“روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق. لأنادي بسنة مقبولة للرب، وبيوم انتقام لإلهنا. لأعزي كل النائحين. لأجعل لنائحي صهيون، لأعطيهم جمالاً عوضًا عن الرماد، ودهن فرح عوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة، فيدعون أشجار البر، غرس الرب للتمجيد.” (إش61: 1-3)
أولًا: كن غرسًا جميلًا كسيدك (غرس الرب للتمجيد):
لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق: أي المستعبدين والمذلين من البشر بين قبضة إبليس، فقد جاء المسيح ليحررنا منه: “فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو 8: 36)، “«إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا». وأما أنه «صعد»، فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى. الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات، لكي يملأ الكل” (أف 4: 8-10). ما جاء في نبوة إش 61 دُفع للمسيح ليقرأه في الهيكل (لو 4: 16-21)، فقرأ ووقف عند عبارة “بسنة مقبولة للرب” ولم يكمل بعدها، لأن ما قبلها يشير للمجيء الأول، السنة المقبولة، وحتى الآن فنحن في السنة المقبولة، وكل مَنْ يتوب يُقبل.
أما ما بعدها “وبيوم انتقام لإلهنا”، فهذا سيكون في المجيء الثاني، والمسيح لم يقرأه، فالوقت لم يحن بعد.
1- فيدعون أشجار البر: شبَّه المؤمنين بالأشجار الثابتة، لهم أعمال بر لأن المسيح زرع فيهم حياته.
“طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس” (مز 1: 1). يرى الإنسان التقي الأشرار حوله يحيطون به، فيصلي من أجلهم وبحكمة يتعامل معهم.
2- عدم الجلوس في مجلس المستهزئين: وكما يقول يوحنا فإن مَنْ ينكر أنه يخطئ هو كاذب (1 يو1: 8). إن كان جميعنا يخطئ، فماذا تعني هذه الكلمات: “وفي طريق الخطاة لم يقف”؟ المؤمنون المتحدون بالمسيح فيجدون سعادتهم وتطويبهم وشبعهم في الاتحاد بالمسيح نفسه. “طوبى للرجل”: ربما هم قلة قليلة جدًا.
ثانيًا: تمسك بكلمة الرب:
“لكن في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح” (مز 1: 2-3)
1- كشجرة مغروسة عند مجاري المياه: والشجرة المثمرة هي سبب بهجة للجميع، ثمارها تشبع ويستفاد من ظلها. فالمسيح هو شجرة الحياة (رؤ 2: 7) التي تعطي ثمرها في أوانه. قارن مع ثمر الروح القدس (غل 5: 22). والله أعطى لكل منا وزنات ويطلب أن نتاجر بها (مت 25)، والثمار هي عملنا الذي نمجد به الله.
وورقها لا يذبل: لأن غذاءها يأتيها في حينه، والمتعبون يأتون ليستظلوا بهذه الشجرة.
2- عليك أن تعرف فكر الرب عنك وعن مواقف الحياة وسيجعل منك شجرة غرس لمجد الرب.
يعطي رداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة الثقيلة التي لا تستطيع أن تخرج كلمات شكر وحمد، فالله يكسوك برداء تسبيح وشكر وحمد واعتراف بما صنعه الرب في حياتك. مهما كانت الظروف والعواصف ومَنْ وقف ضدك، ثق أن الرب في صفك، وطالما وعد إنه يكون معك لينقذك فهو حتمًا سينقذك، كما هو مكتوب: “ليس الله إنسانًا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟” (عد 23: 19)
ثق أنه كما قال في كلمته إنه سيعطيك جمال عوضًا عن الرماد، فهو ساهر على كلمته هذه ليجريها في حياتك.
ثالثًا: الامتلاء بالروح:
1- ثمر الروح يتعمق فينا في حياة الملء بالروح
“أيها الأحباء، لنحب بعضنا بعضا، لأن المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله. ومن لا يحب لم يعرف الله، لأن الله محبة”. (1يو4: 7 و8). يقول الرسول يوحنا: لنحب وليس: لنحاول أن نحب، لأنه قد وهبت لنا إمكانية الحب الذي من الله. أيها الأحباء، علامة امتلائنا بالروح هي المحبة لأن أول ثمر الروح هو المحبة، وبهذا ينسكب فينا روح المحبة المنسكب في الابن.
2- في المواجهات الصعبة وكل الخطايا فان الروح يسدد احتياجنا للقوة
لم تصبكم تجربة (لا توجد محنة مثل إغراء الخطية أيًا كان ما تقود إليه) إلا بشرية (أي لا إغراءات ولا محن يمكن أن تأتيكم أقوى من أن تغلبها المقاومة البشرية) ولكن الله أمين (لكلمته وطبيعته الرحيمة) الذي لا يدعكم (يمكن أن تضعوا ثقتكم به) تٌجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضًا (دائمًا) المنفذ (الطريق للخروج منها) لتستطيعوا أن تحتملوا (1كو10: 13).
في (2كو12: 7-9)، يشير بولس لمعاناته الشخصية بسبب شوكة في الجسد:
“ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني، لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني”
تكفيك (كافية لحفظك) نعمتي (فضلي ورحمتي) لأن قوتي (قدرتي واقتداري) في الضعف (ضعفك) تكمل. قد لا نُنقذ دائمًا من مصاعبنا في اللحظة التي ندعو فيها باسم الرب. أحيانًا يجب أن نتحملها لفترة ما، فلنكن ممتلئين من الصبر ونستمر في إيمان وثقة ونشكر الله علي هذه الأوقات، فإنه لم ينقذنا في الحال لسبب لا نعلمه، لكنه دائمًا يمنح النعمة التي نحتاجها لنصل للنصرة في النهاية. فبسبب موت المسيح وقيامته، دفُعت أجرة خطيئة البشرية وجاء الروح القدس ليسكن في حياة كل شخص يقبل المسيح كمخلص له.
3- قادنا إلى المخلص وأظهر لنا كيف نسير في الحق. “أن إنجيلنا لم يصر لكم بالكلام فقط، بل بالقوة أيضًا، وبالروح القدس، وبيقين شديد، كما تعرفون أي رجال كنا بينكم من أجلكم” (1تس1: 5).
“الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله” (رو8: 16).
“وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. 14 ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو16: 13 و14).
“وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم” )يو14: 26(
هو شفيعنا في الصلاة (رو8: 26-27).
4- يعطينا الثقة للمثول أمام الآب:
يحررنا من الخوف والقلق أمام الآب (2كو2:3).
إنه يوجه نمونا الروحي حتى نظهر يوما ما مثل المسيح (2كو2:3).
فهل تعرف قوة الروح القدس فيك؟ هل وُلِدت من الروح بقبولك يسوع المسيح كمخلصك؟
“لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16)
رابعًا: الامتلاء بحرارة وقوة الصلاة:
قال الله لشعب إسرائيل: «أميلوا آذانكم وهلموا إليّ. اسمعوا فتحيا أنفسكم!» (إش55: 3)
فمن المهم جدًا أن يكون الإنسان قادرًا على الالتفات إلى الله بكل كيانه.
1- الله يريد قلب يفصل نفسه بهدوء عن كل شيء ويلجأ إلى الله ليصغي إليه.
وعندما نتوقف عن العناد في تسليم إنساننا بأكمله -وشخصيتنا بأكملها- حينئذٍ يتمكن الله من مساعدتنا.
“وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك، وصل إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية” (مت 6: 6)؛ سوف يجازيك سلام القلب والهدوء الروحي.
2- نحتاج في صلواتنا للاستماع إلى روح الله: ما يريد الله قوله لنا له أهمية أعظم مما نريد أن نقول له. فلنؤمن دائمًا بأن صلواتنا ستستجاب، حتى لو لم يحدث ذلك فورًا. فقد صلى دانيال بحرارة إلى الله لعدة أيام لمغفرة ذنوبه وذنوب شعب إسرائيل، ولكنه لم يتلق أي جواب لمدة ثلاثة أسابيع. ثم جاءته هذه الرؤيا :
“رفعت ونظرت فإذا برجل لابس كتانا، وحقواه متنطقان بذهب أوفاز، وجسمه كالزبرجد، ووجهه كمنظر البرق، وعيناه كمصباحي نار، وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول، وصوت كلامه كصوت جمهور. فرأيت أنا دانيآل الرؤيا وحدي، والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا، لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم، فهربوا ليختبئوا. فبقيت أنا وحدي، ورأيت هذه الرؤيا العظيمة. ولم تبق في قوة، ونضارتي تحولت في إلى فساد، ولم أضبط قوة. وسمعت صوت كلامه. ولما سمعت صوت كلامه كنت مسبخًا على وجهي، ووجهي إلى الأرض. وإذا بيد لمستني وأقامتني مرتجفًا على ركبتي وعلى كفي يدي. وقال لي: «يا دانيآل، أيها الرجل المحبوب افهم الكلام الذي أكلمك به، وقم على مقامك لأني الآن أرسلت إليك». ولما تكلم معي بهذا الكلام قمت مرتعدًا. فقال لي: «لا تخف يا دانيآل، لأنه من اليوم الأول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولإذلال نفسك قدام إلهك، سمع كلامك، وأنا أتيت لأجل كلامك. ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحدًا وعشرين يومًا، وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأولين جاء لإعانتي، وأنا أبقيت هناك عند ملوك فارس»” (دا10: 5–13)
فنرى أن الله قد سمع بالفعل صلاة دانيآل منذ البداية وأرسل ملاكه ليقدم المعونة اللازمة، إلا أن قوى الظلمة (المتمثلة برئيس مملكة فارس) جعلت من الصعب على الملاك أن يخترق حصونها، لكن الملاك تمكن من اختراقها ومساعدة دانيآل.
وفي يومنا الحاضر، رغم انتصار الصليب، إلا أن قوى الظلمة لا تزال تعمل. وربما لا تستجاب صلواتنا على الفور في أغلب الأحيان، مثل صلوات دانيال، إلا أن الله يسمعها. فعلينا أن نؤمن بهذا إيمانًا راسخًا.
أخيرًا: لنتضرع إلى الرب لكي يحول كل رماد في حياتنا إلى جمال وكل قبح إلى إشراقة جميلة تليق بجمال الرب يسوع الذي نحبه ويسكن فينا بروحه القدوس.
القس رأفت رؤوف الجاولي