قالوا في الأمثال: إن “لكل مشكلة حلال”، قد تكون هذه حقيقة أو فقط محض خيال، لكنه على كل حال، احتمال، ولكن القضية ليست في الحل بل في الحلاّل، فلو قصد المثل أن الحلاّل هو الله سبحانه فهذا صحيح، فهو القادر على كل شئ، لكن بالرغم من هذا، وإن جاز التعبير، فإن المولى، تبارك اسمه، يرى في كثير من الأحيان، أنه لا بد أن يستخدم إناءً بشرياً، او ملائكياً، أو حتى في بعض الأحيان شيطانيا،ً لتنفيذ خطته الصالحة الكاملة المرضية في حياة أولاده الذين قبلوه، أي المؤمنون باسمه، كما هو واضح من قصة نبي المولى أيوب. وللمولى، تبارك اسمه، نظرته الروحية للأمور، وهي تتعلق بكيان الإنسان الروحي، مع أنها تبدو للإنسان وللعين الإنسانية بأنها قضية مادية جسدية، حيث إن الجزء الروحي لا يظهر للعين المجردة، لكن المادي وحده هو الذي يُرى ويُلمس ويُقاس بمقاييس البشر. أما إذا كان المثل يقصد بالحلاّل هنا الإنسان، فلا شك أن المثل في هذه الحالة قد جانبه الصواب، فالإنسان، في معظم الأحيان، غير قادر على حل حتى أتفه مشكلاته الشخصية، فكم وكم كبائرها. ولرؤية الأمور الروحية وتمييزها وفهمها، لا بد للإنسان أن يُعطىَ نظارة روحية، أو عيون روحية، حتى يرى بها الأمور الروحية، وهي التي لا تُرى. وحيث إن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، أي الأمور الروحية، لأن عنده جهالة، كما يعلمنا الكتاب المقدس، وهو بالتالي لا يحيا بالروح، أو يسلك بالروح، بل يقاوم ويضاد كل ما هو روحي، لذا، فقد أقنع الإنسان نفسه، ويعمل جهده ليقنع الآخرين حوله، بأن الأمور الروحية والفهم الروحي للأمور، والأبعاد الروحية للأحداث، والتأثير الروحي على الأفراد والمدن والأقطار، وأنواع الأرواح المضادة والمحاربة أو المهاجمة، ما هي إلا درب من دروب السحر والشعوذه والتخريف. والعجيب أن هذا الفكر قد دخل إلى كنيسة الله، عمود الحق وقاعدته، حتى صدق البعض وعلَّموا أنه ليس هناك أرواح، أو شياطين وخلافه، وما ذكره الكتاب المقدس عن هذه الأمور ليس إلا وضع الأمور غير المنظورة في كلمات وأمثلة وتفسيرات منظورة، لتكون مفهومة للناس على قدر عقولهم، وقالوا عن كل الإظهارات المرافقة لتعامل الأرواح، وخاصة الشريرة منها مع الناس، إنها أعراض وعلامات جسدية، مَرَضِية، كمرض الصرع، ولا علاقة لها بالأرواح، ولا بعالم الروح. وتناسوا أن الله وصف نفسه، تبارك اسمه، في الكتاب المقدس بأن “الله روح” وقال عن الملائكة إنهم أرواح خادمة، مرسلة للخدمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص، والشياطين أرواح شريرة ساقطة، محفوظة في سلاسل، والإنسان هو روح يسكن في جسد، وله نفس، وقيل “فلتحفظ نفسكم وروحكم وجسدكم”…الخ. والجسد سيسقط في التراب، والنفس لن تكون فيما بعد، أما الروح فهي الباقية، فسترجع إلى مانحها، خالدة الى الأبد، إذا، فالعالم الذي نعيش فيه هو عالم روحي في المقام الأول، وتظهر فيه الغالبية العظمى من النشاطات، والظواهر والمعارك، والتأثيرات الروحية، بصورة مادية، يمكن للعين المجردة رؤيتها والتعامل معها، كما قلت سابقاً.
وترجع أهمية هذا الموضوع بالذات، في هذا الوقت الحرج، في تاريخ الأمة العربية، وخاصة مصر، إلى الاحتياج الشديد لفهم هذا العالم الروحي، المفهوم والواضح لدى القلة القليلة جداً من البشر، الذين يؤمنون أن المسيح أنار لنا الحياة والخلود، والغامض والمجهول لدى الغالبية العظمى من الناس، لأنه، في رأيي الخاص، أن هذا الموضوع الخطير، هو المفتاح الذي لابد من استخدامه لفك طلاسم ما يحدث معنا في مصر، ولتشخيص الحالة المرضية المصرية، ولمعرفة كيفية التعامل مع هذا الكم الهائل من الضلال والكذب والغي، حتى إذا نجحنا في تشخيص المرض، يمكننا أن نصف الدواء الصحيح لعلاجه، وبالتالي فالنتائج النهائية، من شفاء وتحرير وتغيير، وغيرها، تصبح مضمونة في يد المولى، تبارك اسمه، وهو الذي ترك كنيسته في الأرض، وملكوته الذي في داخلنا، حتى نكون نحن وسطاء العهد الجديد، الذي يعمل بنا، سبحانه، ما يتمم خطته الإلهية، لذا، فأنا أرى أن المشكلة المصرية هي مشكلة روحية في المقام الأول والأخير، فالمشكلة ليست في الأحزاب الإسلامية، معتدلة كانت أم سلفية، وليست في الجماعات الإسلامية، من إخوان تكونت أم من فصيل آخر، وليست في الليبرالية أو الإمبريالية أو اليهودية وغيرها، بل هي، كما قلت، مشكلة روحية، ثم روحية، ثم روحية.
وإذا كانت المشكلة المصرية مشكلة روحية، فلا مفر من فهمها بطريقة روحية واستخدام مفاهيم، وتشاخيص، وحلول وأسلحة روحية، قادرة بالله على هدم حصونها، والتحكم في سير أمورها. وحيث إن الكنيسة هي وحدها الممنوحة إمكانية البصيرة الروحية، والتمييز الروحي، والأسلحة الروحية، القادرة بالله على هدم حصون الشرير، ومن يستخدمهم من الأشرار، الذين هم أيضاً مُنحوا من أبيهم الشرير، إبليس، الأسلحة الروحية الشيطانية، التي يحاربون بها الكنيسة، إذاً، فالمشكلة المصرية مشكلة روحية، وحلها والنصرة فيها متوقف على الكنيسة في مصر، وطريقة فهمها للمشكلة، وتعاملها معها، ونوعية الأسلحة الروحية التي تستخدمها في تحقيق خطط إلهها، وغيرها من الأمور المتعلقة بالمشكلة المصرية. وإن كانت الكنيسة هي الوحيدة القادرة على كل هذا، وعلى إنقاذ مصر مما هي فيه الآن، إذاً، فعلى عاتق الكنيسة اليوم مسئولية خطيرة لدى الله والناس، وسيكتب التاريخ، القريب والبعيد، للكنيسة دورها مشرف ومنتصر كان، أم مخجل ومتقهقر هو، في وجه الأسلحة الإنسانية البشرية الشيطانية.
ولعل نقطة البداية التي لابد أن تلتفت إليها الكنيسة اليوم، والتي أرى أنها، أي الكنيسة، تفتقدها إلى حد كبير، هي عطية “تمييز الأرواح”، وذلك عن طريق الانتباه لما جاء في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس، فقد جاء قوله تعالى عن تمييز الأرواح ما نصه ” فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولاخر مواهب شفاء بالروح الواحد. ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح 1 كورنثوس 9:12
فالبداية لا بد أن تكون بتمييز الأرواح، فإذا اتفق البعض معي، وبالطبع لكلٍ الحرية للاتفاق أو الاختلاف معي، فيما أكتب، لكن بالنسبة للمتفقين معي إننا في عالم روحي، وأن مشكلة مصر هي مشكلة روحية في المقام الأول، إذاً، فلابد أن نتفق معاً على أن البداية لابد أن تكون بممارسة عطية “تمييز الأرواح”، تلك العطية أو الهبة أو الموهبة التي زود بها العليم بكل شئ كنيسته لتميز الأرواح، ولتعرف خبايا الأمور، ولتضع تشخيصاً سليماً روحياً للمشكلات، ولتعرف كيف تتعامل مع هذه الأرواح لتبطل مفعولها، ولتتحكم في المشكلات، ولا تتحكم فيها المشكلات، إذاً، فلتمييز الأرواح أهمية قصوى في التعامل مع هذه القضايا، وبدون تمييز حقيقي للأرواح، لما تحقق شيئا مما سبق ذكره.
ولقد حثنا الكتاب المقدس على تمييز الأرواح، وعلى امتحان الأرواح، وعلى عدم تصديق كل روح يتحدث إلينا أو يواجهنا، فلقد نزلت الآيات البينات الآتيات لتؤكد لنا وجود الأرواح، اعترفنا بها وبوجودها أم لم نعترف، وعن مواجهتنا لها وكيفية التعامل معها، وإليك القليل من هذه الآيات لضيق مساحة النشر: لقد كتب بولس الرسول إلى أهل أفسس ما نصه، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساءِ، مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهرِ، مع أجناد الشر الروحية في السماويات.” وأيضاً قال يوحنا الحبيب في 1 يوحنا 1:4 أيها الأحباء، لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح: هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم.
أما عن أنواع الأرواح التي ذكرها لنا الوحي المقدس فكثيرة، اذكر منها القليل على سبيل المثال لا الحصر.
أولاً: روح الغى في قوله تعالى” مزج الرب في وسطها روح غي فأضلوا مصر في كل عملها، كترنح السكران في قيئه. إشعياء 14:19
ذلك الروح الذي يشتت التركيز والتفكير السليم، ويضل الخلق ويخدعهم بالجري وراء ما لا ينفعهم في الدنيا والآخرة، فيجعل الناس تمشي كالسكارى، كترنح السكران في قيئه، ويزيد من عدد المغيبين، من لا يعرفون الحق من الضلال، فيدافعون عن الضلال وكأنه الحق، ويرفضون الحق وكأنه الضلال. ويمشون معصوبي العينين وراء قادة عميان، أقل ما يقال عنهم، إنهم عميان يقودون عميان، حتى يسقطوا جميعهم في حفرة.
ثانياً: روح الكذب: في قوله سبحانه فقال: أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائهِ. فقال: إنك تغويه وتقتدر، فاخرج وافعل هكذا. الملوك الأول 22:22
“وهو أيضاً من أكثر الأرواح نشاطاً في مصر، فالكذب أصبح هو العملة الرسمية السائدة في البلاد اليوم، وعلى الأقل منذ أن تم الفتح الإسلامي لمصر، فالمعتدون على الأقباط في مصر كلهم مختلو العقل، والانتخابات بعيدة عن التزوير والغش، والمسلمون والمسيحيون إخوان، ولا خلاف بينهم، وعاش الصليب مع الهلال، والشرطة في خدمة الشعب، والجيش يحمي المواطنين، والأقباط هم المفترون والبادؤن دائماً بالاعتداء على العسكر، وما العسكر إلا بمدافعين عن أنفسهم بالغازات المهلوسة، والرصاصات الحية، والبنت التي عروها في الشارع، كانت هي المعتدية على فحول الأمن المركزي، وهي التى تعرت من نفسها، ألم تر عسكري الأمن المركزي وهو، أطال الله عمره وستر عرضه وأضاف له شريطتين عسكريتين جدد، ألم تره وهو يسترها، عندما كانت نائمة على أسفلت الشارع، وقد انكشفت حمالات صدرها، والإخوان المسلمون هم العادلون الديمقراطيون، مؤسسى حزب الحرية والعدالة، وإلى آخر هذه القائمة السوداء، التي يمكن أن تملأ جريدة الطريق والحق كلها، من أكاذيب تعودناها حتى صدقها جل المصريين، فإذا ما جاءهم الحق قالوا إنه الباطل وإننا لمن المفلحين.
ثالثا: روح ضد المسيح في قوله تعالى”وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح إنه جاء في الجسد، فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح، الذي سمعتم أنه يأتي، والآن هو في العالم. 1 يوحنا 3:4
وهذا هو الروح الذي يعيث اليوم في مصر فساداً، فيضاد كل ما هو مسيحي إلهي حق، حتى أنه يُعلمُ في فتاويه، التي زادت عن أن تعد، أن تهنئة المسيحيين بعيدهم حرام، ولا يجوز من المسلم، مما دفع مجلس العلماء الأزهري، أطال الله أعمارهم وحفظهم لنا للدفاع عنا، أن يصدر فتوى مضادة، في محاولة لإبطال مفعول سم الفتوى الأولى، بأن تهنئتنا بالعيد ليست محرمة على المسلم، وكأن عدم تهنئتنا في أعيادنا هي أشد قسوة وايذاءً لنا من قتل أولادنا، وإراقة دماءنا، وحبس أشقاءنا، ودهس أبطالنا تحت عجلات مدرعاتهم، هل هذا ما يجب أن يشغل بال الأزهر في هذه الأيام، وتُقضَى الساعات في مناقشته إصدار الفتاوى عنه، أليس مِنْ مميز للأرواح الشريرة، التى تعمل في مصر اليوم، حتى يخبرنا عنها وعن وسائل التعامل معها وقهرها.
رابعاً: روح الزنى: يقول الوحى الإلهى:
“شعبي يسأل خشبه، وعصاه تخبره، لأن روح الزنى قد أضلهم فزنوا من تحت إلههم” ولعل التحرش الجنسي في شوارع القاهرة، يلقى الضوء على ما يعمله هذا الروح الشرير في مصر، وليس فقط الزنى الجسدي، بل الروحي، والارتداد الواضح من المؤمنين، الذين تهاونوا مع الخطية، ونسوا الرب إلههم، وخافوا واستسلموا للأمر الواقع.
وهناك أرواح لم يصرح المولى بأسمائها، أو وظائفها، فاكتفى بوصفها بالروح الردئ، أو الروح الشرير كقوله “وكان أنه عندما جاء الروح من قبل الله على شاول، أن داود أخذ العود وضرب بيده، فكان يرتاح شاول ويطيب ويذهب عنه الروح الرديء. صموئيل الأول 23:16
وأيضاً أرواح وصفها السيد وحدد عملها في العالم يومئذ، وهي لا تزال تعمل حتى الآن، فلقد انتهر، تبارك اسمه، واحدة من أشر الأرواح التي تعمل اليوم في مصر، وهو الروح الأبكم الأصم، كما جاء في قول الوحى “فلما رأى يسوع أن الجمع يتراكضون، انتهر الروح النجس قائلا له:«أيها الروح الأخرس الأصم، أنا آمرك: اخرج منه ولا تدخله أيضا!» مرقس 25:9
فما أكثر الصامتون اليوم عن إظهار الحق، ومن صموا آذانهم عن سماع صراخ المساكين والمضطهدين في مصر، ومن هؤلاء من يتبوؤن مناصب وكراسِ كنسية وسياسية وعسكرية وبوليسية، لكنهم لا يتكلمون ولا يسمعون، لذا، في حديثه إلى ملائكة الكنائس السبع في سفر الرؤيا، ذكر السيد هذه العبارة لجميع الكنائس “من له أذن للسمع فليسمع”.
لقد كان السيد الرب يسوع المسيح خبيراً في تمييز الأرواح والتعامل معها، الأمر الذي تعلمه بولس الرسول، فلم تنطلي عليه محاولات الأرواح الشريرة للتحكم فيه وتدمير إرساليته، فعندما طلب تلميذا السيد، تبارك اسمه، يعقوب ويوحنا، منه أن يسمح لهما بطلب نار تنزل لتحرق قرية السامريين، الذين رفضوا استقباله ودخوله إلى قريتهم، تحدث لهما عن الروح الذي أوحى لهما بهذه الفكرة الشيطانية، فكرة غزو وحرق قرية بكاملها بنار تنزل من السماء، انتقاماً من أهلها، لأنهم مارسوا حقهم الطبيعي، الذي منحهم المولى إياه، في استقباله ونوال بركته أو رفضه وبقائهم للأبد من الخاسرين، فانتهر السيد تلميذاه، علانية أمام الجميع، وقال لهم لستما تعلمان من أي روح أنتما، أي أن ما تفكران فيه هو ليس منكما، بل من روح شرير يُمْلي عليكما ما يريدكما أن تعملاه، وهو مختفي وراءكما، ذاك الذي كان من البدء قتالاً للناس، وعندما أراد تلميذه بطرس أن يثنيه عن الذهاب طوعاً واختياراً للصليب، قائلاً له حاشاك يارب أن تُصلب، وبالرغم من إخلاص بطرس الرسول ومحبته الفائقة لسيده المسيح، ورفضه لأي أذى أو ألم يمكن أن يصيبه، تبارك اسمه، وهو الذي دفعه أن يقول للمسيح، تبارك اسمه، حاشاك يا رب أن تُصلب، لكن السيد كان مميزاً للروح الناطق بهذه الكلمات، وهو الشيطان نفسه، لذا، فقد انتهر، له المجد، هذا الروح الشرير، موجهاً كلماته للامنظور (الشيطان) في صورة بطرس المنظور، قائلا له “ابعد عني يا شيطان، أنت معثرة لي”. وعندما زار تلميذه بولس فيليبي، وكان يكرز ببشارة الملكوت، ومشت وراءه المرأة التي كانت بها روح العرافة، وكانت تشهد لبولس وسيلا بأحلى الكلمات، قائلة للجميع “هؤلاء هم عبيد الله الحي الذين ينادون لكم بطريق الخلاص” فيالها من رسالة مباركة أن تشهد هذه المرأة عن بولس وسيلا أنهما عبيد الله الحي، وأنهما يناديان للفليبينيين بطريق الخلاص، لكن الكتاب يقول صراحة، فضجر بولس، فما الذي جعل بولس يضجر من هذه المرأة، ما الخطأ الذي ارتكبته في حقهما حتى يضجر، لماذا لم يستغل الرسول بولس شهادة هذه المرأة في تأكيد إرساليته لهذه المدينة، ونشر طريق الخلاص في هذه المدينة، السبب ببساطة أن بولس كان يتمتع بعطية تمييز الأرواح، لذا، قال الوحي، إن بولس نظر إلى المرأة وانتهر الروح الشرير فخرج من المرأة في الحال، ولم يقبل بولس الرسول مدحاً أو شهادة أو كرامة من الشيطان، مهما كان، فشهادة الشيطان باطلة حتى ولو صدقت.
إذا،ً فأمر إصلاح مصر، هو منوط كما قلت بالكنيسة، فلتكف الكنيسة عن الخوف والمحاباة، والتملق والسياسة، والمداهنة، ولتستخدم سلطانها في تمييز الأرواح الشريرة المضادة لها، إن كانت تريد نصرة حقيقية في هذه الأيام، وكشفاً للأرواح الشريرة العاملة على أرضها، وحماية لأولادها ومحبيها، وشفاءً لمصر ومن فيها.
وعندما تميز الكنيسة نوعية الأرواح الشريرة التي تضادها، فلتبدأ في مواجهة هذه الأرواح وقهرها بما يلي:
أولاً: بالصوم والصلاة، فهناك أجناس من الأرواح الشريرة لا تخرج إلا بالصوم والصلاة، كما علمنا إله المجد نفسه، تلك الصلوات التي تقام بنفس واحدة، لجماعة متحدة متحابة، يفضل كل واحد فيهم الآخرين على نفسه، ويقدمهم في الكرامة، الصلاة التي لا تعرف الطائفية والعقائدية والفردية، فالصلاة التي تقام لغرض آخر غير التذلل وطلب وجه الرب والتواضع والرجوع عن الطرق الردية، لن تعلو كثيراً فوق رؤوسنا، ولن تستجاب، بل على العكس، فإنها ستزيد من تغييب المصلين، وفشل المتحمسين، ويأس الساهرين الطالبين للتدخل الإلهي، وتعمل على اختفاء هذه الأرواح خلف روح التدين الفارغ، والذي دائماً ما يجرد الممارسات الروحية من قوتها، بل يعطي لها صورة التقوى فقط دون قوتها.
ثانياً: إن تمييز نوع الأرواح المضادة، يعطنا أن نصلي بطريقة استراتيجية فعالة، فإن كنا نميز أن حادثة معينة تحدث بارتباط بروح الغي، أو الزنا، أو الكذب، أو روح ضد المسيح وغيرها، فإن صلاتنا ستكون فعالة أكثر ما تكون إن نحن وجهنا صلاتنا ومقاومتنا ضد هذا الروح أو ذاك بعينه، فلقد علمنا الكتاب اخضعوا لله، قاوموا إبليس فيهرب منكم.
ثالثاً: إن معرفة وتمييز الأرواح ستساعدنا على كشفها وتحذير الناس منها، وحيث إن هذه الأرواح لا تعمل إلا في الظلام وبعيداً عن النور، فكشفها وإحضارها لنور السراج المنير، كلمة الله الحية والفعالة والأمضى من كل سيف ذي حدين، سيجعلها تهرب سريعاً، ويتم فينا المكتوب، وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً.
لذا، فلنصل أن يعطنا الله تمييزاً للأرواح، وكشفاً لها، ونصرة عليها، وتحريراً لمصرنا منها، حتى يعم السلام الحقيقي ربوعها، والله على كل شئ قدير.