العدد 84 الصادر في سبتمبر 2012 هلم فأرسلك إلى أرض مصر
ما أكثر الفتاوى والمفتين حول ما يجري في مصر في هذه الأيام، وما أكثر المحللين والمفسرين للأحداث والمقترحين لكل أنواع الحلول لها، وما أكبر التضارب في الأقوال والأفعال، ويكفي أن تقضي خمس دقائق أمام القنوات التليفزيونية، المحلية منها والعالمية، حتى تدرك ما وصلت إليه مصر من ضلال مبين على كل المستويات، فما من أحد يعرف من هو العَالِم من الجاهل، ومن هو الخبير بالأمور من المُحْدِث الذي ارتدى بدلة “مصلح زمانه” واكتشف أنها أكبر من حجمه كثيرا،ً فما خلعها وما ضبطها وعدلها لتناسب حجمه الحقيقي، لكنه اختفى خلفها، وأغمض عينيه وأنكر أن الناس تراه على حقيقته، فهو ينظر في مرآة فيرى نفسه فقط، والقلة من محبيه ومؤيديه والمغيبين الضالين في أرض الله الواسعة، وكأنه الفنان عادل إمام في دور الرئيس في مسرحية الزعيم يتساءل “لماذا قمنا بالثورة؟”، وعندما لا يجد الإجابة المقنعة لمن احتشدوا ليشاهدون أداءه، ويقضوا وقتاً طيباً في الضحك واللعب والسمر، ناسين أو متناسين واقع مشاكلهم العديدة، يقول “أنا لا أعلم لماذا قمنا بالثورة، أنا كنت في الحمام” ومع أنها إجابة هزلية، مسرحية، غبية على هذا السؤال الخطير، وهي تدل على جهله وعدم إحاطته بالأمور، وخلو رأسه من الحلول، إلا أن الرئيس في مسرحية الزعيم كان مُخْلِصاً إذ اعترف أنه لم يكن في وسط الأحداث يوم قامت الثورة، ولذا فهو لا يعرف لماذا قمنا بالثورة، إلا أن أغلب الذين يحاولون اليوم الإجابة على هذا السؤال الخطير، إما كانوا في بلاط الرئيس المخلوع يتغنون بحمده وكرمه ورئاسته، أو في السجون يلعنونه وينتظرون يوماً أسودا يباغته هو وعائلته من حيث لا تعلمون، أو يتمشون في شارع الشانزليزيه بباريس، أو ساحل سانتا مونيكا بكاليفورنيا، لا يكترثون بما يحدث في مصر، فأنا وبعدي الطوفان. ولهذا السبب نجد أن دراساتهم للحالة الراهنة في مصر ينقصها الخبرة الشخصية العملية، وتحليلهم للأحداث ينقصه المعرفة التقنية والعلمية، وحلولهم للمشكلات المستعصية المصرية ينقصها الواقعية والقدرة التنفيذية، وبالتالي تظل المحروسة محروقة، وكأن جرحها عديم الشفاء، وكأنه لا بلسان ولا رفادة ولا جبر يشفيها أو حتى يخفف عنها لهيب آلامها.
ولشهور وشهور لم يتجرأ أحد على أن يقول أن مشكلة مصر مشكلة روحية في المقام الأول، وكيف يتجرأ أن يقوله ومن المعروف أن مصر هي أكثر البلدان تديناً، فهي من تحتوي على أكبر عدد من المسلمين والمسيحيين المتحدثين باللغة العربية، فمصر اليوم هي المصدرة الرئيسية للإسلاميين العرب، ليس للدول العربية فحسب بل لدول الأمريكتين واستراليا وأوروبا، ومصر تفرخ أكبر عدد من خريجي المعاهد الأزهرية بالعالم، ومصر أكبر مورد ومصدر للإرهابيين الدينيين في كل الدنيا، وتعداد المسيحيين المصريين يفوق تعداد المسيحيين في جميع الدول العربية، وعدد الجوامع والكنائس في مصر يفوق عددها في الدول العربية عشرات المرات، فكيف مع كل هذا يستقيم الادعاء بأن مشكلة مصر مشكلة روحية، وكيف يجرؤ أحد على ترديد هذا القول والاتهامات بالدروشة وبروحنة الأمور وعدم الواقعية في تفسير الأحداث، والهزء والغضب من مثل هذه التصريحات، معبأ مسبقاً في أذهان الناس في مصر، مسيحيين ومسلمين. ولو اختلفت نظرة الكنيسة في مصر عن نظرة العامة لهذا الأمر وفهمت الكنيسة أن مشكلة مصر هي مشكلة روحية في المقام الأول، لقلنا يكفينا فهم الكنيسة للأحداث وتمييزها لها بطريقة روحية كتابية،ولفهمت، أي الكنيسة، أنها هي الوحيدة التي تملك حلاً لكل ما يواجه مصر من مشاكل، ولأرسل الله المُخَلِص والمحامي والمنقذ المذكور في إشعياء 19، ولشفى المولى مصر بناءً على وعده “يضرب الرب مصر ضارباً فشافياً” ولكن لم ينتبه أحد بما فيهم الكنيسة إلى كلام الكتاب المقدس القائل عن أرض مصر في إشعياء 19:20.
“لأنهم يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصاً ومحامياً وينقذهم. أليس هذا هو عين ما يحدث في مصر في هذه الأيام، فما أكثر المضايقين الذين يضايقون المصريين،(ولاحظ أنه لم يقل مضايق بل مضايقين). فمن جماعات إسلامية متطرفة ومغرضة،إلى جماعات إسلامية مُخْلِصة مُضَلَلَه ومُغَيَبَة تؤمن أن المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة، ويشربون الدماء ويأكلون اللحوم الآدمية في كنائسهم، وأن كتابهم محرف وبيوتهم وأماكن عبادتهم مليئة بالسلاح المعد للاستخدام في حرب أهلية ضد المسلمين، لذا وجب عليهم الجهاد والقتال، إلى حماس وأعوانها، إلى حزب الله ومجرميه، إلى إيران وجنونها، قطر والخليج وخداعها، السعودية والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، البلطجية والحرامية. ولاحظ أن الضربة لأرض مصر بكل ما فيها من سواق وأنهار وحقول ومواش وأسماك، وكل من فيها من مسيحيين ومسلمين وغيرهم، فهو لا يتكلم هنا عن شعبه الذين قبلوه سبحانه رباً وسيداً عليهم، فأعطاهم سلطاناٍ أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه، لا بل للرب الأرض وملؤها المسكونة والساكنون فيها، فالمسيحيون والمسلمون الذين على أرض مصر منذ أن خلقت حتى اليوم هم شعبه بالخلق والوجود، أليس هناك وعد من الرب لمصر أنه سبحانه يرسل لهم مخلصاً ومنقذاً، وهل هناك وقت سيكون المصريون فيه في احتياج أشد للمُخَلِّص والمحامي والمنقذ أكثر من هذا الوقت العصيب الرهيب الذي تمر به مصر اليوم، ألم يتحقق هذا الوعد في القديم حرفياً من قبل الله؟ ألم يتكرر هذا في تاريخ مصر عدة مرات؟ ألا يمكن أن يتكرر مرة أخرى واحدة على الأقل في هذه الأيام. إذًا، فأنا أرى أن المشكلة الأساسية في مصر هي مشكلة روحية، وأن علاجها في أن يرسل الله للمصريين مخلصاً ومحامياً فينقذهم.
لكن يبقى هناك سؤالان لا بد من الإجابة عليهما، أولهما، ماهي صفات هذا المخلص والمحامي؟ وثانيهما، ما هو المطلوب من المصريين عمله لكي يستطيع هذا المخلص والمحامي أن ينقذهم، والحقيقة لقد تحيرت كثيراً في إجابة السؤال الأول، فالعقل والمنطق والخبرات العملية تقول أن هذا المخلص والمحامي لا بد أن يكون في منتصف العمر يميل إلى الشباب أكثر من الكهول، ولابد أن يكون في قلب الأحداث ولم يفارق مصر لفترة طويلة ولم يعش خارجها لسنين مهما كانت قليلة، لابد أن يكون فصيح اللسان سلس القول قوي الحجة والبيان، مفتول العضلات قوي البنية، متدرب على فنون الحرب والقتال، ليس له ماض من التحيز لجنس أو شعب دون الآخر، غير قاتل لنفس حرم الله قتلها إلا بالحق، شجاع لا يخاف حاكم ولا يهاب من بطش أعدائه. منتظر ومستعد أن يلبي النداء بالدفاع عن شعبه وأهله، ولا بد أن يحوز على ثقة شعبه فيقفون وراءه ويناصرونه وقفة رجل واحد، يطيعونه طاعة عمياء، لابد أن يجرد ويدرب جيشاً، إن سراً أو علناً حتى يرهب به عدو الله وعدوهم، ولا بد له أن يضع خطة محكمة دقيقة للدفاع عن شعبه والوقوف في وجه حاكم مصر وحزبه وجماعته، ويطالبه بأن ينقذ الشعب من ويلات آتيات لا محالة إن ظل الحال على ما هو عليه.
تفكرت ملياً في هذا المخلص والمحامي، وهل لأحد على الأرض كل هذه الأوصاف، أو هل يمكن أن تتجمع هذه الأوصاف في شخص واحد، وهل تجمعت هذه الأوصاف في شخص واحد من قبل. والإجابة لا. فبدأت أسأل نفسي إن كان من المستحيل أن تتجمع هذه الأوصاف، التي وضعتها بحسب العقل والمنطق، في شخص واحد، فما هي أوصاف المخلص والمحامي الذي يرسله الله للدفاع عن مصر والمصريين، ولعجبي فقد وجدت أن الأوصاف التي كانت في المخلص والمحامي الذي أرسله المولى لينقذ شعبه من مصر يوم أن كان الفرعون مستعبداً لهم، وأنا أتكلم عن موسى نبي الله في القديم، والذي استخدمه الله كمخلص ومحامي لشعبه في القديم لينقذهم من يد أعتى وأقسى الحكام، فرعون مصر يومئذ كانت عكس ما وضعت من أوصاف تماماً، فلم يكن موسى في سن الشباب، بل كان من العمر أرذله، فهو الذي قال إن عمر الإنسان سبعون سنة ومع القوة فثمانون، وقد كان هو ابن ثمانين سنة أي أنه حسب قانونه قد استنفذ حتى سني حياته كلها مع القوة حين اختاره المولى كمخلص ومحامٍ لينقذ شعبه من مصر، ولم يكن موسى مقيماً في مصر في قلب الأحداث، بل كان متغرباً عن مصر لمدة أربعين سنة، لم يزرها ولا مرة واحدة، ولم يكن هناك وسائل الاتصال المعروفة اليوم فكان منفصلاً تماماً عن الأحداث الجارية بها، لم يكن موسى فصيح اللسان قوى البيان، بل كما وصف هو نفسه أنه ثقيل الفم واللسان، وكان ماضيه يشهد على أنه كان متحيزاً لبني شعبه، مفرقاً تفرقة عنصرية على أساس عرقي، وكان قاتلاً محكوماً عليه بالإعدام غيابياً لقتله المصري، ولم يكن شجاعاً بل خوافاً فترك مصر خوفاً من بطش الفرعون، ولم يكن مستعداً لقبول التكليف الإلهي بالعودة إلى مصر لإنقاذ شعبه فقال للسيد الرب، أرسل بيد من ترسل، ولم يكن حائزاً على ثقة شعبه، فلقد قالوا برجمه وقاموا بمهاجمته والوقوف ضده عندما أعلمهم أنه جاء ليخلصهم من ذلهم وعبوديتهم، ولم يكن معه في مواجهته لفرعون لا جيش ولا عتاد أو سلاح بل عصى يابسة كان يحملها كمسافر يميل ليبيت. نعم كانت العصى كل ما كان يحمل ولا يملك، فالعصى لم تكن عصى موسى بل عصى الله. إن الحل للمشكلة المصرية هي في نبي يحمل عصى الله، نبي مكلف من الله، نبي يفضح كل آلهة وأنبياء المصريين وساحريها ومنجميها وتوابعها، ويكون آداة في يد المولى ليصنع أحكاماً بكل آلهة المصريين، وعصى يمكن أن تتحول إلى ثعبان إذا لزم الأمر لتبتلع ثعابين المصريين الكثيرة التي تزحف في كل صوب وفج، عصى تضرب مياه النيل فتتحول إلى دم، عصى تشق البحر الأحمر وتخرج من الصخرة ماء عزبا ليشرب المصريون من مياه معجزية، ونبي يستطيع أن يقف في وجه كل فرعون طاغ ظالم مراوغ كذاب ويطالبه أن يطلق شعب الله في مصر ليعبدوا إلههم يهوى القدير، نبي يرتعب ويرتعد أمامه الفرعون، ويطلب متوسلاً إليه أن يصلي لأجله لكي يرفع عنه المولى غضبه، نبي يمكن أن يرفع عصى الله في وجه الفرعون فتمتلأ مصر بالضفادع، والذباب، والبعوض والدمامل والبواسير والجراد والبرد والظلام، فيعرف الفرعون أن الله متسلط في مملكة الناس، نبي يتنبأ على كل بكر في مصر، يقف ضد شعب الرب بالموت حتى يصرخ المصريون لا بسبب خسارتهم بل بسبب مضايقيهم، فيسمع المولى من سماه، ويرسل لهم هذا المخلص والمحامي فينقذهم، أما إجابتي على السؤال الثاني فهو أنه لا بد للمصريين أن يعلموا أن مشكلتهم مشكلة روحية، وأنهم تركوا عبادة الله الواحد الحي إلى أبد الأبدين وصدقوا الفرعون، ووقفوا طويلاً ضد شعبه تعالى، ومنعوهم من عبادته وأجبروهم على الاختفاء في مغاير الأرض، وظنوا أن معبودهم أقوى من يهوه القدير وأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأصحاب القوة والأمر والنهي، ولا بد أن يصرخوا إلى القدير معترفين بخطئهم ضد شعبه تعالى، ويتوبوا عن كل ما ارتكبوه في حق شعب الله منذ أن احتلوا بلادهم، ولا بد لشعب الرب أن يلتف حول المخلص والمحامي والمنقذ الذي يرسله المولى لهم، ويتأكدوا أنه إن كان الله معهم فمن عليهم، وأن خفة ضيقتهم الوقتية ستنشئ لهم ثقل مجد أبدي، فإلى أن يصرخ المصريون للرب بسبب المضايقين، وإلى أن يعرف المصريون الرب ويعرف الرب في أرض مصر ستظل مصر تحت سيطرة روح الغي وروح ضد المسيح، روح رئيس مملكة فارس وروح فرعون، وسيظل الرب يضرب مصر ضارباً فشافياً. عزيزي القارئ قد تكون أنت هذا المخلص والمحامي الذي يريد الله أن يعده ليرسله إلى أرض مصر قائلاً هلم فأرسلك إلى مصر، فهل تقل هأنذا أرسلني؟