(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.
وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في القصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا. وفي أحد الأيام عاد مردخاي ووجد الحزن يخيم على بلدته واكتشف ما كان يخاف منه لقد أخذوا هداسا إلى القصر، تطورت الأحداث والتقى مردخاي هيجاي مسؤول بيت النساء في قصر الملك، وفي بيت النساء يتم إعداد الفتيات ليختار منهم الملك زوجة له، وفي بيت النساء تحدث كثير من المكايد والمؤامرات فماذا حدث مع هداسا (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)
ما أن وصلوا لسرير وأغراض هداسا حتى بدأت ميجالي بالحديث من جديد:
– لقد ضيعت وقتك… أنا متأكدة أنها هي مَنْ أخذتها.
وبعد فترة من التفتيش قال أحدهم:
– ها هي.
ردت هداسا باستغراب وهي لا تتمالك إيقاف دموعها المنهمرة على وجنتيها:
– ماذا؟ مستحيل. هذا غير معقول.
فيما ضحكت ميجالي ضحكة خبيثة وكأنها انتصرت:
ساد الارتباك القاعة من جديد. تحدث الجميع في وقت واحد، فقد كانت لهداسا شعبية وسط الفتيات. على الأقل هي لم تؤذ أحدًا مثل ميجالي. وقتها تقدم هتاخ خطوة للأمام وقد قرر أن ينقذ هداسا حتى لو اضطر… سيقول إنه هو مَنْ أخذها ووضعها في أغراضها وليحدث ما يحدث. ولكن قطعت ضحكة ميجالي العالية هذا الارتباك.. وقالت وهي تستخف بـهيجاي:
– لا أعرف سبب تأخرك في البحث رغم أني نبهتك. هل تحاول حمايتها؟ نفذ حكمك الآن. لو عفوت عنها فهذا يعني أنها دفعت لك الثمن مسبقًا.
صرخ هيجاي في وجهها بثبات وبوجه متجهم:
– لا تتحدثي. كفاك ثرثرة.
وأمر بقية العاملين بتفتيش سريرها وأغراضها هي الأخرى، بل أنه توجه نحوه لينظر بنفسه كل شيء عن قرب. ظل الخصيان يفتشون بدقة، إلى أن وقعت بتلة حمراء من بتلات الزهور التي توضع القلادة وسطها.. وما أن رآها هيجاي حتى أمسكها وقال لها:
– وماذا تفعل هذه عندك؟
أجابت ميجالي ببرود وقد وجهت وجهها بعيدًا:
– لا أعلم هذه مجرد بتلة من أي زهرة.
قال هيجاي بنبرة واثقة:
– كلا، هذه هي البتلة الناقصة من البتلات، ورائحتها تثبت هذا، فقد عددت حتى الأوراق الصغيرة التي توضع القلادة وسطها.
ارتبكت ملامح ميجالي لوهلة بسيطة، ثم قالت وهي تتصنع الثبات:
– ههه… أنا أحب هذا النوع من الزهور، وأذكر أني أخذتُ يومًا زهرة من الحديقة. لعلها منها.
– هل أخذتي من الزهور الموجودة في الركن الغربي؟
– نعم، تلك الزهور الحمراء. انظر أنا بريئة. لا يمكنك أن تثبت عليّ شيء. الجريمة هي سرقة القلادة لا البتلات.
– أنتِ كاذبة كبيرة، وكذبك دليل إدانتك.
ردت ميجالي بعجرفة:
– كيف تجرؤ على أن تتحدث هكذا مع الملكة القادمة للبلاد؟
أجاب هيجاي بثبات وغلظة:
– نحن لا نزرع هذا النوع النادر من الزهور هنا لأنه لا يتناسب وطبيعة الطقس… ليست بموجودة لا في الركن الغربي ولا في أي ركن من الحديقة… ولا خارج الحديقة..
ساد الارتباك القاعة مرة أخرى.. هداسا تبكي من ناحية وتقول:
– أنا مظلومة يستحيل أن أفعل مثل هذا الأمر.
وميجالي من ناحية مصرة على أنه يفتعل لها مشكلة… إلى أن حسم هيجاي الأمر وقال للخصيان:
– أحضروا الاثنتين للخارج.
وما أن تحرك الخصيان نحوهما حتى ثارت ثائرة ميجالي فظلت تشتم وتقاوم… وفجأة صرخت هينال:
– كفاكِ كذبًا وظلمًا… هيجاي، انتظر. لدي ما أقوله أمام الجميع ولن أخاف من تهديداتها القذرة لي بقص شعري. لقد رأيتها داخلة للقاعة وقت الراحة حينما كان الجميع في الحديقة… فدخلتُ خلفها لأني رأيتها قبلًا وهي تسرق الوشاح الأزرق الخاص بإحدى فتيات المجموعة الأولى… دخلتُ خوفًا على أشيائي. وقفتُ خلف الباب ورأيتها وهي تأخذ القلادة من أمتعتها ثم تضعها في أمتعة هداسا. ونعم، سقطت إحدى البتلات في منتصف القاعة ولما لمحتني هددتني فخفتُ وخرجتُ ثم عدت قبل دخول الفتيات وأخذت البتلة ووضعتها تحت سريرها من الجانب الأيسر.
بحث الخصيان سريعًا فوجدوا البتلة التي تكلمت عنها هينال، وهو ما يثبت صحة نظريتها!
وما أن فعلوا حتى أمرهم هيجاي بأخذ ميجالي وحدها إلى الخارج استعدادًا لتنفيذ حكم القانون عليها… وهنا بدأت الفتيات تتحدث. واحدة قالت: “لقد رأيتها وهي خارجة.” والأخرى: “هذه ليست أول مرة تسرق.” وهكذا فالفتيات اللائي كن يتحدثن معها بلطف خوفًا من أذاها انقلبوا ضدها ووجدنها فرصة سانحة للتخلص منها.
وبينما هتفت الفتيات لأن ميجالي الشريرة ضايقتهن طوال الوقت، سجدت هداسا على الأرض قائلة بصوت عظيم:
– أشكرك يا رب.
ثم قامت لتشكر هيجاي لعدم تسرعه في الحكم، فأحنى رأسه قليلًا وهو يبتسم قائلًا بصوت خافت:
– بالطبع ليس لدي الوقت لأعد بتلات الزهور التي توضع فيها القلادة.
كان هيجاي يراقبها من بعيد ويقدِّر مهارتها أو بالأدق حلاوة روحها وحسن تعاملها مع الجميع، لذا نقلها مع وصيفاتها السبع الذين اختارهم لها بعناية إلى أحسن مكان في بيت النساء، وبدأت تتعطر بالزيوت والأدهان استعدادًا للدخول للملك. ستة أشهر بزيت المر، وستة أشهر بالعطور ومستحضرات تجميل والتي كانت عبارة عن مزيج من الورد، والعنبر، وخشب الصندل، والرمان، والعسل، والآس مع زيت الزيتون، هذا بالإضافة إلى حمامات الحليب للتجميل.
*********
كانت الرسائل ذاهبة عائدة من وإلى مردخاي الذي اعتاد أن يدخل من الباب الخلفي ليراها وهو سائر نحو قاعة الكتبة. مرت الأيام واقتربت أيام دخول هداسا للملك. وبدأت صديقاتها تبتعد واحدة وراء الأخرى، فقد كانت الفتاة تذهب في المساء لبيت الملك وفي الصباح ترجع إلى بيت النساء الثاني تحت حراسة شعشاز خصي الملك المسئول عن السراري.
ووجودها في بيت السراري يعني أنها لن تكون الملكة بل ستصبح إحدى سراريه ولن تدخل إليه إلا إذا دعاها الملك مرة أخرى.
باقتراب الوقت، أدرك هيجاي مخاوفها وقلقها الذي انعكس بوضوح على ملامحها، لذا قرر أن يمنحها من وقته اليومي حديثًا مطمئنًا ومشجعًا، فقد كانت من وجهة نظره هي الأفضل… هذا بحكم خبرته الطويلة والنساء اللائي مررن من تحت يديه.
ليس فقط بسبب جمالها الخارجي الذي لا يختلف عليه اثنان، بل الأهم بسبب جمالها الداخلي وعقلها الراجح. هي كانت مختلفة ومميزة بشكل ما… ولو كان بيده لثمَّنها بالذهب واللآلئ.
وفي أحد الليالي، لم تتمكن من النوم فخرجت ونزلت الدرج وجلست على أول سلمتين أمام الحديقة… وبعد وهلة، لمحت هيجاي قادمًا من الجهة اليسرى فأتي وجلس بجانبها. بادرته بالقول: