العدد 83 الصادر في أغسطس 2012 رسالتي القلبية لرئيس الجمهورية
لا شك أنه بغض النظر عن رضاء الأغلبية العظمى من المصريين عن السيد محمد مرسي من عدمه، فقد أصبح رئيساً للجمهورية المصرية، وبغض النظر عن نسبة الأصوات الانتخابية الصحيحة التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية، وعن الطريقة التي أصبح بها رئيساً لأعرق وأقدم دولة عرفها التاريخ على مر العصور والأزمان، فهو بالتأكيد الآن رئيساً للجمهورية، وبغض النظر عن تاريخ الجماعة التي يمثلها، والذراع السياسي لها، والمعروف لجميع الناس، بغض النظر عن كل هذا، وبالرغم من كل هذا، إلا أن وضع افتراضات وصور مسبقة لفترة رئاسته الحالية وتصرفاته وفشله أو نجاحاته المستقبلية، والحكم عليه وعليها من خلال هذه الافتراضات والصور المسبقة وقبوله ورفضه، ومساعدته أو الوقوف ضده على أساسها فقط، فهذا أمر مرفوض ولا يليق بالمثقفين الذين يؤمنون أنه لا تحمل نفس وزر أخرى، مع أن ما عرفناه وشاهدناه وعشناه معه ومع حزبه وجماعته في فترة الثورة الشعبية، ثم في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية، وأثنائها، يكفي لتكوين صورة واضحة وكافية له ولسياساته وتوجهاته وقناعاته ومبادئه واهتماماته وأولوياته، وخاصة بعد اختياره رئيس وزرائه الجديد، كلها كافية لتحديد كيفية تعامل كل فريق من المصريين، من إخوان مسلمين وليبراليين ومسيحيين واشتراكيين وسلفيين، معه في الفترة المقبلة.
ومن حقنا، بل ومن واجبنا أيضاً كشعب أن نقول آراءنا وأفكارنا ومقترحاتنا وتحذيراتنا، بل ومن حقنا وواجبنا أن نجاهد جهاداً قانونياً لتحقيق ما نراه في مصلحة بلادنا وأهلنا، وهذا هو أهم الأسباب التي دفعتني لكتابة هذه الرسالة القلبية للسيد محمد مرسي رئيس الجمهورية، فما دفعني على ذلك يتلخص في أنه لدي قصة من الكتاب المقدس أود مشاركتها معك يا سيادة الرئيس، ولكن قبل أن أشارك قصتي أود أن أوضح لك أن الأسباب البسيطة، الواضحة، الكامنة وراء مشاركتي لهذه القصة معك هي:
1- حبي لمصر وخوفي عليها وعليك من حريق يمكن لكل ذي أنف أن يشتم رائحته وهو مازال مختبًأ تحت قش الأحداث الجارية في مصر، وأيضاً من غضب إلهي لا يقف أمامه إنس أو جن، فإذا قضى ربك أمراً كان مقضيا.
2- يقيني أن جل المحيطين بك من الأحداث إما سناً أو خبرة، لذا فمشورتهم قد تضر أكثر مما تنفع، وهذا ليس لعيب فيك أنت بالمقام الأول بل هو ميراث ورثته عن سابقك المخلوع من تفنن في عزل المصريين عن المشاركة في إدارة بلادهم واكتسابهم الخبرات اللازمة لذلك، حتى يضمن تفوق نجله الذي لم يسمح له القدر والقصاص الإلهي بتحقيق مآربه في خلافة والده لحكم مصر، بل انتهى به الأمر في سجن المزرعة مع أبيه، اللهم لا شماتة، فهي ليست من شيم الرجال الشرفاء.
3- إنني على ثقة أنك لا تعرف هذه القصة، فلست أعتقد أنك قرأت الكتاب المقدس من قبل، فهو بالنسبة لك كتاب محرف لا يستحق القراءة وتضييع الوقت في مطالعته، وهذا أيضاً ميراثك من تعاليم دينية تقلدتموها من الآباء، وهي غير مبنية على أسس منطقية أو علمية أو تاريخية أو روحية، لكن هذا ما نادى به السلف، وما توارثه المحدثون عن القدامى دون تحقيق أو تدقيق، فأصبح الكتاب المقدس بالنسبة لكم محرفاً.
4- إن في هذه الحادثة دروساً، إذا وعيتها وطبقتها أطال الله بقاءك في منصبك الجديد، وأعز بك مصر والمصريين، وأصلح بك الفاسد من أمرها، وأغدق عليها وعليك وعلينا جميعاً من خيراته تعالى في أرضها، وجعل أيامك كأيام سليمان الملك الحكيم، فالله حاكم عادل لا يحابي الوجوه، ولا يزن بميزانين ولا يفضل أحد عباده عن الآخر إلا بتقواه ومخافته له سبحانه، وإن لم تلتفت إليها ولم تتعظ بها، فسيكون المولى براء مما سيحدث في مصر، ولنا جميعاً، ليس في أيامك فحسب بل في أيام الذين سيخلفونك أيضاً.
5- لأنني كتبت كثيراً لمن كان رئيساً قبلك، وفي هذه الجريدة بالذات، ناصحاً ومحذراً ومنبهاً لكثير من الأمور والأحداث، التي لم يلتفت إليها حتى أصبحت هذه، التي هو فيها وعائلته اليوم، نتيجة تجاهله لرسائلنا، أنا وغيري من المواطنين الذين لا طلب لنا سوى رفعة مصر وسلامتها وأمنها، لذا رأيت أنه ليس من العدل والحق أن لا أكتب لك أنت أيضاً، فذكر فالذكرى تنفع المتواضعين، لذا فبالرغم من طول القصة وكثرة تفاصيلها، وضيق مساحة النشر، إلا إنني موقن أنه إذا طلبت منك أن تقرأها وتدرسها من كتاب الله، الكتاب المقدس، فلن تفعل، لا أنت ولا القارئ العادي لها، لذا، رأيت أن أدونها للجميع على صفحات هذه الجريدة، كما ذكرها سفر ملوك الأول والأصحاح الثاني عشر، أما القصة فهي لملك كان قد تولى الحكم حديثاً، يومئذ، ويدعى رحبعام بن سليمان بن داود بن يسى البيتلحمي، وتدور أحداث القصة بين الملك رحبعام، سابق الذكر ويربعام ابن نباط، أحد أقطاب المعارضة في إسرائيل، وكان قد فر إلى مصر بسبب خلافه مع سليمان الملك، أحكم ملوك الأرض في كل الأزمنة والأوقات، سليمان أبو رحبعام، أما القصة فتقول، “وذهب رحبعام إلى شكيم لأنه جاء إلى شكيم جميع إسرائيل ليملكوه. ولما سمع يربعام بن نباط وهو بعد في مصر. لأنه هرب من وجه سليمان الملك وأقام يربعام في مصر، وأرسلوا فدعوه. أتى يربعام وكل جماعة إسرائيل وكلموا رحبعام قائلين. إن أباك قسى نيرنا وأما أنت فخفف الآن من عبودية أبيك القاسية، ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك. فقال لهم اذهبوا إلى ثلاثة أيام أيضاً ثم ارجعوا إليّ. فذهب الشعب. فاستشار الملك رحبعام الشيوخ الذين كانوا يقفون أمام سليمان أبيه وهو حي قائلاً كيف تشيرون أن أرد جواباً إلى هذا الشعب. فكلموه قائلين إن صرت اليوم عبداً لهذا الشعب وخدمتهم واجبتهم وكلمتهم كلاماً حسناً يكونون لك عبيداً كل الأيام. فترك مشورة الشيوخ التي أشاروا بها عليه واستشار الأحداث الذين نشأوا معه ووقفوا أمامه وقال لهم بماذا تشيرون أنتم فنرد جواباً على هذا الشعب الذين كلموني قائلين خفف من النير الذي جعله علينا أبوك. فكلمه الأحداث الذين نشأوا معه قائلين هكذا تقول لهذا الشعب الذين كلموك قائلين إن أباك ثقل نيرنا وأما أنت فخفف من نيرنا، هكذا تقول لهم إن خنصري أغلظ من متني أبي. والآن أبي حملكم نيراً ثقيلاً وأنا أزيد على نيركم. أبي أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب، فجاء يربعام وجميع الشعب إلى رحبعام في اليوم الثالث كما تكلم الملك قائلاً ارجعوا إليّ في اليوم الثالث. فأجاب الملك الشعب بقساوة وترك مشورة الشيوخ التي أشاروا بها عليه، وكلمهم حسب مشورة الأحداث قائلاً أبي ثقل نيركم وأنا أزيد على نيركم. أبي أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب. ولم يسمع الملك للشعب لأن السبب كان من قبل الرب ليقيم كلامه الذي تكلم به الرب عن يد أخيا الشيلوني إلى يربعام بن نباط. فلما رأى كل إسرائيل أن الملك لم يسمع لهم رد الشعب جوابا على الملك قائلين أي قسم لنا في داود ولا نصيب لنا في ابن يسى. إلى خيامك يا إسرائيل. الآن انظر إلى بيتك يا داود. وذهب إسرائيل إلى خيامهم. وأما بنو إسرائيل الساكنون في مدن يهوذا فملك عليهم رحبعام. ثم أرسل الملك رحبعام أدورام الذي على التسخير فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة فمات. فبادر الملك رحبعام وصعد إلى المركبة ليهرب إلى أورشليم. فعصى إسرائيل على بيت داود إلى هذا اليوم”.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فأنت أيها الرئيس الجديد ورثت كرسي تحوطه القلاقل والاضطرابات والثورات والمليونيات، ويقودها كثير من المعارضين لك ولطريقة وصولك للحكم ولسياساتك وجماعتك وحزبك، تماماً كما كان رحبعام في مواجهة مع معارضيه وعلى رأسهم يربعام الهارب إلى مصر، والعجيب أن مصر كانت منذ القديم ملاذاً للمضطهدين والمظلومين والمجاهدين ضد القهر والظلم والطغيان، وبيت شبع وضيافة للفقراء والمحتاجين والمعوزين، أما اليوم فصارت أرض اضطرابات وتهجير، حتى لأولادها وأصحابها الأصليين، وقد تسلم رحبعام الحكم من حاكم أساء معاملة الناس قبل موته وثقل نيرهم وأدبهم بالسياط، وظن أن شعبه لن يجرؤ على الاعتراض عليه والثورة في وجهه، وأنه سيورث الحكم لابنه، ولن يعترض عليه كحاكم سوى القلة القليلة التي يمكن قمعها وإسكاتها بطرق مختلفة، تماماً كما حدث مع من كان قبلك، الذي لم يعمل حساباً لكل يربعام ابن نباط في مصر، ونسي أنه إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي ولابد للغيم أن ينقشع، ولاشك أنك أيها الرئيس في نفس مركبة الملك رحبعام، فعند توليه الحكم تطلعت إليه الجموع، المضطهد منها، والجائع والخائف والمحتاج لقوته الضروري، وكان مطلبهم بسيط وعادل ولا يمكن أن يلومهم عليه أحد ألا وهو أن خفف عنا من عبودية ونير من كان قبلك، ونحن على استعداد أن نخدمك، وهذا هو مطلب المصريين اليوم، فالمسيحيون لا يطلبون سوى مساواتهم بأقرانهم من المسلمين في الحقوق والواجبات، ورفع التمييز الديني والعرقي عنهم، وإنهاء الاضطهاد الواقع عليهم كمواطنين كاملي الأهلية، وقد نسوا أن طوعاً واختياراً أم قهراً وإجباراً أنهم أصحاب الأرض الأصليين، والذين انتزعت منهم أرضهم ولغتهم وهويتهم بواسطة أجدادك، فما أبسط وأسهل مطلبهم، وإن فعلت ذلك لهم خدموك وخدموا أنفسهم، وحتى مستعمريهم، فلقد علمهم قائدهم الميسح يسوع، تبارك اسمه، أن يحبوا أعداءهم ويباركوا لاعنيهم ويحسنوا إلى مبغضيهم ويصلوا لأجل الذين يسيئون إليهم ويضطهدونهم.
والفقراء والمحتاجين من المسلمين والمسيحيين ينظرون إليك ويأملون أنك تعمل ما في وسعك لإطعامهم، وإيوائهم والعناية بهم، والمساجين المظاليم ينتظرونك مدافعاً عنهم ومحطماً سلاسل قيودهم وإطلاق سراحهم، وخاصة أنك قد جربت السجن والاضطهاد من قبل، وكلها مطالب بسيطة وعادلة كما قلت، ولا أظن أنه من الحكمة تأجيل استجابتها لطالبيها. إلا أن رحبعام صرف الجموع طالباً أن يعودوا إليه بعد ثلاثة أيام، ولست أعلم لماذا طلب رحبعام من شعبه هذا الطلب، هل أراد حقاً أن يستشير رجاله ومشيريه، كما عمل بالفعل، وهل تحتاج هذه المطالب إلى استشارة وموافقة أو رفض، أليس هذا مالا بد أن يكون تحصيلاً حاصلاً، أن يستجيب الحاكم لطلبات شعبه، وخاصة إذا كانت بسيطة وعادلة، فهل لابد للمصريين أن ينتظروا لنهاية الـ100 يوم التي اقترحتها سيادتكم حتى نبدأ في رؤية التغيير الذي يطالب به الشعب وتخفيف العبودية والنير الثقيل عن كاهله، نعم نحن نعلم أن ما أنت إلا بشر لا تملك أن تقول للشئ كن فيكون، فهذا من اختصاص العزيز القدير وحده، لكن لماذا لا يشعر الناس منذ اليوم الأول لتوليك لمهام منصبك أنك مصمم على رفع العبودية عنهم والنير عن كاهلهم، هل يحتاج الناس إلى محاصرة مباني المحافظات وقطع الطرق والمواصلات حتى تلتفت إلى معاناتهم وتعود الكهرباء إلى بيوتهم، والمياه النظيفة إلى بطونهم التي ما عرفت يوماً الشرب من مياه نقية لعدة سنين منصرمة. ومع أن رحبعام لم يكن في حاجة إلى سؤال الحكماء والمشيرين من حوله ليلبي طلبات الشعب الثائر، إلا أنه فعل وكان حوله نوعان ومجموعتان من المشيرين، وهذا هو الحال في كل دولة وحول كل رئيس، والمجموعتان تعرف أولهما بمجموعة أهل الثقة أما المجموعة الثانية فتعرف بأهل الخبرة، أما أهل الثقة فهي المجموعة التي عادة ما يأنس إليها الحاكم ويربطه بأفرادها مصالح مشتركة وذكريات ومصير واحد، مع اختلاف الأسباب والمسببات، وهم الذين يثق بهم الحاكم، رئيساً كان أم ملكاً أم إمبراطوراً أم طاغوتاً، ويثق أنهم لن يؤذونه أو ينقلبون عليه لأي سبب، فمصالحم متبادلة ومتشابكة، ووجود أحدهم بكرسيه رهناً بوجود الآخر، وهؤلاء عادة ما يكونون في نفس عمر الحاكم أو الرئيس أو الملك، وقد نشأوا معه في نفس الظروف، لذا فخبرتهم في الحياة قليلة، أو على الأكثر لن تزيد عن خبرة الحاكم نفسه، وبالتالي فهم غير مؤهلين أن يكونوا مرشدين أو مشيرين أو أصحاب رأي سديد يمكن أن يفيد الحاكم ودولته، أما أهل الخبرة فعادة ما يكونون من كبار السن، والذين محصتهم الأيام والسنون، فاجتمعت لديهم الخبرة التي تؤهلهم لأن يكونوا أهل مشورة حكيمة صالحة، لكن مشكلة أهل الخبرة أنهم لا يعتمدون في معظم الأحيان على علاقاتهم بالحاكم في التواجد في قلب الأحداث، بل يعتمدون على خبراتهم وعلمهم وتجاربهم وإمكانياتهم، وعادة ما يعتزون بخبراتهم، وبالتالي فهم يعلمون أن لديهم ما يبحث عنه الحاكم، فيكونون غير طيعين في يده، ولا يفكرون في إرضائه على حساب مكانتهم وسمعتهم وإيمانهم. لذا، فكثيراً ما يشعر معهم الحاكم بالتهديد المستمر على سلطته، ولذا لن تجد منهم الكثير، إلا حول الحاكم العادل الحكيم الواثق من نفسه، من لا يهمه كم من السنين سيقضي في منصبه، ومن يضع مصلحة البلاد والعباد أولاً قبل مصلحته الشخصية والحزبية وانتماءاته الدينية. ولعل تاريخ مصر الحديث لخير دليل على أن المحيطين بالرئيس المخلوع كان جلهم من أهل الثقة الذين كانوا دائماً موافقين ومصفقين ومتحمسين لتنفيذ كل ما كان يحلم به زعيمنا المخلوع وعائلته، لذا، عندما احتاج مشورة نافعة لم يجد حوله من ينصحه بمعاملة هذا الشعب بالتي هي أحسن، وحتى أولئك الذين نصحوه، دون أن يسألهم بالطبع، زج بهم في غياهب السجون ليتخلص من أصواتهم التي كانت تقلق مضجعه ليلاً ونهاراً.
وللتدليل على ما أقول فقد سأل الملك رحبعام أهل الخبرة، الشيوخ الذين كانوا أمام سليمان أبيه وهو حي قائلاً: [كيف تشيرون أن أرد جواباً إلى هذا الشعب؟] فقالوا: [إن صرت اليوم عبداً لهذا الشعب وخدمتهم وأجبتهم وكلمتهم كلاماً حسناً، يكونون لك عبيداً كُل الأيام]. وهنا نرى أنه إن أراد الحاكم أن يكون مواطنوه عبيداً له لابد أن يبدأ بنفسه أولاً وأن يكون عبداً لهم، تماماً كما علمنا أفضل من وطأت قدماه الأرض السيد المسيح، حين قال لأتباعه من أراد فيكم أن يكون عظيماً فلا بد له أن يكون خادماً، ومن أراد أن يكون أولاً فلابد أن يكون آخراً، فالله يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة، إذًا، نصيحة الشيوخ كانت أولاً أن يكون الملك، بمحض اختياره، عبداً لأبناء شعبه، ثانياً أن يكون خادماً لهم، ومجيباً لمطالبهم ومتحدثاً معهم بكلام حسن، تكون النتيجة أن الشعب أيضاً بمحض اختياره سيكونون عبيداً لحاكمهم، وفي النهاية كلنا عبيد السيد الخالق الجبار من لا شريك له. والعجيب أن هذه الوصاية والمشورة إنما هي بديهية ولا تحتاج إلى حكيم زمانه أو مباحث هذا الدهر حتى يصل إليها ويقتنع بها، ومع ذلك فقد رفضها الملك رحبعام وأدار ظهره لها وانصرف إلى الأحداث الذين نشأوا معه وسألهم عن رأيهم، وهنا جاءت الطامة الكبرى، فقال الأحداث الذين نشأوا معه: [هكذا تقول لهذا الشعب الذين قالوا لك أن أباك ثقل نيرنا وأما أنت فخفف من نيرنا: أن خنصري أغلظ من وسط أبي. والآن أبي حملكم نيراً ثقيلاً وأنا أزيد على نيركم. أبي أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب]. فجاء يربعام وجميع الشعب إلى رحبعام في اليوم الثالث كما قال الملك: [ارجعوا إِليَّ في اليوم الثالث].
فأجاب الملك الشعب بقساوة، وترك مشورة الشيوخ التي أشاروا بها عليه، وقال حسب مشورة الأحداث: [أبي ثقل نيركم وأنا أزيد على نيركم. أَبي أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب]. وكانت النتيجة أن انصرف الشعب عن ملكهم، وانقسمت المملكة، وبادر الملك بالهروب لأن مليونية الغاضبين من كلماته وردوده وكبريائه وعدم سماعه لصراخ شعبه رجمت من كان معتاداً على تسخيرهم وأصبحت الأغلبية ضده وولوا زعيم حزب معارضته عليهم ملكاً وخسر رحبعام تسعة أسباط ونصف ولم يبق معه إلا سبطين ونصف ليملك عليهم. واليوم يا سيادة الرئيس أكرر لك ما قال الشيوخ للملك رحبعام، “إن صرت اليوم عبداً لهذا الشعب وخدمتهم وأجبتهم وكلمتهم كلاماً حسناً، يكونون لك عبيداً كل الأيام”، وإن لم تأخذ بمشورة الشيوخ ونفذت رأي الأحداث فستنقسم مصر ولن يقف في صفك إلا نفر قليل من الإخوان، وسيكونون أول من يتخلوا عنك، كعادتهم، إذا ما انفض الناس من حولك، وقل تأثيرك على رجل الشارع المسكين، وبدأت شمس رئاستك في المغيب، هذه هي قصتي التي أردت أن أشاركها معك، أتمنى لك التوفيق من كل قلبي، ففي النهاية توفيقك سيأتي بالخير على مصر والمصريين، وهذا أقصى ما نصبوا إليه.
اللهم إننا نصلي إليك لأجل رئيس جمهوريتنا المصرية، أن تعطه حكمة سماوية، وشجاعة علوية، وتجعله نصيراً للأمة المصرية، اللهم ابعد عنه مشورة الأحداث والمغرضين، وقه شر المتأسلمين والمبغضين، وامنعه من إتباع مشورة المغضوب عليهم والضالين، استجب يا أرحم الراحمين، واحم مصر من الأشرار والملاعين، وأعد لها سلامك وفرحك أيها الأمين، آمين يارب العالمين.