العدد 14 الصادر في نوفمبر 2006 هل يغير الكوشي جلده أم النمر رقطه؟
في قصة من قصص الخيال الأدبي يروى أن أحدهم كان يقتني قطاً ذكياً خفيف الظل سريع البديهة، فأراد أن يغير من طبيعته ويعلمه من الأعمال والحيل ما لا يصدقه عقل، قرر صاحب القط أن يدربه على أن يحمل صينية من الفضة ويدخل بها حجرة الجلوس ليقدم للضيوف ما عليها من أكواب الشاي الساخن بدلاً من خادمة البيت. تقول القصة إن صاحب القط صرف وقتاً طويلاً في تدريبه على هذه المهمة، حتى أتقنها القط بمهارة وبراعة منقطعة النظير. أخذ صاحب القط في التفاخر بإمكانيات قطه وكيف أن القط يمكن أن يحمل صينية الشاي ويدخل بها ويقدمها للضيوف، حاول أن يثبت أنه غير من طبيعة القط. لم يعد القط قطاً فيما بعد، لا، فهل هناك قط يقدر أن يحمل صينية عليها أكواب الشاي؟ هل يمكن للقط أن يدخل إلى غرفة الجلوس ويقدم الشاي للضيوف؟ تحدى صاحب القط الجميع وقال لقد غيرت من طبيعته ولم يعد قطاً فيما بعد، فتصرفاته ليست تصرفات القط: رزانته، علاقته بالضيوف، سماعه لكلامي عندما آمره أن يحضر الشاي، انحناؤه في أدب جم ليحي الضيوف، كلها تدل على تغيير طبيعة القط. أراد أحد الأصدقاء أن يشرح لصاحب القط أن القط لا يمكن أن يغير من طبيعته، مهما كانت الظروف المحيطة به، ومهما كانت إمكانياته، فالقط هو قط إن آجلاً أو عاجلاً سيظهر طبيعة القط. رفض صاحب القط هذا المنطق وتحدى أصحابه أن يأتوا إلى منزله ويروا القط وهو يحمل صينية الشاي ويقدمها لهم، وراهن على تغيير طبيعة القط وكان واثقاً من كسب الرهان. فكر الصديق المشفق على صاحب القط كيف يعيده إلى صوابه ويثبت له أن القط قط، وطبيعة القط ستظل داخله مهما كانت الأحوال، وأخيراً وجد الحل. ذهب الأصدقاء إلى زيارة صاحب القط وبدأ الرجل كعادته بالتفاخر بقطه، ثم ناداه بصوت مرتفع: يا مشمش هات الشاي وادخل، قدمه للضيوف. ولدهشة الحاضرين دخل القط مشمش يسير على القدمين الخلفيتين ويحمل صينية الشاي بين أماميتيه. ضحك صاحب البيت بفخر وقال لأصدقائه ألم أقل لكم إن مشمش لم يعد قطاً فيما بعد، لقد غيرت طبيعته لقد كسبت الرهان، أعطوني مبلغ الرهان، لقد خسرتم نقودكم. مد الصديق يده إلى جيبه، وبدلاً من أن يخرج نقوداً أخرج فأراً صغيراً وألقاه أمام مشمش فألقى مشمش بالصينية على الأرض، كسر الأكواب وامتلأت أرض الغرفة من الشاي واتسخ السجاد، واحمر وجه صاحب البيت خجلاً، وقفز مشمش وجرى خلف الفأر ورجع مشمش إلى طبيعته قطاً لا يحتمل أن يرى فأراً ولو صغيراً يقاسمه العيش في هذه الدنيا الواسعة. فهذه الدنيا في رأي مشمش هي (دنيته) وحده وعلى الفئران أن يرحلوا منها، وإن أرادوا أن يبقوا فيها فعليهم أن يختفوا في الشقوق والأركان، فهل يغير الكوشي جلده أو النمر رقطه؟ والجواب لا، لا يغير ولا يستطيع الكوشي الأسود أن يغير جلده ولا النمر – وهو قط وحشي مفترس – أن يغير رقطه، أي النقاط الملونة الموجودة على جلده.
هذه هي القصة التي تواردت إلى ذهني وأنا أقرأ تصريحات سليم العوا الإسلامي الشهير في حديثه مع جريدة الوفد في 28 سبتمبر 2006 وكان يعلق في حديثه عن تصريحات البابا بنديكت.
قال العوا: “أما صمت الكنيسة البروتستانتية فلا أفهمه، إذ كان ينبغي عليها أن تصدر ما يؤكد موقفها بوضوح”.
لست أدري كيف لم يسمع العوا صوت الكنيسة البروتستانتية. وتحليلاً لهذه العبارة سابقة الذكر تحليلاً علمياً ونفسياً يمكن أن نقول بأن العوا إما أنه مغرض ويعلم أن الكنيسة البروتستانتية لم تصمت، ولكنه نعتها بالصمت، وإما أنه مخلص لكنه لم يقرأ جريدة أو يسمع راديو أو يشاهد تليفزيوناً لعدة أيام، تلك التي دارت فيها هذه الأحداث. وربما أنه كان يعلم وقال إن الكنيسة صمتت لأنه يريد أن يضع الكنيسة الإنجيلية في موقف محرج مع جيرانها المسلمين، أو في موقف حرج مع أختها الكنيسة الكاثوليكية، فلو صمتت الكنيسة الإنجيلية بكل طوائفها غضب عليها المسلمون ولا يعلم العاقبة إلا الله، وإن اتخذت جانب المسلمين اتهمتها الكنيسة الجامعة بالخيانة لجزء من جسد المسيح على الأرض، وفي كل الحالات فقد جانبت الصواب.
وبالطبع فسيادته لم يفهم صمت الكنيسة البروتستانتية والسبب في رأي أن الكنيسة لم تصمت، فكيف يفهم شيء لم يحدث. لكن دعني افترض أن الكنيسة صمتت أمام هذا الحدث، إلا يكون هذا طبيعيا في بلاد لا تسمح للكنيسة أن تقول رأيها أو أن تتكلم حتى عن مشاكلها الخاصة بها بصوت مسموع، لماذا تنكرن على الكنيسة أن تتكلم عن حقوق الإنسان المسيحي في العالم العربي، وتحرمون عليها استخدام وسائل الإعلام في شرح نفسها وإبداء آرائها لماذا لا تسمحون للكنيسة أن تعبر عن نفسها في مجلس الشعب والشورى وتنادي بحقوقها وتدين وتتصدى لقاهريها، ثم تطالبونها فجأة أن تتكلم وتبدي رأيها وتصدر ما يؤكد موقفها بوضوح في أمر يخصكم انتم والكاثوليك، منذ متى كانت الكنيسة في مصر تستطيع أن تصدر ما يؤكد موقفها من أية موضوع في مصر بوضوح، أم أن الأمر ليس إلا أن طبيعة القط لابد أن تمارس ضد فئران الكنيسة حتى في تصريحاتكم الصحفية!
لا تلوم الكنيسة يا سيادة العوا فالكنيسة جبنت وصمتت يوم خرج على شاشة التليفزيون الشيخ محمد متولي الشعراوي يتهم المسيح بأنه زان مع خمسة عذارى مع انه الوحيد الذي لم يمسه الشيطان يوم مولده كما تؤمنون انتم وهو الذي لم يحتج لمن يغفر له ذنبه ويرفع عنه وزره أو أن يشق صدره. فلو أعطيت الكنيسة الفرصة أن تتكلم وتعبر عن رأيها وتشارك فيما يحدث في مصر والعالم العربي لما وصلنا إلى هذه الحالة المتردية.
تقول يا سيادة العوا “لان هذه الكنيسة تقول إنها تعتز بصداقات كثيرة جدا مع المسلمين وأنا منهم ولدي صداقات مع كثيرين منهم” ودعني أقول لك بصراحة نعم الكنيسة لها صداقات كثيرة جدا مع المسلمين وهي صادقة وجادة في هذه الصداقات لا لشيء إلا لان مسيحنا وإلهنا وسيدنا يسوع المسيح علمنا لا أن نحب جيراننا فقط ولا شركاءنا في الوطن فحسب بل علمنا أن نحب أعداءنا ونبارك لاعنينا، أن الأنبياء والرسل لا يحتاجون لمن يدافع عنهم، فسمة من سمات الأنبياء والرسل إنهم قادرون على صنع المعجزات التي ذودهم بها المولى تبارك اسمه، ومن يملك أن يصنع المعجزات بإذن الله لا يحتاج لمن يدافع عنه لا بالسيف ولا السكين ولا الجنزير وغيره، فلم يقبل المسيح تبارك اسمه طيلة أيامه على الأرض أن يدافع عنه احد فعندما أرادا تلميذاه يوحنا ويعقوب أن يستنزلا نارا من السماء لحرق قرية رفضت استقباله جل شأنه وهو سيد السماء والأرض وخالق كل الأشياء بكلمة قدرته، انتهرهما وقال لهما “لستما تعلمان من أي روح أنتما” أي إنهما كانا يتحركان بروح الشيطان الرجيم لا بروح المولى تبارك اسمه. وعندما حاول تلميذه بطرس أن يدافع عنه تبارك اسمه بالسيف قال له قولته الشهيرة “رد سيفك إلى غمده لان جميع الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون” لم يسمح لتلاميذه أن يدافعوا عنه حينما قال له اليهود شاتمين “انك سامري وبك شيطان” ولم يسمح لتلاميذه بالدفاع عنه عندما رفع اليهود حجارة ليرجموه لأنه قال لهم الحقيقة التي صعبت عليهم يومئذ ويصعب على غيرهم سماعها في هذه الأيام انه الله الظاهر في الجسد.
وعندما أخذه الناس بأيدي آثمة إلى الصليب لم نسمعه يحرض أتباعه وتابعيه على الثورة والمظاهرات وتكسير المتاجر والمحلات والمناداة بالإضراب العام كما يفعل غيره، بل أعادهم إلى صوابهم بقوله انه كان بإمكانه أن يطلب من الله أن يرسل له اثنا عشر جيشا من الملائكة. لم يطلب من أتباعه أن يدافعوا عنه وهو يهان قبل وفي وقت الصليب بل طلب الصفح والعفو والغفران لصالبيه بل أقول انه لم يسمح حتى للباكين عليه أن يبكوا، بل قال لبنات أورشليم “يا بنات أورشليم لا تبكين على بل ابكين على أنفسكن”
ودعني الفت نظركم إلى أن اجتماعات حوارات الأديان التي اشتركت أنت في كثير منها مع نخبة من المسيحيين لا تُغير ما بداخل الإنسان، والصداقات الإنسانية بين الفلاسفة والعلماء والمشايخ والقسوس لا تغير ما بقلب الإنسان، والإفطارات الرمضانية والزيارات الرسمية في الأعياد والمناسبات لا ولن تغير من طبيعة الإنسان، ومحاولة التوافق والتعايش السلمي مع الاخر لن تنجح في كبح جماح الطبيعة البشرية، ولا الترغيب والترحيب أو التهديد والوعيد يمكن أن يغير حقيقة الإنسان، فطبيعة القط مشمش ستظل كما هي، وليس إلا خالق هذه الطبيعة وحده هو القادر على تغييرها وعندئذ ستفلح كل المحاولات السابقة الذكر.
الكنيسة تقول إنها تعتز بصداقات كثيرة جداً مع المسلمين الذين أنت منهم، ولك كما قلت صداقات مع كثيرين منهم، فهل تعتز أنت بهذه الصدافات، وهل يحل لك أن تتخذ من النصارى أصدقاء تعتز بهم، لماذا لم توضح أنت موقفك بوضوح من هذا الأمر، كان ينبغي إذا أردت أن تعبر عن ما إذا كنت تعتز بهذه الصداقات أم لا، أن تضيف كلمتين إثنتين في نهاية قولك “ولدى صداقات كثيرة مع كثيرين منهم أعتز بهم”. عندها كنا عرفنا موقفك بوضوح، أم أن هذه العلاقات والصداقات ليست إلا محاولة لتهذيب القط مشمش ليس إلا.
تقول يا سيادة العوا “لكن حين تأتي المحنة ولا نراهم قد وقفوا معنا فينبغي أن نثير علامة استفهام كبرى”. أية محنة هذه التي تتكلم عنها التي ألمت بكم ونحن لم نقف معكم، هل المحنة أن بابا الكاثوليك يقتبس من أقوال إمبراطور بيزنطي، ألا تعلم أن الرسل والأنبياء كما ذكرت سابقاً، لا يحتاجون للدفاع عنهم، ألا تعلم أنه وفقاً لكتاب الله الكتاب المقدس أن جميع الرسل والأنبياء قد أسيء إليهم. ومع رفضي الكامل والقاطع والواضح والصريح وإدانتي لكل من يسيء إلى بشر أو دين أو رسول، أي إنسان في أي مكان، أقول إن المحنة الحقيقية التي نعيشها في هذه الأيام هي أنكم تطالبون الجميع أن يحترموا دينكم ومعتقدكم ورسولكم في السر والعلانية، بينما تستخدمون أنتم مكبرات الصوت في نعت كل من يخالفكم في العقيدة بالكفره والمغضوب عليهم والضالين، وأن لهم الدرك الأسفل من السعير وإن الله سييسخطهم كالقردة والخنازير.
المحنة الحقيقية التي تمر بها شعوبنا العربية أن الإنسان لا يملك حق التعبير والكلام أو التفكير أو حتى الأحلام، تماماً كالفأر الصغير الذي يخاف القط مشمش، فمنذ أن دخل القط مشمش البيت كان على أهله أن يختفوا كالفئران، وتارة يظهر مشمش وكأنه على غير طبيعته من التسامح والصفح وحسن الجوار، لكنه سرعان ما يعود القط مشمش إلى طبيعته بمجرد أن يرى أحد الفئران يخرج من جحره، فما دامت الفئران في جحورها، اصبح القظ مشمش صديقاً لها. والعجيب أن القط مشمش نسى أن الفئران كانت هناك قبل أن يحضر هو إلى البيت، وتعامى عن رؤية ما اعتبره فئران ينبغي أن تجلس في جحورها. فما يعتبره القط مشمش فئراناً هم في الحقيقة أصحاب البيت الذين فتحوا له أبوابه وآووه إذ كان قد آتى من صحراء جرداء لا نيل فيها ولا ماء واسكنوه في بيوت وقصور ومعابد وكنائس بعد أن كان طوال أيامه يسكن في خيام. فدمر حياتهم ولغتهم وثقافتهم وتراثهم، وأرعب سكان البيت وأمسكهم عن الكلام وطاردهم في كل صوب وركن حتى دخل أصحاب البيت في الجحور فأقنع القط مشمش نفسه أنه صاحب البيت وأن أصحابه الحقيقيين ما هم إلا فئران لابد أن تختفي عن الأنظار، قد يلعب معهم وقتاً، وقد يتقابل معهم مرة أخرى لكنه إذا غضب عليهم يمنعهم من تصليح دورة مياه في البيت أو الكنيسة إلا بإذنه، فبيت القط مشمش لا تبنى فيه كنائس، والمنهدم مما هو موجود لا يعاد ترميمه، ولا يسمح القط مشمش لمن في البيت بإستعمال الإذاعة والتليفزيون والجرائد والمجلات، كلها حكر عليه… إلخ.
ولي أسئلة أتمنى أن تجيبني عليها يا سيادة العوا قبل أن أنهي مقالي هذا:
أولاً: ماذا كنت تتوقع من الكنيسة البروتستانتية أن تفعل إزاء ما أسميته محنتكم، هل كنت تريد أن يخرج المسيحيون في مظاهرات جنباً إلى جنب مع أصدقائهم المسلمين في مظاهرات سلبية حتى تتحول غير سلمية لينادوا بسقوط البابا أو بهدم وحرق الكنائس الكاثوليكية، أم كنت تريد أن يقوم أحدهم بقطع رأس قسيس كاثوليكي كما حدث في العراق منذ أسابيع قليلة، أي بيان أقوى أو موقف أوضح كنت تريد رئاسة الطائفة الإنجيلية أن تصدر أقوى مما اصدرت، (وأنا هنا لا أتكلم نيابة عن رئاسة الطائفة الإنجيلية أو غيرها)، لكني أتكلم كمواطن مصري مسيحي إنجيلي أعتز بمصر بيت آبائي ومسيحيتي وطائفتي الإنجيلية.
صدقني يا سيادة العوا، كان يمكن لبعض الشباب المسيحي أن يخرج في مثل هذه المظاهرات، لولا أن الشعارات واللافتات التي كان يرفعها الأصدقاء المسلمون كانت مهينة ومزدرسة ومحقرة من عقائد المسيحيين وبالتالي من مسيحهم.
ثانياً: قلت في معرض حديثك “والذي يريد أن يبقى في هذا الوطن، فلابد أن يقف الجزء منه مع سائر أجزائه”، وسؤالي هو من أعطاك الحق أن تتكلم أنت بلسان هذا الوطن، هل تقرر أنت من يبقى ومن لا يبقى، وهل تقرر ما ينبغي أن يعمله من يريد أن يبقى، وماذا تقصد أن يقف الجزء مع سائر أجزائه، هل جزأت سيادتكم الوطن إلى أجزء والإنجيليين جزء من هذه الأجزاء، وماذا عن الجزء الذي لا يستطيع أن يقف مع سائر الأجزاء، هل تقترح سيادتكم أن يرحل من هذا الوطن، وماذا عن الجزء الذي وضعته سائر الأجزاء في الجحور والمغاير والأديرة والكنائس ولم تسمح له برؤية النور لعقود كثيرة، كيف تطلب من هذا الجزء أن يقف وقد اصابه الشلل والملل والقرف من سائر الأجزاء، هل لديك مساحة من الحرية والديمقراطية والعدالة والإنصاف حتى تعطيه لهذا الجزء الذي لم يقف معكم في محنتكم، لعله يقف على رجليه ويساندكم في محنة أخرى نرجو الله أن لا يسمح بها.
على أن أكثر ما اضحكني وابكاني في حديثكم يا أستاذ العوا، هو توضيحك لمعنى الوقوف معكم في محنتكم إذ تقول “تماماً كما نفعل نحن إزاء ما يتعرض له أخواننا المسحيين، فحين يهان رمز من رموز المسيحية أو يتعرض مسيحي لظلم إداري بسبب دينه، نحن من يتصدى للدفاع عنه، وحين يأتي رد الفعل المسيحي أقل مما نتوقعه إذن فثمة مشكلة”. وسؤالي هنا هو من هم المقصودين بكلمة طنحن” في الإقتباس السابق، هل “نحن” تعني علماء المسلمين، أم رجل الشارع العادي المسلم، هل تعني علماء المجلس الإسلامي الموقر الذي أنت أحد علمائه؟ الحقيقة أن أهمية معرفة من هم المقصود “بنحن” يجعلنا نستعيد الماضي لنرى كيف وقفت “نحن” مع أخوانكم المسيحيين اللذين يتعرضون للظلم الإداري وكيف دافعت “نحن” عن أولئك المظلومين وحيث أنني لم أصل بعقلي لمن تُعني بعبارة “نحن”، أعتبرت أن “نحن” تعني كل ما ذكرت أي كل المسلمين. فمتى دافع المسلمون عن المظلومين والمضطهدين من المسيحيين في الوطن العربي منذ وقت إحتلالهم لمصر وحتى الآن.
إن ذاكرتي تخونني كثيراً، لكنني حسب ما أعلم أن “نحن” لم تدافع أبداً عن الطلبة المسيحيين في الجامعات والمدارس المصرية، أولئك الذين لا يستطيعون أن يدخلوا كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والهندسة إذا ما حصلوا على أقل من 90% في الثانوية العامة، بينما يدخل أقرانهم المسلمين إلى تلك الكليات بمجموع ربما يزيد قليلاً عن 80%، لا لشيء إلا أن هؤلاء مسيحيين وأولئك مسلمين، وعلى المسيحيين أن يُمولوا هذه الجامعة الإسلامية من ضرائبهم وهم صاغرين. لم نر “نحن” تدافع عن أعضاء هيئة التدريس من المسيحيين الذين على وشك الإنقراض في سلك الجامعات عندما يتخطاهم الجميع لا لشيء إلا لأنهم مسيحيين. لم نر “نحن” تدافع عن البنات المسيحيات القاصرات وهم يخطفن ويجبرن على الزواج من الشباب المسلم. فقط رأينا “نحن” تثور وتغضب إذا ما طالب أهل المخطوفة برد إبنتهم، ولا زالت كما جاء في حديثك تختلف مع البابا شنوده في مسألة وفاء سلطان.
هل يمكن أن تتصدى لمسلسل جديد تقوم ببطولته “نحن” وهو مسلسل خطف القسوس المسيحيين المصريين من كنائسهم والأعتداء عليهم ولا نعلم ما نهاية هذا المسلسل حتى الآن، هل تصدت “نحن” بالدفاع عن مسيحي الكشح، جزرا، طحا العمودين، الإسكندرية…، هل تصديت للدفاع عن المسيحيين ضد الظلم الواقع عليهم في بناء الكنائس.
لقد حصرت سيادتكم الظلم الواقع على المسيحيين فقط في زاوية الظلم الإداري، أفلا ترى أن هذا ظلماً منك أنت للقضية المسيحية الشرق أوسطية، ألا يُداس رمز المسيحية وهو الصليب أمامك عشرات المرات في اليوم الواحد إن كان بالقول أو الفعل أو السب لحاملي الصليب أو الإضطهاد للمعترفين بالصليب، فهل تصدت “نحن” لذلك. هل تصدت “نحن” للإهانة التي دأبت “نحن” على إلصاقها بأعظم رموز المسيحية وهو الكتاب المقدس تنزيل الحكيم العليم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عندما تكرر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة عشرات المرات في اليوم أنه محرف ولعبت به يد البشر.
سأترك لك يا دكتور العوا الإجابة على هذه الأسئلة.
ترى هل تخيلت يوماً ماذا كان سيحدث في مصر إذا أدلى الدكتور القس صفوت البياضي أو البابا شنوده الثالث أو حتى أصغر قسيس أو كاهن بتصريح قال فيه “إن أراد المسلمون أن يبقوا في هذا الوطن، عليهم أن يقفوا جزء مع سائر اجزائه، تماما كما نفعل نحن المسيحيين”.
أخيراً دعني أقول لك:
أولاً: إن ما لم يأخذه الإنجيليون وغيرهم من المسيحيين من مواقف للوقوف معكم في محنتكم لا يمكن أن تطالبهم به.
ثانياً: لا تصدق كل ما تسمع من تصريحات لا في المؤتمرات الصحفية ولا الإفطارات الرمضانية ولا في لقاءات حوارات الأديان، فأنت سيد العارفين إن ما يقال في الكواليس مختلف تماماً عما يقال خلف الميكرفونات وصفحات الصحف والمحلات، والمهم هو ما في القلب ليس ما على الشفاه، فما في القلب في القلب، ولا يغر الله ما بقوم حتى يعطوه فرصة حتى يغير ما بنفوسهم.
ثالثاً: لن يبقى الفئران في جحورهم إلى البد، ومهما طانت شراسة القد مشمش فسيدافع الفئران عن نفوسهم وسيخرجون من جحورهم، وربنا يستر.