كيف سقط الجبابرة؟! 2

31

العدد 187 الصادر في أبريل 2021
كيف سقط الجبابرة؟! 2

  انتهيت في مقالي السابق “كيف سقط الجبابرة؟!-١” إلى سرد بعض الحقائق التي لا مفر من معرفتها وفقًا لما جاء في “نشيد القوس”. ذلك النشيد الذي كتبه وردده وأمر المحيطين به أن يحفظوه ويرددوه، نبي الله داود بن يسى، يوم سقط شاول الملك الأول لإسرائيل وابنه يوناثان ولي عهده في معركة حربية. وهو من خلف شاول كملك على عرش إسرائيل بعد وفاة شاول بن قيس ملك إسرائيل الأول في ترتيب ملوكها.

  أما هذه الحقائق فهي (راجع مقال كيف سقط الجبابرة؟!- ١” بعدد فبراير ٢٠٢١:

  ١- الدرس الأول الذي تعلمته من نشيد القوس أن الجبار الساقط هو جبار بالرغم من سقوطه، وسيظل جبارًا إلى الأبد في فكر القدير، تبارك اسمه، نعم سيظل جبارًا حتى ولو سقط في حرب مادية أو معركة أخلاقية أو حتى روحية.

  ٢- أما الدرس الثاني الذي تعلمته من نشيد القوس هو أنه لابد أن نرثي ونحزن على الجبابرة الذين سقطوا ولا نشمت بهم، ولا نفرح في بليتهم وسقوطهم.

  ٣- الدرس الثالث الذي يمكن أن يتعلمه الإنسان من نشيد القوس هو أن لا ينبش أحدنا في تاريخ الأبطال الذين سقطوا بهدف التقليل من شأنهم وخدمتهم وإنجازاتهم وربما ليصعد على أكتافهم أو ليظهر للناس أنه أفضل من الجبار الساقط.

  ٤- وكان الدرس الرابع هو أنه ينصحنا، بل ويأمرنا الوحي الإلهي في نشيد القوس أن لا نشترك في تبشير أعداء الله وشعوبهم بسقوط الجبابرة.

  ولعله من الأهمية بما كان أن نعرف أن السقوط لا يأتي بغتة ولا يبدأ فجأة بسقوط لحظي، فالسقوط الأخلاقي يشبه إلى حد كبير سقوط بيت كبير بسبب حشرة صغيرة تُعرف في البلاد التي تبني بيوتها من الخشب بحشرة (الترميت) تلك التى نطلق عليها في مصر “النمل الأبيض” وهو نوع من النمل يعيش ويتغذى على الخشب، بعيدًا عن الأنظار، ويبدأ في التهام الخشب من أسفل رويدًا رويدًا عشرات السنين، حتى يصبح من العسير والمستحيل أن يصلح شأن الخشب المتآكل ويصبح الحل الوحيد هو إزالة البيت كله وإذا لم يقم أصحابه بهدمه بإرادتهم، فسينهار عليهم في لحظة وطرفة عين، بالرغم من أن الأساسات الخرسانية التى بُني عليها البيت قد تكون سليمة وقوية، يمكن أن تستخدم مرة أخرى لبناء بيت جديد ولا يستطيع النمل الفارسي هدمها مهما تجمع حول تلك الأساسات أو حاول التهامها والقضاء عليها مهما كانت قوة النمل وحيله وأعداده ومدة بقائه مهاجمًا لأساسات البيت، فالنمل لا يسقط البيت من أساسه، بل من الخشب المبني على هذا الأساس، وهذا هو ما يحدث تمامًا مع الجبابرة الساقطين، فهم لا يسقطون بسبب تغير وتحلل أو تآكل أساساتهم التى قيل عنها في كتاب الله الوحيد “كعبور الزوبعة فلا يكون الشرير. أما الصديق فأساس مؤبد” وقيل أيضًا: “مبنيين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، الذي فيه كل البناء مركبًا معًا، ينمو هيكلاً مقدسًا في الرب”.

  وبناء على ما تقدم فإن شاول سقط وكان سقوطه عظيمًا ليس لأن يديه ورجليه كانت مربوطة بسلاسل نحاس، كما رثا داود رئيس جيشه أبنير بن نير عند سقوطه قتيلاً بالقول: “يداك لم تكونا مربوطتين ورجلاك لم توضعا في سلاسل نحاس. كالسقوط أمام بني الإثم سقطت”. لكن الحقيقة أن شاول كان قد سقط في معارك عديدة قبل أن يسقط جسده ميتًا في معركته الأخيرة مع عماليق.

  والحقيقة إنني أرى أن الغالبية العظمى من المسيحيين المؤمنين الحقيقيين، بل وقادة شعب الله وخدام المسيح متعددو السقوط ولا ينهي السقوط على حياة أغلبهم بالكامل، كما فعل مع القليل جدًا منهم. تمامًا كما حدث مع شاول بن قيس ملك إسرائيل الأول الذي نحن بصدد قصة سقوطه. فلقد سقط شاول من جهة روحانياته وتصرفاته ونفسيته وقرارته واهتماماته وأمانته إلى آخره قبل سقوطه الجسدي بزمن كبير، مما أدى في النهاية إلى سقوطه الجسدي في معركته الأخيرة مع عماليق.

  أ- إن أول أسباب سقوط الجبابرة من القادة والخدام هو إطاعتهم لأوامر إلهنا وطلباته طاعة جزئية غير كاملة سواء في جزئية واحدة من أمر إلهي واحد، أو في اختيار بعض جزئيات الأمر الواحد وإهمال جزئيات أخرى منه، أو في اختيار مجموعة أوامر من عدة أوامر إلهية وتنفيذها وإهمال بقية الأوامر وعدم تنفيذها، فكمثال على ذلك ما حدث مع شاول نفسه، لقد كان أول سقوط واضح لشاول يوم أن أطاع المولى طاعة جزئية في حربه مع عماليق، وللفائدة والتأمل أرجو أن تقرأ – عزيزي القارئ – الآيات القادمة وتتوقف لتتأمل وتفكر في كل كلمة وضعت تحتها خط على حدة، لقد قال المولى لشاول عن طريق نبيه صموئيل: “اذهب، واضرب عماليق، وحرموا، كل ما له، ولا تعف عنهم، بل اقتل، رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملاً وحمارًا”. فذهب شاول، وحارب، وحرم، وضرب عماليق بحد السيف، لكنه “عفا شاول والشعب، عن أجاج (ملك عماليق)، وعن خيار الغنم والبقر والثنيان والخراف، وعن كل الجيد، ولم يرضوا أن يحرموها. وكل الأملاك، المحتقرة والمهزولة، حرموها، فكان كلام الرب إلى صموئيل قائلاً: ندمت على أني قد جعلت شاول ملكًا لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي”.

  وهنا نرى أن كلام، من لا مغير لكلماته، وأوامر، من لا رادًا لأوامره، الفعال لما يريد، لشاول، اذهب؛ فذهب شاول، اضرب عماليق؛ فضرب شاول وحارب عماليق، وحرموا (أنت وشعبك)؛ فحرم شاول وضرب عماليق بحد السيف، ولا تعف؛ فعفا شاول والشعب عن أجاج ملك عماليق وعن خيار الغنم والبقر والثنيان والخراف وعن كل الجيد ولم يرضوا أن يحرموها. وكل الأملاك المحتقرة والمهزولة حرموها، فلم يطع شاول وشعبه الله طاعة كاملة، بل طاعة جزئية مما جعل صموئيل النبي يقول لشاول، هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب رفضك من المُلك”.

  وما أكثر الطاعة الجزئية التي نقدمها ونطيع بها الرب وخاصة الجبابرة من الخدام منا، ونظن أن لا عقاب لها عند القدير مع أن عقابها هو رفض الرب لنا ولخدمتنا من أساسها وسقوطنا كجبابرة الخدمة أمام أعدائنا الجسديين والروحيين.

  ألم يوص القدير أم شمشون “الجبار” حين بشرها بميلاده قائلاً: “ها أنت عاقر لم تلدي. ولكنك تحبلين وتلدين ابنًا. والآن فاحذري ولا تشربي خمرًا ولا مسكرًا ولا تأكلي شيئًا نجسًا. فها أنك تحبلين وتلدين ابنًا ولا يعل موسى رأسه لأن الصبي يكون نذيرًا لله من البطن وهو يبدأ يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين”؟ فأطاعته المرأة طاعة كاملة وتحقق معها كل ما وعدها به الله بحرفيته، لكن ابنها بالرغم من أنه كان جبارًا وخلص إسرائيل من سطوة الفلسطينيين لسنين عديدة، إلا أنه في نهاية أيامه كسر وصية المولى وعلى الموسى رأسه وقص الحلاق سبع خصل شعره، مخالفًا بذلك أمر واحد من أوامر القدير.

  ألم يأمر الله كل ملك يملك على إسرائيل أن “لا يكثر له الخيل ولا يكثر له نساء لئلا يزيغ قلبه وفضة وذهبًا لا يكثر له كثيرًا”؟ فعصى سليمان الملك، أحكم من عاش وسيعيش على وجه الأرض، عصى ربه وأكثر من الثلاثة أشياء التى حذره المولى – تبارك اسمه – من الإكثار منها، فأكثر من الخيل حتى “كان مخرج الخيل التي لسليمان من مصر”. وأكثر من الذهب وجعل الملك الفضة والذهب في أورشليم مثل الحجارة، وأكثر من النساء “وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات، من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم. فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة. وكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري. فأمالت نساؤه قلبه. وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتورث إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب تمامًا كداود أبيه”.

  فإلى نفسي وكل خدام القدير وأولاده وبناته: تذكري يا نفسي أن الطاعة الجزئية تحسب عند القدير تمردًا وعصيانًا، فليست مسرة الرب بالمحرقات والذبائح وتفانينا في خدمتنا له وعملنا لأجله، كما باستماع صوت الرب. فهوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرد (أي الطاعة الجزئية) كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم. وتحسب رفضًا لكلام الرب وتؤدي إلى رفض الخادم من الملك”.

  ٢- أما ثاني الأمور التى تؤدي إلى سقوط الجبابرة من الخدام وقد كان من الواضح أنه تسبب في سقوط شاول أيضًا، بالرغم من أنه قد لا يظهر بوضوح لأعين المحيطين بالجبار، بل يحدث بينه وبين نفسه بعيدًا عن عيون الناس هو في معركة مقارنة نفسه بالآخرين، والغيظ والحقد من نجاحهم والكراهية لهم ومحاولة قتل وتشويه سمعة وإقصاء الزملاء من الخدام المحاربين من المشهد، فعندما قتل داود، الولد الصغير، جليات الفلسطيني بحجر واحد من مقلاعه، أنه “كان عند مجيئهم، (أي مجيء شاول وجيشه إلى بيوتهم) حين رجع داود من قتل الفلسطيني أن النساء خرجت من جميع مدن إسرائيل بالغناء والرقص للقاء شاول الملك بدفوف وبفرح وبمثلثات. فأجابت النساء اللاعبات وقلن: ضرب شاول ألوفه وداود ربواته. فاحتمى شاول جدًا وساء هذا الكلام في عينيه، وقال: أعطين داود ربوات وأما أنا فأعطينني الألوف! وبعد فقط تبقى له المملكة. فكان شاول يعاين داود من ذلك اليوم فصاعدًا (ليقتله)”.

  ٣ ـ أحد أخطر الأمور التى تؤدي إلى سقوط الجبابرة من القسوس والخدام والمرنمين هو غياب الكبير، (الأمر الذي أفردت له مقالاً خاصًا بعنوان “الكبير”) في حياتهم وانفرادهم بأنفسهم بعيدًا عن بقية رجال الله الأمناء والخدام والمشيرين، الناضحين الدارسين وفوق الكل الروحيين، الذين عادة ما يضعهم الله، العليم بكل شيء، في طريقهم وحولهم، ولتأكيد ما أقول، سأسوق لك – عزيزي القارئ – مثالين، أحدهما خاص بي والآخر خاص بأحد خدام القدير المشاهير، لا على مستوى مصر وحدها، بل على مستوى العالم العربي أجمع. أما المثال الخاص بي شخصيًا فهو في علاقتي بقسوس الكنيسة الأمريكية التي أستخدم إحدى قاعاتها لعقد اجتماعاتنا بمدينة الكهون بسان دييجو كاليفورنيا، فأنا بالنسبة لكنيستي التى أشكر الله لأنه شرفني بالخدمة فيها هو القس المسؤول الوحيد عن الكنيسة أو بالتعبير الأمريكي الSenior Pastor. في كنيستي التى نتكلم ونعظ فيها باللغة العربية للجالية الشرق أوسطية في سان دييجو. منذ سنين وجدت نفسي بلا كبير وبلا مراجع أو محاسب أو مراقب لكل ما أعمل في خدمتي في مجالاتها الكثيرة في أمريكا وخارجها، عندئذ قررت أن أعمل شيئين: أولها أن ألزم نفسي – بالرغم من ضيق وقتي – أن أغلق عيادتي الخاصة لمدة ساعتين كل شهر وأذهب لاجتماع شركة روحية مع مجموعة من الخدام والقسوس والمسؤولين عن العديد من الكنائس في سان دييجو كبيرها وصغيرها. في هذا الاجتماع يحكي كل منا ضعفاته واحتياجاته وتطلعاته أمام القسوس الآخرين ويتلقى النصح والإرشاد والتعضيد الروحي والمعنوي منهم. والأمر الثاني الذي عملته بهذا الخصوص هو أنني ذهبت لصديقيّ القسيسين الأمريكيين واللذين قاما مشكورين بإعطائي مكانًا في كنيستهم لأجتمع فيه مع كنيستي، وقلت لهما، أخواي العزيزان أنا أحتاج أن أكون قسًا خادمًا معكما في مجلس إدارة كنيستكما المتحدثة بالإنجليزية، وأن أكون تحت مراقبتكم وملاحظتكم، في البداية لم يفهم القس كبيرهما طلبي وسألني متعجبًا، ناجي أنت القس الأساسي في كنيستك مثلك مثلي، أنت لا تحتاج أن تكون ضمن القسوس الخادمين بكنيستنا، قل لي ماذا سيضيف لك كقس وخادم أساسي لكنيستك المتحدثة بالعربية حتى تطلب أن تكون تحت إشرافنا، أجبته الحقيقة يا صديقي العزيز أنا لا أحتاج كنيستكم في شيء، فلن أتدخل أنا في شؤن كنيستكم الأمريكية وأعلم أنكم لن تتدخلوا في شئون كنيستي المتحدثة بالعربية، قال: إذًا فلماذا طلبك هذا، أجبته: لأنني أود أن أكون تحت مراقبة ومحاسبة والتزام أدبي وروحي أمام من هو أكبر مني سنًا وخبرة في الحياة الروحية وقيادة كنيسة الله عمود الحق وقاعدته، فإذا ما تعبت في المسير، فسأجد من يشجعني، وإذا سقطت أجد من يمسك بيدي ويرفعني، وإن ضللت تعليميًا أجد من هو دارس لكلمة الله، فيرد نفسي يهديني إلى سبل البر، ولعل سائل يسأل، أليس هذا الذي ذكرته وتحتاجه هو دور الروح القدس الذي يسير معنا، أقول: نعم، لكن ألا يستخدم الروح القدس أحدنا ليرشد ويعلم ويقوي الآخر؟ ألم يقل الكتاب أن الحديد يحدد بالحديد والرجل يحدد وجه صاحبه؟، ألم يرسل المسيح خدامه اثنين، اثنين ليتمموا الإرسالية العظمى؟

  أما المثال الثاني الذي حدث مع أحد الخدام الأفاضل والمستخدمين بقوة من الله، كنا يومها مازلنا في عداد الشباب، كان هذا الخادم كاهنًا تحت سلطان الرئاسات الطائفية الكهنوتية، استطاع أخي الكاهن أن يحصل من مباحث أمن دولة مبارك على موافقة بإقامة ثلاثة ليال من الاجتماعات الروحية في أكبر قاعة حكومية بمصر يومئذ، تلك الاجتماعات التي حضرها أكثر من 3000 شخص في الليلة الواحدة، بالإضافة إلى المئات وربما الآلاف التى لم تتمكن من إيجاد مكان لها بداخل القاعة، تلك الاجتماعات التي لم يكن في استطاعة أحد حتى أن يفكر في أن يقيمها في مصر في تلك الأيام وخاصة في أماكن حكومية مملوكة للحكومة المصرية. عندما وصلتني الدعوة الخاصة بهذه الاجتماعات، وكنت بصحبة عدد من الإخوة نتجاذب أطراف الحديث، شعرت بداخلي بأن الموافقة من قبل الدولة لهذا الكاهن العزيز لاستخدام هذه القاعة بالذات ما هي إلا فخ نصب له للإيقاع بينه وبين رئاسة طائفته لشلحه منها، كنت أنا وقتها كثير التردد على مكاتب أمن الدولة، وقد أصبح لي من الخبرة القليلة، لكن الكافية أن تعلمني وتعرفني حيل وتخطيط العاملين بها والمسؤولين عن شئون الكنائس يومئذ، لذا قلت للمحيطين بي في الحال أؤكد لكم أن قرار شلح هذا الراهب سيصدر في اليوم التالي لآخر اجتماع سيعقد في هذا المكان، وقد حدث تمامًا كما توقعت. بعد عدة سنوات قام الأخ العزيز الراهب بزيارتنا في كنيستنا بكاليفورنيا، روى لنا عزيزنا اختبار إكرام الله له بأن منحه تصريحًا من مباحث أمن الدولة شخصيًا باستخدام تلك القاعة والتى لم يستخدمها أحد من قبله وكيف أن الله راضٍ ومبارك لخدمته الروحية حتى جعل الآلاف يحضرون الثلاثة اجتماعات التى أقامها هناك. سألته كيف حصلت على هذا التصريح، قال قدمنا طلبًا لمباحث أمن شئون الكنائس للموافقة لنا على استخدام تلك القاعة، فوافقوا فاستخدمناها، قلت له من المؤكد، حيث أنه صدر قرار شلحك في اليوم التالي لعقد هذه الاجتماعات، أنك لم تحصل على الطلب الرسمي هذا من طائفتك لتقديمه لمباحث شئون الكنائس، قال بالطبع لا، قلت إذًا فما الجهة التى أعطتك خطاب الالتماس بتأجير القاعة من الحكومة المصرية، ذكر لي جمعية شئون اجتماعية تابعة لكنيسة إنجيلية، قلت له عندي سؤال أخير لك، هل هناك مجلس لإدارة حركتكم الروحية في مصر وخارجها، في البداية قال: نعم، قلت: وهل هناك في مجلس إدارة الحركة من هو أكبر منك سنًا، وربما لديه من الخبرة في التعامل مع مباحث أمن الدولة أكثر منك، فهم صديقي سؤالي، فغضب وقال لي: لا أنا أكبر واحد في خدمتنا وأنا المسؤول عنها، قلت إذًا فأنت تحتاج إلى مشير يكون أكبر منك سنًا وخبرة وهذا ليس عيبًا ولا حرامًا، توتر الجو حولنا وبدأ الحضور يقولون كيف تتكلم مع أبينا بهذا الشكل، هو ضيفنا ولا يصح أن نعامله بهذه الطريقة، حاولت أن أفهم الحضور لهذه الواقعة أنني أكن له كل احترام ولم أخطئ معه لا في مضمون الكلام ولا في طريقة التعبير عنه، حيث أنني كنت أتكلم إليه بكل احترام وبساطة لفائدته ومصلحته، فأنا فقط أقدم له نصيحة غالية، كأخ له في المسيح، فليس هناك من هو أكبر من أن يستفيد من نصائح الآخرين. ولابد أن يكون لنا كخدام وملوك وكهنة من هو قادر على ملاحظة تصرفاتنا وخدماتنا وأفكارنا مهما وصلنا من العمر والخبرة والشهرة والتأثير على الآخرين.

  لقد سقط شاول روحيًا بسنين قبل سقوطه ميتًا بالجسد في المعركة التي أنهت على حياته وحياة ابنه يوناثان، لقد سقط شاول يوم لم يعد في شركة مع رجال الله الأمناء الذين كان على رأسهم صموئيل النبي الذي استخدمه الله في مسح شاول ملكًا على إسرائيل، والذي كان يسأل له من الرب ويرشده بتوجيه القدير إلى ما هو سليم ومقبول عنده سبحانه، إلى أن حدث العصيان من جهة شاول لله، فتركه صموئيل “ودار ليمضي، فأمسك شاول بذيل جبته فانمزق، فقال له صموئيل يمزق الرب مملكة إسرائيل عنك اليوم ويعطيها لصاحبك الذي هو خير منك. وذهب صموئيل إلى بيته في الرامة. وأما شاول فصعد إلى بيته في جبعة شاول. ولم يعد صموئيل لرؤية شاول إلى يوم موته، لأن صموئيل ناح على شاول والرب ندم لأنه مَلَّك شاول على إسرائيل”.

  ٤- واحدة من أخطر أسباب السقوط عند القادة والخدام والقسوس، وخاصة في أمريكا، عادة ما تكون بسبب الإمكانيات المتوفرة والظروف المناسبة والحريات الكبيرة وحرص الجميع على أن يحتفظ المرء بخصوصياته بعيدًا عن أنظار الجميع وبسبب المتملقين والمستفيدين والمغيبين الكثيرين الذين يحيطون بالقائد أو الخادم يلبون طلباته دون اعتراض ويطيعون ويبلعون كلامه دون فحص، ويمشون وراءه دون تفكير. فكل الخدمات الكبيرة التى يقودها المشاهير لابد أن تُسمى بأسمائهم، وتظهر أسماءهم الشخصية الرنانة في العنوان الخاص بالهيئة أو الخدمة وغيرها. كأن يقال خدمة ديفيد، أو خدمة حزقيال ولذا ينعدم الإحساس عند قائد الهيئة أو الخدمة بأننا جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات والخدمة في الهيئة، وبأننا في حرب روحية مستمرة حامية الوطيس مع قوات الشر الروحية التى هي في السماويات، تمامًا كما حدث مع داود الملك الجبار حين أرسل عبيده وجيشه إلى الحرب مع الفلسطينيين، أما هو فقيل عنه في كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس: “وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا. فأرسل داود رسلاً وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مُطَّهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة” وهكذا في خضم الخدمة والتعب عادة ما تغوي الطبيعة الجسد الفاسدة والأرواح الشريرة تغوي الجبار للبحث عن إشباع الغرائز والشهوات وطلب الراحة والضمان والاطمئنان في خدمة الله. فالتعود على الوعظ والخطابة، وأخذ مكان الصدارة في اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات، وإلقاء المحاضرات وقيادة المناقشات، والانشغال الزائد بخدمة الرب عن الرب نفسه، يصيب الخادم – إن عاجلاً أم آجلاً – بحالة من الزهو والثقة الكاذبة في قدراته العقلية والعملية والدراسية والروحية، وفي نفس الوقت يصيبه بالتعب والإرهاق الجسدي والنفسي وبالإشفاق على النفس والتمركز حولها والإحساس بأنه يحتاج إلى من يساعده على أن يخرج عن روتينه اليومي وعمله المرهق بطريقة أو أخرى، تلك الطرق البشرية الإنسانية والتى من بينها عمل تمرينات رياضية جسدية للاسترخاء العضلي والعقلي والنفسي، وهذا أمر طبيعي وعادي يحدث مع الكثير من مشاهير الخدام في أمريكا، فيقوم الخادم المقتدر ماديًا مستخدمًا تبرعات المؤمنين الغلابة بتعيين من يساعده أو تساعده في تحقيق ذلك وخاصة من النساء المتخصصات في العلاج الطبيعي والتدليك، فيسقط ويكون سقوطه عظيمًا، فمن منا يضع نفسه في هذا الوضع ولا يسقط؟!، “أيأخذ إنسان نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه؟ أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه؟!”. ألم يخبرنا سبحانه أنه “قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر”؟، ألم يقل الكتاب: “أما الشهوات الشبابية فاهرب منها، واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي”؟

  نعم هناك أسباب كثيرة لسقوط الجبابرة، لكن لهم أيضًا عند ربهم بالروح القدس من النعمة والغفران المبني على التوبة الحقيقية ما يكفيهم للقيام من سقطاتهم مرة أخرى، فيتم فيهم المكتوب: “إذا سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده”. “إذًا من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط”، “لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا”. حيث أن كلنا “في الموازين إلى فوق”. أقول هذا مع تأكيدي على أن السقوط هو سقوط مهما كانت مسبباته وأشكاله ولا يستطيع أن يقوم منه الجبار، إلا إذا صلى طالبًا من الله القيام مرة أخرى واتخذ الإجراءات الاحترازية الكاملة ضد السقوط بكل جدية وفهم ورفض لأسباب السقوط وأعطى الروح القدس الفرصة والإمكانية أن يحفظه ويملأه ويقوده إذا كان مازال حيًا يُرزق. أما إذا كان قد مات، فالأمر يومئذ لله.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا