ترقب العالم في الشهور السابقة الانتخابات الأمريكية التي كانت بين أهم حزبين سياسيين في أمريكا، ومن المرجح أن أغلب دول الشرق أوسطية كانت تميل إلى فوز الحزب الأكثر اقترابًا للقيم والثقافة العربية، وهو الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي دونالد ترامب.
لقد قدم خلال رحلته الانتخابية أجندة تتسم بالتخلص من كل ما تعانيه الولايات الأمريكية من نظام مبني على قيم ومبادئ تدعو إلى ما يُسمى بالحريات مثل التسيب والانحلال الخلقي والأنماط السلوكية المخالفة للطبيعة البشرية، بل للقيم والأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع البشري.
كما أظهر لنا برنامجه الانتخابي بأنه سيقوم بدور المنقذ للمعاناة البشرية، حيث سيعمل جاهدًا لتحقيق العدل وإعلان الحق، وذلك بتطهير المجتمع من الفساد والرشوة والانحرافات الأخلاقية، بالإضافة للعمل على تطبيق القانون الذي يسهم في إحداث التقدم والازدهار. وقد بدا وكأنه يتمتع بمتلازمة المُخَلِّص الذي سينقذ الشعوب من ويلات الحروب شرقًا وغربًا، واعتقد أن القدر أرسله ليقود العالم إلى السلام وإلى رجوع أمريكا بالأخص إلى قوتها وعظمتها الأولى، ومن أشهر أقواله: Make America great. ولكن سرعان ما فوجئ العالم بأسره وفي خلال أيام قليلة من توليه المنصب بظهور أجندة مخالفة تمامًا لبرنامجه وللتوقعات الدولية، حيث بدأ يكشف عن أغراضه ومساوماته الحقيقية، وذلك على حساب مصالح باقي الشعوب.
وفي الواقع، إذا ما استعدنا تاريخ زعماء الشعوب أمثال هتلر ونابليون وموسيلين، نجد أنه سجَّل نفس المسيرة في تحقيق مآربهم ودوافعهم الذاتية. لقد اجتمع أغلب زعماء العالم على وجود خاصية مشتركة بينهم، وهي تعظم الذات الفردية والجمعية، أو ما يُعرف في علم النفس بالميجالومانيا Megalomania. وتتركز الميجالومانيا في الاعتقاد المفرط للشخص بالعظمة والتفوق أو التقدير المبالغ فيه للذات، حيث يرى أنه لا يخطئ وأن أفكاره على صواب دائم وأنه يتمتع بذكاء خارق يفوق كل مَنْ حوله، كما يعتقد أن عظمة الذات الفردية قد تمتد إلى الذات الجمعية، حيث يرى أن جنسه متميز عن باقي الأجناس الأخرى وذلك مثل اعتقاد هتلر بأن الجنس الألماني يتميز بأنه جنس (أرى) يختلف عن باقي الشعوب. لقد اعتبر ترامب أن الشعب الأمريكي يتميز عن باقي شعوب العالم، لذا فمن حقه أن تتسع مقدراته كمًا وكيفًا. كما يتصف الشخص المريض بالميجالومانيا بالأنانية المفرطة، فهو لا يعمل إلا لمصلحته الشخصية وأغراضه النفعية فقط، لذلك فالبعض يخلط بينه وبين النرجسي على اعتبار أن العامل المشترك بينهما هو الأنانية المفرطة، إلا أن الميجالومانيا تتميز بأنها حالة مرضية، بينما النرجسية حالة مستمرة، حيث تلعب الوراثة والبيئة دورًا هامًا في تدعيمها.
وقد يصاب مريض الميجالومانيا بالغضب المكبوت نتيجة لمعاناته من الظلم والقسوة، وهو ما حدث للرئيس ترامب من الانتخابات الأولى التي اعتقد أنها زُورت لصالح خصمه بايدن، بالإضافة لمحاولة الحزب السابق اتهامه في قضايا متعددة بلغت أكثر من ثلاثين قضية، إلا أن أغلبها كان بدون سند قانوني، هذا خلاف محاولة اغتياله أكثر من مرة، مما جعل شعوره بالغضب المكبوت يتزايد. لذلك فإن نجاحه في اجتياز الصعوبات وتخطي التحديات وفوزه الساحق في الانتخابات الأخيرة قد مكَّنه من استعادة سلطته وهيبته وأصابه بالغرور والعظمة والشعور بالأفضلية والأهمية، وهو ميكانيزم دفاعي بسبب معاناته من مشاعر الرفض والكراهية من قِبل الحزب السابق وأنصاره. ويتصف مريض الميجالومانيا بالعناد الشديد وعدم المرونة، بالإضافة إلى رغبته في السيطرة. وقد يرجع ذلك إلى المنطق المغلوط الذي يتبناه، إذ يعتقد أن له الحق في الامتلاك والاستغلال، سواء على مستوى الأشخاص أو المواقف أو الأشياء. كما نجد أن ردود أفعاله مبالغ فيها وتتسم بالتهور دون مراعاة مشاعر الآخرين. وقد يصل الأمر إلى التجريح دون الشعور بتأنيب الضمير، ويتميز سلوكه بالمناورة حتى يمكنه الوصول إلى أهدافه ومآربه.
وهو دائمًا ما يفضل أن يحاط بأشخاص يمثلوا نماذج عالية من الكفاءة والمهارة الخاصة، وهذا ما يفسر لنا اختيار ترامب لصفوة المجتمع أمثال إيلون ماسك.
ولكن بعد إعلان ترامب للتصريحات الأخيرة الفجة، والتي أظهرت حقيقة نواياه ورؤيته المستقبلية في إعادة تشكيل خريطة العالم بحسب تصوراته، يعلن لنا الإله القدير أن طوق النجاة لا يتأتى من الاتكال على البشر، ولكن يأتي الإنقاذ من عند الإله وحده المكتوب عنه أنه الجالس على كرة الأرض والمتسلط عليها وضابط الكل، والذي في يده مقاليد الأمور. فلنتحد معًا في صلاة تشفعية كي يأتي الله بملكوته على الأرض، فيجدد بنوره مملكة الظلمة ويحل السلام والهدوء على البشرية.