انتخابات.. انتخابات

7

العدد 1 الصادر في أكتوبر 2005
انتخابات انتخابات

لست أدرى من هو الذي اخترع الانتخابات، فأقدم وأدق وأعظم كتاب على وجه هذه الأرض، أقصد الكتاب المقدس لم يذكر لنا كيف بدأت قصة الانتخابات، مع أنه ذكر لنا بعض القصص التي تم فيها انتخاب بعض الأشخاص وطريقة انتخابهم لتأدية عمل ما.

على أن نظام الانتخابات المعمول به في كافة دول العالم وتسرب أيضاً للكنيسة في هذا العصر، يعد نظاماً غير مسيحي أو كتابي على الأقل من وجهة نظري الخاصة.

فعندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يختار إبراهيم خليلاً له من بين خلائقه ويجعله أباً لجميع المؤمنين لم يستشر إنساً ولا جناً، بل اختاره سبحانه ودعاه أن يخرج من بيته وعشيرته ويتبعه تبارك اسمه، وعندما انتخب شعباً في القديم ليكون شعبه المختار لم تشترك كافة الشعوب في التصويت ولم تُسأل عن رأيها في هذا القرار. وعندما اختار الله المبارك أول ملك لشعبه إسرائيل بعد أن طالب الشعب بملك وكانوا بذلك قد رفضوا القدير، لم يسأل الناس عن رأيهم في ذلك الملك، بل لم يسأل الملك نفسه إذا ما كان يقبل هذا التكليف فهو أمره جل شأنه وكان على الكل طاعته سبحانه.

وعندما اختار تبارك اسمه الملك الثاني لإسرائيل وعزل الأول لم يستشر أيضاً شعبه ولم يجر استفتاء ولا لجان انتخابات وصناديق مغلقة أو نصف مغلقة أو مفتوحة على مصراعيها كما يحدث في كل بلاد العالم هذه الأيام.

وفي العهد الجديد عندما انتخب السيد المسيح من سيذهب ويفتح ملكوت السموات للشعوب والألسنة والأمم لم يسأل الاثنى عشر ولا أعطاهم فرصة للاقتراع بل قال للصحابي بطرس “وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات”. وعندما قرر تعيين مقدام للرسل يحمل رسالته للأمم انتخب شخصاً من وجهة نظر التلاميذ والرسل والمؤمنين المسيحين شخصاً لا يصلح لمثل هذه المهمة بل قُل و آخر الرسل الذين كان من الممكن أن يختارهم سبحانه وتعالى.

فكيف يصلح شاول الطرسوسي الذي قال عن نفسه أنا الذي كنت مجدفاً ومضطهِداً ومفترياً، كيف يصلح من كان يقتل المسيحيين المؤمنين ويضطهدهم ويطردهم من بيوتهم وبلادهم، كيف يصلح أن يكون مقداماً ومعلماً لهم، وحامياً وحاملاً لنور الإنجيل للأمم في كل مكان، هذا الذي قال له حنانيا تلميذ المسيح “إله أباءنا انتخبك لتَعلم مشيئته وتبصر البار وتسمع صوتاً من فمه لأنك ستكون له شاهداً لجميع الناس بما رأيت وسمعت”.

ولعلَّ لنا في مسألة اختيار وانتخاب بولس وبرنابا في العهد الجديد ليذهبا ويكرزا بالإنجيل بين الشعوب أسوه حسنة، فيعلمنا تنزيل العليم أن صحابة سيد الأرض كلها الرب يسوع المسيح تبارك اسمه كانوا مجتمعين في صلاة وعبادة لجلاله، فتكلم الروح القدس وقال “افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه”، ولم يسأل بقية الصحابة أو أعضاء الكنيسة يومئذ عن رأيهم فيمن يقوم بهذه المهمة بل الكنيسة هي التي كانت تسأله عمن يريد أن يعين وينتخب لهذه المهمة.

وما أبعد نظام الانتخابات القائم الآن في كل الأمم والألسنة والشعوب عن هذا النظام الرائع الذي ثبتت بالدليل القاطع أهميته في تتميم مشيئة الله جل شأنه في الأرض.

أما الفاجعة الكبرى فإن نظام الانتخابات هذا قد تسرب للكنيسة وأصبح أعضاء مجالس إدارة الكنائس والمؤسسات والجمعيات المسيحية يُنتخبون بهذه الطريقة الحديثة العقيمة التي ثُبت فشلها في الغالبية العظمى من المرات.

ولعل أسوأ ما في نظام الإنتخابات القائم هو أن كل مرشح يعتبر نفسه أفضل من غيره وأن بيده الحل لكل مشاكل البلاد وكثير من المرشحين يتلاعبون بالمشاعر والعواطف والألفاظ ليكسبوا الناخبين إلى صفهم وكلٌ ينبش في مساوئ الآخرين وكأن لا عيوب له، حتى إذا ما تولى المسئولية نسى وعوده ونقض عهوده وهذه كلها من الشيطان وليست من المسيحية الحقيقية في شيء.

إن نظام الانتخابات المسيحية كما جاء في الكتاب المقدس يلعب فيه كل من الإنسان والخالق سبحانه وتعالى دوره، فعلى الإنسان أن يصلي ويتضرع ويطلب مشيئة الرحمن وإرشاده فيمن هو مزمع أن يختار، وعندها يعمل المولى عز وجل دوره بأن يختار الشخص الذي هو حسب فكره وقصده وإرادته ويعلنه لعباده. فالاختيار اختيار الله والمشيئة مشيئة الله وما الإنسان إلا بمُعلن لهذه المشيئة ومُتمم ومبارك لها وإلا لكان من المخطيئن.

وإن كان النظام المسيحي الكتابي غير معمول به في العالم الذي نعيش فيه ولا يمكن تنفيذه في أغلب بقاع الأرض حيث أن معظم المرشحين والمنتخبين والمنتخبِِِِين ليسوا مسيحيين وليسوا خاضعين لقوانين المسيح تبارك اسمه وتعاليمه، فليس أقل من أن يُتَّبع النظام الكتابي في كنيسة المسيح التي هي جسده وجماعته التي اختارها وأقامها لتكون شاهده للعالم على أنه الله وليس سواه، وإن له وحده كالرأس كل السيادة عليها وليس سواه.

لكن الحال في كنيسة اليوم العصرية مختلف تماماً، فالمرشحون في الانتخابات ومن يتم انتخابهم في معظم الأحيان داخل الكنيسة وفي معظم الكنائس يكونون من ذوي المال الوفير أو القوة الشديدة والشهرة الكثيرة والعائلة العريقة ويا حبذا لو سبق أسماءهم ألقاب كالدكتور والمهندس أولاً ثم المدرس والمحامي وخلافه، أما درجة الروحانية والقرب من الله والتقوى في الحياة الشخصية فهذه آخر الأشياء التي يفكر فيها الناخبون.

وإن كانت الانتخابات لاختيار مجلس يضم مذاهب مختلفة، فُضِّلت مذاهب على مذاهب ومُنع أصحاب المذاهب الصغيرة عدداً وإن كان عدد كنائسها مجتمعة يفوق عدد كنائس الطوائف أو المذاهب المتقدمة والمتحكمة في اتخاذ القرار الإنجيلي من التمثيل النسبي بهذه المجالس ثم نتباكي لأن الحكومة المصرية لا تسمح لنا بعدد من المحافظين وأعضاء مجلس الشعب والشورى بما يتناسب مع عددنا كمسيحيين في مصر. فكيف نطلب هذا من حكومة غير مسيحية ونحن المسيحيين لا نطبقه بيننا وبين بعضنا البعض.

إن أسس الله جلت حكمته لانتخاب من هم في منصب الذي ألزم بها هو نفسه تبارك اسمه لواضحة في كتابه المبين، فعلى المنتَخَب أن يكون له قلب الراعي، ولا عجب فأول الملوك الذين كانوا حسب قصد الرب ومشيئته كان راعياً للأغنام فأخذه تبارك اسمه من خلف الغنيمات القليلة التي كان يرعاها في البرية وجعله ملكاً على كل إسرائيل، ووصفه بأنه الرجل الذي قلبه حسب قلبي قال القدوس، ذلك هو داود بن يسى وكان من النبيين، ولعل أصدق مثال على قلب الراعي الذي كان لداود أنه هجم على الأسد والدب ومزقهما لأنهما تجاسرا أن يقتربا إلى نعجة في قطيعه.

والرجل الذي جعل مقداماً للرسل والذي انتخبه ليحمل اسمه للأمم في العهد الجديد كان خادماً للكنيسة جسد المسيح.

ولعل من أهم صفات من ينتخبه المولى تبارك اسمه هو أنه يصنع كل مشيئة المولى تعالى اسمه، فالرؤساء والولاة والسلاطين من المفترض فيهم أن يكونوا مُعينين من قبل الرب لتتميم مشيئة الرب لخدمة جسد الرب في الأرض أو في الكنيسة المحلية أو العامة. وعلى الكنيسة المحلية أن تلعب دوراً أساسياً في هذا المضمار على كل المستويات، ولابد أن يكون للكنيسة رأيها في كل انتخابات حدثت أو ستحدث في المستقبل، فالكنيسة بالروح القدس هي وحدها القادرة على تنصيب ملوك وعزل ملوك، على إقامة ملوك ورؤساء وإسقاطهم بشرط أن تكون جسداً خاضعاً للرأس الذي هو المسيح تبارك اسمه، فهو المكتوب عنه أنه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته، الألف والياء البداية والنهاية.

أما إذا أهملت الكنيسة دورها في أي بلد من بلاد العالم تَسَّلط عليها مَن لا يرحم ولا يخاف الله وكانت هي والعياذ بالله من أول الخاسرين وفقدت مكانتها ومكانها في البلاد.

ولعل التاريخ شهد ويشهد وسيشهد تقهقراً للكنيسة في صلواتها وطلباتها لأجل الرؤساء ولأجل الذين هم في منصب كما أوصانا رسول الأمم بولس، ولا عجب فقد أُلغيت الوصايا العشر من المدارس وحَلَّت محلها المخدرات والسرقة والنجاسة حتى في مراحل الدراسة الأولى.

إن الكنيسة بما تملكه من قوة خارقة للطبيعة في الحل والربط، والغرس والقلع والبناء والهدم من خلال قوة الروح القدس الذي أقام يسوع من الأموات، المدعوة أن تقود العالم لحياة التقوى والفضيلة والطهارة التي في المسيح يسوع للمجد وخاصةً بعد أن فشلت كل الأنظمة الأخرى فى أن تنقذ العالم من تدهوره بل جعلته إلى حال أردأ.

وعلى الرؤساء والملوك والشيوخ وأعضاء مجالس إدارة الكنائس أولئك المنتخبون أن يعلموا أنهم وصلوا لمناصبهم بفضل الشعب الذي منحهم ثقته ولخدمة الشعب الذي ائتمنهم على حياته، وهم في مناصبهم رهناً لتأييد الشعب الذي لا يستطيع أحد أن يقف أمام غضبه.

وعلى المنتَخَبين أن يطلبوا الصلاة من الكنيسة لأجلهم بغض النظر عن دياناتهم واعتقاداتهم وخلفياتهم، لتُعطى لهم حكمة وقوة وشجاعة وبصيرة لتتميم خطة المولى في حياتهم في شعوبهم، وأن يعلموا أن رضى المولى تبارك اسمه عليهم لا يقدر بمال وأن حياتهم ما هي إلا بخار يُسرع للاضمحلال وأيامهم وإن طالت تجري كالسحابة فبقاءُها من المُحال.

وعلى الرؤساء والقادة ومن في منصب أن يحيطوا أنفسهم برجال أتقياء لهم حياة الطهارة والنقاء في السر والعلانية، يعرفون كيف الوصول إلى عرش المولى ملك الأرض والسماء ولا يغرهم لباس التقوي والورع الخارجي فكم من قناع لبسه اللؤماء ليخفوا ما في قلوبهم عن البسطاء. فإن فعلوا وطلبوا الرب من قلوبهم ورجعوا عن طرقهم الردية وتواضعوا وصلوا فإن المولى يسمع من السماء ويغفر خطيتهم ويبرئ أرضهم. وعليهم بقراءة التوراة وخاصة قصص وسير الملوك وأخبار الأيام والقادة والزعماء فلهم فيها من عند الله نبراس وضياء، وسيعلمون أن مخافة المولى وإزالة الشرور من القلب والبغضاء لهو أقصر الطرق للوصول إلى نِعَم المولى وضمان الراحة والسلامة والبقاء.

وعلى الرؤساء والملوك أن يعلموا أن كل آلة تصوب ضد الكنيسة لن تنجح وكل لسان يقوم عليها تحكم عليه في القضاء. وإن من مَسَّ الكنيسة يُمَسُ في حدقة عينه وتُقَصَر أيامه في ولايته ثم يذهب للفناء.

وفي النهاية باسم مجلس إدارة “الطريق” أنتهز هذه المناسبة لأهنئ رئيسنا المحبوب حسني مبارك وأدعو له بالصحة والعافية والبقاء حتى يتمم مشيئة المولى تعالى في مصر، وللمولى القدير منا الثناء فهو السميع العليم أرحم الرحماء…

وإلى اللقاء

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا