لا شك أن الأمثال والحكم والأقوال المأثورة تلعب دوراً أساسياً في تكوين طبائع الشعوب وطريقة تفسيرهم للأمور، وطريقة تعاملهم مع الظروف المختلفة التي تمر بهم. ومع أنني لست من عشاق الأمثال الشعبية، فأنا أرى أن “من الأمثال ما قتل” وحكم على كثير من الشعوب والقبائل بالتخلف والعيش في الماضي والإعاقة الذهنية والاستسلام لما يعرف بالقضاء والقدر. إلا أنه بين الحين والآخر يتوارد إلى الذهن أحد هذه الأمثال الشعبية في بعض المواقف التي تؤكد صحة أو خطأ مثل هذه الأمثال.
وما يحدث اليوم في العالم، عالم السياسة والاقتصاد والدين والبوليس والأخلاق، جعل هذا المثل الشعبي “الفاجرة ست جيرانها” يلح على ذهني كثيراً. وتفسير ومضمون هذا المثل القديم – للأجيال الجديدة التي لا تعرفه وربما لم تسمع به من قبل – أن المرأة الفاجرة التي ارتكبت من الأخطاء والفظائع في حق نفسها وجيرانها ما يجعلها تختفي وتحتجب عن أنظار مجتمعها، هي التي تحاول أن تثبت وجودها بكافة الطرق التي سنتحدث عنها لاحقاً. بل تبدو وكأنها صاحبة الصوت المسموع والأمر المطاع، وكأنها هي سيدة كل جيرانها وأكثرهم سيادة ونفوذاً في محيط تواجدها، ليس لأنها على حق، ولا لأنها تملك العقل والمنطق، ولا لأنها مثل يحتذى وشخصية مؤثرة، بل على العكس فهي تفتقد كل هذا مجتمعاً.
لقد توارد كل هذا إلى ذهني وأنا أرى أربعة صور مختلفة في وقت كتابتي لهذا المقال. الصورة الأولى لرئيس فنزويلا وهو يرسم علامة الصليب قبل كلمته التي ألقاها أمام الوفود المجتمعة في الأمم المتحدة ثم بدأ بالصياح والشتائم والاتهامات والتهديدات لأمريكا وللرئيس بوش.
الصورة الثانية للرئيس الإيراني وهو يتكلم عن أعداء الديمقراطية وعن برنامجه السلمي لإنتاج الطاقة النووية. وبالطبع يتكلم كمسلم وبلسان المسلمين جميعاً، وقد تناسى تصريحاته التي قالها على مدى الشهور الأخيرة ضد أمريكا وإسرائيل ليجمع تأييد أمته.
الصورة الثالثة صورة الرجل الذي دمر لبنان العزيز وشرد أهله وقتل خيرة شبابه بقراره الطائش بخطف الجنديين الإسرائيليين والدخول مع إسرائيل في حرب أرجعت لبنان 50 عاماً للوراء من التخلف والاحتياج. نصر الله زعيم حزب الله الذي فجر الحرب، ثم طلب من القادة العرب التوسط لدى إسرائيل لإيقافها، ثم خرج في مهزلة تليفزيونية ليقول: “لو كنا نعلم أن خطف الجنديين الإسرائيليين سيشعل هذه الحرب لما كنا قمنا به”. والعجيب أنه يظهر في وسط مئات الآلاف من المسلمين الشيعة اللبنانيين المغيبين ليتباهى بالنصر على إسرائيل. وقلت لنفسي أليست الفاجرة ست جيرانها، فنصر الله وحزبه بعد أن تمكنوا من قهر لبنان آخر دولة عربية ينص دستورها على أن رئيسها لابد أن يكون مسيحياً مارونياً، وهم يخططون لإلغاء هذه المادة من الدستور اللبناني، يضع الحكومة اللبنانية في مواقف حرجة الواحد تلو الآخر، وكأنه هو رئيس لبنان الذي يتكلم بلسان لبنان، ويتفاوض باسم لبنان، ويعلن الحرب على إسرائيل من لبنان، ويقصف إسرائيل من أراضي لبنان. وإذا أعلن الشعب المسيحي اللبناني وقوفه ضد نصر الله وحزبه وأرادوا أن ينقذوا لبنانهم العظيم من ويلات الحرب، اتهمه الحزب بالخيانة والتواطؤ مع إسرائيل وبدأت حرب أهلية لبنانية جديدة بين المسيحيين والمسلمين. وإذا أيد لبنان المسكين نصر الله في حربه مع إسرائيل، افترست إسرائيل بنية لبنان الأساسية وأصبح لبنان في عداد الخاسرين. ونصر الله يضرب إسرائيل بصواريخ لا تصلح إلا لاستعمالها كألعاب نارية في أعياد النصر، ثم ينتشر أعضاء حزبه من المسلمين في بيوت المسيحيين وشوارعهم وكنائسهم وضيعاتهم، وليصمت لبنان واللبنانيين للأبد إما تحت تهديد حزب الله وأعضائه أو تحت قصف إسرائيل لطرقه وضيعاته، ما دامت الفاجرة ست جيرانها.
أما الصورة الرابعة فصورة أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة في كل العالم وخاصة في نيويورك، ونيوجرسي وواشنطن دى سى بالولايات المتحدة الأمريكية التي فتحت لهم أبوابها، وآوتهم من ظلم وقهر وطغيان بلادهم فـ60% من المسلمين المقيمين بأمريكا لديهم حالات للجوء السياسي والديني بعد أن فروا من التعذيب في بلادهم. وأمريكا التي لم ولن تفرق حتى الآن بين المسيحي وغير المسيحي هي التي تدافع عنهم وعن ممتلكاتهم وتضمن لهم عيشاً كريماً لائقاً بمخلوقات الله. فالبشر في أمريكا متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والدينية. هؤلاء وقفوا في شوارع هذه المدن يصرخون ضد المسيحيين والبابا بندكت ويتوعدون بالانتقام. وتوالت التقارير من كل العالم، فهؤلاء يحرقون دمية من الورق أو القماش تحمل شكل البابا، وأولئك يحرقون العلم الأمريكي أو الإسرائيلي، وكأن بابا الفاتيكان أمريكي أو إسرائيلي الأصل. ومجموعات تطالب بالاعتذار وآخرون يرون أن الاعتذار لا يكفي بل لابد من حرق الكنائس وتدمير السفارات وقتل المسيحيين حيثما وجدتموهم.
ومع أنني شخصياً ضد كل إساءة لدين أو شخص أو جماعة أو تنظيم إلا إنني تعجبت من هذه المجموعات التي كانت تردد شعارات معادية للمسيحية والمسيحيين والثالوث والصليب، ويعملون نفس ما يلومون غيرهم عليه. وفي مثل هذه الأحوال يختلط الحابل بالنابل، فلا تعرف إن كانت الجموع تحتج على ما فهم أنه إساءة لنبي الإسلام، أم يصفون حساباتهم مع المسيحيين الذين لا دخل لهم بتصريحات البابا، أم أن هناك جماعات أو دول تحلم بأن تكون ممثلة دولية وناطقة باسم المسلمين في كافة أنحاء العالم فسنحت لها الفرصة للظهور وكأنها المنتقمة، حامية حمى الإسلام والمسلمين. وربما هناك من المنظمات الإسلامية من يريد أن يثبت للدول المدعمة لها أنها موجودة وعلى استعداد لخلق المزيد من الاضطرابات والمصادمات مع الدول المسيحية، وعلى رأسها الفاتيكان، لتستمر في دعمها. وعملاً بالمثل “الفاجرة ست جيرانها” تريد هذه المنظمات العالمية أن تمثل دور الفاجرة التي تريد فرض فجورها على جيرانها بالسلاح والتهديد والوعيد. أم أن هناك من أخذوا على عاتقهم أن يتربصوا بالمسيحيين وقادتهم ولن يهدأوا حتى قيام حرب عالمية أخرى يدمر فيها الأخضر مع اليابس، وبعدها تبدأ البشرية من جديد في تفهم وقبول الآخر.
وفي هذا المقام أتذكر تلك القصة العجيبة التي ذكرها تنزيل الحكيم العليم في كتابه المقدس، تلك المذكورة في سفر الأعمال والأصحاح التاسع عشر. وتقول القصة إن الحواري بولس كان في زيارة مدينة أفسس وكان يعظ الجموع قائلاً: “إن التي تصنع بالأيادي لا يمكن أن تكون آلهة” فقام ديمتريوس صانع تماثيل الإله أرطاميس يدفعه خوفه من أن يصدق الناس بولس الرسول ويمتنعوا عن شراء تماثيل الإله أرطاميس، فتصاب مهنة، هذا الذي كان يمثل دور الفاجرة بالكساد، ويخسر دعم داعميه وهيبته كصانع للآلهة، ويفيق الناس من غيبوبتهم ويعرفون من هو “الإله الحي الحقيقي وحده يسوع المسيح الذي أرسله”. فرأى أن أسهل الطرق لحشد الجمع ضد بولس، وإثارتهم وجعلهم في حالة هياج قد تودي بحياة بولس وأتباعه، هو أن يقنعهم أن بولس يسب إلهتهم ويهين رموزهم الدينية، وستفقد هذه الآلهة هيبتها بسبب كلام بولس أو تعاليمه أو خطابه، وقد كان. فإن أسهل طريقة تحرك بها الجموع هو إقناعهم أن أحدهم يهين دينهم أو نبيهم أو كتابهم، عندها يفقد الناس عقولهم. ويقول تنزيل الحكيم العليم إن ديمتريوس جمع العاملين في حقل صناعة الأصنام وقال لهم: “أيها الرجال أنتم تعلمون أن سعتنا (أي عيشنا الرغد الوفير) إنما هو من هذه الصناعة وأنتم تنظرون وتسمعون أنه ليس في أفسس فقط بل في جميع آسيا تقريباً استمال وأزاغ بولس هذا جمعاً كثيراً قائلاً: “إن التي تصنع بالأيادي ليست آلهة” فليس نصيبنا هذا وحده في خطر من أن تحصل إهانة بل أيضاً هيكل الإلهة العظيمة أن يحسب لا شيء، وأن تهدم عظمتها. هي التي يعبدها جميع آسيا والمسكونة. فلما سمعوا امتلأوا غضباً وطفقوا يصرخون قائلين عظيمة هي أرطاميس الأفسسيين، فامتلأت المدينة كلها اضطراباً واندفعوا بنفس واحدة إلى المشهد. وكان البعض يصرخون بشيء والبعض الآخر بشيء آخر لأن المحفل كان مضطرباً وأكثرهم لا يدرون لأي شيء كانوا قد اجتمعوا”… وصار صوت واحد من الجمع صارخين نحو مدة ساعتين “عظيمة هي أرطاميس الأفسسيين” ولم يهدأ الجمع إلا بعد أن تحدث إليهم كاتب المدينة الحكيم وقال: “إن كانت لكم دعوى على أحد فإنه تقام أيام للقضاء ويوجد ولاة فليرافعوا بعضهم بعضاً، وإن كنتم تطلبون شيئاً من جهة أمور أخرى فإنه يقضى في محفل شرعي”.
وما أشبه اليوم بالبارحة، ما أكثر صراخ الصارخين ليس لمدة ساعتين فحسب بل يومين، وقل أسبوعين. وتضرب المدن ويندفع الجميع إلى ما لا يعلمون، وأكثرهم لا يدرون لأي شيء كانوا قد اجتمعوا، لكن المصيبة الكبرى أنه لا يوجد “كاتب” عاقل في هذا اليوم كما كان البارحة. لا يوجد من يحترمه الجميع ويخضع له الجميع. ولو كان هناك كاتب عاقل يخاطب الشعوب والجموع الصارخة لهدأت الجموع الثائرة. فليس للإخوة المسلمين كبير أو زعيم أو مجلس للشورى أو جماعة متفق على طاعتها وتنفيذ وصاياها، فالعالم لا يعرف إن كان الأزهر في مصر أو مجلس الفتوى في السعودية أو قادة الشيعة في إيران هم المرجع في مثل هذه الظروف، ومن هو الذي يطالب للمسلمين بحقوقهم، ويخاطب أعداءهم بلسانهم، ويوحد كلمتهم وشملهم في مواجهة المتربصين بهم وأضدادهم. فالجماعات الإسلامية كثيرة متنافرة، مختلفة، متناحرة، منقسمة، متناثرة، وهذا يعطي الفرصة من يريدون أن يلعبوا دور الفاجرة ست جيرانها في الظهور والإساءة للجماعات المعتدلة العاقلة الفاهمة. إن البحث عن الزعامة ليس إلا عذاباً. وتحرير فلسطين وإعادة القدس إلى المسلمين ما هو إلا حلم وسراب. وحل القضية الفلسطينية دون التفاوض والاتفاق مع إسرائيل ما هي إلا مناورة يعملها المستفيدون الذين لا يريدون حلاً جذرياً شاملاً لقضيتهم، ليضمنوا تدفق الدعم والأموال إلى جيوبهم، لذلك فهم لا يضيعون فرصة إلا وأعلنوا دفاعهم عن فلسطين. فالجماعات الإسلامية على اختلافها تنادي بالدفاع عن فلسطين، وإيران الشيعية تدافع عن فلسطين، والأطفال السنيين في المدارس الابتدائية المصرية يدافعون عن قضية فلسطين. والله وحده سبحانه وتعالى هو الذي يعلم متى تنتهي القضية الفلسطينية إلى حل عادل وشامل يوفر السلام لمنطقتنا العربية، ويقينا جميعاً عذاب الحرب والدمار.
ولعله من المهم في هذا المقام أن نذكر بعض صفات “الفاجرة ست جيرانها” فهذه الفاجرة تعتمد على صوتها العالي الذى تخيف به جيرانها. فهي تصرخ كما قلنا ولا تملك إلا الكلام. فهي تجيده. وهي تشجب وتندد وتدين وتكذب وتعطي التصريحات في الجرائد والمجلات وتسب وتشتم وتلعن، وغير ذلك من البذاءات والمهاترات، تهدد بالقتل والذبح والخطف والسجن والمعتقلات.
والفاجرة ست جيرانها تصر على فرض آرائها بالقوة، مع أنها لا تملك القوة، ولو كانت تملك القوة لما أكثرت من الصياح، فالصياح وسيلة الضعفاء. وفي محاولة من الفاجرة أن تستعرض قوتها التي لا تمتلكها ترتكب حماقات تجر عليها وعلى جيرانها الويل والدمار. فحزب الله يستعرض قواه بخطف العساكر، وإعلانه أن لديه 20.000 صاروخ من طراز كاتيوشا، الذي كانت الدول المتقدمة تستعمله في الحرب العالمية الثانية. وإيران تركب صواريخها ذات الوزن الثقيل على عربات تتبختر في ساحة العرض وكأن لديها آخر ما وصل إليه علم الأسلحة من تقدم وتكنولوجيا. وهي تعلم أن إسرائيل تمتلك آخر ما وصل إليه العلم من تكنولوجيا الأسلحة، وأن بإمكانها عسكرياً أن تنسف نصف العالم بما لديها من رؤوس نووية في دقائق معدودات، لكنها لا تصيح ولا تتفاخر بقوتها رغم أنها تمتلكها.
والفاجرة ست جيرانها تسقط كل ما تعمله على جيرانها. فجيرانها هم السفلة الأردياء المتعاهدون مع الإمبريالية الأمريكية. هم الخونة الذين يريدون التخلي عن القومية العربية والدفاع عن القضية الفلسطينية. ويسارع وزراء خارجيتهم وربما بعض ملوكهم وسفرائهم ورؤسائهم في السر إلى الالتقاء بنظرائهم من اليهود والأمريكان ويعقدون معهم الاتفاقيات وتطبيع العلاقات وتبادل السلع والصفقات، المهم أن لا تعرف شعوبهم حقيقة الأمور وأن لا ينكشف المستور. وإن اكتشفت الشعوب، خلقوا لها ما يلهيها ويحول أنظارها عن الحقائق والوثائق والمعاهدات، فلا مانع من إشعال الفتنة الطائفية أو التركيز على ما قاله البابا، أو ما رسمه الدانمركيين أو إضرام الزاوية الحمراء بنار العداء، المهم أن تظل الشعوب ملهية مغيبة داعية مدافعة عن الفاجرة ست جيرانها.
الفاجرة ست جيرانها تحاول اغتصاب ما لجيرانها، بل قل خطف واغتصاب جيرانها أنفسهم، فمسلسل خطف البنات المسيحيات مازال يعرض كل يوم باستمرار. والحقيقة تقال، إن منتجي مسلسل خطف البنات المسيحيات قد طوروا من أنفسهم وأضافوا فصولاً جديدة لم نكن نسمع عنها من قبل، فالبطل الآن في هذا المسلسل يعلن عن نفسه لأهل الضحية (بعد أن كان يفعل جريمته في السر والخفاء) ويتصل بهم بالتليفونات المحمولة، يسمع أسرة البنت المخطوفة صوت استغاثتها. يتجرأ ويذهب إلى قسم البوليس ويحرر محضراً ضد أسرتها، يتهم فيه الأسرة أنها تحاول خطف ابنتهم منه وهو زوجها الشرعي على سنة الله ورسوله. ويسجل عنوانه وعنوان ضحيته المخطوفة في محضر البوليس. وينتهي المسلسل بأن يستدعي البوليس أبو المسكينة المخطوفة وأخوها ليوقعا إقراراً بعدم التعرض لابنتهم المخطوفة. وإن تعرضوا لها يصبحون في عداد المعتقلين المغضوب عليهم والضالين. والويل كل الويل لمن يعترض على سيناريو هذا المسلسل الذي إن دل على شيء، يدل على أن الفاجرة ست جيرانها. وما دام لهذه الفاجرة أصحاب وأصدقاء وضباط شرطة وأمناء، لماذا لا تمارس هي الأخرى سلطتها وتفرض سلطانها وسيادتها على جيرانها وبطانتها.
أما آخر ما توصل إليه مخرجو ومنتجو هذه المسلسلات بعد خطفهم للبنات ثم للزوجات، زوجات الكهنة والقسوس، اتجهوا الآن إلى إنتاج مسلسل جديد المخطوف فيه هو القسيس نفسه، وخاطفه لا يظهر في جلباب أبيض “شرعي” تحت الركبة، و”مداس” يشبه ما كانوا يستعملونه في الجزيرة العربية في القرن السادس عشر، بل الخاطف يلبس لبس الكاهن الأرثوذكسي، فالحبكة الفنية تقتضي ذلك. وللحديث في هذا الأمر بقية.
وليس هذا جديداً على التاريخ، فالفاجرة هيروديا الراقصة، طلبت رأس نبي الله يوحنا المعمدان ثمناً لفجورها ورقصها في القديم، والفاجرة دليله استخدمها الفلسطينيون ليتمكنوا من شمشون الذي أذاقهم العذاب الأليم، والفاجرة إيزابل تمكنت من نابوت اليزرعيلي فقتلته وورثت حقله.
والآن يبقى السؤال، أليست من طريقة لمقاومة الفاجرة ست جيرانها وإرجاعها لصوابها، أقول نعم هناك عدة طرق:-
1- لا يمكن مواجهة الفاجرة ست جيرانها والتغلب عليها إلا بكسر روح الخوف منها وبمواجهتها. لابد من أن يعلو صوت الأحرار، أولئك الذين يضعون رؤوسهم على كفوفهم، فلا يخافون بل يجهزون أطباقهم التي ستقدم عليها رؤوسهم ثمناً لحرياتهم التي لا تقدر بمال. لابد للأحرار أن يصرخوا في هذا العالم الأصم، وفي مواجهة كل فاجر وفاجرة يظن أنه سيكسب معارك الشرف بصياحه وتهديده ووعيده.
2- لابد من مطاردة كل فاجر وفاجرة بكل الطرق المسيحية المشروعة، فالقتل والخطف والتعذيب والبغضة والكراهية والانتقام ليست من المسيحية في شيء بل هي رجس من الشيطان.
3- لابد من أقلام حرة جريئة تفضح الفاجرة وتبين خزي عورتها، وتنير عقول المغيبين وترسم لهم علامات على الطريق، طريق الشرف والفضيلة والعقل وقبول الآخر.
4- لابد من رفض الخضوع والاستسلام، مهما علا صوت الفاجرة، ومهما استخدمت من وسائل للإرهاب والتنكيل، فما ضاع حق وراءه مطالب، وما مات أمل وراءه مثابر. فلا استسلام للشر والعدوان مهما كان الثمن.
5- لابد من اتفاق العقلاء والحكماء من كل دين وملة على مقاومة الفاجرة وكل ما تعمل، فاختلاف الأديان لا يجب أن يؤدي إلى التفرقة والتعصب والتحزب والاقتتال. لنختلف في الدين لكن لنتحد في فضح الفاجرة وأعمالها، وعندها سنصبح جميعاً من الرابحين. وإن لم نتحد سنصبح والعياذ بالله من الخاسرين.
6- لابد من وضع حلول عملية لمشاكل الفاجرة ومساعدتها على تنفيذها، وإلا لتلفظ الفاجرة خارج مجتمعنا وبلادنا وشوارعنا وبيوتنا.
وأخيراً إليك اختبار شخص كان يلعب دور الفاجرة ست جيرانها، وكيف أصبح بنعمة الله من المؤمنين.
في كتابه “حارة النصارى” المحظور تداوله في مصر والبلاد العربية، يقول الكاتب غير المعروف الاسم والهوية، بسبب الخوف من الفاجرة: “لقد كنت أكفر العالم كله والحكومات جميعاً، كنت أضرب أمي وإخوتي لظني أنهم كفرة، كنت أكره المسيحيين وأتعقبهم في أشغالهم وبيوتهم ومحالهم. اشتركت مع إخوتي في الجماعة في حرق إحدى الكنائس. أجبرنا المسيحي الوحيد في حارتنا “حارة النصارى” على تغيير دينه. كنت أول من يحصل على المكافأة الشهرية من وظيفتي، ولا يجرؤ آخر على أخذها قبلي. قرأت التوراة والإنجيل لاستخلص منها ما يثبت تحريفها وتزويرها، فوصلت إلى أنها كلام المولى عز وجل، فقبلته كما هو وحي من السماء من عند غفار الذنوب. غفر ذنبي، ملأ قلبي بالمحبة والسلام والصفح، تحولت من فاجر يخيف الناس إلى تائب يحب الناس ويصنع مرضاة الله.
إن علاج الأثمة والفجار يكمن فيما أنزله الحكيم العليم في كتابه المقدس، إذ قال: “لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت لكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا”.
يا عزيزي كلنا ضعفاء، كلنا فجار، كلنا خطاة، ولا علاج لنا إلا في شخص الحق السلام العادل الغفار القدير الأمين العظيم الصادق الكبير العليم الرحمن الرحيم المسيح الذي له المجد والكرامة إلى أبد الآبدين. آمين.