الصورة كاملة

7

العدد 143 الصادر في أغسطس 2017
الصورة كاملة

   واحدة من أكبر مشاكل الكنيسة اليوم أن قادتها والمعتبرين أعمدة بها على مستوى العالم وخاصة الكنيسة الناطقة بالعربية لا ينظرون إلى الأحداث والمواقف   والفرص والمشكلات والحروب المؤثرة على نمو الكنيسة وتقدمها كوحدة واحدة وفي إطار واحد لصورة كاملة متكاملة، لكنهم ينظرون إلى كل حدث وموقف  ومصيبة واحتياج كوحدة منفصلة عن الأخرى ويتعاملون مع كل منها وكأن لا علاقة لها بالآخر.

   ولذلك فالكنيسة لأنها لا ترى “الصورة كاملة” وليس لديها رؤية موحدة لكل ما يحدث معها وفيها، فهي بالتالي، كتحصيل حاصل، ليس لديها خطة موحدة لمواجهة هذه القضايا والأمور التى تمر بها، ونتيجة لكل هذا، فالكنيسة في كل الأحوال يكون لديها ردود أفعال وليس أفعال تجاه الأفعال، أي إنها لا تخطط لمواجهة ما يمكن أن يحدث لها وبها مستقبلاً وقبل أن يحدث، لكنها تنتظر إلى أن تحدث المصيبة ثم تحاول التخفيف من وقعها وتستخدم في وصفها وتحليلها للأحداث وتهدأتها لاتباعها تعبيرات وكلمات كَنَسِّية لا علاقة لها بفهم وعلاج الأحداث على الإطلاق.

   والعجيب أن عدو الله والكنيسة، إبليس الخصم، يعلم ذلك جيدًا ويعرف كيف يتعامل مع هذه العقلية الكَنَسِّية المغيبة التى تُسَهِّل له مهامه وتحقيق مؤامراته بأفضل وأسرع ما يكون التحقيق لصالحه وصالح مملكته الشريرة، بالرغم من أن كتاب الكتب، الكتاب المقدس، كتاب الله الوحيد، قد نص صراحة على أننا ككنيسة لا نجهل أفكاره، وينبغي أن لا نجهل أفكاره، وقد ميزنا القدير كمؤمنين بالمسيح بإمكانيات خارقة للطبيعة لتمييز الأرواح العاملة معه في مملكته الشيطانية وفهم مخططاته المستقبلية والتصدي لها والقضاء عليها قبل أن تتحقق في عالم الواقع، وأعطانا المولى -تبارك اسمه- أن نفهم حقيقة الأمور التى تمر بنا ككنيسة وكأفراد.

 ولشرح ما أوجزت عاليه، فسأدلل على ما ذكرت بمثلين: واحد يتعلق بالكنيسة وموقفها من المجتمع الإسلامي الذي نعيش فيه وأيضًا الكنيسة وقضاياها الداخلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، في قضية المواطنة بين المسيحيين والمسلمين في مصر التى أصبحت، شئنا أم أبينا، وطنًا للمسيحيين والمسلمين، عندما ينص دستورنا على أن الدين الرسمى لمصر هو الدين الإسلامي، ويصبح هناك، وبناء على هذا النص، وظائف وكراسٍ في الدولة لا يمكن أن يشغلها مسيحي بالقانون أو بالعرف السائد، ثم يتولى رئيس مسلم بعينه عرش مصر ولا يجرؤ آخر أن يتقدم بترشيح نفسه أمامه لمنصب رئيس الجمهورية لا من المسيحيين ولا حتى من المسلمين، ويطلق على نفسه الرئيس المؤمن ويقولها صراحة في وجه المسيحيين أصحاب الأرض أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة، ويخطط لإبادة المسيحيين بكل الطرق السلمية وغير السلمية، ويشجع الصراعات بين المسيحيين والمسلمين، وعندما يصبح هناك جماعات إسلامية، محظورة كانت أم مباحة، وكتاتيب ومدارس وكليات إسلامية لا تقبل سوى المسلمين بمجموع درجات أقل بكثير مما يحصل عليه الطالب العادي لدخول نفس المدارس والكليات، وتمول هذه المدارس والكليات من ضرائب المسيحيين كما المسلمين، وعندما تحض مناهج هذه الكليات ومن قبلها المدارس الأزهرية على كراهية المسيحي ونعته بأشنع الأوصاف بالكفر والشرك بمن لا شريك له، و توجد إذاعات وبرامج دينية إسلامية تمول أيضًا من أموال المسيحيين والمسلمين، ثم يأتي حكم بالسجن خمس سنوات على أطفال وشباب ناشئ صغير بسبب تعبيرهم عن أنفسهم وما يرون في داعش الإجرامية من إزدواجية في الشخصية، فهم يصلون ويتوبون ثم يقتلون الخلق ويعذبونهم، وغيرها من أحداث الأسلمة القسرية للقاصرات، وتهجير المسيحيين من بيوتهم وإجبارهم على ترك أراضيهم وأشغالهم، ثم عندما يقوم العدو بتفجير كنيسة وقتل العشرات من المسيحيين المصلين المسالمين، و…و… و…وبدل أن تتعامل الكنيسة مع القليل الذي ذكرته سابقًا والكثير الكثير جدًا مما لا يتسع المجال لذكره، كوحدة واحدة وتضعه في إطار واحد وترى “الصورة كاملة” لكل ما يحدث معًا، تقوم الكنيسة بتقطيع هذه الصورة الكاملة إلى صور كثيرة وأجزاء لا علاقة للجزء فيه بالكل، الأمر الذي يجعل الصورة مقبولة للمشاهد المسلم وفي كثير من الأحيان تكون مقبولة حتى من المشاهد المسيحي نفسه بنسب متفاوته، وفي معظم الأحيان يقتطع المغرضون أو المأجورون أو المسيحيون المغيبون جزءًا أو مشهدًا من الصورة ويقومون بدمجها في غير مكانها مع صورة أخرى، حتى لا يركز المشاهد على الجزء المقطوع، بل يتوه في الكل، ومَثَلُ ذلك عندما يحدث تفجير ما في كنيسة أو مبنى مسيحي، يقوم سابقو الذكر بقطع هذا المشهد ودمجه مع صورة كبرى لداعش وأعمالها الإجرامية على مستوى العالم ويقدمون لك ما حدث في تفجير الكنيسة في مصر على أنه داعش، وما أدراك ما داعش، وما تعمله في العالم أجمع ويضعون ما حدث في إنجلترا وفرنسا وألمانيا وغيرها في نفس الصورة وكأن الاضطهاد الممنهج للمسيحية والمسيحيين في مصر لم يبدأ منذ الغزو الإسلامي لمصر وبدأ فقط بوجود داعش، فقبل داعش لم يكن هناك حرق للكنائس أو قتل للمسيحيين أو خطف وأسلمة للقاصرات أو جلسات صلح عندما يعتدي المسلمون على المسيحيين يحضرها الطرفان ويقبل المسيحي فيها بما يمليه عليه المصالحون، حتى لو كان مجحفًا وكأنه لم يكن هناك قبل داعش مناهج ومقررات داعشية في المدارس تعلم الصغار كيف يكرهون الآخر، وكنا كمسيحيين نعيش في سلام ووئام مع محتلينا المسلمين، واليوم فنحن كمسيحيين نعيش أزهى أيامنا وعصورنا.

   وواضح أنه إذا لم تر الكنيسة الصورة كاملة، فلا يمكن لها تشخيص الأسباب والمسببات والأعراض والعلامات، فتشبه في ذلك طبيبًا لا يريد أن يتعب نفسه في علاج المريض أو جاهلاً ببواطن الأمراض، فاضطر أن يحفظ أسماء بعض المسكنات أو المضادات الحيوية التى يصفها لكل مرضاه في كل الأحوال، وبدل أن تبحث الكنيسة لماذا تم تفجير هذه الكنيسة أو تلك ومدى مسؤليتها ومسؤلية القائمين عليها ككنيسة، ومدى مسؤلية الدولة وقادتها عن هذا التفجير، وكيف تمنع الكنيسة والدولة تفجيرات قادمة وتضع خطة محكمة لمعالجة هذا الأمر ومسبباته، تطلق الكنيسة على الحدث بعض العبارات والآيات التى لا تنطبق بأي حال من الأحوال على الحدث أو الواقع كأن تدعو القتلى جميعًا شهداء ثم تقول:”نحن كنيسة شهداء منذ البداية”، ويخرج الكهنة والقسوس متصنعين السلام والهدوء والتأمل العميق ويقولون لأم فقدت ابنها أو ابنتها مبروك عليك أنت أرسلت عروس للسماء وخاصة إذا كانت الوفاة في قداس الأحد ويا حبذا لو كان في قداس عيد الميلاد أو القيامة يصور المغيبون أو المغلوبون على أمرهم من الكهنة والقسوس المتوفاة على أنها حصلت على مقام أكبر من رتبة شهيد أو شهيدة لأنها ماتت في هذا التاريخ بالذات، ويضعون بقصد أو غير قصد أم المتوفي أو المتوفية أمام الكاميرات مسروقة بسكين الحدث، فتبدأ في ترديد نفس العبارات التى يرددها من حولها ونفسها تنزف دمًا من الداخل على ابن أو ابنة أو زوج سترجع إلى البيت من دونه، وسيتركها الجميع ويرحلون إلى حال سبيلهم وسيغلق الباب عليها وحدها دونهم وستلهب قلبها الذكريات على ما فات وما ضاع دون سنيد أو عضد، ولولا رحمة وعون ومحبة المسيح الرقيق الذي يعزي النائحين لنزلت هؤلاء الأمهات إلى الهاوية بحزنهن، هذا إلى جانب الاقتباسات الأخرى من الكتاب مثل العالم وضع في الشرير، وأنه في العالم سيكون لكم ضيق، ونحن ننتظر المدينة العتيدة التى لها الأساسات، وتبدأ الكنيسة في قراءة الصورة الجزئية التى بين يديها بمفهوم “إسخاتولوجي”أي علم الأخرويات، فتهرب من الحالي وتدفن الرأس في الرمال. ليس ذلك فقط، بل ليتنا نرى “الصورة كاملة” من جانب علم الأخرويات، لكننا نقتطع جزءًا كبيرًا منها ولا نراه بنفس منظار الإسخاتولوجي، فلقد تكلم المسيح-تبارك اسمه- بفمه الطاهر عن هذه “الصورة كاملة”في أيام إقامته على الأرض، حيث يذكر الكتاب في الإنجيل بحسب البشير متى والأصحاح الرابع والعشرين “وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين: “قل لنا متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر”  فأجاب يسوع: “انظروا لا يضلكم أحد.  فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح ويضلون كثيرين. وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. انظروا لا ترتاعوا. لأنه لا بد أن تكون هذه كلها. ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن.  ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع.  حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي.  وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضًا ويبغضون بعضهم بعضًا.  ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين.  ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين.  ولكن الذي يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص.  ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهى”. هذه هي “الصورة كاملة” التى رسمها رب المجد. فلقد أراد تلاميذه، له المجد،أن يعرفوا الإجابة على كلمة واحدة وهي “متى؟”ولربما ظنوا أنه سيذكر لهم تاريخًا: يومًا أو شهرًا أو حتى سنة لمجيئه، فهذا كل ما يريدون أن يعرفوه، لكنه في إجابته حدثهم عن أمور كثيرة وأراهم “الصورة كاملة” ولم يذكر لهم متى سيأتي، فحدثهم عن أن كثيرين سيأتون باسمه، وما أكثر من ادعوا أنهم المسيح أو قادمون إلى القطيع باسم المسيح والمسيح منهم براء، وحذرهم من أن هؤلاء الذين سيأتونكم باسم المسيح كثير منهم مضلون، وما أكثرهم في هذه الأيام، فتاريخهم وحيلهم وشرورهم تملأ المجلدات، المضللون الضالون يتبعونهم لا لشيء إلا لأنهم قبلوا روح الضلال فأضلهم، ثم تكلم عن الحروب وأخبار الحروب وقيام أمة على أمة ومملكة على مملكة والأوبئة والمجاعات وتسليم الأشرار للمؤمنين لمجامع ومحاكمات و…و…و… نعم أراد التلاميذ أن يقتطعوا جزءًا من الصورة ويركزوا عليه، الجزء الذي يهمهم، فقد كانوا يترقبون عودته وملكوته الحرفي ليملكوا معه وليجلس واحد عن يمينه وآخر عن يساره، وهم ونحن نرى الصورة غير كاملة، نراها لكننا لا نرى أنفسنا فيها وما ينبغي علينا عمله تجاه الحروب والأوبئة والزلازل وصراع الممالك والأنبياء الكذبة وتسليم البعض، البعض الآخر ولا نرى فتور المحبة وبرودها ولا الكرازة ببشارة الملكوت لجميع الأمم؛ وحتى لا نرى المنتهى وقد قارب، ولذا فقد نفد صبرنا من زمان بعيد. أعلم أن هذا المقطع من الكتاب المقدس يتكلم عن نهاية الدهر وما سيحدث مع الأمة اليهودية، لكن ما سيحدث مع الكنيسة جسد وعروس المسيح سيسبق كل هذا، وهذا جزء أيضًا مقتطع من الصورة الكاملة.

   الأمر الثاني الذي لا بد من رؤيته كصورة كاملة هو ما يحدث في الكنيسة اليوم، ففي الكنيسة العامة توجد عدة مشاهد مختلفة يمكن مشاهدة كل منها على حدة دون وضعها في الصورة الكاملة، فهناك ما يحدث في الترنيم ومع المرنمين، ثم ما يحدث مع القسوس والخدام، مشهد آخر طل برأسه السخيف ما يحدث في مجال المشورة، وآخر في كليات اللاهوت، وغيره في غياب الكبير، والبث المباشر للاجتماعات والناس في البيوت والكنائس عبر الشاشات، حتى أساليب الإضاءة والتصوير والإخراج التليفزيوني من داخل الكنائس، ناهيك عن الفضائيات وما يحدث بها. والملاحظ أننا عندما نتعامل مع كل ما سبق من مجالات وخدمات وأنظمة في الكنيسة لا نتعامل معها كوحدة واحدة، ولا ننظر إلى “الصورة كاملة”وكل منا يرى ما يريد أن يراه في الصورة فقط ويغفل أو يتغافل عن البقية كما ذكرت سابقًا، ويحاول العدو الشرير أن يقنع قادة الكنيسة وبالتالي الشعب المسيحي السائر وراءهم أن لكل تخصصه، فالمتخصص في الترنيم لا بد أن يهتم بالترنيم ويرى الترنيم في الصدارة في الصورة، ثم المتخصص في الوعظ لابد أن يرى الوعظ والواعظ في أهم مكان في الصورة، وهكذا المتخصص في المشورة أو الفضائيات أو..، أو..، أو.. قد يبدو هذا أمرًا منطقيًا وعمليًا وفنيًا ومطلبًا ملحًا لابد من اتباعه لنجاح الخدمة وتقدم الملكوت، لكنى أرى أن هذا الأمر مع أنه منطقي وعملي صحيح لا اعتراض عليه إلا أنه ليس كاملاً ولا يؤدي بالكنيسة أن ترى “الصورة كاملة” كوحدة واحدة وهذا عين ما يريده الشرير وهو أن تتجزأ الصورة ولا يرى القادة “الصورة كاملة”، فهو يرى أنه إذا رأى القادة الصورة كاملة، فلا بد أن يعلموا أن كل منهم يحتاج إلى الآخر، الأرثوذكسي مع الكاثوليكي مع الإنجيلي، الرسوليين مع المشيخيين مع كنيسة الإيمان ونهضة القداسة… إلخ، وسيدرك الجميع أن خدمة كل منهم مرتبطة بخدمة الآخر، وأن نجاح خدمة الترنيم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بخدمة الكلمة وهذان مرتبطان بخدمة التدبير والأعوان ويضاف إليهما خدمة الافتقاد وبالتالي المشورة و..،و..،و.. ألم يصلِ –تبارك اسمه- لأجل الكنيسة وأعضائها كجسد المسيح ولأجل “الصورة كاملة”أن “يكونوا واحدًا،كما أنه والآب واحد”، وأن يرى العالم أنهم واحد في صورة كاملة، ليعلم العالم أن الآب أرسل المسيح إلى العالم ويعلم العالم من هو المسيح وما هي حقيقته؟؟!!. ولعلم الشرير ومعرفته بهذه الحقيقة وإقراره بأن هذا ما يهدده في عقر داره، وأن هذه هى الطريقة الوحيدة التى لا تسمح له أن يتواجد وسط الإخوة بكنيسة الله عمود الحق وقاعدته، لذا فهو يعمل كل جهده على أن لا يرى المؤمنون “الصورة كاملة”، فهو يعمل دائمًا بمبدأ “فرق تسد”.

   هل يمكن أن ترى الكنيسة اليوم “الصورة كاملة”؟ هل للكنيسة أن تسأل نفسها كجزء من رؤية الصورة كاملة لتشخيص المرض وعلاجه في مجال الترنيم مثلاً لماذا كل هذا اللغط والخلاف والمجادلة والشقاق بين إخوة ومرنمين يحبون الرب مخلصين يريدون أن يروا المسيح ممجدًا في مصر؟، لماذا الخلاف بين ما هو صوفي وماهو ليس بصوفي؟، لماذا الخلاف حول أن تحمل الترانيم اسم المسيح أو أن تقدم إلى الله؟، لماذا أصبحت معظم الترانيم كموسيقى عمر دياب ونانسى عجرم وأصبح جل المرنمين يتسابقون لتقديم نوع معين من الموسيقى يتراقص عليه المرنمون وبعض هذه الأنغام مأخوذ حرفيًا بالكامل من أغاني عالمية؟، لماذا يدور نقاش أو خلاف حول إمكانية استخدام موسيقى الأغاني العالمية ووضع كلمات روحية لها؟، لماذا يدور خلاف حول نوع الترانيم إن كانت إنجيلية أم أرثوذكسية؟، لماذا كثر عدد المرنمين الذين لا عمل لهم في حياتهم سوى أن يتنقلوا من اجتماع لاجتماع ويعرفون أنفسهم في الكنائس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي بكلمة “المرنم”أو “المرنمة”؟، هل أصبح الترنيم وظيفة تسبق اسم المرنم حتى تعطى له أهمية وتجذب الأنظار إليه وتحقق وتشبع رغبته في أن ينتبه لوجوده الناس؟

   ثم ماذا عن مجال المشورة؟ العلم الذي من المفترض أنه يرشد الناس كيف يتعاملون مع نفوسهم ومن حولهم ومن خلقهم بصورة صحيحة، العلم الذي أصبح ألعوبة في يد  كليات اللاهوت المحترمة والمضروبة، ودخل إليه كل من هب ودب وأصبحت كلمة مشير أو مشيرة كلمة سحرية يتسابق للحصول عليها الكثيرون، وتتسابق كليات اللاهوت الحديثة لتدريسها، ومع اقتناعي الكامل بتدريس علم المشورة الكتابية للقادة والخدام والقسوس، وأهمية هذا العلم في مساعدتهم على بناء حياتهم الشخصية وحياة مخدوميهم، وكنت أنا شخصيًا أول من أدخل مادة المشورة لكلية اللاهوت بكنيسة المسيح عام ١٩٩١ وقمت بتدريسها، وقبل أن يتواجد أي من المشيرين الحاليين أو تبدأ كليات اللاهوت في التفكير في تدريسها، بالرغم من كل هذا، فما يحدث اليوم في الكنيسة الإنجيلية على اختلاف مذاهبها في هذا المجال يدعو للرثاء والخوف والرعدة من العواقب الناتجة عن المشورة في الغالبية العظمى من الأحوال على يد كثيرين من المرضى نفسيًا والمعوقين ذهنيًا والفاشلين أسريًا، مع علمى الكامل أن هناك من هم جديرون بلقب مشير ومن المشيرين من هم مدعوون ومدعومون من الإله الحكيم العليم المعين، إلا أن معظمهم يحتاجون إلى إعادة برمجة كتابية ونفسية ومعلوماتية وخبرات عملية حتى يصلحوا لحمل هذا اللقب وممارسة هذه الخدمة الخطيرة، وما أدل على ذلك مما حدث مع شيخ المشيرين بعد أن فجأة بدأ التفكير بصوت عال ثم انتبه أنه على الهواء مباشرة وأن التفكير بصوت عالٍ على الهواء وصفحات التواصل الاجتماعي له ثمنه الباهظ وخاصة إذا لم يكن تفكيرًا سليمًا وصحيحًا وخاصة إذا كان يمس نصوصًا واضحة لا تأويل فيها ولا اختلاف وبالذات إذا كان هذا التفكير بالصوت العالي لا يعمل على تقدم الكنيسة ونموها وبناء أعضائها، بل على العكس تمامًا، فهو يفتح بابًا شيطانيًا عليها وعلى تعاليمها لتقسيمها وإدانة روادها بعضهم لبعض، ويشكك في ميلاد المسيح العذراوي، وحيث أن العدو يعلم أن مسألة الصليب والقيامة ونتائج عمل المسيح على الصليب من غفران وخلاص من الخطية وتطهير المنجسين وتقديس القديسين وغيرها كله مرتبط بميلاد المسيح العذراوي الذي ليس من مشيئة جسد أو مشيئة رجل أو بإحداث طفرة في البويضة الأنثوية للعذارء المطوبة، بل “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضًا المولود منك يدعى ابن الله”،فهو يحاول لو أمكنه أن يضرب كل هذا من المنبع من رحم القديسة العذراء مريم وما حدث فيه لتلد لنا الإنسان يسوع المسيح رب المجد والإله المتجسد. والعجيب أنه اتبع نفس النهج الذي يتبعه راعي كنيسته سابقًا وهو أن يدلي بالتصريح وعندما تهيج وتميج الدنيا عليه، ينسحب ويعلن اعتذاره ورجوعه عن تصريحاته وأفكاره وهكذا يعلن عن إيمانه بالميلاد العذراوى. هذه الحادثة بالرغم من فداحتها إلا أنها لابد أن تقرأ في سياقها ومكانها ومن خلال “الصورة كاملة”، فهى ليست صورة وحدها في حد ذاتها، بل هى جزء من صورة أكبر تضم انغماس كنيسته في السماح لروح الإسلام بالوضوء داخلها وبالصلاة على منبرها والاشتراك في موائد رحمان وإفطار رمضان وإيمان بتحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح الحقيقي ودمه الحقيقي ومفارقة الروح القدس لجسد المسيح في القبر وإمكانية ظهور القديسين والقديسات الراقدين والراقدات مرة أخرى بأجساد نورانية فوق الكنائس، ووجوب اعتذار المؤمنين الإنجيليين للشعب الأرثوذكس لما ارتكبناه ضدهم من اضطهاد والبقية تأتي “الصورة كاملة”.

   أما عن أساتذة كليات اللاهوت، فحدث ولا حرج! عن ما يعلمونه للمساكين الذين أرادوا مخلصين أن يكرسوا حياتهم لخدمة السيد من أن الخلاص لا يحدث في لحظة بل يأخذ العمر كله دون أن يحددوا أي نوع من الخلاص هذا الذي يحدث أو لا يحدث في لحظة، أو ما هو نوع الخلاص الذي يستمر العمر كله، ويلقنونهم لاهوتًا اجتماعيًا تحرريًا دون أسانيد أو أدلة كتابية راسخة أو القسوس الذين يقحمون أنفسهم في الفتاوى حول ما لا يعلمون أو حول موضوعات قتلت بحثًا في مجامع مسكونية شكلت تاريخ المسيحية. ويعوزني الوقت ومساحة النشر لو تناولت بالتحليل فيما أريد توضيحه في هذا المقال بالذات من جزء الصورة الخاص بالفضائيات وما يرتكب في معظمها من الجرائم الروحية وغيرها الكثير الكثير. لكني أعود مرة أخرى من حيث ما بدأت ألا وهو أن كل ما تقدم لابد أن يرى في صورة كاملة واحدة، فلماذا تجمعت كل هذه الأمور في كل نواحي الخدمة المسيحية في مصر في وقت واحد؟ لماذا طفت على السطح في غضون سنوات أو قل بعضها في شهور قليلة ماضية؟ وبالتالي ما الذي يمكن أن يكون مخبأ للكنيسة في المستقبل؟، أين كانت هذه التيارات والفتاوي والنظريات أيام القس إبراهيم سعيد، و لبيب مشرقي وغبريال رزق الله وأميل بطرس وسامي لبيب وإلياس مقار وعياد زخاري وبرنابا نوس وفهمي حناوي وعزت عطية وغيرهم من عشرات رجال الله الذين أفنوا حياتهم في خدمة المسيح والكنيسة وغيرهم ممن لازالوا على قيد الحياة ليشاهدوا هذه المأساة الكنسية التى ما كان ممكنًا أن يكون لها مكان في أيام شبابهم كالعلامة مفيد إبراهيم سعيد والمفكر نعيم عاطف، وغيرهم.

   وللإجابة على سؤالي السابق وهو لماذا تجمع كل ما ذكرت سابقًا في وقتنا الحالي أقول:

١- هذا ما أنبأ به المسيح -تبارك اسمه- وأطلق عليه مبتدأ الأوجاع، وهو تعبير طبي، فالأجنة دنت إلى المولد.

٢- العدو يعلم أن له زمانًا يسيرًا ليضل المختارين لو أمكنه ذلك ولذلك، فهو يكثف نشاطه ليضل أكبر عدد ممكن من البشر.

٣- العدو يعلم جيدًا أن مصر وكنيسة مصر هى مفتاح العالم العربي الإسلامي كله، وأن ما يحدث في مصر ينعكس بالتبعية على كل البلاد العربية والتشويش في الكنيسة المصرية ينتقل كانفجارات مدوية في الكنيسة في البلاد العربية، وهو يعلم الدور الأساسي الذي كان للكنيسة المصرية في الوصول إلى كافة الدول العربية ولا تزال مصر منوطًا بها هذا الدور ولذا، فأسهل وسيلة يقطع بها العدو العلاقة والتأثير المصرى على الكنائس في الوطن العربي هو ما يحدث الآن في الكنيسة المصرية المسيحية.

٤- العدو يحاول جاهدًا أن يلهي الكنيسة في مصر في مشاحنات ومجادلات واختراع نظريات وافتتاح فضائيات وفتاوى وخناقات حتى يمرر مشاريع القوانين الإسلامية في البلاد العربية دون أن تنتبه الكنيسة أو تطلب من إلهها، كما طلبت الكنيسة الأولى قائلة:”والآن يا سيد انظر إلى تهديداتهم وامنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع”.

٥- لنعلم أن نجاتنا تقترب وأن مجيء المسيح على الأبواب، فاستعدوا يا أحباب سنخطف على السحاب لما يسوع يجي.

   إن ما تحتاجه الكنيسة اليوم أن تنظر إلى كل ما يحدث فيها وبها ومن حولها في إطار واحد لنرى “الصورة كاملة”.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا