يوم المجد

2

عـادل عطيـة

   في اليوم الأول، في الشهر الأول، في السنة الأولى، من تاريخ: الإيمان، والبذل، والعطاء!

   كان أبناء الوطن يترقبون -عند مجرى النيل- يوم من الأيام الآتي بموكب الإله توت الفرعوني، بشيرًا بإقبال النيل فائضًا على مصر بالخيرات!

   وأقبل النيروز، مكللًا بالشوك، والحسك!

   يختزن في أعماقه وعدًا زاخرًا بالمجد لا يحده شاطئ!

   تتبعه شلالات هادرة غامرة، تتماوج وتتدفق من غضب ديوكلتيانوس، الذي دوّى زئيره العاصف، كلبؤة مجروحة تحت سماء انتشار نور المسيحية!

   أصدر الطاغوت أمرًا قاهرًا بإجبار كل قبطي على عبادة الأصنام والأوثان!

   لم يذعنوا لقيصر روما، الطاغية!

   كبر عليه أن يخرجوا عن طاعته!

   لم يحتمل مثاليتهم، فانتصب أمامهم كمارد جبار، وأقسم ملء الحقد: بألا يكف عن ذبح الأهلين، حتى تجري دماؤهم كالسيل المنهمر في الطرقات، ويبلغ ارتفاعها إلى ركبة جواده!

   انتشر الظلام عميقًا، كأنه نهاية الزمان!

   وبدأت الأيام تحكي قصصًا حمراء من ألف ليلة وليلة!

   تفيض بجميع أنواع التعذيب، التي تفتقت عنها العقلية الرومانية!

   وطوفان من الدماء الطاهرة الذكية، المسفوكة دون توقف، تعلو رويدًا رويدًا فوق سطح الأرض!

   وأيادٍ تلقي بالأبرار على التراب، كشعل منتشلة من الحريق!

   تتلذذ الشياطين البشرية بالضحايا، وتظل تعوي مسعورة، تطلب المزيد بلا شبع، وبلا ارتواء!

   استحالت المأساة إلى عصا موسى، تفجر في المصريين ينبوع الحب العميق في الصميم، ويسيل من قلوبهم فيضانات الفداء، والاقتداء!

   وكما تشرق النجوم متى تظلم الدنيا!

   ألوف النجوم البشرية تألقت في الظلام، في محبة مؤثرة لا تقل بلاغة عن جراحها الدامية!

  احتضنت الروح الجسد، وانسكبت في شجاعة عجيبة حتى البطولة، تتقلب في أودية الجحيم المطلق!

   كانوا وهم موثقون بأتون العذاب أشد وأقوى من معذبيهم!

   وكانت آلات الموت لا تقوى على أجسادهم الممزقة، ولا على ضمائرهم الحية، وقلوبهم المفعمة بالإيمان الحقيقي، وبالرجاء غير المغلوب الذي لا يُذل أبدًا!

   كانت آلامهم تأخذ قوتها، ونورها، ووهجها من دم الحمل المذبوح على الصليب!

   وكأناس من السماء، لم يكن موتهم موتًا، بل انعتاقًا للذهاب إلى موعد جميل!

   في الهزيع الرابع!

   أشرقت صلاة بطرس -خاتم الشهداء- كقوس قزح، يوقف طوفان الدم!

   وأقبل النيروز عيدًا!

   متخمًا بقصصهم الخالدة، العظيمة، الحية، المُلهمة لكل الأجيال!

   وتحية للذين لم يتمكنوا -في ضيقتهم العظيمة- من الوقوف للمجد، فتكرم هو بالوقوف لهم!

   وسيعاودنا كل عام!

   تذكارًا يتردد صداه، بأن حقد الذين صلبوا المسيح لم ينتهِ بعد!

   ووعدًا لا يُنقض: بالقيامة، والبهجة، والنور، والقوة، والصعود إلى السماء!

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا