2018 سنة التغييرات

2

العدد 150 الصادر في مارس 2018
2018 سنة التغييرات

   تعودت لعشرات السنين الماضية، في نهاية كل عام وبداية العام الجديد، أن أحصل من الله -تبارك اسمه- على اتجاه، أو وعد أو خطة عمل للعام الجديد، فهذا كان عام “البقية التقية” وذاك عام “رد المسلوب” وثالث هو عام “تسبيح العلي” إلى آخره. تعودت أيضًا في نهاية كل عام وبداية العام الجديد، أن أقضي وقتًا في الصلاة  وطلب وجه الله، تبارك اسمه، لمراجعة وتقييم ما حدث معي شخصيًا وعائليًا وفي كنيستي أثناء العام المنصرم، ومطابقة ما حدث معي فعليًا أثناء العام بما أعلنه لي القدير في بدايته، وتعودت أن أصرف وقتًا في دراسة لما تحقق، أو لم يتحقق، ما وعدني به المولى في العام الذي مضى، وماذا كان عليّ أن أفعل ولم أفعله، أو ما فعلته وما كان لابد أن لا أفعله حتى أعطي القدير – تبارك اسمه – الفرصة لتحقيق ما وعدني به. يحدث معي كل ما تقدم ذكره عادة في الإسبوع الأخير من كل عام حتى أصبحت عادة لا أفكر فيها كثيرًا، لكنني أتوق إليها وأتلهف عليها وأستمتع بها.

  لكن الأمر اختلف معي هذا العام، فقد بدأت أسمع في كياني كله، وقبل نهاية عام 2017  بشهرين على الأقل، أي في شهر أكتوبر 2017، صوتًا داخليًا يقول لي: “استعد للتغيير”، تكرر هذا الصوت مرات كثيرة، وبوضوح شديد، وفي أماكن وأوقات مختلفة وكثيرة، في البيت، في الشارع، في السيارة، في الكنيسة، وأنا نائم وأنا مستيقظ، في الصباح الباكر وفي منتصف الليل، وحيث أنني لا أعيش في هذه الدنيا بمفردي، بل مع زوجتي صديقة العمر، وشريكة الأفراح والأتراح ورفيقة الكفاح والنجاح في الخدمة، وأولادي الذين دفعوا من طفولتهم ثمنًا غاليًا حتى نعيش كعائلة في خدمة السيد ملك الملوك ورب الأرباب، المسيح يسوع، تبارك اسمه، وحيث أن ما يؤثر ويحدث معى حتمًا وبالضرورة سينعكس علينا جميعًا كأسرة، قمت بمشاركة زوجتي بما سمعت من هذا الصوت الداخلي، كان من الطبيعي أن يكون لديها عدة تساؤلات واستفسارات حول عبارة استعد للتغيير، أسئلة عن طبيعة التغيير ووقته ومجالاته وغيرها، الأمور التي لم يفسرها الصوت الداخلي الذي مازال يتحدث لي عن الاستعداد للتغيير، فلم يقل لي الصوت أي تغيير يتحدث عنه أو في أي مجال أو خدمة أو مكان سيتم التغيير، ولم أعرف من هذا الصوت الداخلي متى وكيف سيتم التغيير، كل ما عرفته وشعرته في روحي وشاركته مع زوجتي وكنيستي هو أن تغييرًا سيحدث لا محالة لنا جميعًا في 2018وهذا التغيير سيكون للبركة والفرح والتقدم وخاصة أن سلامًا كان يغمرني بعد كل مرة أسمع فيها هذا الصوت الداخلي، إلى أن جاء الإسبوع الأخير من 2017 وكنت أصلي في نصف الليل: “يارب ماذا عن 2018، ما هي خطتك لها؟، أي عام سيكون هذا العام؟، ما الذي تريدني أن أشاركه مع كنيستك عما أنت مزمع أن تعمل في 2018″، وإذا بنفس الصوت الذي سمعته مرات كثيرة وأعرفه جيدًا يقول لي: “2018 سنة التغييرات والبركات”. وهنا أريد أن أوضح للقارئ العزيز أن هذا الصوت من القدير يخصني أنا شخصيًا وعائليًا، في المقام الأول، كما يخص كنيستي التى أرعاها في سان دييجو بكاليفورنيا بالولايات المتحدة، لكن السبب الرئيسي الذي جعلني أشارك معك هذا الأمر هو أنني أثق أن 2018، لن تكون سنة التغيير في حياتي أنا شخصيًا، فحسب، بل ستكون سنة تغيير ملموس محسوس لكل من يريد أن يتغير إلى الأفضل وأيضًا ستكون سنة تغيير على مستوى العالم والبلاد ورؤساء الدول والرياسات الكنيسة والأفراد والقادة وغيرهم.

   وما من شك أن هناك عدة أسئلة واستفسارات تتعلق بالتغيير وأهميته وكيفيته ومجالاته. ولعل السؤال المحوري في هذا الأمر هو: لماذا التغيير على أي حال من الأصل؟، لماذا لا يظل الحال على ما هو عليه، فنحن كبشر تعودنا منذ آلاف السنين أن يسير الحال على ما هو عليه دون تغييرات أو هزات جذرية تؤدي إلى إحداث تحويل في مسارنا أو حياتنا أو محيط تواجدنا، فنحن أناس نرغب في السكون والراحة كل في مكانه؟ وللإجابة على هذا السؤال أرى أن التغيير في حقيقة الحال هو من سنن الحياة، ومن طبع الليالي والأيام وأهم الكل فهو طريق يمهده المولى، تبارك اسمه، أمام عباده للسير فيه وقد يجبرهم على عبوره حتى يصلوا إلى ميناء الآخرة ومحطة بداية النهاية في حياتهم، والتغيير في الحياة هو ما يميز الإنسان عن الحيوان والنبات أو الجماد، علمًا بأنها جميعًا حتى الجماد يتم تغييره وتشكيله وخضوعه لعوامل التعرية بمرور الأيام والسنين، وفي النهاية سيتم المكتوب بكتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس: “وأنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقى، وكلها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغير. ولكن أنت أنت، وسنوك لن تفنى”؛ فالثابت الباقي الوحيد الذي لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران هو وحده تبارك اسمه من لا شريك له سبحانه، أما كل ما عاداه فمتغير، وكما قيل في الأمثال إن “دوام الحال من المحال”.

   والتغيير يعنى حدوث شيء جديد في عقلي وفكري وحياتي، أو حياة المحيطين بي، أو حتى في عالمنا الكبير، يؤدي إلى خروجي عن الروتين الطبيعي وما تعودت عليه وأصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتي الشخصية أو العائلية أو العملية، إلى آخره. وبالرغم من رفض الغالبية العظمى من البشر للتغيير لأسباب سيأتي ذكرها لاحقًا إلا أن للتغيير عدة فوائد أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

   أ- التغيير يجدد النشاط ويوسع المدارك ويمكن المرء من تحقيق ما كان يصعب عليه تحقيقه في أوقات سابقة أو لاحقة.

   ب- التغيير يجدد رائحة الشخص وطباعه وتطلعاته وخبراته، فلقد شبه كتاب الكتب من لا يقبل التغيير بشخص جالس على درديه لم يقلب من إناء إلى إناء، لذلك بقي طعمه كما هو ولم تتغير رائحته كما في قوله تعالى عن شعب موآب: “مستريح موآب منذ صباه وهو مستقر على درديه ولم يفرغ من إناء إلى إناء ولم يذهب إلى السبي، لذلك بقي طعمه فيه ورائحته لم تتغير”.

   ج- ولعل أهم فوائد التغيير هو استحالة معرفة أو اختبار مشيئة الله الكاملة الصالحة المرضية دون تغيير ذهن الإنسان البشرى كما جاء بالقول الإلهي: “ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة”.

   لكن المشكلة الأساسية التى لابد من بحثها على مستوى الإنسان ونفسه أولاً ثم على مستوى الجماعة والعشيرة والكنيسة والبلد، إلى آخره، والسؤال المحوري في هذا الصدد هو: لماذا لا يحب الغالبية العظمى من البشر أن يتم تغيير في حياتهم ومنهم من يعمل جاهدًا حتى يظل حاله على ما هو عليه مهما كان هذا الحال مؤذيًا أو مؤلمًا أو غير منطقي أو حتى مقبول منه ومن الآخرين حوله؟ والإجابة هي:

   أ- لأن التغيير يعنى الخروج من دائرة المعتاد عليه، وقد يعنى في ذهن البعض أنه السير في الجديد، المجهول، ما لا تعرف نهايته، وهنا يأتي دور الأمثال المعوقة التى تعودنا على استخدامها وترديدها في الشرق الأوسط، وخاصة في البلاد التى يتحدث أهلها اللغة العربية، للدرجة التى أصبحت لهذه الأمثال القدرة على تشكيل عقولنا والتحكم في سير حياتنا وكأنها وحي من المولى لابد من ترديده والإيمان بحرفيته والاستشهاد به وتطبيقه على حياتنا وتنفيذه بحذافيره، كالقول: “اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش”، و”عصفور في اليد أحسن من عشرة على الشجرة”، وكما قال سعد زغلول “مفيش فايدة”.. وغيرها الكثير.

   ب- التغيير يتطلب رغبة صادقة من الإنسان للتغيير وبالتالي يحتاج إلى قرار واضح المعالم محسوب دقائقه، ومن الخلق ما لا يعرف كيف يتخذ أبسط القرارات في حياته الشخصية أو العائلية أو الوظيفية، فيركن إلى ما هو عليه.

   ج- التغيير يتطلب في معظم الأوقات عمل وجهد ومشقة وصبر، حيث أن التغيير لا يحدث في حياة المرء بين ليلة وضحاها، وليس من مصلحة المرء في أغلب الأوقات أن يحدث التغيير، كما نرجوه جميعًا، بين ليلة وضحاها، فهذا النوع من التغيير إن لم يكن بمعجزة حقيقية من رب العباد يكون سببًا في حدوث هزات نفسية ومصائب بشرية على المرء وفي أغلب الأحيان على من حوله من عائلة وكنيسة ومجتمع وبالتالي يأتي بنتائج سلبية عكسية ليست من عند المولى في شيء، فالتغيير الذي يريد أن يجريه القدير، تبارك اسمه، في حياتنا تغيير يسمو بنا ويرتقي بحياتنا ويثبت أقدامنا.

   د- التغيير يحتاج إلى تكيف مع الوضع الجديد والتعود على ما لم نتعود عليه من قبل، وحيث أننا نعاني كبشر، معظمنا، من غيبوبة دماغية نفسية ومن تصلب في الرأي يفسد كل محاولات التكيف مع التغيير وهبوط في القوة على اتخاذ خطوات نحو التغيير ورفض الجديد حتى إن الكثير من الرجال يظنون أن قبولهم التغيير في حياتهم يظهرهم أمام الآخرين وخاصة الأصدقاء والزوجات بأنهم مازالوا أطفالاً متقلبين يرجعون في كلامهم، ويغيرون آراءهم وما خرج من شفتيهم ويجحدون طرقهم وطرق آبائهم القديمة ويقبلون حقائق ومعلومات وطرق حديثة لم يتربوا عليها، فمن منا لم يسمع أو يردد القول: “أنا راجل كلمتي ما تنزلش الأرض” أو “أنا راجل كلمتي واحدة اللي أقوله ماغيروش لو انطبقت السما على الأرض” أو المثل السخيف القائل: “الراجل يتربط من لسانه”.

   هـ- التفسير الخاطئ لبعض النصوص الكتابية والخلط بين مفاهيم كلمات الوحي المقدس ككلمة الاكتفاء في قوله تعالى: “كونوا مكتفين بما عندكم”  أو “إن كان لنا القوت والكسوة فلنكتفِ بهما” أو “ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدًا”، وغيرها الكثير من الآيات البينات التى ما نزلت لتعوق الإنسان عن التقدم وطلب التغيير أو حتى السماح للمولى، تبارك اسمه، أن يغيره، فما أبعد الفرق بين المفهوم الإلهي لهذه الآيات وبين فهم الإنسان لها ومحاولة تطبيقها في غير ما نزلت لأجله! ومن الملاحظ أن هذه الفئة من المفسرين لآيات الله على هواهم وفي غير ما نزلت لأجله، هم المتواكلون، الكسالى، الخائفون من اللا موجود، الذين يرفضون التغيير، وهم لا يعرفون الكثير من الآيات الأخرى التى تحض الناس وتحفذهم على قبول التغيير في حياتهم، كقوله تعالى: “تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم” أو “كل ما تجده يدك لتفعله افعله بقوتك”.

   و- إن معظم رافضي التغيير في حياتهم عادة ما يكون لديهم نظرة سلبية سوداوية ومفاهيم خاطئة عن الله العظيم والمحبة، خالق الكل وضابط وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، فهؤلاء دائمًا يتوقعون أن المولى يقف ضدهم ويخافون انتقامه وإيذائه لهم وأنهم حتمًا سيخسرون إذا ما قبلوا التغيير في حياتهم، مع أنه تبارك وتنازل إلينا في المسيح قال: “وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكن لهم أفضل” وليس من أسمائه الحسنى الماكر، المذل، القهار إلى آخره، فلم تأتِ هذه الأسماء عنه تعالى في كتابنا المقدس، بل جاءت أسماء وأوصاف أخرى مختلفة تمامًا له، تبارك اسمه، كالآب، المحبة، حافظ العهد والأمانة لمحبيه وحافظي وصاياه، الراعي الصالح، من لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه ولا ينسخ كلامه إلى آخره.

   في النهاية دعني أذكر بعض الحقائق عن التغيير:

   أ- التغيير الذي يتم في حياة فرد ما لابد أن يكون له انعكاسه سلبًا أو إيجابًا على حياته وحياة من حوله سواء في عائلته أو كنيسته أو وطنه، انعكاسًا إيجابيًا لا محالة، إذا كان القدير هو مصدر هذا التغيير، وانعكاسًا سلبيًا إذا كان التغيير من عند غيره.

   ب ـ التغيير لابد أن يحدث في حياة الفرد والعائلة والكنيسة والوطن، وطوبى لمن يستقبل ويطلب ويشكر الله على التغيير الذي يريد سبحانه أن يعمله في حياتنا في 2018.

   ج ـ التغيير لابد أن يبدأ من الذهن أولاً ويشمل الفكر أولاً، فإن لم يتغير الذهن فيتغير بالتبعية الفكر لا يمكن أن يحدث التغيير في عالم الواقع.

   د ـ لكي يتغير الفكر لابد من إدراك الشخص أنه مازال، منذ زمن طويل أو قصير، يفكر بنفس الطريقة في نفس الموضوعات ويواجه نفس المشاكل والقضايا بنفس الحلول وردود الأفعال، فالتغيير يحتاج إلى وقفة مع النفس، وتقييم الشخص لنفسه وطريقة تفكيره أولاً، ثم يكتب ما يرى أنه لابد وحتمًا أن يتغير، ثم يكتب الوسائل المقترحة للتغيير، ثم يبدأ في طريق التغيير بعون الله والاتكال عليه سبحانه.

   إن الله تبارك اسمه، يبغي تغيير الكثير فينا وفي من حولنا وهو يريد أن يصرف لنا بركاته المعدة لنا سابقًا في بنك السماء والتى خزنها لنا بنفسه عند قيامة السيد الرب يسوع المسيح من الأموات، حيث أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات، وهو يريد أن تكون سنة 2018 سنة التغييرات والبركات.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا