العدد 103 الصادر في أبريل 2014 سيادة المشير، أنا ساختارك… ولكن
سيادة المشير أنا ساختارك… ولكن ليس عن قناعة أو بإرادتى الحرة الشخصية، لأن التركيبة المجتمعية تمنعنى وتمنع أمثالى من المسيحيين من الترشح أمامك ومنافستك فى الأحقية بالحصول على قيادة مصر العظيمة، وبالتالى فأنا مفروض على أن اختار رئيساً مسلماً من بين المسلمين، ومع أنه ليس عندى مانع أن اختار رئيساً مسلماً، إن كان حقاً كفأً و يستحق الاختيار، بالرغم من أننى أنا صاحب الأرض والتاريخ ومن فتحت أبواب بلدى، إن طوعاً واختياراً أم قسراً وإجباراً لاستقبالك كوافد أو غاز أو فاتح أو مستعمر لبلاد أجدادى الفراعنة ومن بعدهم الأقباط، لكن إحساسى بأنك وأنت الشعب الغريب عن أرضى وإيمانى وعاداتى وتقاليدى وتاريخى ولغتى وغيرها، أعطيت الحق كل الحق لنفسك فى الترشح والحكم والسيطرة على وعلى شعبى القبطى، لا لشئ إلا لأنك أصبحت الأكثر عدداً والأعلى صوتاً والأقوى عضلات والأعنف تصرفاً، فأصبح بإمكانك أن تترشح وتدعو الناس لانتخابك واختيارك كرئيس للبلاد ولا يهمك فى كثير أو قليل، إن كنت كمسيحى موافق على هذا الترشح والفوز والولاية عليّ وعلى أقرانى من المسيحيين وعلى هذا الوضع الجاحف أم لا، والأدهى من ذلك أنك تؤمن أن بلاد المسلمين، وبالطبع مصر تحسبها أنت بين هذه البلاد، لا ينبغى أن يحكمها نصرانى، مع أنك تعلم أن مصر ليست من بلاد المسلمين فى شئ، أعلم أن هذه التركيبة المجتمعية ليست ذنبك وليست من اختيارك وربما تكون بداخلك معترضاً عليها أو حتى تود تغييرها، مع أننى أشك فى ذلك، لكنها هى الطريق الوحيد الذى يضمن لك ولأبناء دينك الاستمرار فى حكم البلاد وإخضاع النصارى لسلطانكم وليكونوا من الخاسرين.
سيادة المشير، أنا ساختارك لأنى إن لم اخنارك، فسأساعد على تفتيت عدد أصوات المنتخبين، وربما نجح أحد منافسيك، أو على الأقل لربما أصبح من الممكن أن يحصل على كم من الأصوات مقارب لك فيصدق نفسه ويصدقه مؤيدوه أنه محبوب من الأغلبية مثلك وهذا سيفقدك التمتع بنشوة ولذة وفاعلية الفوز بأصوات الأغلبية الساحقة والتى هى أهم الوسائل التى تؤكد لنا كشعب سطحى التفكير، مساق بعواطفه فى أغلب الأحيان، إنك خير المرشحين، وليس ذلك فحسب، بل سيعمل هذا المنافس على مقاومتك حتى فى قراراتك الصائبة فكم وكم يعمل فى قراراتك التى يجانبها التوفيق، وهو، أى خصمك، يعارض ويقاوم ويحاول أن يفشل كل ما تمتد إليه يدك، لا لشئ إلا ليثبت لنفسه وجماعته أنه كان أولى منك بالمنصب وأنه لن يهدأ حتى يحصل عليه فى الانتخابات التالية، ولكن كنت اتمنى أن تحصل أنت على الأغلبية الساحقة دون منافس، فتستريح ونرتاح نحن أيضا معك.
سيادة المشير أنا ساختارك.. ولكن فى النهاية أنت مسلم، كسائر المسلمين، تعتقد وتؤمن أننى كافر، لأنى مسيحى، وحجتك أننى أؤمن أن سيد السماء والأرض المسيح يسوع- تبارك اسمه- هو الله من لا شريك له وقد ظهر فى جسد إنسان، ذلك الجسد، وليس الروح أو الألوهية فى جسد المسيح، هو الذى صلب وقبر وقام فى اليوم الثالث منتصراً على الموت، إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه، فلو كنت لا تؤمن بأننى كافر لهذا السبب، فشكراً لك على رجاحة عقلك ودماثة أخلاقك، لكنك ستكون بذلك مخالفاً لصريح النص القرآنى “كفر الذين قالوا إن المسيح عيسى ابن مريم هو الله” وأيضاً مخالفًا لرأى الكِتَاب والسنة ورأى علماء المسلمين، وليس سراً أن كل المسيحيين يتفقون على أن المسيح ابن مريم هو ربها وربنا وهو الله سبحانه وتعالى، فليس من مغير لكلمات ربنا الحكيم العليم الذى أنزل لنا التوراة والإنجيل، تلك التى بها هدى للناس ورحمة، من قبل ما دون فى القرآن بعدة قرون، وأكد لنا فيه ما نحن عليه مصرون من أن المسيح مولود مريم المطوبة من أصطفاها الله وفضلها على نساء العالمين هو سر التقوى، أى الله الظاهر فى جسد إنسان، أعلم أنه ليس ذنبك أن لا تؤمن بهذه الحقائق فلم يكن لك من خيار فيما جُبلت عليه وأنت فى المهد صبيا، مع أن لك الفرصة سانحة أن تؤمن اليوم بها وقد بلغت من العمر أشده، كما أنه ليس ذنبى أن أضع فى قفص الكفار لأنى أؤمن بها مع أنها فى الواقع ليست ذنباً، بل هى حقيقة أحبها وأخضع لها واتمسك وافتخر وأجاهر بها حتى لو كرهها الحاقدون. لكنك فى النهاية لا تؤمن بها، وتعتبرنى وإن لم تعترف بذلك، إننى كافر ومشرك بالله الذى لا شريك، مع أننى اتفق معك تماماً بأنه سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد ولم ولن يكن له كفء أحد، فكيف أعطيك صوتى وانتخبك وكيف أقبلك رئيساً لبلادى.
سيادة المشير، انا ساختارك لأنك قدمت أكبر خدمة ممكن أن يقدمها إنسان لى ولمصر، وطنى الغالى إذ وقفت فى وجه مرسى وأعوانه، وأظهرت ما خفى من الإسلام السياسى الذى حاولوا خداعنا به ليتمكنوا من قهر المصريين جميعاً ولكن فى رأييى أنك كنت مرغماً على ذلك لإنقاذ نفسك ومن معك من غضب المصريين، فلقد كنت تعلم بذكاءك المعروف عنك أن لا أحد يستطيع أن يقف ضد التيار الشعبى مهما أوتى من قوة وذكاء، فأنت تعلم أنه إذ الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر، فلو لم يلهمك القدير علام الغيوب، استجابة لصلاة المسيحيين المؤمنين المخلصين الذين يصرخون لله ليلاً ونهاراً ليحمى مصر مما هى مسرعة إليه، لو لم يلهمك سبحانه أن تنضم للإرادة الشعبية المصرية، لكنت اليوم فى نفس القفص الحديدى الذى يظهر فيه مرسى واتباعه ليعطوا حساباً عن ما فعلوا بالجسد خيراً كان أم شراً، ولإنمحى اسمك من سجل الخالدين الذى دخلته بجدارة وللحقت بسالفك طنطاوى الذى سلم البلد لمرسى واتباعه، بحجة حقن الدماء، فاختفى من المشهد إلى الأبد وأنه اليوم على كل وجه من الخاسرين.
سيادة المشير… أنا ساختارك لأنك فى رأييى أفضل المرشحين، فأنت رجل ذكى سريع البديهة وإلا لما تدرجت فى كل المناصب العسكرية حتى وصلت لما أنت عليه اليوم، وأنت رجل مخابراتى، بكل ما فى ثنايا الشخصيات المخابراتية من حسنات وسيئات، فلا شك أن عندك من الأسرار والخبايا والقدرة على فهم وتحليل ما قد يخفى على كثيرين من حولك حتى رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا وجلسوا على كرسى مصر متكلين عليك فى حفظ الأمن القومى، ليس ذلك فقط بل أنت صاحب قرار، يبدو أنك لا تتكلم كثيراً لكنك تفعل كبيراً، فما انضمامك إلى الإرادة الشعبية المصرية إلا دليلاً على ذلك، كما أنها دليلاً على حسابك المضبوط لما تتخذه من قرارات وتحملك للنتائج والتبعات، ويبدو أيضاً أنك فاهم ومحاور جيد للأمريكان، ولا غرابة فأنت متعلم فى مدارسهم العسكرية وهم أولى بك كرئيس مصرى يعرفون ميوله ونقاط ضعفه وقوته ولكن دعنى أصارحك القول، فما أخشاه هو أن نكتشف كشعب مصرى أن ما فعلت وتفعل وستفعل فى المستقبل ما هو إلا جزء من خطة أمريكية متفق عليها بينكم تصب فى النهاية فى بحر المصالح الأمريكية كالعادة ويبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء الذى لن ينصف أحداً ويعود الحال إلى أسوأ مما كان.
سيادة المشير أنا ساختارك… ولكن ماذا عن قضايا الأقباط التى صارعوا للحصول عليها على مر العصور والأعوام منذ أن قدم أجدادك إلى مصر، ماذا عن حرية العبادة وبناء الكنائس وتنفيذ وصايا السيد المسيح بالكرازة بالإنجيل للخليقة كلها بما فيها المصريون جميعاً، ماذا عن البرامج الدينية المسيحية التى ينبغى أن تنتج وتمول من أموال دافعى الضرائب المصريين أسوة بما يحدث مع البرامج الدينية الإسلامية، متى سيصبح لدينا فى مصر إذاعة الإنجيل المقدس إسوة بإذاعة القرآن الكريم الممولة من ضرائب المسيحيين والمسلمين المصريين، ماذا عن المساواة بين نسبة القبول من المسيحيين والمسلمين كطلبة فى الجامعات والمعاهد الحكومية ككليات الشرطة والحربية وغيرها، ماذا عن التعيين فى المناصب الحكومية فى السلك الدبلوماسى والمحليات والقضاء والمحافظين و.. و.. و…
سيادة المشير أنا ساختارك… ولكن ما هو برنامجك الانتخابى، فليس من المعقول أن انتخبك لمجرد أنك خلصتنى من مرسى، وليس من المنطقى أن انتخبك لأنك شخصية قوية وصاحب قرار وغيرها من المميزات فحسب، لكن أنا اتوقع منك أن تقدم لى برنامجاً انتخابياً واقعياً يمكن تنفيذه وإن تلتزم به وإن تحاسب وتقيم نفسك أولا وأن تسمح لنا بمحاسبتك إن أحسنت أو أسأت، فلم يعد هناك من هو أكبر من أن يحاسب من الشعب المصرى.
سيادة المشير اتمنى لك كل التوفيق وأصلى من أجلك ومن أجل المسؤلين معك عن إدارة البلاد ليسدد المولى سبحانه وتعالى خطاكم لما فيه تحقيق إرادته ومشيئته لمصر وبها، ودعنى أهمس فى أذنك أننى ساختارك… ولكن كنت اتمنى أن اختارك لكن من غير ولكن.