وادي قدرون (البداية الجديد)

0

مينا رومان

وادي قدرون هو الوادي المحصور بين أورشليم وأريحا.

هو وادي الدراما والأحداث الذي شهد الكثير والكثير في العهد القديم والجديد.

هو الوادي الذي دُعي “علية قدرون”، أي الوادي الأسود، لكثرة حرائقه وشروره.

هو الوادي الذي أُطلق عليه وادي ظل الموت وترنم داود في مزمور 23: “أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي”، وذلك عندما عبر منه وهو هارب من وجه ابنه أبشالوم.

“وَكَانَتْ جَمِيعُ الأَرْضِ تَبْكِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ يَعْبُرُونَ. وَعَبَرَ الْمَلِكُ فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَعَبَرَ جَمِيعُ الشَّعْبِ نَحْوَ طَرِيقِ الْبَرِّيَّةِ” (1 صم 15: 23).

فقد كان وادي قدرون هو أول محطة في محطات هروب داود، ومن بعد داود وانقسام المملكة وعبادة الشعب للأوثان كان هذا الوادي مكان لمحرقة الشرور والرجاسات.

إصلاحات الملوك قديمًا

قام الملك آسا بقطع التماثيل والسواري وتماثيل معبود أمه معكة ودق كل الأوثان وحرقها في ذلك الوادي الذي يدعى وادي قدرون، “حَتَّى إِنَّ مَعْكَةَ أُمَّهُ خَلَعَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلِكَةً، لأَنَّهَا عَمِلَتْ تِمْثَالاً لِسَارِيَةٍ، وَقَطَعَ آسَا تِمْثَالَهَا وَأَحْرَقَهُ فِي وَادِي قَدْرُونَ” (2 أخ 15: 16).

وعلى نفس النهج، قام حزقيا الملك بتطهير الشعب من نجاستهم التي تنجسوا بها، ووبّخ الشعب الذي لم يكتف بإدخال التماثيل إلى البيوت فقط بل أدخلها أيضًا إلى بيت الله وإلى قدسه، فقام الملك حزقيا بإخراج تلك النجاسات وتوجه بها إلى ذلك الوادي الأسود، وادي قدرون، ليعدم تلك الأوثان أمام أعين الجميع ويحرقها في المكان الذي حرق فيه آسا تماثيل أمه.

كما أحرق حزقيا في هذا المكان أيضًا الحية النحاسية التي كان الشعب قد احتفظ بها وجعلها قبلة للسجود ومعبود للعبادة، “وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ»” (2 مل 18: 4).

والملك يوشيا أيضًا اخرج من هيكل الرب جميع مصنوعات البعل والسارية وجنود السماء الذي أدخلها الشعب إلى بيت الرب. ومن بيت الرب إلى الوادي الأسود، وادي قدرون، حمل الشعب نجاساتهم فوق رءوسهم في اتجاه المحرقة. وبعد الحريق وتصاعد الدخان، جمع الملك الرماد وذرى الغبار علي قبور الشعب، ليغسل يده من تلك النجاسات، “وَأَخْرَجَ السَّارِيَةَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ وَأَحْرَقَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَدَقَّهَا إِلَى أَنْ صَارَتْ غُبَارًا، وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ” (2 مل 23: 6).

يبدو أن الشعب لم يتعلم مما سبق، ويبدو أن دخان حريق الأوثان يتصاعد جيلًا بعد جيل من ذلك الوادي الأسود، وادي قدرون.

كان هذا الوادي بداية لإصلاح بعض الملوك، ولكن بعد وفاتهم كان الشعب يعود إلى تلك الأوثان لإغاظة الله وعمل الشر في عينيه.

أتخيل نفسي أجلس على مر عقود في تلك الوادي وأشاهد ملوك شعب الله ملكًا بعد ملك يأتون بأوثانهم ويدقونها ويحرقونها وينشرون غبارها على تلك الرءوس المنحنية للتوبة.

فنسأل: “مَنْ هو هذا الملك؟” فيقولون: “ملك شعب الله قد جاء بأوثان من بيت الله لإحراقها.”

ثم بعد سنين، يتكرر المشهد ويتغير الملك وتتغير وجوه الشعب، فمنهم مَنْ ظهر عليه الكبر ومنهم مَنْ فارق دنيانا ومنهم مَنْ هو حديث الأيام وزيارته للوادي الأسود هي أول زيارة له.

وبعد التوبة، أودعهم قائلًا: “متى ستأتون مرة أخرى بأوثانكم ونجساتكم؟ نحن ننتظركم في وادي قدرون.”

وبعد آلاف السنين، ما زال الوادي قائم بغباره، ولكنه ينتظر زيارة مهمة للغاية. هي زيارة لملك من نوع آخر. هي زيارة لملك الملوك وسيد الأسياد. هي زيارة رب المجد يسوع.

ولكنه جاء لا ليحرق الأوثان بل ليبكي من شدة الألم وينسكب دمه من عرق وجهه ليغسل تلك الأرض التي ما زالت دافئة من حريق الأوثان وخطايا الشعب.

جاء يسوع ليصلي في بستان جثيماني، وهو نفس المكان الذي دعي قدرون قديمًا، وكأنه جاء ليصلي قبل تقديم نفسه ذبيحة عن كل الذين رقدوا بعد أن عبدو تلك الأوثان وتنجسوا بها.

جاء ليعلن أن صلاته المتألمة هذه هي بداية جديدة ومحو لخطايا قدرون.

لم يأت هذه المرة ليجمع غبار النجاسات ليرشها على قبور الموتى كما فعل الملوك قديمًا، بل جاء ليعلن أنه حان رش الدم الكريم لمغفرة الخطايا.

“قَالَ يَسُوعُ هذَا وَخَرَجَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ إِلَى عَبْرِ وَادِي قَدْرُونَ، حَيْثُ كَانَ بُسْتَانٌ دَخَلَهُ هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ” (يو 18).

لقد جاء السيد صاحب السلطان ليعلن أن الوادي الأسود قد مضى، واليوم مكانه بستان للفرح معه وترك كل وثن في حياتنا.

وهو اليوم يقدم دعوة شخصية لكل حزين ومتنجس بأوثان الخطية ويقول له: “لم نحرقها ونرشها على رأسك لتعيش في حزن وعار بل لتكون لك اليوم حياة أبدية وغفران حقيقي بدمي المسفوك، ولتكون لك اليوم بداية جديدة وحياة بدون أوثان.”

اترك أوثانك اليوم وتعال إلى ملك الملوك فهو ينتظرك عند وادي قدرون لتحرق أوثانك وتلقي نفسك في أحضانه لتبدأ بداية جديدة.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا