًا وإيذاءً، وتتطلب مجهودًا أكثر وتتكلف تكلفة أكثر من معالجة المرض نفسه عند اكتشافه.
5- سبب آخر لعلاج العرض لا المرض هو تأجيل العلاج النهائي وإلقاء مسؤولية العلاج المؤكد على الغير من الأطباء، فمشاكل الكنائس أو البلاد أو البيوت تؤجل بسبب انتظار طبيب أو معالج خاص لعلاج تلك الأمراض ويتهرب المسؤولون عنها من تحمل المسؤولية والبدء في علاجها، فلماذا أبدأ أنا كقس في حل مشاكل في كنيستي ورثتها عن من كان قبلي؟، ولماذا أصلح أنا كمسؤول عن البلاد ما أفسده الدهر منذ مئات السنين؟، أنا سأصلح العرض ولكن المرض يصلحه من يأتي بعدي.
هذا وغيره الكثير من الأسباب.
أما إذا أراد أحد أن يعالج المرض لا العرض، فذاك يتطلب:
1- طبيب أو قسيس أو رئيس حاذق، دارس، مختبر، عالم بمستجدات الأمراض وطرق علاجها.
2- طبيب يعلم أن أمراض اليوم الطبية أو الروحية أو الدولية الحكومية لم تعد أمراض بسيطة يمكن لشخص واحد علاجها، بل لا بد أن يشترك في تشخيص المرض وعلاجه لفيف من الأخصائيين في معالجة مثل هذه الأمراض من أطباء وممرضين وعلماء الدين والاجتماع والاقتصاد والسياسة إلى جانب المريض نفسه، فهو بيت القصيد وهو القادر على وصف معاناته الداخلية والخارجية وهو من سيستجيب للعلاج وغيرها من العناصر المتعلقة بهذا الأمر.
3- طبيب يعرف كيف يشخص المرض هو والفريق المتعاون معه تشخيصًا سليمًا لا يحتمل الخطأ أو التجربة والنجاح أو الفشل.
4- طبيب يعرف كيف يتابع حالة مرضاه يوميًا ولا يكتفي بوصف علاج أو عمل جراحة ثم يترك المريض في أيدي من لا علم لهم ليكملوا عمله بل يظل تحت إشرافه دون توقف ليلاً ونهارًا.
5- طبيب يعتمد على الأبحاث العلمية وما ثبت صحته من العلاجات والعقاقير والطرق العلمية الطبية لعلاج المرض لا العرض.
لقد حذرنا المسيح – تبارك اسمه – من علاج العرض لا المرض ومعالجة الخارج دون الداخل في قوله تعالى: “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوءان اختطافًا ودعارة! أيها الفريسي الأعمى نق أولاً داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة”.
أصلي أن نصل إلى حالة الإصرار والاستعداد على بذل كل ما نملك لكي نستطيع “معالجة المرض لا العرض”.