(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.
وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في القصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا. وفي أحد الأيام عاد مردخاي ووجد الحزن يخيم على بلدته واكتشف ما كان يخاف منه لقد أخذوا هداسا إلى القصر، تطورت الأحداث والتقى مردخاي هيجاي مسؤول بيت النساء في قصر الملك، وفي القصر تجري استعدادات كبيرة يبدو أن هناك حدثًا كبيرًا.. (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)
جرت الاستعدادات داخل القصر على قدم وساق… فقد اندمجت كل الفتيات في تعلم النظام البروتوكولي… آداب المائدة والملابس وأسلوب الحديث وطريقة السير وآداب المصافحة والابتسامة.
كان “هيجاي” هو المسئول عن التدريبات ويعاونه عدد لا بأس به، وكان ظاهرًا للجميع أنه أقدم شخص موجود في بيت النساء والأكثر دراية وخبرة.
“هيجاي” هو خصي الملك والموكل منه بحراسة بيت النساء ومتابعة شئونه، وهو شاب أسمر اللون، عيناه زرقاوين وأنفه أفطس، طويل وقوي البنية ومفتول العضلات. كان يتابع كل يوم من موقعه مقابل باب قاعة التدريبات مدى تقدم الفتيات، وكان قليل الكلام ومتقد الذكاء ولديه خبرة طويلة عن ذوق الملك في النساء، فقد عاش عمره كله في هذا المكان.
كان “هيجاي” يتابع “هداسا” التي أبدت تقدمًا ملموسًا في كل هذه الأمور التي أصبحت معتادة وطورت مهاراتها يومًا فيومًا، وهو ما أثار غيرة بعض الفتيات… فقد كانت المنافسة شرسة مع هذا العدد الكبير.
*********
كانوا يوفرون في بيت النساء لكافة العذارى طلباتهن الإضافية… بدأ “هيجاي” يقرأ لائحة الطلبات إلى أن وجد طلبًا غريبًا… فقد كان يتفهم الطلبات الخاصة بالعطور والملابس ومواد التجميل والزيوت… أما المخطوطات والأقلام فقد كانت أمرًا غير وارد… لم تطلبه يومًا عذراء من اللواتي أتين على بيت النساء … فهل هنا مَنْ تعرف القراءة والكتابة؟
كانت إجابته على هذه الأسئلة هي المستحيل… فرفع عينيه نحو الاسم ليقرأ “هداسا” فقال لنفسه:
– “هداسا”! هذه الفتاة المميزة… لقد أعجبتني طريقة الاستقبال الخاصة بها… وكذا طريقة مشيتها… فهل يمكن أن تكون فعلًا قد طلبت هذا الطلب؟
حسنًا… لا توجد سوى طريقة واحد لمعرفة الأمر.
توجه “هيجاي” نحو “هداسا” التي كانت جالسة في الحديقة الغربية وقت استراحة ما بعد الغذاء مع صحبة قليلة من ثلاث عذارى.
– مرحبًا، “هداسا”.
– مرحبًا، “هيجاي”. هل هناك شيء؟
– نعم، لدي هنا طلب غريب. هل حقًا طلبتِ مخطوطات؟
– نعم… ولماذا غريب؟
– فيم ستستخدمينها؟
أجابت “هداسا” بتعجب:
– فيم سأستخدمها؟ فيم تُستخدم المخطوطات والأقلام “هيجاي”؟ بالطبع أريد أن أكتب عليها.
رد “هيجاي” مبتسمًا:
– وهل تعرفين الكتابة والقراءة؟
– بالطبع أعرف. كيف سأطلبها دون أن أعرف؟
– أي لغة؟
– غالبية لغات الإمبراطورية.
– هل هذا ممكن؟
– نعم.. هل في هذا مشكلة؟
– لا… لا على الإطلاق. سأوفر لك بكل سرور ما طلبتِ. ثم قال مترددًا:
– ولكن لدي طلب شخصي.
– بالطبع، “هيجاي”. مني أنا؟
– لدي مجموعة مخطوطات رائعة. ولكن تستعصي عليّ بعض الكلمات… فأفقد المعنى المقصود..
– وهل تقرأ؟
– نعم، ولكني لا أكتب. أتيتُ هنا طفلًا وكنتُ خادمًا شخصيًا لمسئول بيت النساء السابق… علمني القراءة أو تعلمتُ من ملاحظته.
– يبدو أنك متقد الذكاء.
– على الأقل هناك متعة واحدة باقية في حياتي بعد أن خصوني وحبسوني داخل جدران بيت النساء.
– يمكنني مساعدتك في أي وقت.
– ربما يمكننا أن نقرأ معًا من وقت لآخر، فلدي كنوز فكرية.
– بالطبع. يسعدني هذا.
وبمرور الوقت، نشأت بينهما صداقة لطيفة… فقد علَّمته “هداسا” الكثير من الكلمات وكذلك طريقة ترتيب ونطق الحروف.
حتى أنهم عمموا الدعوة لمن ترغب من بيت النساء بالحضور لمجلس القراءة في وقت الفراغ… ولكنهم لم يحظوا بجمهور كثير.
كانت روحها حلوة تعلم بلطف واتضاع… فقدَّر “هيجاي” لها هذا ونوى في قلبه أنه حينما يتم توزيعهن مع الوصيفات سيختار لها الأفضل… فهي تستحق.
*********
لم تخلُ الأيام من مناوشات متواصلة بين العذارى… فقد كانت روح الغيرة تسيطر على بعضهن… وبمجرد تميز واحدة في أمر تخاصمها بقية الفتيات ويتكلمن عليها بل حتى يشتكين كذبًا ضدها. ومن كثرة ما رأى، أصبح “هيجاي” خبيرًا بمثل هذه المشاكسات. كان عدد لا بأس به من العذارى يغرن من “هداسا”، ولكن قربه منها منعهن من أن يفعلن لها أي شيء.
وفي أحد الأيام، وبعد نهاية يوم طويل ذهبت مثل بقية الفتيات إلى مكانها للنوم. أدت “هداسا” صلواتها بعد أن أطفأت كافة الأنوار. وما أن بدأ النوم يداعب جفنيها حتى سمعت كغيرها صوت خطوات كثيرة قادمة لقاعة الفتيات حيث تنام.
فتح الخصيان الباب بقوة… دخل “هيجاي” حتى ثلث القاعة ووقف مكتوف اليدين وقال بصوت أجش:
– مَنْ التي أخذت قلادة الورد الأحمر؟
كانت عيناه محمرتين ووجهه غاضب، فممتلكات الملك تحت عهدته. ساد الصمت لوهلة في القاعة حتى استأنف كلامه مرة أخرى:
– أنتن تعلمن عقوبة سرقة أملاك الملك. وليس معنى أنكن تتدربن مستخدمين هذه الكنوز أن يخطر على بال واحدة منكن أن تأخذها. ولمعلوماتكن، لم يخرج اليوم أحد أو يدخل إلى بيت النساء. والقلادة مفقودة من مكانها. القلادة هنا والتي سنجدها معها ستعاقب بالإعدام.
أشار “هيجاي” بيده إلى الخصيان فبدأوا يفتشون سريرًا فسريرًا بدقة. وبينما كانوا يفعلون ذلك، قالت “ميجالي” من آخر القاعة:
– لقد رأيتها مع “هداسا”. خبأتها في عباءتها الجديدة.
كانت “ميجالي” فتاة ثائرة متمردة خبيرة في طرق إيقاع الرجال. لم تتمكن من استمالة “هيجاي” لأن الطريقة التي كانت ماهرة بها لم تؤثر عليه كخصي. وهو لم يكن مرتاحًا لها، فقد كانت تثير المشاكل ظنًا منها أن صوتها العالي سيرهبه.
تلون وجه “هداسا” بالأحمر ودق قلبها سريعًا. وقالت بارتباك:
– هذا افتراء.. يمكنكم البدء بالتفتيش من عندي.. لم تفارقني “يديدة” طوال اليوم.
ذكاء “هيجاي” لم يخنه يومًا، فقد كان يعرف كم تفوقت “هداسا” عليها في الكثير وهن يتعلمن إتيكيت القصر، بل أنه أدرك جيدًا غيرتها الشديدة منها، فلم يعر الكلام انتباهًا وأشار للخصيان أن يستمروا بنفس الترتيب.