برفقة النجوم

0

عـادل عطيـة

   كنتُ أشعر بالاحتياج لشيء ما يقودني لمعنى الميلاد!

   اتخذتُ من السماء دربي، فهي: طريق الروح، وطريق الجسد، وطريق نجمة النجوم في مسيرة الولادة العظمى!

   كان المساء يقترب، والنجوم تضاء تباعًا بالقدرة العليا!

   أسريت في هذه العيون السماوية المضيئة، والتي -على مدى الأجيال- صادقت الكلدانيين، ورافقت الملاحين، وأرشدت المجوس!

   وبينما كنتُ أتأمل كواكب: العقرب، وذات الكرسي، والدب الأكبر، السابحة بنورها، انتبهتُ إلى لمسة رقيقة من النور الرقراق، تربت على عيني… إنها نجمة!

   يا لها من غبطة حقيقية، أن تشعر أنه في استطاعتك أن تلمس نجمًا بيدك، من غير أن تقف على رؤوس أصابعك!

   بادَرَت تحدثني – وكأنها كانت تنتظرني بلهفة لتجلس معي، وكأنني الوحيد في هذا الكون الذي تحبه : “جئتُ لمرافقتك، ساعية لإخفاء شعورك بالوحدة. إنني أتوق إلى مصاحبة الإنسان، الذي طالما يعتز بي ويقدرني. أراه يتخذني شعارًا له في أعلامه، وأوسمته، ورتبه العسكرية، ويخلع اسمي على كل فنان متميز، بل ويضعني بجوار العلامات المدرسية في دفاتر الأطفال، تشجيعًا لهم على مواصلة التقدم. ولا يزال يتطلع إلىَّ في كل طموحاته”!

   أكملت حديثها، وقالت: “إنني لا أنسى مثل هذه الشخصيات التاريخية، والتي اهتمت بنا:

   لوج، الذي علَّم قبائل الكلت إننا نرقص على موسيقى بعيدة لا تبلغ آذانهم، وأنهم لن يسمعونا، إلا بعد أن يموتوا وتصعد أرواحهم!

   وخستور، الذي علَّم البابليين التنجيم، وحسب حركاتنا في السماء، وأثرها على حياتهم!

   وبوذا، الذي علَّم الناس أن تعيش على الأرض، ورأسها في السماء، وأن تكون آمالها كلها وراءنا!

ولا أنسى دعوة الشاعر الروسي بوشكين، لكل إنسان: “تمعّـَن فـي السـماء، ستكتشف نجمة لم ترها من قبل!”

   قابلتها بالترحاب، وكنتُ أصغي إلى بريقها الساحر، وهي تردف: “منذ خلق الله العالم، وأنا ساكنة عند نهر المجرة، بضبابه الرقيق يجرى عبر السماء، أشاهد تاريخ البشرية. فمنذ سقط أبوكم آدم، وهناك حنين قديم، سواء في قلب الله المحب المشتاق لخلاص الإنسان، أو قلب الإنسان الساقط المشتاق لخلاص الله.”

   اقتربت إلينا نجمة ذات خطوط نورانية مشعة، وقد عاودتها ذكريات من بُعد الماضي، وقالت: “لقد كنتُ ضمن نجوم كثيرة، عاصرت معاناة داود النبي وأشواقه الحارة لمجيء المخلص. كان كل ليلة يأتي بقيثارته، نصغي لأنين أوتاره، وهي تقدم أعذب ترانيم التوبة والرجوع والغفران. أذكر من إلهاماته: “ملوك يحملون إليه الهدايا، ملوك يقربون له العطايا، ويسجد له جميع الملوك، وتتعبد له كل الأمم ويكون اسمه إلى الأبد”!

   انضمت إلينا نجمة أخرى، وقالت: “لم يكن شعب الله فقط ينتظر مجيء المسيح الرب، بل المجوس، باكورة مَنْ آمن من الأمم به. كانوا يتطلعون إلينا في انتظار ملك اليهود ونجمه الفريد، على أساس نبوة بلعام، وبالأكثر تحديات نبوة دانيال. وقد أنبأهم زرادشت، زعيمهم ونبيهم، في منتصف القرن السابع قبل الميلاد، قائلاً: “في آخر الزمان، يكون أن بكرًا تحمل بجنين من غير أن يمسها رجل. وعند ميلاده، يظهر بالنهار كوكب، وتُرى في وسطه صورة صبية عذراء، وأنتم يا أولادي ستحسون بظهوره قبل جميع الأمم، فإذا شاهدتم هذا الكوكب، فاذهبوا معه إلى حيث يقودكم، واسجدوا لذلك المولود، واحملوا له القرابين والهدايا، فهو مقيم السماء”!

   هنا أشرقت نجمة الأماسي، والتي سهرت يومًا على ميلاد يسوع. بعين أسمى رأيتها، شعاعها الغامر النادر بالجمال القادر على البقاء الطويل، لا يستوقف العين، وإنما يقفز إلى القلب، ويلهب وجدانه. دعتني إلى لحظة انبثاق الميلاد الواعد بالعطايا والأفراح، وقالت: “تمتع بأضواء الميلاد، ليست هذه التي تراها، وتشع أنوارها بهجة في أنحاء مدن الدنيا وقراها، ولكنها تلك التي يحسها الإنسان في المبادئ والقيم، تشرق بها النفس، ويرتاح لها القلب، ويطمئن لها الضمير”!

   أستقبل عيد الميلاد، وتتركني النجوم مع السرد الذي لا ينتهي عما حدث في الماضي، يرافق التأكيدات المستمرة حول التغيير الكبير الحادث في قلبي!

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا