العدد 118 الصادر في يوليو 2015 ازدراء الأديان قضية من اختراع الشيطان
أرسل لي صديق رسالة إليكترونية بعنوان بلاغ للنائب العام ضد عمارة، رئيس تحرير مجلة الأزهر، بتهمة ازدراء الأديان، وذلك لما كتبه الأخير في كتابه، “دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام” والتى وصف فيها الكاتب المسيحية بأنها ديانة فاشلة تحت عنوان “فشل المسيحية في الشرق الأوسط”، وفي البداية أقر أنني لم أقرأ الكتاب ولست أظن أن لدى الوقت لقراءة مثل هذه الكتب، وأن الهدف من كتابة هذا المقال لا هو تفنيد أو تأكيد ما كتبه عمارة في كتابه وإلا لكنت مضطرًا لقراءته قبل الكتابة عنه، ولا التركيز على ما كتب فيه عن المسيحية، فالمسيحية الحقيقية في مفهومنا المسيحي هي شخص المسيح ذاته – تبارك اسمه- معلنًا في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس بعهديه، وعلى هذا الأساس وبناء على هذا المفهوم المسيحي نرى أن المسيحية الحقيقية لا يمكن أن تفشل أو تكون فاشلة أو تؤدي إلى الفشل، فهذه ليست صفات المسيح وبالتالي فهي ليست صفات المسيحية الحقيقية، ولذلك، فإن موضوع الدفاع عن المسيحية ومحاولة إثبات عدم فشلها يكون موضوعًا مضيعة للوقت والجهد وإعطاء الخصوم قدرًا أكبر من قدرهم ومكانة أعظم من مكانتهم الحقيقية وشهرة في عالم العقلاء من الأحياء هم لا يستحقونها، ويكفي أن الذين يتهمون المسيحية بالفشل هم أنفسهم الذين يحاولون أن يصوروا للناس أن لديهم في دياناتهم ما للمسيحية من سلام وحب وتسامح ومودة وحضارة واحترام للإنسان، بغض النظر عن دينه وجنسه وعرقه، وما للمسيحيين من علم وتكنولوجيا وحضارة واختراعات وغيرها لكن هيهات! بالرغم من أن مسيح المسيحية لم يقل لمفدييه إنهم خير أمة أخرجت للناس مع أنهم كذلك، ولم يقل لهم كُتب عليكم القتال كما كُتب على الذين من قبلكم، ولم يسمح لهم بزواج أكثر من واحدة تحت أي بند من البنود، إلا أن الناس يشهدون في كل مكان وزمان عن عظمة المسيح والمسيحية ما خلا الأزهر المصرى، أما السبب في عدم تناولى كتاب عمارة وعدم اكتراثي به، فهو أن كل هذا قام به الصحفي المتميز روبير الفارس والذي أهنئه على سبقه المعهود منه في نشر وفضح خفايا القضايا الجادة في أعماله الصحفية سواء أكان في جريدتنا (الطريق والحق) أو غيرها من الصحف والمجلات. ولقد كان الإيميل الذي أرسله لي صديقى يحتوي على رأي كل من الدكتور فريدي البياضي عضو مجلس الشورى السابق والمستشار نجيب جبرائيل، وبالطبع وكما هو متوقع ومؤكد أن كل منهما، د. فريدي البياضى والأستاذ نجيب جبرائيل كانا يستنكران بشدة ويدينان ما كتبه عمارة عن أن المسيحية “ديانة فاشلة” والتى عبر بها رئيس تحرير مجلة الأزهر عن قناعاته الشخصية ووجهة نظره في المسيحية ولا حرج عليه أو حاجر على رأيه، على الأقل في رأيي الخاص، فيما يكتبه حتى ولو ازدرى ليس بالمسيحية كديانة فحسب، بل وبالمسيح نفسه حجر الزاوية بها، تبارك اسمه، أو ازدرى برسله وأنبيائه وأتباعه من المسيحيين، سواء أكانوا مسيحيين حقيقيين أي أولاد الله الذين قبلوه، سبحانه، ربًا وسيدًا ومخلصًا لحياتهم وحجر الزاوية بها أم كانوا مسيحيين بالاسم فقط لا يعرفون عن المسيح والمسيحية إلا الأسماء والطقوس وقشورها الخارجية فحسب، وأنا لا أوافق على الازدراء بالأديان لأي سبب من الأسباب، لأن الازدراء بالأديان يعنى الازدراء بالإنسان نفسه، فالدين لا يصبح دينًا إن لم يكن له إنسان يؤمن به، والازدراء بالإنسان مرفوض إنسانيًا ودوليًا واجتماعيًا ودينيًا وأخلاقيًا وغيرها. وأبني رأيي في هذه النقطة على عدة ركائز:
أولاً: إن كل مخلوق على هذه البسيطة له الحق أن يعبر عن رأيه بطريقة سلمية حتى لو كانت كلماته ستجرح الآخرين، من وجهة نظرهم، وبالطبع لا بد له أن يتحمل ردود أفعال الآخرين ونقدهم حتى لو كانت جارحة له، من وجهة نظره. فما يهذب ويقنن ويساعدنا على التحكم وانتقاء أقوالنا وألفاظنا وآرائنا وأفعالنا أو ردود أفعالنا ليس ما يراه أو يقوله عنا الآخرون بل المفروض ما تمليه علينا ضمائرنا وتعاليمنا الدينية وقناعاتنا الشخصية وتربيتنا البيئية، وأشياء أخرى كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقال، فلو كانت ضمائرنا مغيبة أو مخدرة ومسممة بتعاليم دينية تحض على كراهية الآخر وتسمح بالانتقام منه بالسيف والخنجر والجنزير وبإجباره على ترك دينه ودخوله دين الآخر بالقوة أو التملق والإغراء أو الانزلاق في الرزيلة أو الخطف للقاصرات وغيرها، وإن كانت قناعاتنا الشخصية المبنية على تعاليمنا الدينية تعلمنا أننا خير أمة أخرجت للناس وأننا كنا أصل الحضارة الذين علمنا الشرق والغرب الحساب والهندسة والطب والتجارة والزراعة وكلها كذب بين، وإن كانت تربيتنا قد بدأت في صحراء في عصر الجهل والهمجية واقتصرت، كما علمنا العادل منا، على حب الرماية وركوب الخيل ونكاح ما طاب لنا من النساء مثنى وثلاث ورباع، بالإضافة إلى ملكات اليمين، وإن كان قد كتب علينا الجهاد بالسيف والخيل والرماية وشق البطون وقتل المقاومين والمقاتلين والناقدين لنا بأبشع الطرق حتى لو كانت بشق النساء بين شجرتين أو دفن قبيلة كاملة، لأنها تخالفنا في الدين حتى لو صح أنها قد اعتدت علينا و.. و.. و.. وما خفي كان أعظم، لو كانت هذه كلها هي ركائز مكونات شخصياتنا في حياتنا الدنيا، سواء أكانت منصوص عليها في كتبنا الدينية أو تبنيناها نحن كتعاليم سماوية، إذًا فلا حرج علينا ولا يجب أن يكون هناك عاتب على ما نقول أو نفعل حتى لو كان واضحًا سافرًا أننا نتهم دين الآخر بأنه دين فاشل.
ثانيًا: أما السبب الثاني في أنه لا حاجر ولا عتاب على من يسئ للمسيح أو المسيحية أو المسيحيين هو أن المسيح والمسيحية كالنخلة العملاقة التى يحاول الأقزام في كل دين أو دولة أو جماعة تدميرها وإخفاء ثمارها ومعالمها فيلقونها بحجارة التشكيك والتجريح ومحاولة الإنقاص من قدرها وجمالها ونجاحها في الدنيا والآخرة فلا تلق لهم في مقابل كل هذا إلا طيب الثمر، فحق في ذلك قول الشاعر:
كن كالنخيل عالي الهمم إذا رميت لا تلق إلا طيب الثمر
ولا تزيد هذه الحجارة المسيحية سوى إظهار التفرد في علو الهامات والقامات وسمو التعاليم والتوجهات وفضائل التنفيذ للوصايا والآيات، وتصبح ثمارها واضحة لكل ذي عينين، فتزداد مظاهر عظمتها فقط في أعين الجميع حيث أن أصل عظمتها ثابتة بثبات المسيح يسوع- تبارك اسمه- المكتوب عنه أنه هو هو أمسًا واليوم وإلى الآبد، لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران، فهو الذي لا ينسخ أقواله ولا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه سبحانه، فالمسيحية لا يمكن أن تزيد أو تنقص في النجاح أو الثبات أو أي شئ آخر، فقد وصلت بموت المسيح وقيامته إلى أعلى نقاط العظمة والمحبة والعطاء تلك التى لا يمكن أن يزيدها إطراء وثناء ولا ينقص منها الازدراء والهجاء.
ثالثًا: أما السبب الثالث في ترك من يزدري بالمسيح والمسيحية أن يقول ما يشاء هو أننا بتركيزنا على ما قال ورفعنا القضايا ضده نساهم في نشر آرائه المتطرفة ونضعه تحت الأضواء ونعطيه مكانة تفوق مكانته الحقيقية وكأنه شخص مؤثر في عالم الصحافة والإعلام والدين والسياسة وغيرها، وهناك من المرفوع ضدهم قضايا الازدراء من يتلذذون بأن يقاضيهم الناس ويتكلمون عنهم في الصحف والمجلات فيزدادون في ازدرائهم بمقدسات الآخرين ويحيطون أنفسهم بهالة من البطولية والنرجسية ويعيشون في عالمهم الضيق وكأنهم ركيزة من ركائز زمانهم أو ثقافتهم أو دينهم.
أما السبب الرابع: وهو في رأيي الشخصى هو السبب الأهم، والذي لا يجعلنا نلتفت لمن يزدرى بالمسيحية أو المسيح، فلا نحقد عليه أو ندينه أو نطلب إسكاته أو محاكمته هو أن المسيح لم يقر هذه التهمة أبدًا بالرغم من ازدراء الناس به وبديانته وهو في حالة تجسده على الأرض، مع إن أتباعه الذين أحاطوا به طيلة مدة خدمته على الأرض كانوا بقادرين ومستعدين لإسكات كل من كانت تسول له نفسه بإهانة سيدهم ونبيهم وقائدهم في ذلك الزمان، وما أدل على ذلك من أن استل بطرس مقدام حواري المسيح سيفه وقطع أذن ملخس عبد رئيس الكهنة عندما جاء الغوغاء للقبض على المسيح يسوع – تبارك اسمه- قبل صلبه، لكن السيد قال له قولته الشهيرة التى تحمق كل من استخدم ويستخدم السيف في الدفاع عن دين الله، أو الفتح المبين أو حتى الرد على من اعتدى عليه من الناس “كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون” وهي حكمة سارية المفعول حتى يومنا هذا وإلى قيام يوم الدين.
وعندما أراد- تبارك اسمه- في تواضعه أن يدخل قرية للسامريين، لكنهم رفضوه لأن وجهه كان متهجًا ناحية أوروشليم، وشعر تلميذاه يعقوب ويوحنا بإهانة سيدهم والازدراء به من قبل السامريين الذين لم يسمحوا له أن يدخل إلى قريتهم طلبوا من السيد أن يسمح لهما أن يطلبا نارًا من السماء تنزل على هذه القرية لتهلكها، فقال لهما السيد قولته الرائعة: “لستما تعلمان من أي روح أنتما لأن ابن الإنسان (أي يسوع المسيح له المجد) لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص” فمضوا إلى قرية أخرى. لقد رفض المسيح عقاب المزدرين ولم يرفع ضدهم قضية ولم يوقع عليهم عقابًا بنزول نار من السماء لحرقهم بل وانتهر وعنف من تطوع بأن يكلمه في هذه الأفكار.
السبب الخامس من أسباب عدم الاكتراث بمحاكمة من يزدرى بالمسيح ودينه ومسيحيته هو أن عقاب المزدرين هو يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون، فيقول تنزيل الحكيم العليم: “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي”، ولقد وعد، سبحانه، أن “من ازدرى بالكلمة يخرب نفسه ومن خشي الوصية يكافأ”. وبناء على ما تقدم يكون مفهوم عبارة ازدراء الأديان هو رفض قبول كلمة المسيح لتدخل إلى قلبه وتغيره من الداخل، فيصبح خليقة جديدة، أما مفهوم عبارة ازدراء الأديان في تعريف العامة هو التحقير من دين ومعتقدات الآخرين، وهو مفهوم مطاطي يسع لكثير من الاجتهاد والأفكار الصالحة والطالحة، فما أراه أنا نقدًا أو استفهامًا حول عقائد وموروثات قديمة لأهل دين معين، يراه أهل هذا الدين تسفيه وتحقير لدينهم يعاقب عليه القانون وكل إناء ينضح بما هو فيه.
وفي رأيي أن المزدرين الحقيقيين بالمسيح ومسيحيته ليسوا المسلمين واليهود، فهم على كل حال لا يعرفون حقيقة المسيح من هو، من أين جاء ولا إلى أين ذهب أو أين هو الآن، ولذا فما يقولونه أراه أنا أنه نوع من الجهل أو عدم المعرفة بحقائق وبواطن الأمور وقصور في فهم روح تعاليمه – تبارك اسمه- وليس حرفيتها كما هى معلنة في كلمة الله الكتاب المقدس، لكن المزدرين الحقيقيين بالمسيح والمسيحية هم المسيحيون الذين يعرفون الحق وقد اختبروه، ويقرأون الكتاب المقدس ويدرسونه، وقد اختبروا قوة المسيح المغيرة وصدق أقواله وتعاليمه التي من بينها أن لا خلطة للمسيح مع بليعال والتبن مع الحنطة ولا تصالح أو تعامل مع روح الإسلام، وهو روح ضد المسيح المصلوب لأجل غفران خطايانا ومعاصينا والمقام لأجل تجديدنا وتبريرنا ويتباهون بأنهم مسيحيون ولا يسمعون لصوت الحق والكتاب ولا للنصيحة الكتابية المخلصة من أساسه وإن سمعوا، فلا يعملون بها ويسرون بمن يعملون مثلهم بل ويشجعون غيرهم على عمل نفس الشر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فيدعون الناس إلى أمسية رمضانية ويعلنون أنهم يقدمون السحور بعد حفل الإنشاد الديني الذي يخلطون فيه التبن مع الحنطة ويختارون آيات كتابية للإعلان عن برامجهم وحفلاتهم ولياليهم الرمضانية، فكيف تستقيم الآية الكتابية “هلم نقوم ونبني” كعنوان لحفلة سميت من منفذيها بحفلة رمضانية؟ أليس هذا هو الازدراء بعينه بعقول المسيحيين وبكتابهم وتعاليم سيدهم؟ ألا يعلمون أن هذه الآية قالها رجل الله نحميا عندما كان يبني سور أوروشليم ليفصلها عن العرب وغيرهم من المحيطيين بها متمثلين في جشم العربي وغيره من المتطفلين؟ وقد أصر نحميا على أن لا يلتقي مع واحد من العرب المحيطين به، ألا يعلمون أن تكملة الآية “نقوم ونبني” هي “لا نكون بعد عارًا”؟ عند المحيطين بنا بعدم انفصالنا عنهم حتى أننا شابهناهم في كل شئ حتى في الغناء لله، إن أولئك الذين يخلطون التبن مع الحنطة هم في رأيي المزدرين الحقيقيين بالمسيح والمسيحية سواء أكانوا يعملون هذا بقصد وعمد مع سبق الإصرار والترصد أو بإخلاص وجهل وعمى من روح ضد المسيح.
ولرب سائل يسأل: كيف يكون ازدراء الأديان قضية من اختراع الشيطان؟ هل يغار الشيطان على الأديان حتى يوكل في الأرض من يدافع عنها ومن ينتقم من المزدرين؟ هل يحترم الشيطان الأديان حتى يحاول منع الذين يزدرون بالأديان من الازدراء بها وتهديدهم برفع قضايا ضدهم وفي معظم الأحيان ينفذون تهديداتهم؟ ولعل الإجابة البسيطة لهذا السؤال تتلخص في، لا، الشيطان لا يهتم بازدراء الأديان لأنه هو المزدرى الأول والأعظم بكل دين وعقيدة وملة وإيمان، وما الذين يزدرون بالأديان سوى أحبال صوتية في حنجرة الرجيم يستخدمهم في تحقيق أغراضه ونواياه الشريرة ليس إلا، فلماذا إذًا يقف مؤيدًا للمطالبين بعدم ازدراء الأديان ويدفعهم لإقامة الدعوة تلو الأخرى لمحاكمة المزدرين بالأديان، وكيف تقول إن قضايا الازدراء بالأديان هي من اختراع الشيطان؟
أقول أولاً إن المستفيد الأوحد من الازدراء بالأديان هو الشيطان وذلك للأسباب الآتية:
١- الازدراء بالأديان يشكك الكثيرين فيها ويدفع الأغلبية العظمى أن تتبنى الأفكار الإلحادية التى ترى في الدين، أي دين، أفيون للشعوب يخدرهم الشيطان بها أو يخدرهم قادتهم أو يخدرون أنفسهم، وازدراء الأديان يفتح باب الحوار غير الهادف وغير البناء ويركز على السلبيات في تطبيق الأديان المزدرى بها، سلبيات، قد لا تكون موجودة من الأصل وقد تكون موجودة لكنها غير واضحة فيزيدها الازدراء وضوحًا.
٢- الشيطان يسر بأن يرى بنى البشر في عداوة بعضهم مع بعض ويسر بأن يهين أحدهم الآخر ويتهم أحدهم الآخر ويقتل أحدهم الآخر فالرجيم مغرم برؤية الدماء السائلة وهو يعلم أن أسهل طريقة يمكن أن يثير بها المشاعر ويخرج بها العامة عن صوابها هو أن يصور لها أن أحدهم يهين دينهم أو نبيهم أو إلههم، والأدلة على ذلك كثيرة، فكم من بيوت للمسيحيين حرقت ودمرت وكم من عائلات تشردت بسبب إشاعة أن أحدهم!! مهما كان صغير السن وقليل الخبرة قد انتقد أو أخطأ في حق الإسلام أو المسلمين أو قال كلمة غير لائقة عن رسول الإسلام، أو مزق القرآن أو أعطى مسلمًا كتابًا مقدسًا ليقرأه.
٣- ازدراء الأديان قضية قديمة قدم الإنسان وأشعلها الشيطان في كل زمان ومكان، فهو يختفي وراء قضايا الازدراء في نفس الوقت الذي يزدرى هو نفسه بالأديان.
إن أول حالة للخلاف والبغضة والضغينة والقتل بين البشر بل بين الأخ وأخيه كانت بسبب خلاف ديني روحي، فعندما أعلن المولى- تبارك اسمه- لأبوينا الأولين آدم وحواء أن غفران الخطايا لا بد أن يكون بسفك دم وبتقديم ذبيحة عن المخطئ، الأمر الذي علماه بدورهما لقايين وهابيل ابنيهما، احترم هابيل هذا التعليم الروحي وقدم للمولى ذبيحة من خيار غنمه وسمانها،أما قايين فلم يرض عن وصايا الله وتعليماته، فقدم من أفخر جني الأرض ذبيحة فقبل المولى ذبيحة هابيل ورفض ذبيحة قايين، فاغتاظ قايين وسقط وجهه، وقام على أخيه الصغير وقتله، فما ذنب هابيل حتى يقوم عليه أخوه ويقتله؟ وما ذنبه إن المولى – تبارك اسمه- قبل ذبيحته ورفض ذبيحة أخيه.
ولا شك أنه كما أن هناك الكثير من المخلصين الذين يغارون لدينهم وهم على استعداد للدفاع عنه بكل وبأية وسيلة يمكنهم استخدامها، هناك على الجانب الآخر كثير من الطفيليين الذين يعيشون على فرقعات الشهرة والظهور في الفضائيات سواء أكانوا الذين ازدري بدينهم أو المزدرين بأديان الآخرين. أولئك يرون في قضايا ازدراء الأديان كثيرًا من الفوائد والعائدات عليهم، فقضايا ازدراء الأديان تظهر ما بداخل الإنسان من أمراض نفسية وعصبية وروحية وقد تكون عقلية أيضًا، فالذين يقصدون الإساءة للأديان، أية أديان، حتى لو لم يؤمنوا بهذه الأديان ولم يعترفوا بأنبيائها وشيوخها أو قسوسها ورجال الأديان جميعهم هم مرضى نفسيًا وعقليًا يعيشون في عالمهم الخاص ويتخيلونه كما يريدون ويحصلون على لذة خاصة عندما يتحدث عنهم العامة على أنهم حماة الدين أو المدافعون عنه، فكم من شيخ جليل ظهر في الفضائيات متحدثًا عن المسيح وهو يبكي من شدة تأثره بشخصيته تعالى وعن الموعظة على الجبل وقد امتلأت عيناه بالدموع وهو في غاية من التأثر بعظم تعاليم المسيح! وكم من مرة ردد (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) وهو نفسه من يسمح لأتباعه وأصدقائه وموظفيه اليوم أن يزدروا بالمسيح والمسيحية في مطبوعاتهم وكتبهم التى من بينها هذا الكتاب الذي نحن بصدده.
ورافعي قضايا الإزدراء يشعرون بلذة الإنتقام من مخالفيهم في الرأي وخاصة اذا تمكنوا من تشويه صورتهم أمام العامة ويشعرون بلذة الجهاد الذي كتب عليهم كما كتب على الذين من قبلهم ويقنعون أنفسهم أنهم أصحاب قضية وأنهم يقفون في طابور المجاهدين المدافعين عن الله ودينه في الأرض من سيثابون كالمبشرين بالجنة وحور العين والأولاد المخلدون والتمر والعنب وما إلى ذلك.
إن معظم أولئك الذين يزدرون بدين الآخر لم ولن يدرسوا ما قاله أي دين حتى يفقهوه أولاً قبل الازدراء به، أما أولئك الذين يدرسون فلا حاجة لهم بأن يزدروا، لكن يكفيهم أن يقولوا ويشرحوا ويقارنوا، فيصلوا بأمر الله للصحيح من الدين والمدسوس عليه وفيه، فيهديهم ربهم إلى سواء السبيل.
لكن الحقيقة أنه ليس لقضايا ازدراء الأديان من هدف سوى ترويع المثقفين وتكميم أفواه وعقول الباحثين المدققين، وستر وإخفاء خبايا الدين أي دين، وتصفية حسابات المجرمين، وخلق بطولات مزيفة هشة في عقول المساكين.
كل هذه تدل على أن قضايا ازدراء الأديان هي من اختراع الشيطان. وليس لقضايا الازدراء من هدف أو تبرير إلا تسجيل البذاءات والمطالبة بالمعاملة بالمثل ومنع الآخر من استخدام الدين في توهج الفتنة.