تأملات في قضية الزواج والطلاق

1

العدد 59 الصادر في أغسطس 2010
تأملات في قضية الزواج والطلاق

    يبدو أننا كشعب مصري خاصة، وعربي عامة، لا نستطيع أن نعيش في سلام وهدوء دون مشاحنات وخناقات واختلافات، ورابح وخاسر، ومحق ومخطئ، فلقد تعودنا على ذلك منذ عشرات السنين. وهذا ما جعل حكوماتنا العربية الرشيدة، أطال المولى بقاءها في كراسيها، تبحث عن مشكلة أو قضية تلهي بها الناس وتصرف أنظارهم عن معاناتهم الحقيقية اليومية حتى لا يفكروا بها ويتحدوا في المطالبة بإصلاحها، فتصبح الطامة الكبرى وتحدث الانتفاضة الشعبية التي لا تعرف الانقسام بين صفوفها، والتي يمكنها أن تطيح بأي نظام أو حكومة مهما قويت قبضتها على رقاب شعبها، فإذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر. وأمثلة هذا الصراع كثيرة بين المسلمين والمسلمين وبين المسلمين والمسيحيين، وبين المسيحيين والمسيحيين، بين السنة والشيعة والبهائيين، بين الأرثوذكس والإنجيليين والكاثوليك، حتى بين أبناء المذهب الواحد والعقيدة الواحدة، الأحزاب المختلفة المتطاحنة، الحكومة والشعب، المحامين والقضاة، الشعب والقيادات الكنسية، و.. و.. و.. والحقيقة أن المستفيد الوحيد من هذا الصراع الدائم هو الأنظمة الحاكمة في بلادنا العربية، فعلى عكس جميع الأنظمة الديمقراطية في العالم أجمع، كلما ازدادت الهزات الأرضية تحت كراسي السلطة وازداد الصراع والخلافات بين عناصر الأمة الواحدة، تثبتت وتوطدت كراسي الحكام والملوك والسلاطين العرب، مادامت قوة هذه الهزات الأرضية الاجتماعية الدينية لم تصل لنقطة الانتفاضة الشعبية الموحدة والمركزة والمدروسة والمخلصة، ولست أظن أننا (والحمد لله) سنصل إلى هذه النقطة أبداً في بلادنا.  أما فى البلاد التى تتمتع بالديمقراطية الحقيقية فإن حكوماتها تسرع لعلاج أقل الاضطرابات أو الهزات المختلفة فأقل الهزات فى تلك البلاد تكلف الحكومات الكثير وقد تكلفها بقاءها فى الحكم  حيث أن الشعوب هم أصحاب القرار وهم الذين جعلوا الحكومة حكومة وبالتالي هم ليسوا فى حاجة إلى انتفاضة جماعية أو شعبية ليسحبوا الثقة منها وتصبح الحكومة فى خبر كان. ولعل هذا التحليل يكون هو الأقرب لفهم موقف الحكومة الصامت وفى بعض الأحيان المشجع للمعتدين وللقضاة غير المنصفين الذين يحكمون على هواهم ووفقاً لانتماءاتهم الدينية و العرقية دون الاعتداد بالقانون، أو على الأقل لتفسير أسباب ترك الحكومة لكثير من الخلافات والقضايا والاعتداءات من المحافظين وأعضاء الحزب الحاكم بأمره على المسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية فى مصر وإلا فليفسر لنا أحد أسباب هذه التصرفات الغريبة والمشبوهة فى نفس الوقت.

    إذاً فلتستمر الهزات الأرضية الاجتماعية الدينية الخفيفة ولتتثبت كراسي الحكام والملوك وليبق حال هذا الشعب المظلوم المغلوب على أمره على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء فلن يجد من يسمعه أو ينصفه، فالمحامون ووكلاء النيابة والقضاة مشغولون بصراعاتهم الشخصية، وبتوصيات الكبار والصغار والقوانين المتضاربة، واللوائح المعمول بها بالقانون والملغاة أيضاً في نفس الوقت بالقانون.

     ووفقاً لكتاب الكتب، الكتاب المقدس، نرى أن هذا الوضع السائد في مصر بدأ منذ آلاف السنين، وأرسى قواعده الفرعون الذي عاصر الأحداث التي قادها نبي المولى، تبارك اسمه، موسى الكليم،.. عندما وقف في وجهه وقال له يقول إله العبرانيين: “أطلق شعبي ليعبدوني”، وظن فرعون أن الانتفاضة الشعبية العبرانية آتية وأن هذا الشعب سوف يهز عرشه ويخرج من تحت قبضته، فأصدر أوامر للمولدات المصريات بقتل كل ابن يولد للعبرانيات حتى لا يكثر عدد الشعب، وحتى لا تستمتع الأم وأسرتها معها بأخبار حملها لطفل سيولد بعد شهور بل تظل على أعصابها لشهور وشهور، تفكر ماذا سيحدث لو كان مولودها ذكراً، كيف سيقتلونه، هل ستصبح ثكلى في يوم فرحها لولادة ابن لها. ثم عمل الفرعون أيضاً أمراً ثانياً وهو أنه ثقل نير شعب الله وجعلهم يعملون اليوم كله في الطين، وقد امتنع عن أن يعطيهم المواد المستخدمة في صناعة الطوب اللبن، وطلب منهم المستحيل بأن يجدوا المواد المستخدمة، ويعملوا فريضة كل يوم من اللبن ولا ينقصوا منها شيئاً، فتفرق الشعب ولم يكن لديهم حتى وقت للصراخ من العبودية القاسية. وعندما طالب موسى بحقوقهم وبإطلاقهم ثقل فرعون نيرهم أكثر فيئسوا من رحمة الله وعونه، حتى أنهم قالوا برجم موسى مخلصهم ومنقذهم ورسولهم من المولى تبارك اسمه. لقد سار حكام مصر وولاتها وملوكها ورؤساؤها على هذا النهج، فبعد أن كانت نيران الكراهية والحقد والضغينة والاختلاف بين عنصري الأمة مسيحييها ومسلميها مختفية تحت الهشيم والتبن، أشعلها بطل الحرب والسلام الرئيس المؤمن لتحويل نظر المعارضين عن اتفاقية السلام مع إسرائيل، ولم تخمد النيران من يومها بل ازدادت اشتعالاً، وألقى المجانين والمتخلفون عقلياً الجاهزون لتحمل نتائج أية جرائم تحدث بين عنصري الأمة، والجماعات المتطرفة، ببنزين الحقد والكراهية على هذه النيران، فظهرت ألسنة اللهب وبدأت تلتهم الأخضر واليابس إلى يومنا هذا.

    فالحكومة متمثلة في القضاء (وكنت أتمنى أن أفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية حسب الدستور لكن الشواهد تؤكد عكس ذلك) تصدر حكماً من المحكمة تلزم فيه الكنيسة بعقد زواج المطلقين والراغبين في الزواج للمرة الثانية، وحيث أن الطلاق لم يكن لأسباب تقرها الكنيسة حسب مفهومها لنصوص الكتاب المقدس فالكنيسة ترفض عقد هذا الزواج الثاني، وتقف الحكومة في خلفية الصورة وكأنها مسألة بين الكنيسة والقضاء ليس للحكومة دخل فيها، ويظهر البابا شنودة وكأنه مواطن يرفض تنفيذ القانون والأحكام الصادرة من المحكمة، فيطالب البعض بإلزامه بتطبيق القانون وإلا اتخذت ضده الإجراءات القانونية أيضاً التي قد تصل إلى السجن، وكأن القانون المصري بعث حياً من قبره بعد سنين عديدة ليطبق على رأس الكنيسة الأرثوذكسية في مصر، وكأن تاريخنا المشرف في مصر لا تشوبه شائبة ولا تحوم حوله الشبهات في تكسير القوانين وتفصيلها والنطق بأحكامها وفقاً للمواقف المختلفة، ويستمر مسلسل إحراج القادة المسيحيين وخاصة البابا شنودة في مثل هذه المناسبات، فإن نفذ هذا الحكم ووافق على الزواج الثاني للمطلق لغير علة الزنا يكون بذلك قد خذل كنيسته، وغير مبادئه، ونسخ تعاليمه، وكسر وصايا المولى الكريم في كتابه العظيم الكتاب المقدس، على الأقل حسب مفهومه وإيمانه بنصوص الكتاب المقدس والذي قد يختلف البعض معه حوله، وإن تمسك بالمبدأ الكتابي أنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس وأن قوانين المولى تبارك اسمه أولى وأحق بأن تتبع ورفض الامتثال لحكم المحكمة أصبح مواطناً يمتنع عن تنفيذ حكم محكمة ملزم التنفيذ وبالتالي يفتح الباب للمتربصين به شخصياً ولكنيسته لرفع أصواتهم في وجهه ووجه كنيسته. والحقيقة أن أغرب ما سمعت في خضم هذه الأحداث هو تصريح البابا شنودة بأنه تلقى مكالمة من الرئيس حسني مبارك يطمئنه فيها حتى لا يخاف.

      ولم يوضح لنا غبطته ما قصده بأن الرئيس مبارك قد طمأنه حتى لا يخاف، وما هي الزاوية التي على البابا الاطمئنان من ناحيتها، هل عني هذا أن سيادة الرئيس سيتدخل في مسألة هذا الحكم ليغيره بأي شكل من الأشكال؟ أم أنه قصد بطمأنة البابا أنه لن يقبض عليه ولن يودع في السجن كما طالب البعض حتى لو لم ينفذ حكم المحكمة؟ هل سيصدر سيادته قراراً جمهورياً بالعفو عن البابا في حالة إصرار المحكمة على إدانته في تهمة عدم تنفيذ حكم المحكمة أم سيجعل الحكم مع وقف التنفيذ، أم سيأمر سيادته القضاة بإيجاد ثغرة في القانون ينفذ منها البابا من هذا الوضع الشائك؟ أو ربما ستؤجل المحكمة تنفيذ هذا الحكم الصادر إلى أجل غير مسمى بما لديها من خبرة ودراية وتاريخ طويل في تأجيل الكثير من الأحكام لسنين وسنين، حتى ينسى الأمر ويبقى الحال على ما هو عليه. أم أن السيد الرئيس سيعتبر الأمر كله كزوبعة في فنجان سريعاً ما سينُسى كما نُسى من قبله الكثير من الموضوعات الهامة والتي لم تحسم منذ عشرات السنين، فالزمن كفيل بإنساء الناس ما يحدث معهم ومن حولهم مهما كان الحدث.

      من الأمور العجيبة أيضاً تطبيق الشريعة الإسلامية ومبادئها على المسيحيين دون الالتفات إلى شرائعهم ووصايا وأحكام كتابهم المقدس، ربما لإيمانهم بأنه “مكدس” وليس مقدساً كما عبر أحد علمائهم، وربما لإيمانهم أنه محرف فلا يصلح للحكم بما أنزل الله فيه، ربما لاعتبارهم أنهم الأعلون وأن كل شريعة تخالف شريعتهم هي الأدنى ولا يعمل بها في بلاد محتلة من قبلهم، ربما صدقوا بعض المسيحيين المغرضين الذين يرون أن المسيح لم يأت مشرعاً وأن العهد الجديد ليس بكتاب شريعة وقوانين مستشهدين بقول المسيح من أقامني قاضياً أو مقسماً عليكم، ونسوا أن شرائع الدنيا والآخرة وضعها تبارك اسمه في الموعظة على الجبل، وفي تعاليمه التي طبعها على قلوب تلاميذه والمؤمنين به وأكدها كتبة الوحي من بعده ومن قبله، نعم لم يدخل السيد تبارك اسمه في تفاصيل الأمور التشريعية الدقيقة، لكنه وضع مبادئ وأسساً راسخة تعطى للمشرعين الأرضيين الأساس لكل شرائعهم وقوانينهم، ففي مسألة الزواج، أعلن أن الزواج ترتيب إلهي وضع من البدء، وأن شريعة السماء الإلهية ترى زوجة واحدة لزوج واحد، وما تعدد الزوجات إلا بكسر للقوانين الإلهية حتى لو ارتكبها الأنبياء سليمان أو داود أو موسى أو غيرهم، قال أيضاً إن الزواج الإلهي مبني على المحبة الكاملة بين الرجل والمرأة، وكلاهما لابد أن يكون هيكلاً للروح القدس الساكن فينا، ولا عشرة ولا خلطة للمؤمن مع غير المؤمن، وأنه على الرجال أن يحبوا زوجاتهم كأجسادهم، وعلى المرأة أن تخضع وتهب رجلها كما الكنيسة للمسيح، وأكد على أن هذا الزواج الذي تتم فيه هذه الشروط ذلك الذي جمعه الله لا يستطيع إنسان أن يفرقه، حدد العلاقة والارتباط واستمرارهما تحت قانون المحبة حتى يفرق الموت بين الزوجين، لكن إن أراد غير المؤمن بالمسيح أن يفارق الطرف الآخر (المؤمن بالمسيح) فليفارق، ليس الأخ أو الأخت في هذه الحالة مستعبد، أي له أن يتزوج في الرب فقط، وقال إن الطرف الذي هجر وانفصل عن شريك حياته لابد له أن يصالح الطرف المهجور والمظلوم، وإلا فلا يحق له الزواج الثاني بل يلبث غير متزوج، أفبعد كل هذا يقال إن السيد المسيح لم يشرع ولم يضع قوانين تحكم مسألة الزواج؟ هل سمع أحد أن الكتاب المقدس يقول في أي من نصوصه أنه عند غياب أحد الطرفين لمدة عدد من السنين يحق للطرف الآخر الطلاق ثم الزواج الثاني، هل قيل إنه في حالة مرض أحد الطرفين يمكن للطرف السليم أن يطلق المريض ويحق له الزواج الثاني؟ هل ذكر الكتاب أنه عند استحالة العشرة بين الزوجين يصرح لهم بالطلاق ثم يعطون تصريحاً بالزواج الثاني؟ من أين أتت كل هذه الشرائع والحلول البشرية للمشاكل العائلية؟ أليست من البيئة الإسلامية التي فرضت علينا نحن المسيحيين فقبلناها إما طوعاً لكونها منطقية جسدية تحل المشاكل العائلية حلاً مؤقتاً وتعطي الطرف الظالم فرصة ثانية للزواج؟ أم قبلناها قسراً لأننا لا نؤمن بشريعة إلهنا السماوية؟ فمنطق شريعة السماء أنه عند استحالة العشرة بين الزوجين لابد من طلب التدخل الإلهي السماوي، والإله القدير قادر على أن يحل كل مشكلة.

      المنطق الإلهي هو أن المرض لا ينبغي أن يكون ذريعة للطلاق الذي قال عنه الرب أنه يكرهه، بل يوجد إله قال عن نفسه إنني أنا الرب شافيك. هل فكر واضعو لائحة 38 بطريقة روحية كتابية مسيحية عندما وضعوا كل هذه التسهيلات أمام المطلقين لطلاق شركائهم والزواج الثاني؟ ويتذرع البعض بأننا إن لم نزوج المطلق لغير علة الزنا فسيغير دينه ويترك المسيحية، وكأن المطلوب من الكنيسة أن تقدم رشوة لهذا المطلق بالسماح له بالزواج حتى يبقى على ديانته، أو كأننا نشتريه أو ندفع ثمن بقائه في المسيحية. ليت كل الذين يخالفون شريعة السماء المسيحية ويصرون على طلاق شركائهم لغير ما حلل المولى تبارك اسمه يتركون المسيحية سريعاً لتبقى قوية كتابية، فقوة المسيحية ليست فى تعداد من ينطقون بأنه “لا إله إلا الله يسوع المسيح ابن الله” أو من هم على استعداد أن يدافعوا عنها بأيديهم وسيوفهم وخناجرهم وجنازيرهم بل قوتها علوية من قوة إلهها وسيدها الذى يقول فيكون يأمر فيصير يحي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.

     والعجيب أن المطلق الذي وقف ضد تعاليم الكنيسة وذهب لتطبق عليه القوانين الوضعية الإسلامية ويمنح مدنياً التصريح بالطلاق، يعود إلى الكنيسة ويصر على أن تزوجه الكنيسة للمرة الثانية ويستصدر حكماً من المحكمة بإلزامها بذلك.

      وفي هذا أرى أن تكون هناك طريقة للزواج المدني، ليتم تسجيل الزواج في المحكمة بطريقة أو أخرى لدى قاض أو وكيل نيابة أو حتى بشكاتب وكيل محامى على الدرجة السابعة دون الإصرار على إتمام الزواج عن طريق كاهن أو قسيس، وهذا في رأيي سيريح كل الأطراف، ففي هذه الحالة لن تخضع الحكومة والقضاء للشريعة المسيحية التي تخالف أحكامها القضائية، وستتبرأ الكنيسة من الزواج الثاني لبعض المطلقين الذين ترى الكنيسة أنه لا يحق لهم الزواج مرة أخرى حيث يكون عقد الزواج والتوثيق خارج نطاقها، وهذا أيضاً سيريح من يريد أن يتزوج ثانية بعد الطلاق والذي ترفض الكنيسة تزويجه فيكون قد خرج من تحت سيطرة الكنيسة ولم يعد للكنيسة سلطان عليه يمنعه من الزواج للمرة الثانية، فهو على كل حال قد خرج من تحت سلطانها ولم يعترف بشرائعها يوم طلق الطرف الآخر بالرغم من عدم موافقة الكنيسة على طلاقه. فمن أراد أن يلتزم بتعاليم الكنيسة وإيمانها وأحكامها حتى وسيطرتها عليه فليلتزم، ومن أراد أن يتحرر من كل هذا فله الخيار، والديان العادل وحده هو الذي سيجازي كل واحد حسب عمله، خيراً كان أم شراً.

      أليس من المضحك المبكي في نفس الوقت أن تطالب الكنيسة الحكومة بإقرار قانون موحد لغير المسلمين فيما يخص الأحوال الشخصية والكنيسة نفسها منقسمة على نفسها في هذا الشأن؟ أليس من المرعب أن تعتبر الكنيسة الأرثوذكسية زواج الكنيسة الإنجيلية باطلاً وكأنه لم يكن فتسمح للمتزوج إنجيلياً أن يطلق لأي سبب وأن يتزوج للمرة الثانية، لا لشيء إلا لأنه تزوج على الطريقة الإنجيلية؟ فالكنيسة الأرثوذكسية تؤمن أن الزواج سر مقدس، وهذا السر لا يحل إلا لكاهن أرثوذكسي أن يمارسه ويتممه، وحيث أن الكنيسة الأرثوذكسية تؤمن أن الكهنوت قاصر على فئة معينة من المسيحيين الذين تمت سيامتهم خلفاً لمرقس الرسول، إذاً فما عداهم ليس بكاهن ولا يحل له عقد قران زوج وزوجة، وبالتالي فهذا الزواج لم يجمعه الله، إذاً فللإنسان أن يفرقه، وللكنيسة الأرثوذكسية الحرية لتؤمن بما تؤمن وليس لأحد أن يجبرها على الإيمان بما يخالف تعاليمها وفهمها للكتاب المقدس، وبما أن الكنيسة الإنجيلية لا تؤمن بكل هذا بل تؤمن بكهنوت جميع المؤمنين، وللكنيسة الإنجيلية الحرية لتؤمن بما تؤمن به وليس لأحد أن يجبرها على الإيمان بما يخالف تعاليمها وفهمها للكتاب المقدس، إذاً  فلن تلتقي الكنيستان في نقطة واحدة حول هذا الخلاف، فما دام أنه لا يستطيع كل منا أن يغير إيمانه ويقبل وجهة النظر الأخرى فدعونا نلعب نحن أيضاً سياسة، فلنتفق معاً حتى من منطلق سياسي واجتماعي على قبول زواج الآخر إن كنا حقاً نريد قانوناً للأحوال الشخصية موحداً ملزماً لجميع الطوائف المسيحية، فالكرة في ملعب الكنيسة الأرثوذكسية حيث إن الكنيسة الإنجيلية تعترف بالزواج الأرثوذكسي والعكس غير صحيح، لذا فليس هناك ما تتنازل عنه الكنيسة الإنجيلية للاتفاق على موقف واحد من القانون الموحد، إلا إذا تنازلت عن كونها كنيسة وجزءاً من جسد المسيح، وهذا ليس بمقدورها أو من اختصاصها.

      ليت الكنيسة العامة تنتبه للخطط الشيطانية التي يضعها في طريقها عدو الخير، وتجلس أولاً بعضها مع بعض في تواضع ومحبة وإصرار على إكرام سيدها وإلهها وتطلب إرشاده ووحدته وقيادته وتتفق على موقف موحد وأرضية واحدة ثابتة نابعة من كتابها وإيمانها حتى تستطيع أن تخرج لنا قانوناً موحداً مطابقاً لشريعة السماء الإلهية في المسيح يسوع، فتنقذ نفسها من متاهات كثيرة، وتستعيد هيبتها أمام الحكومة وشعبها ونفسها، وتضع حداً لانقسامها وغطرستها وكبريائها، حتى يسمع المولى من السماء صراخها، ويغفر خطيتها، ويبرأ أرضها.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا