إنها ليست كلمة منفعة بل أنها كلمة المنفعة أو كما يسمونها المصلحة الشخصية، تلك الكلمة التي تتداخل وتربط بين كثير من العلاقات والأحداث والأماكن والبلدان والقارات، فعدو اليوم هو رفيق الغد، ورفيق الغد هو نفسه من كان عدوًا بالأمس، تبطن عكس ما تظهر، وتخفي عكس ما تعلن، خبرتها تكمن في تحينها للفرص وانتهازها للأخذ متى كان الوقت مواتيًا لها، لا تجد من الغضاضة ما يجعلها تتوارى في فعل ما لا يجب فعله في سبيل الحصول على ما تصبو إليه أو تريده، كما أنها لا تتعثر في خجل أو خزي أثناء طريقها للفوز إلى ما تسعى له، مبدأها يختزل في عدم المبدأ، ومثالها يبدأ لينتهي عند انعدام القيمة والقيم، تعطي الزهيد لتأخذ الثمين، تقدم القليل لتستفد بالأكثر فالأكثر فالأعظم!
كلمة تحوي من الأحرف خمسة خصيمها أربعة حروف تجتمع فتكون كلمة، فهى لا تعرف الـ”محبة” ولا تعترف بقيامها، لا تقر بميلادها ولا حتى بنشأتها، مهدها أو حتى مٱلها، غطاؤها هو التملق وصورتها هو التصنع، كما أن سرابها هو المهادنة والمجاملة والخداع!
تأخذ من البغضة المتسترة حليفًا لها كما أنها تنتهج من العداء المستتر منهاجًا ودربًا وسبيلًا، تفترش بالمكر وتلتحف بالاحتيال، الكذب المتجامل والمجاملة الكاذبة هو دمها الذي يسري في كل أوردتها وعروقها وكل شرايين جسدها!
تتلون بعديد الألوان، وتسلك شتى الطرق التي تهدف إلى ما ترنو إليه، تارة تبكي بل تتباكى، وأخرى تضحك أو قل تتضاحك، تذرف من مآقيها الأدمع المتحازنة، فتسيل آخذة بذلك من وجنتيها أرضًا جرداء، فتبدو وكأنها حرباء الصحراء التي تتشكل كما يحلو لها فتخدع وتغوي وتضل!
لها أماكنها الشاغرة فى سرادق العزاء، كما لها من التحيز فى منصات المراقص الملاهى والأعراس، تقدم النصائح المتبطنة بالزيف والدهاء، كما تعرض بعضا مما تخفيه لكنه مغلف بشيء من الموعظة والهداية و الارشاد ، ما أن تصل الى مأربها حتى تكشف عن كل قبح وخبث وعار!
لها من صلادة القلب بما يلين فقط في أعين الغير بينما يحتفظ بداخله بما يكنه ويخفيه، تتجرد من المشاعر فلا تسلم بوجودها ولا تستسلم لشعور الناس لها، بل أنها تنظر للإنسانية لا كقيمة واجبة الحكم والسيطرة والنفاذ، بل كعدو لها استوجب كل حذر وحظر وعداء!
لا تنفع من الغير الا غيرها وذا لأنها المنفعة!!! كما أنها لا تصلح للآخر ولا تُصلِّح من حاله وذا لأنها المصلحة، ذاتية نفعها تعود لها وحدها وانعكاس صلاحها يرجع لها دون سواها! كلمتان لهما من التماثل والتطابق أكثر مما بغيرهما من التنافر والتضاد، تراقبان أو قل تراقب أعين الجميع لها فى صمت، فتصنع وتشكل وتؤسس وتبنى وترسخ وتشيد كافة أفعالها وسط هالة من الحكمة الممتزجة بالدهاء فكان هو الشر المغلف بالجود والإحسان!
تتحمل الكثير من أجل أهدافها التي تضعها نصب أعينها، وتحمل المزيد فوق أعناقها لأجل بغيتها التي تسعى للوصول لها، وحين تصل وتملك وتحقق وتنجز ما تأمل له وتتمناه… نراها وقد أمست وأصبحت كالطيور الجارحة والوحوش الكاسرة… تهاجم وتقتحم وتباغت وتنقض!
اعتبرها الفلاسفة مذهبًا أخلاقيًا ترتبط فيها السعادة بارتباطها بسعادة الآخرين، وأن النفع الناتج عنها لا يحقق مأربه للشخص بالانفصال عن الجماعة والمجتمع، لكنها تنتقل لدى الكثيرين من كونها مذهب أخلاقي إلى كونها رغبة أنوية لارتباطها (بالأنا )، وبعيدًا عن قيم المجتمع التي تحكم الأنا تتحول من الأنا إلى أدنى مراتب الشخصية صفة وهي الأنانية، لا يعرف فيها المرء سوى نفسه ولا يرى غيرها، وعندما صار محور ذاته أصبح لا يتصرف سوى طبقًا لتلك الذات التي غدت أكثر عداءً وعدوانية لوجودها قبل الآخرين!
المنفعة أو كما يطلقون عليها “المصلحة” دائبة البحث عن الفائدة التي تعود عليها دون آخر، وفي طريق البحث عنها تضحي بالكثير، تتخطى كل صعوبة، تتصلب ضد الإخفاق، تتحمس مع كل محاولة، تثب فوق كل حاجز، تعبر من فوق كل مانع، تطفر أعلى كل حائل كما أنها تخرق وتخترق كل عائق…. المنفعة!