20.4 C
Cairo
الخميس, مايو 2, 2024
الرئيسيةتحقيقاتلماذا ترفض الكنيسة المرأة كـــ "شماسة" ... وهل يتعارض ذلك مع إكرام...

لماذا ترفض الكنيسة المرأة كـــ “شماسة” … وهل يتعارض ذلك مع إكرام المرأة في المسيحية؟!

تحقيق: د. ماريانا يوسف

في ظل صراع دائم، تبحث المرأة عن حقوقها في كل الأماكن والمناصب التي حُرمت منها لعقود كثيرة. ومن الحروب التي تخوضها المرأة حاليًا حربها مع المؤسسات الدينية التي ما زالت تنظر لها نظرة دونية لا تخلو من فكرة عنصرية، إذ تعتبرها كائنًا تنقصه بعض الطهارة، وذلك بسبب الدورة الشهرية، وهو التوجه الذي تتفق فيه بعض المؤسسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.

وإذا كانت المرأة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعلم جيدًا أنها لن تصبح أبدًا قسيسة أو كاهنة تصلي بالناس، وأن هذا الباب مغلق أمامها بالضبة والمفتاح، فإن هذا هو ما دعاها للبحث عن درجة أقل تسمى درجة الشموسية.

وخلال الفترة الأخيرة، شهد الوسط الكنسي حالة من الجدل بعد تداول رواد موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بعض الصور الفوتوغرافية التي يظهر فيها حضور بعض الشماسات ومشاركتهن بالقداس الإلهي خلال مؤتمر لأسرة ثانوي بنات إحدى الكنائس التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

أصل القصة

قام الأب أرسانيوس بصلاة القداس الإلهي خلال مؤتمر بنات ثانوي بإحدى الكنائس التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية داخل الكنيسة، ولعدم تواجد شمامسة رجال قامت الخادمات بمشاركة الأب الكاهن خارج الهيكل. وهذا مسموح به في الكنيسة لأن مثلهن مثل الشعب الذي يقوم بصلوات القداس. ومكتوب في كتاب الخدمة الكنسية “كتيب بترتيبات الصلاة” أن الشعب يشمل رجالًا وسيدات. وقام بتقديم اعتذار مستندًا إلى عدم البلبلة ومدافعًا بأن الكنيسة لا تتبنى كهنوت المرأة.

وتنظر الكنيسة القبطية إلى درجة الشموسية للنساء بشكل مختلف عمن يطالبن به، فالكنيسة تسمح فقط بهذه الدرجة ليس لتلاوة الحان والمردات والمشاركة الجدية في الصلوات و لكنها تسمح بها فقط لمساعدة الكاهن والقس في حفظ النظام وتنظيم السيدات والأطفال أثناء الصلاة وخدمة التربية الكنسية لقطاع الشابات والنساء والأطفال، وأيضًا خدمة المشغل والتطريز وحياكة ملابس الكهنوت والستائر، والخدمات الاجتماعية كرعاية الأرامل والفقراء وبيوت المسنات وبيوت الطالبات المغتربات والمعاقين. وفي الكنيسة القبطية، تنال الفتيات ثلاث درجات هي: مكرسة أي مخصصة لله، ومساعدة شماسة، وشماسة، أي معاونات في المجالات السابق ذكرها، وهن غير متزوجات مثلهن مثل الراهبات، ويرتدين ملابس رمادية.

وتُحرم منها المتزوجات كما لو كان الزواج نجسًا تتنجس به المرأة فلا يحق لها درجة الشموسية، كما أن الكنيسة تمنح تلك الدرجة دون وضع يد مثل الرتب الكهنوتية الدارجة في الكنيسة التي تمنحها للذكور.

البابا تواضروس: المرأة لها دور كبير في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

قال البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إن المرأة لها دور كبير في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولا يمكن الاستغناء عنها، موضحًا أن معظم مدرسي خدمة مدارس الأحد من الفتيات والسيدات، كما أصبح لها مكان في المجالس التابعة للكنيسة، وتُدرِّس المرأة في الكلية الإكليريكية.

وأجاب البابا تواضروس على تساؤلات الأقباط عبر الموقع الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية قائلًا: «الفتاة المكرسة تُرسم شماسة ولها خدمتها، وهناك مساعدة شماسة، أي أن ذلك موجود ولكن هناك فرق في الرسامة بين أمرين، ما بين وضع اليد على الرأس، وهذا معناه رسامة، كما نرسم الأب الكاهن أو الشماس أو الأب الأسقف بوضع اليد على الرأس والصلوات».

وتابع البابا تواضروس: «وهناك شيء آخر هو أخذ البركة، فعندما نرسم شماسة، تُرسم بالبركة بوضع اليد على الكتف، وهذا نوع من البركة للعمل أو الخدمة التي ستقوم بها هذه الفتاة المكرسة».

وأوضح أن الله عندما خلق الإنسان خلق آدم ثم حواء ثم تكاثر الجنس البشري، وعندما جاء المسيح اختار أن يولد من السيدة العذراء، ولكن السيد المسيح عندما اختار تلاميذه، اختار 12 تلميذًا وشرح لهم مفاهيم إيمانية ومفاهيم الخدمة وصاروا هم الخدام، متابعًا أن السيد المسيح كرَّم العذراء مريم وقبلها أليصابات وبعد مجيئه نرى حنة بنت فنوئيل الأرملة، وقد كرَّم كل هؤلاء السيدات، حتى كرم المرأة السامرية عندما رآها بالرغم من أنها كانت مكروهة.

واختتم البابا تواضروس إجابته بأن المرأة لها دور وعمل كبير في الكنيسة، إذ يُعد مدرسو خدمة مدارس الأحد من الفتيات والسيدات، وفي مجالس الكنائس دائماً يوجد عضو أو اثنان من السيدات، وفي الكليات الإكليريكية والمعاهد الدراسية نجد هناك سيدات يُدرِّسن، وحتى في خدمة الكورال في الكنائس نجد الفتيات والسيدات، فكل إنسان فينا له دور يكمل الآخر، فالكنيسة فيها حياة شركة منظمة والمرأة لها دور واسع جدًا في الكنيسة ولا نقدر أن نستغنى عنها.

المرأة والدسقولية؟

ذكرت الدسقولية، «كتاب تعاليم الرسل» الذي تستمد منه الكنيسة القبطية تراثها التقليدي في الباب التاسع عشر: “نحن نأمر ألا يعلِّم أحد من النساء في الكنيسة، بل يصلين لأنفسهن ويسمعن التعليم لأن ربنا يسوع المسيح أرسلنا نحن الاثني عشر لنعلِّم الشعوب والأمم، وأما النساء فلم يرسلهن إلى موضع، ولو أراد أن يرسلهن لما كان يمتنع لأنه كان معنا أمه وإخوته ومريم المجدلية، وأختا لعازر مرثا ومريم، وسالومي ومريم ابنة أكلوبا، وأخريات معهن، فلو كان أمرًا واجبًا أن النساء يعلِّمن لأمر هؤلاء أولًا أن يعظن الشعب. لكن إذا كان رأس المرأة هو الرجل فليس من الواجب أن يترأس الجسد على الرأس.”

شروط لإقامة الشماسات … أرملة عجوز أو عذراء متبتلة

 بينما يحق للرجل الشماس التزوج والمساعدة في إقامة الصلوات والقداسات تُحرم منها النساء، فلا تنال الرتبة سواء الأرملة العجوز التي انقطعت عنها الدورة الشهرية -كما لو كانت عارًا- أو المكرسة (البتول غير المتزوجة)

يقول كتاب “الشمامسة والشماسات” للأنبا متاؤس، أسقف ورئيس دير السريان إنه في بداية العصور الأولى للمسيحية اعتنى القديس بولس الرسول بموضوع الشماسات الأرامل في الكنيسة الأولى، وكتب عنه في الإصحاح الخامس من رسالته الأولى إلى تلميذه تيموثاوس، وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نحدد شروط الشماسة الناجحة، وهي ثلاثة: أولًا، أن تكون أرملة امرأة رجل واحد أو عذراء متبتلة، ثانيًا؛ إذا كانت أرملة يجب ألا يقل سنها عن ستين سنة لئلا تكون سبب عثرة في الخدمة بسبب شبابها وتميل هي إلى الزواج مرة أخرى؛ ثالثًا، أن تكون مشهودًا لها بأخلاق فاضلة وأعمال صالحة وخدمة سابقة ، وربت أولادها حسنًا في مخافة الرب وتقواه، ودبرت بيتها وأولادها وزوجها حسنًا بلا مشاكل.

كان يوجد في الكنيسة خلال عصورها الأولى ما يُسمى “شماسات” ودورهن مساعدة الرسل ومن بعدهم الأساقفة والكهنة في بعض أمور الخدمة، ولم تكن تنتظم في هذه الخدمة إلا مَنْ بلغت سن الستين وتكون في الغالب أرملة، وقد اشترطت قوانين الرسل أن تكون الشماسة عذراء أو أرملة لرجل واحد وقد بلغت سن الستين.

 ولكن مع انتشار المسيحية، بطلت خدمة الشماسات المكرسات في الكنيسة منذ القرن الـ13 عشر، وقد أعادها للوجود البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، حينما رسم عددًا كبيرًا من الشماسات في عيد العنصرة سنة 1981، وكذلك يقوم بعض الآباء الأساقفة بإقامة شماسات مكرسات للخدمة في إيبارشياتهم بذات الشروط المتعجرفة.

كمال زاخر: رفض خدمة المرأة داخل الهيكل مرده إلى عادات المجتمع وليس المسيح

قال الأستاذ كمال زاخر، الكاتب والمفكر القبطي ومؤسس التيار العلماني في الكنيسة: “خدمة المرأة في الكنيسة محل جدل بين مؤيد ومعارض، شأنها شأن كثير من القضايا الخلافية، حيث يختلط الديني بالمجتمعي وكثيرًا ما يتم بينهما تبادل التأثير والتوجيه.”

وتابع قائلًا إن تصرف الكاهن واعتذاره اللاحق كلاهما قناعة فردية، وليست قرارًا كنسيًا. وما أبديه من رأي يبقى رأيًا شخصيًا. لذلك، القول الفصل هو رأي مجمع أساقفتها في إطار إعادة صياغة الأمور محل الجدل. ويبقى أن رفض خدمة المرأة داخل الهيكل مرده إلى عادات المجتمع بالأكثر، واستنادًا إلى موقف القديس بولس الرسول في بعض نصوصه، أو تأسيسًا على ما استقر في عبادات العهد القديم، والاقتراب من هذه القضية يحتاج إلى إعادة فحص منظومة التعليم الكنسي بوعي وهدوء وتجرد.”

القمص دانيال داود: صور الشماسات مخالفة لقوانين الكنيسة … وهذا ليس تقليلًا من شأنها

وعلق القمص دانيال داود كاهن كنيسة مار مرقس ومار جرجس بسوهاج بقوله إنه غير مسموح للمرأة أن تقوم بدور الكاهن ولا دور الشماس في ممارسة الليتورجيا للقداس الإلهي.

وتابع أن ما نراه في هذه الصورة مخالف لتعاليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقوانينها، وليس هذا تقليلًا من شأن المرأة وإنما لكل شخص له دوره، فمثلّا أجهزة الجسم لكل جهاز له دور عظيم ومتناغم مع كل الأجهزة وله قيمته وأهميته، فداخل الكنيسة الكاهن له دوره والشمامسة لهم أدوراهم وللشعب أيضًا له دوره، ولا غنى عن أي دور والكل يكمل بعض وبالتالي لا يتعدى أحدهما الكاهن كنسيًا.

وأكمل قائلًا إنه ما دام قام الأب أرسانيوس بتقديم الاعتذار فهو عالج الأمور تجنب البلبلة، ولكن إن تكرر الأمر فأكيد ستكون هناك مساءلة أمام الجهات المختصة بالكنيسة.

صفحة “نرفض حرمان المرأة في الكنيسة القبطية”: سيامة الشماسات ليست مفهومًا جديدًا … والرافضون يعاملون المرأة بكبرياء وتعالٍ

عبَّرت صفحة “نرفض حرمان المرأة في الكنيسة القبطية” عن رفضها لحرمان المرأة من رتبة الشموسية وأكدت أنها حق أصيل للمرأة حيث ساوى المسيح الذكر بالأنثى وجاء ليخلِّص كليهما دون أدنى تفرقة”، مفسرة هجرة الكثير من الأرثوذكس الأقباط إلى كنائس أخرى مثل السريان أو الروم الأرثوذكس بأنها تساوي الكنيسة في طقوسها ورتبها الكنسية بين الرجل والمرأة وتسمح بشموسية النساء.

وأشارت الصفحة إلى أن قوانين الكنيسة بمنع المرأة من التناول متأصلة فقط في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لأن واضعي هذه القوانين في التاريخ هم أقباط.

وأضافت: “في زماننا أصبح تقريبًا نصف أو أغلب الرجال شمامسة أو نالوا سيامة الشموسية حتى لو لم يعودوا يقومون بخدمة الشماس نظرًا للذهاب متأخرًا للكنيسة أو نظرًا لانشغالهم بأعمالهم أو نظرًا لانضمامهم لكنائس أخرى، مما يعطي شعور بدونية نساء الكنيسة لأنهن في درجة أقل من نصف أو أغلب الرجال، وكثير من الأطفال الذكور يُرسمون في سن سنتين أو ثلاث سنين ويدخلون الهيكل قبل أن يتعلموا الألحان أو إتقان تلاوة المردات بينما تمتلئ الكنيسة بحافظات الإلحان المبكرات إلى الكنيسة ولكن غير مسموح لهم بالمشاركة عن قرب.

إن سيامة الشماسات ليست مفهومًا جديدًا، إلا إن أولئك الذين في السلطة يسخرون من هذه الفكرة … حيث إنهم يعاملون المرأة بكبرياء وتعال.”

لماذا نحتاج رسامة مرتلات وقارئات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ؟

حاولت صفحة “نرفض حرمان المرأة في الكنيسة القبطية” سرد أسباب احتياج الكنيسة لرسامة شماسات:

1- لتحميس الشابات القبطيات لحفظ الألحان القبطية وألحان القداس، وليتعلموا اللغة القبطية، فالنساء أعضاء في جسد السيد المسيح فكيف يحفظن ويحافظن على التراث الكنسي إن لم يمارسنه و يشتركن فيه؟

2- الكثير من الشابات قد تركن الكنيسة القبطية ولا زلن يتركنها يوميًا ويصلين في كنائس لطوائف أخرى مثل الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس والروس الأرثوذكس والكاثوليك لأن هذه الطوائف ترحب بمشاركة المرأة في العبادة الجماعية وتُشرِك المرأة في ممارسة طقوس القداس والطقوس الكنسية عمومًا، على سبيل المثال النساء يقودن الشعب في ألحان القداس والمردات ويقرأن قراءات القداس أسبوعيًا في كنيسة الروم الأرثوذكس.

3- المتزوجون زواجًا مختلطًا يفضلون العبادة والصلاة في كنائس غير قبطية بسبب موقف الكنيسة القبطية من المرأة، فالكنيسة القبطية تنكر على المرأة أبسط مهام العبادة كالاشتراك في القراءات والألحان كقارئات ومرتلات من ضمن الشمامسة.

4- لإعطاء نفس الفرصة للفتيات العلمانيات اللاتي لا يريدن التكريس أو الرهبنة للمشاركة في طقوس القداس في أي كنيسة قبطية مثل أي رجل علماني بدلًا من حصرهن و حصر ممارستهن في أديرة الراهبات فقط.

5- الأسر الصغيرة وحديثو الزواج قد تركوا الكنيسة القبطية ومعهم أطفالهم لأنهم يفضلون أن ينشأ أطفالهم في بيئة لا تفرق بين الولد والبنت في خدمة القداس.

6- البنات القبطيات فقدن الرغبة في حضور حصص الألحان وتعلُّم اللغة القبطية لأن الكنيسة لا تتيح لهن الفرصة لممارسة ما يتعلمنه في القداس مثلهن مثل باقي الشمامسة الأولاد.

7- غالبية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية التقليدية لديها شماسات قارئات ومرتلات ما عدا الكنيسة القبطية.

8- لا يوجد سبب حقيقي في الإنجيل أو التقليد الكنسي أو الدسقولية يمنع المرأة من أداء دور القراءة أو الترتيل كشماسات، فالتفسير الحرفي الخاطئ لبعض آيات من الإنجيل والجهل بتاريخ الكنيسة وعدم البحث في علم اللاهوت الأرثوذكسي الصحيح يوهم الكثير بأن رسامة الشماسات هي بدعة وليست وضعًا طبيعيًا لتطور دور المرأة في العبادة الطقسية.

 وأخيرًا … رغم أن المرأة تبوأت في عصرنا الحديث مراكز مرموقة في جميع الميادين الثقافية والاجتماعية والدينية، فهي الطبيبة والمحامية والقاضية والمهندسة والمدرسة وعضوة البرلمان والوزيرة، كما أنها في الكنيسة عضوة المجلس الملي والجمعيات الخيرية وفي كل هذه المراكز، هي مساوية للرجل في الحقوق والواجبات والإكرام، إلا إنها تقف عن رتبة الشماسية ولا تنالها!

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا