ما من شك في أنه كان مفاجئًا وصادمًا لكل المسيحيين العرب وخاصةً المصريين منهم، ومحزنًا، محبطًا، ومحيرًا للكثيرين من المتنصرين الحقيقيين الذين عرفوا واختبروا المسيح كالمخلص الشخصي لحياتهم وانضموا لعائلته تبارك اسمه، وعلى الجانب الآخر بالطبع كان مبهجًا ومسرًا وشافيًا لغليل الغالبية العظمى من المسلمين ذلك الفيديو، والذي سجَّله ومنتچه على هواه، وأذاعه الشاب المغربي، للمتنصرة المصرية الأشهر، السيدة ناهد متولي، والتي أطلقت على نفسها اسم “فيبي صليب” بعد إعلانها، والعهدة على الراوي، عن قبولها الرب يسوع المسيح تبارك اسمه مخلصًا شخصيًا لها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وكتبت العديد من الكتب في نقد الإسلام ونبيه وتعاليمه والمسلمين جميعًا، والتي منها “لقائي مع المسيح”، و”رحلة إلى الكعبة”، و”دعوة للتفكير”، و”المجهول في حياة الرسول”، ومجموعة “رسالة إلى كل مسلم”، و”الرقص على الأشلاء في الفلوجة”، و”خرافة الإسراء والمعراج”، و”نبي من صنع الخيال”، و”اغتيال عائشة”، و”مستشفى امرأة مصرية مسلمة”. ناهد متولي كانت سببًا في سجن وتعذيب الكثيرين والكثيرات ممن كانوا محيطين بها من المدرسين والمدرسات المسيحيين، سواء الذين كانوا يعملون بالقرب منها أو تحت إدارتها كوكيلة لمدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات ذات الأربعة آلاف طالبة، أو مَنْ استضافوها وأخفوها في بيوتهم من المسيحيين بعد إعلانها عن قبول المسيح تبارك اسمه مخلصًا وسيدًا على حياتها، واعتمدت على يد الكاهن الأشهر، القمص زكريا بطرس، حيث أخفوها حتى تم تهريبها وتسفيرها سرًا خارج مصر. وبالطبع بعد أن هلل لها المسيحيون المغيبون كعادتهم، وصنعوا منها بطلة وأيقونة يتبركون بها وبوجودها في كنائسهم واجتماعاتهم وعلى منابرهم وتجمعاتهم وبيوتهم واحتفالاتهم، ويتغنون باسمها، ويتخذونها مادة للحديث بينهم أينما جلسوا، ويُشهِرونها كسلاح فتاك لا يُقَاوَم ولا يُقْهَر في المبارزة مع المسلمين وشيوخ الفضائيات وغيرهم ممن يستبعدون وينكرون أن هناك من المسلمين الدارسين المثقفين مَنْ يمكن أن يترك الإسلام ويقبل المسيح يسوع ربًا وسيدًا، وبعد أن كانت طوال سنين كثيرة تؤكد في العديد من اللقاءات والتسجيلات والفيديوهات المرفوعة أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها الڤيديو الأخير الذي أعلنت فيه رجوعها للإسلام، أنها تقابلت مع شخص المسيح يسوع تبارك اسمه الذي ظهر لها في رؤيا فغير حياتها وأعطى لحياتها معنى وقيمة وهدف ونقلها من الظلمة إلى النور على حد تعبيرها. وقالت أكثر من مرة إنها رأت المسيح مرات كثيرة وإنها أصبحت مسيحية عن اقتناع.
وأقول الصدق في المسيح وضميري شاهد لي إن أمر إعلان ناهد متولي عن توبتها ورجوعها للإسلام لم يؤثر فيَّ تأثيرًا كبيرًا ولا صغيرًا لعدة أسباب أسرد ما تيسر منها في عجالة وهي كالتالي:
1- أن هذه ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي فيها يقول مسلم ما إنه اعتنق المسيحية ثم يرجع في كلامه وينسخ ما خرج من شفتيه، أو بلغة المسلمين وإيمانهم يهتدي ويتوب ويشرح له المولى صدره ويرجع إلى الإسلام شاهدًا من جديد أن “لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله”، وهي ليست المرة الأولى أيضًا ولن تكون الأخيرة التي يقول فيها مسيحي إنه اعتنق الإسلام وبعدها يرجع في كلامه أو بلغة المسيحيين يرجع عن ارتداده إلى المسيحية. فلن يضيف فرد أو ملايين الأفراد من المسلمين وغير المسلمين أي شيء إذا انضموا إلى المسيحية والمسيح ولن ينقص منهما أي شيء لو غادرهما الملايين من المتنصرين المسلمين أو غير المسلمين أو حتى المسيحيين أنفسهم، فقوة المسيحية ليست بعدد أفرادها، ولا بعلو أصواتهم، ولا بأسلحتهم التي يستخدمونها ضد أعدائهم، ولا بما يعدونه من قوة ومن رباط الخيل ليرهبوا بها عدو الله وعدوهم، ولا بمدى تأثيرهم أو سيطرتهم على الأمور الحكومية أو السياسية والاقتصادية والسلطة والعباد في البلاد؛ قوة المسيحية تكمن في القوة الروحية التى يمنحها إله المسيحية، أي المسيح يسوع نفسه تبارك اسمه، الذي وعد تلاميذه ومحبيه وحقق وعده لهم قائلًا: “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض”، وهذه القوة التي يمنحها سبحانه، الفعال لما يريد، لكل مَنْ يؤمن به، وهي قوة قادرة بالله على هدم ظنون وحصون الشرير ذاته وأعوانه وحفظ الإنسان نفسه في هذا العالم بلا دنس أو لوم.
فبالنسبة لي ناهد متولي ما هي إلا إنسانة واحدة من حيث العدد. نعم، هي غالية جدًا على قلب الله، وكانت، وفقًا للتعاليم المسيحية الصحيحة، هي وكل العالم، في فكر وخطة المسيح عندما جاء إلي الأرض ومات لأجلنا، “ليذوق الموت بنعمة الله لأجل كل واحد” لخلاص نفسه أو نفسها من عذاب القبر والنار الأبدية، وليرد نفسها ويهديها إلى حياة النعيم الأبدي كما نؤمن نحن المسيحيين. لكن من الناحية العددية البشرية الإنسانية، هي مجرد فرد لن تزيد المسيحيين قوة، ولن تقلل من شأنهم، أما من الناحية الروحية الإلهية، فوحدة التعامل مع البشر عند الله سبحانه هي الفرد، وليس الجماعة أو الأمة أو الشعب، فالمسيح لم يأتِ لأجل فداء شعب أو أمة أو أصحاب دين بعينه بل جاء للأفراد كل على حدة، الأفراد من كل قبيلة وأمة وشعب ولسان، جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك فهو يهتم بالفرد، كما أنه يهتم بالطبع بالجماعة لكن كأفراد، فالسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من ٩٩ بارَا لا يحتاجون إلى التوبة. وعندما مات اسطفانوس شهيد المسيحية الأول رأى السموات مفتوحة (له كفرد) وابن الإنسان (المسيح يسوع تبارك اسمه) قائمًا عن يمين العظمة (الله سبحانه) في الأعالي (لاستقباله شخصيًا)، ولذا قال المسيح لبطرس تلميذه، حيث كان يتكلم إليه كفرد:» سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك (كفرد) لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت إخوتك«، وكلها تخاطب الفرد، ولعل هذا واحد من الأسباب التي لأجلها لم يقل لنا الكتاب المقدس إننا المسيحيون خير أمة أخرجت للناس.
2- الأمر الثاني الذي لم يجعل لهذا الحدث تأثير كبير عليَّ أنا شخصيًا هو معرفتي بمدى الالتباس والغي والتشويش الذهني والروحي الذي يعاني منه الناس في بلادنا العربية، وخاصةً في مصر، عندما نأتي للحديث عن موضوع الأديان، حيث إن العلي مزج في وسط مصر روح غي، لذا فلكل نظرته الخاصة للموضوع وقناعاته الشخصية ووسائل دفاعه عن وجهة نظره ومعتقده ودينه، ولهذا قد يكون المرء مسلمًا يقرأ الكتاب المقدس أو يعجب بشخصية السيد المسيح وتعاليمه ووصاياه ويشعر أنه قريب منه سبحانه فيتخيل أنه أصبح مسيحيًا أو أنه يريد ان يكون مسيحيًا فيتساءل: كيف أصبح مسيحيًا؟ وما هي الفرائض والطقوس والأوامر والنواهي التي ينبغي ان أسير عليها لأصبح من أتباع المسيح؟ فيفاجأ بأن مفهوم وتعاليم المسيحية الحقيقية عن هذا الأمر مختلفة تمامًا عن هذا المفهوم السطحي الإنساني التَدَيُّني؛ فالمسيحية، عندنا نحن المسيحيين على اختلاف طوائفنا ومذاهبنا، ليست ديانة بالمفهوم الإسلامي أو المجتمعي المصري. والمسيحية ليست مذهبًا يُعتنق لمجرد الاقتناع والإيمان العقلي بما تنادي به، والإعجاب بتعاليمها، وحب نبيها وإلهها المسيح يسوع تبارك اسمه، والصلاة والسلام عليه في كل مرة ينطق المرء باسمه. والمسيحية لا يمكن اعتناقها بترديد شهادتين أو أكثر يصبح الفرد بعد ترديدهما مسيحيًا بأن يقول مثلًا: “لا إله إلا الله يسوع المسيح هو الله”، حتى لو كان المردد لهاتين الشهادتين مؤمنًا بهما بكل عقله ووجدانه. والمسيحية ليست كتابًا محفوظًا في السماء منزَّلًا من عند الله يتلوه المرء آناء الليل وأطراف النهار مع أن لها كتابًا منزَّلًا، الكتاب المقدس الذي نعتبره نحن المسيحيين كتاب الله الوحيد للبشرية جمعاء، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي كتبه أناس الله القديسون مساقين من الروح القدس. والمسيحية ليست تعاليم وأوامر ونواهي وكبائر وصغائر وفرائض من صوم وصلاة وزكاة وحج يلتزم بها المسيحي ليرضي المولى سبحانه وتنازل إلينا، ولكي يتقي غضبه تعالى فهو شديد العقاب، فيكون من خلالها من المسيحيين. المسيحية ببساطة هي المسيح نفسه، المسيح الحي إلى أبد الآبدين تبارك اسمه والمتواجد في قلوب كل مَنْ آمن به بقلبه، واعترف به له المجد بلسانه بناءً على إيمانه القلبي، وعندها ينال المؤمن ما يُعرف بالميلاد الثاني أو يصبح خليقة جديدة ويُكتب اسمه في كتاب محفوظ في وجدان المولى تبارك اسمه وفي سماه يُدعى “سفر الحياة”.
3- الأمر الثالث الذي لم يجعل لهذا الحدث تأثيرًا كبيرًا عليَّ أنا شخصيًا هو أن مَنْ يقبل المسيح (ولا أقول المسيحية)، وأكرر، مَنْ يقبل المسيح يسوع تبارك اسمه مخلصًا شخصيًا من الخطية وفاديًا وملكًا لحياته بالفعل ويدخل إلى ملكوته جل شأنه لن يستطيع الخروج منه (أي من المسيح الحي) ولا من مملكته التي هي “ملكوت الله” إطلاقًا مهما قال أو عمل أو أنكر أو سب وحتى لو جدف على المسيح نفسه ووصفه تبارك اسمه بأنه أسوأ شخصية في العالم كما وصفته ناهد متولي في كلامها المسجل والمذاع، فهذا الخيار ليس بموجود أو متاح في تعاليم المسيح نفسه عن من يسكنون ملكوته في شخصه الكريم ويسكن هو جلاله فيهم بالروح القدس، فقبول المسيح بالإيمان القلبي والانضمام لعائلة الله هذا أمر اختياري يقدمه الروح القدس للإنسان، والإنسان هو الذي يقرر أن يختار الحياة، التي هي المسيح ذاته، أو يختار الموت والذي هو رفض الحياة في المسيح، كما جاء في قوله تعالى: “مَنْ له الابن، أي المسيح، له الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة.” لذا فكل مَنْ يقبل المسيح يسوع تبارك اسمه مخلصًا له من الخطايا والذنوب، أي بحسب تعبير الكتاب المقدس “يولد ثانية أو يولد من فوق أو يولد من الله” بالإيمان بالمسيح مخلصًا وفاديًا وغافرًا للخطايا بعمل صليبه، يعطيه السيد المسيح حياة أبدية ويؤكد له أن “الذين في يدي (يد المسيح) لا يستطيع أحد أن يخطفهم مني.” ليس ذلك فقط بل يصبح مولودَا من الله، كما علَّمنا الكتاب المقدس في قول الله تبارك اسمه: “أما كل اللذين قبلوه (أي قبلوا المسيح) أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه.” وعليه فالمسيحية الحقيقة كما ذكرتُ آنفًا هي ليست ديانة يدخلها المرء اليوم ويخرج منها باكرًا أو يعتنقها اليوم ويتحرر ويتنكر لها باكرًا، بل هي ميلاد جديد له من الله، ولذلك يطلق البعض على المؤمنين الحقيقيين بالمسيح اسم المجددين أو المولودين ثانيةً، وليست هناك قوة لا في الأرض ولا في السماء يمكن أن تكسر كلمته تعالى وأن تلغي بنوية المؤمنين الحقيقيين لله. فلو فرضنا جدلًا أن تنكر الأبناء أنفسهم لأبيهم وقالوا له: “أنت لست أبونا بعد اليوم”، فهل إذا قال لي ابني: “أنت لست أبي من الآن فصاعدًا، لن ادعوك أبي، لن أتكلم إليك، ولن يكون هناك علاقة وشركة معك بعد اليوم، فأنت أسوأ أب على وجه الأرض، سأعود إلى ما كنتُ عليه سابقًا”، أو إذا قلتُ أنا لابني: “أنت لست ابني فيما بعد” وقمتُ فعلًا بتغيير هويته وحذفتُ اسمي من بياناته الشخصية، ولم أتقابل معه ولا مرة واحدة طوال السنين العديدة وليست بيننا شركة أو علاقة بأي شكل من الأشكال، بالرغم من كل هذا هل من الممكن أن أدعي أنه حقًا وفعلًا ليس ابني، أو أن أثبت أنه ليس من صلبي؟ بالطبع لا، فالـ DNA المشترك بيننا سيُظهِر أنه ابني مهما كانت المحاولات لإلغاء هذه الحقيقة، وهكذا هو الحال مع كل مَنْ وُلِدَ من الله، فهؤلاء صاروا أبناء الله بالولادة الروحية منه سبحانه، وهو فعال لما يريد، وهو مَنْ لا يغير ما يخرج من شفتيه ومَنْ لا ينسخ كلامه أو ينقض عهده، فلن تستطيع قوة في الأرض او السماء أن تغير هذه العلاقة بين المولود ثانية والله تبارك اسمه. وعليه، فما جعلني لا أعول كثيرًا على ما قالته ناهد متولي من الناحية الروحية في الفيديو سابق الذكر هو أنني قلتُ لنفسي: لو كانت ناهد متولي مولودة من الله، الأمر الذي لا يعلمه إلا الله وحده وهي نفسها، وإن كان اسمها مكتوبًا في سفر الحياة المحفوظ في السماويات فإن جاز التعبير فإن الـ DNA الإلهي المسيحي يجري في كل خلية من خلاياها ولن تستطيع حتى هي أن تغير من الأمر شيء مهما صدر منها أو عنها من سب للمسيح أو توبة ورجوع للإسلام.
4- الأمر الرابع الذي لم يجعل لهذا الحدث تأثيرًا كبيرًا عليَّ أنا شخصيًا والذي جعلني أتفهم لماذا سجلت ناهد متولي مثل هذا الفيديو في هذا الوقت بالذات وبهذه الطريقة بالذات هو أن ناهد، كما قلتُ سابقًا، ليست أول الذين أعلنوا عن عدولهم عن تبعية المسيح لسبب أو لآخر ولن تكون آخرهم على الإطلاق، ففي دراستنا لكلمة الله، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد عدة أمثلة تشابه ما عملته ناهد بطريقة أو بأخرى، فنرى أن سبب ما نحن فيه جميعًا كبشر على الأرض من خطية ومرض وتشويش وعبودية للشيطان جاءت كلها عندما تنكر آدم وحواء لله سبحانه وتعالى وكسرا وصيته بألا يأكلا من شجرة معرفة الخير والشر التي كانت في وسط الجنة وصدقا غواية الشيطان ورسبا في الامتحان ولم ينتبها لعمق الحرب الروحية التي كانت ضدهما وبالتالي كانا يتصرفان كالمغيبين فكانا من الخاسرين، مع أنهما كانا يريان الله تبارك اسمه بعيونهما المجردة، وجهًا لوجه، ويمشيان ويتكلمان معه فمًا لفم، كما يعلِّمنا تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس. وهذا ليس كناهد متولي التي لم تكن تراه، ولا يمكن لأي إنسان غيرها أن يراه سبحانه إلا بعيون إيمانه بالسيد المسيح، وبالطريقة التي يختارها هو، الفعال لما يريد، لكي يُظهِر بها ذاته للإنسان، فإن كان اللذان رأياه بالعيان، آدم وحواء، واستمتعا بصحبته في الجنة بعيدًا عن اضطهاد الأهل والأصدقاء ومباحث أمن الدولة وغيرهم، تنكرا له، وسجلا لقطة من حياتهما وقد خسرا بسببها كل شيء، فكم بالحري تكون ناهد متولي التي تحملت كل ما تحملت من آلام الاختباء والفرار من أمام السلطات الحكومية البوليسية المصرية، وعذاب البعد عن الأسرة، وخاصةً الابن، وعن مصر البلد الذي ولدت وعاشت به عشرات السنين وتحمل فيه الذكريات الكثيرة، وتحملت الإهانة والظلم والهجر على كافة المستويات.
أما أقرب وأوضح مثال مطابق لما فعلته ناهد متولي بتسجيلها هذا الفيديو فنراه في الحادثة التي دوَّنها الوحي عن بطرس أحد تلاميذ المسيح تبارك اسمه، والذي قضى معه ثلاثة سنين ونصف ملاصقًا له، ورأى بأم عينيه الجسدية معجزاته الخارقات، وسمع بأذنيه اللحميتين صوته اللطيف، تبارك اسمه، يتكلم بأعظم وأرقى ما سمعه البشر من تعاليم ووصايا وأمثال، وأكل وشرب معه من الخمسة أرغفة والسمكتين التي أشبع بهما تبارك اسمه خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال، ومشى بأمره على مياه البحر المضطرب دون أن يغرق حتى نظر إلى نفسه واشتداد الأمواج، بطرس الذي كان من دائرته “سبحانه” المقربة، والذي كان بصحبته “تبارك اسمه” بالجسد، وليس فقط بالإيمان، عندما ظهر معه موسى كليم الله وإيليا النبي الناري، بطرس الذي رأى مجده وعاين عظمته وسمع بأذنه الصوت الذي أقبل على المسيح تبارك اسمه من المجد الأسنى على الجبل، المعروف بلغة المسيحيين بجبل التجلي، والذي شهد بقلمه وبفمه ولسانه في رسالته الثانية قائلًا: “لأننا لم نتبع خرافات مصنعة، إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامةً ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: “هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به”. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء، إذ كنا معه في الجبل المقدس.” بطرس هذا، مقدام الرسل، هل يمكن أن يتنكر له عند المحاكمة التي أدت الى صلبه أمام جارية وينكره ثلاث مرات، بل وينكره بقسم ويلعن ويحلف إني لا أعرف الرجل الذي تقولون عنه، وكأنه لم يرى المسيح من قبل، ولا عرفه من قريب أو بعيد، وكأنه لم يشهد عنه بنفسه، ولم يسمع أن اسمه يسوع، وأن صفته وشخصه هو المسيح ابن الله الحي، أي تعين الله الحي نفسه، ويقول في ذلك الكتاب المقدس: “أما بطرس فكان جالسًا خارجًا في الدار فجاءت إليه جارية قائلة: “وأنت كنت مع يسوع الجليلي”. فأنكر قدام الجميع قائلًا: “لست أدري ما تقولين!” ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك: “وهذا كان مع يسوع الناصري!” فأنكر أيضًا بقسم: “إني لست أعرف الرجل!” وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: “حقا أنت أيضا منهم فان لغتك تظهرك!” فابتدأ حينئذٍ يلعن ويحلف: “إني لا أعرف الرجل!” وللوقت صاح الديك. وفي رواية أخرى يقول الكتاب المقدس عن بطرس: “فابتدأ يلعن ويحلف: “إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه” وللوقت صاح الديك فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قاله له: “إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات”. فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرًا.
وفي رأيي الخاص أن هذا الفيديو، فيديو خيانة بطرس أحد حواريي المسيح في حادثة تخليه عن سيده وتظاهره أنه ما عرفه يومًا وإمعانه في الإنكار فقال: “إني لا أعرف الرجل”، وكأنه مجرد رجل لا علاقة لبطرس به، هذا الفيلم المسجَّل على أوراق الكتاب المقدس حيث لم تكن هناك إمكانية عمل فيديو بمفهومنا لهذه الأيام، كذاك الڤيديو الذي سجلته ناهد متولي، ڤيديو بطرس هذا الذي رفعه الروح القدس بنفسه على الإنجيل، كتابه المقدس، وقد كان وسيلة التواصل الوحيدة مع الله في القديم، حيث لم يكن اليوتيوب قد وُجِدَ بعد، ما قصد القدير على الإطلاق برفعه للتشهير والتنكيل وتلطيخ سمعة بطرس والتقليل من احترامه ومكانته أو مهاجمته أو إدانته من المسيحيين الذين لم يتعرضوا لمثل الضغوط التي تعرض لها بطرس حتى أنكر المسيح أمام الجواري والعبيد، بل سجَّل القدير هذا الحدث على صفحات الكتاب حتى نعلم أننا كلنا في الموازين إلى فوق، وأن أيًا منا مهما كانت قوته أو قدرته على تحمل الاضطهاد والعذاب لأجل المسيح ومهما كانت طول مدة عشرته وإتباعه وإخلاصه مع المسيح تبارك اسمه يمكن أن ينكره سبحانه، وخاصةً إن اعتمد على قوته الشخصية كبطرس الرسول في القديم، أو محمد حجازي المتنصر المشهور وأول مَنْ رفع قضية على الدولة وعلى حبيب العادلي وزير الداخلية في ذلك الوقت لتغيير ديانته إلى مسيحي في بطاقته الشخصية، والذي عمل نفس الشيء الذي عملته ناهد متولي، وقام بعد تعذيبه لمدة ثلاثة سنين ونصف في السجون المصرية بتسجيل الڤيديو الذي أعلن فيه هو أيضًا توبته عن المسيحية ورجوعه إلى الإسلام، محمد حجازي، المختفي الآن عن الأنظار والذي لا يعرف مكانه في مصر إلا نفر قليل، وهكذا الحال مع ناهد متولي، أو حتى ربما يحدث مع ناجي يوسف إذا ما اعتمد على قوته وقدرته الشخصية الذاتية، ونظر إلى صعوبة الموقف وخطورة الظروف المحيطة به، وحسب العواقب والتداعيات والنتائج لتمسكه بالمسيح يسوع ربًا ومخلصًا، ونسي أن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي، وظن أنه بقادر في شخصه أن يسبح ضد التيار وأن يجبر الناس والبلاد على تغيير قوانينهم والاعتراف بما اعتنقه من دين، من وجهة نظرهم، وتدوين اعترافهم في هويته الشخصية.
وهكذا أيضًا يحدثنا بولس الرسول تلميذ وعبد يسوع المسيح، كما يحلو له أن يصف نفسه، في سياق سرده لقصة اضطهاده للمسيحيين قبل خلاصه ومقابلته مع المسيح تبارك اسمه، عن مؤمنين حقيقيين بالمسيح كان يضطهدهم بولس ويسوقهم موثقين ويضطرهم أن ينكروا المسيح ويجدفوا على الله وعلى مسيحه، إذ يقول بولس: “وفي كل المجامع كنت أعاقبهم (أي المؤمنين بالمسيح) مرارًا كثيرة، واضطرهم إلى التجديف. وإذ أفرط حنقي عليهم كنت أطردهم إلى المدن التي في الخارج.” وهكذا أيضًا يقول بولس الرسول للمؤمنين المعاصرين له ولنا عن أولئك الذين كان يذكرهم في كنيسة فيلبي على أنهم خدام للمسيح والذين أصبحوا أعداءه في القول: “لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح.”
إذًا فناهد متولي هي ليست أول مَنْ أخطأت في حق المسيح، وتكلمت ضد المسيح وشخصيته وتعاليمه ودينه وإنجيله، واستخدمت ذكائها المعروف عنها في التركيز على رجوعها للإسلام لحسم الكثير من القضايا المتعلقة بها وبتاريخها الماضي. وبالرغم من عدم اتفاقي معها إطلاقًا في تسجيل هذا الفيديو ورفعه على اليوتيوب، لكن ما زال المسيح الذي وجدته ناهد متولي وهي في سن مبكرة، والمسيح الذي نجاها من مواقف كثيرة وعصيبة، والمسيح الذي حوَّل أتون النار إلى ممشى يتمشى فيه مع الفتية الثلاثة، كان ولا يزال بقادر على تغيير الظروف التي حولها والتي دفعتها لتسجيل هذا اللقاء الشيطاني، وهو قادر سبحانه على حل عقد النير وإطلاق المأسورين في الحرية، وعلى رد نفسها وهدايتها إلى سبل البر من أجل اسمه مرة أخرى.
والسؤال المَلح والذي يبحث له الإنسان عامةً والشخص المسيحي المولود ثانية خاصة عن إجابة مقنعة واضحة وصريحة هو: ما الذي يجعل إنسانة اختبرت المسيح منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ومشت معه كل هذا المشوار والرحلة الطويلة، واحتملت في بعض الأوقات، بطريقة او بأخرى، العذاب والإهانة والاضطهاد والحرمان من الأهل والأصدقاء والصراع وغيرها، تعلن عن رجوعها إلى ما كانت فيه قبل معرفتها بالمسيح؟
أقول في البداية إنه مع أنه ليس هناك من عذر مقبول روحيًا أو إنسانيًا أو دينيًا أمام الله يسمح للمؤمن المولود ثانية منه تبارك اسمه أن يتنكر للمسيح بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان بالكلام فقط وليس من القلب، نظرًا لوجود الروح القدس في الإنسان والذي يقدر أن يعين المجربين ويشدد الضعفاء ويقّوم المنحنين، إلا أنه ما أسهل أن نجلس نحن المتفرجين على الأحداث من بعيد على كرسي موسى، كما كان يجلس عليه الكتبة والفريسيون اليهود في القديم ويحكمون على الناس بحرفية الوحي الذي أنزله القدير على عبده موسى، يحكمون دون رحمة أو شفقة واستخدام أحشاء الرأفات، وما أسهل أن نجلس في قصورنا أو بيوتنا أو على كراسينا وأمام تليفزيوناتنا وعلى أسرتنا في درجة حرارة أو برودة نتحكم بها من خلال تكييفاتنا وجناتنا التي تجري من تحتها الأنهار ونصدر أحكامًا عشوائية غبية على مَنْ يذوقون الضرب وسلخ الجلد من اللحم ونزع الأظافر ويُجبرون على شرب البول الآدمي ويُعتدي عليهم جنسيًا حتى لو كانوا رجال، ويقاسون العذاب لأجل المسيح في سجون تديرها وحوش كاسرة ترتدي ملابس آدمية ليس إلا، سجون قد لا يصلح بعضها لتربية الحيوانات غير الأليفة. وما أيسر أن نردد أن الكتاب يقول: “مَنْ ينكرني أمام الناس أنكره أمام أبي الذي في السماوات”، ففي مفهومي لهذه الآية أن إنكار المسيح من شخص ما معناه عدم قبوله تبارك اسمه مخلصًا شخصيًا وملكًا على حياته من الأصل وبالتالي فهو تحصيل حاصل ألا يقبله الآب ولا يدخل ضمن المفديين الداخلين إلى ملكوته الإلهي تبارك اسمه، فالآية لم تقل مَنْ قال إنني لا أعرف المسيح ينكره تبارك اسمه أمام الآب في السماء، وإلا لما دخل بطرس الرسول، ولا محمد حجازي ولا ناهد متولي إلى ملكوت الله مهما حاولوا أن يجدوا إلى ذلك سبيلًا.
أما الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى مثل ما عملته ناهد متولي فهي كثيرة على أي حال، وقد ذكر معظمها الأحباء الأمناء الذين تكلموا عن أمر ناهد متولي في الفضائيات المسيحية، إلا أنني أتعجب أنه لا أحد منهم تكلم عن الحرب الروحية الموجهة ضد ناهد وأمثالها في السماويات، والتي واجهت فيها ناهد وأمثالها روح الغي، وروح الخوف، وروح التدين، وفوق الكل روح ضد المسيح. فلم يذكر ولا واحد من أولئك الأحباء شيئًا عن هذه الأرواح بل أرجعوا الأمر كله إلى مرضها النفسي والعقلي وعزلتها وإقامتها في ظلام سكنها وحيدة لمدة أربع سنوات، وتهديدها بابنها وحرمانها منه وغيرها من الأسباب. لذا فبالرغم من عدم شكي في أن السيدة ناهد متولي قد تكون مريضة نفسيًا أو حتى عقليًا إلا أنني أؤكد، وأنني على يقين تام، أن مرض ناهد هو مرض روحي في المقام الأول، ولذا يحتاج مرضها هذا إلى علاج روحي إلهي وليس علاجًا نفسيًا وعقليًا فقط، وإني لأجزم أن العلاج النفسي والعقلي والإنساني لن يفيد في علاج ناهد متولي إن لم تُعالج روحيًا أولًا. فكما علَّمنا الوحي الإلهي “فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ”. إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللَّهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ.”
أما بعض الأسباب المختلفة التي تؤدي إلى ما عملته ناهد متولي فأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- الفهم الخاطئ لحقيقة المسيحية والتعامل معها من خلال أنها مجرد دين أو طقوس وممارسات وليست علاقة حية يومية مباشرة بين الإنسان وخالقه.
2- عدم الانتباه إلى أن الخلاص من الخطية والانضمام الحقيقي لجسد المسيح الحي الممثل في الكنيسة يكون بالإيمان فقط بالمسيح يسوع تبارك اسمه مخلصًا شخصيًا للإنسان، وهذا أمر لا يتممه إلا المولى تبارك اسمه، أما النمو في السير مع المسيح والنمو في المسيح وفي النعمة بعد قبوله في الحياة فيتوقف على ممارسة أربعة أشياء ضرورية وأساسية ذكرها الكتاب المقدس في سفر الأعمال ولا يمكن النمو في الحياة الروحية المسيحية، لا للمولودين في المسيحية أو المولودين في الإسلام بدونها، وبالتالي لا يمكن احتمال المشقات ومواجهة الصعاب بدونها، وأقول بكل أسف إن هذه الأمور الأربعة الأساسية والضرورية لنمو الإنسان المسيحي العادي هي بعينها التي حُرمت منها ناهد متولي على الأقل خلال الأربع سنين الماضية وفقًا لرواية ابنتها، وليس ناهد فقط هي التي حُرمت منها بل هذه الأربعة أشياء يجد المسلم الذي يدخل إلى جسد المسيح ويولد ثانية صعوبة قصوى في ممارستها وإتباعها والاشتراك فيها بكنيسة محلية، فيصارع المسكين من أجل تحقيقها بنفسه في حياته الشخصية، أو مع مَنْ يتيسر له إقامة علاقات معهم حتى لو كانوا من غير المسيحيين المؤمنين الحقيقيين، وعند استحالة ممارستها يبطئ نموه ويُهزم من الوسواس الخناس اللئيم فيحاول الاعتماد على قوته الذاتية في النمو في الحياة مع المسيح فيفشل ويقنعه الشيطان أن ما عنده من اختبار روحي مع المسيح ما هو إلا سراب ووهم وأنه في النهاية على كل حال من الخاسرين، وهذه الأمور الأساسية التي يحتاجها العابر إلى المسيح ولا غنى عنها ذكرت في الآية الواردة في سفر الأعمال والإصحاح الثاني والعدد 46: “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات، وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة.
كانوا يواظبون، والحديث هنا عن المتنصرين أو العابرين من اليهودية إلى المسيح، وما أشبه اليوم بالبارحة، أولئك كانوا يواظبون على تعليم الرسل، فالرسل في ذلك الوقت كانوا هم مصدر التعليم في الكنيسة وكان المتنصرون يواظبون على تعليم الرسل، بالرغم من صعوبة لقائهم واجتماعهم بعضهم مع بعض وواضح أنهم كانوا يتمتعون بحرية العباد ةأكثر مما لدينا اليوم، فكانوا يواظبون على الذهاب إلى الهيكل وكان من حق الرسل أن ينادوا بتعاليمهم المغايرة والمخالفة والتي هي ضد لتعاليم الكتبة والفريسيين والرياسات الكهنوتية، ولم يكن أحد يتعرض لا للرسل ولا للتلاميذ بأذى، ولم يحدث أن قُبض على أحد المتنصرين اليهود بتهمة تغيير دينه إلى المسيحية ولم يحدث أن سُجن أحد بسبب إيمانه بالمسيح، فالقبض على الرسل “لمدة ساعات فقط” كان بسبب مناداتهم في المسيح بالقيامة الأمر الذي حاول اليهود، أو قل الشيطان، إخفاءه عن اليهود حتى لا يترك اليهود جميعًا عن بكرة أبيهم يهوديتهم ويرتموا في أحضان المسيح. وعندما قُبض على التلاميذ في القديم بواسطة رؤساء الدين، وليس مباحث أمن الدولة، بسبب إيمان الكثير من اليهود بالمسيح نتيجة لبشارتهم بالمسيح وشفاء بطرس ويوحنا لمقعد باب الجميل، والذي كان إنسانًا مشلولًا مقعد من بطن أمه، كان للتلاميذ الحق في أن يعلنوا عن إيمانهم بالمسيح وتحولهم من اليهودية إليه تبارك اسمه في شجاعة وأن يبشروا اليهود حتى في الهيكل وأمام رؤساء الدين والكهنة والشيوخ الذين عندما هددوا بطرس ويوحنا وأمروهم بألا يناديا بهذا الاسم، اسم يسوع، مرة أخرى أجابهم التلميذان كما جاء في المقطع الكتابي: “فأجابهم بطرس ويوحنا (أجابا رؤساء الكهنة) وقالا: “إن كان حقا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله، فاحكموا. لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا”. وبعدما هددوهما أيضًا أطلقوهما، إذ لم يجدوا البتة كيف يعاقبونهما بسبب الشعب، لأن الجميع كانوا يمجدون الله على ما جرى.” وبالرغم من كره رؤساء الدين اليهودي للمسيح نفسه ولأتباعه ودينه إلا أنهم كانوا يخافون من الشعب، ويعملون ألف حساب للشعب، فلم يستطيعوا أن يعملوا سوى أن يهددا التلميذين ويطلقونهما، دون حبس أو ضرب أو إهانة أو استتابة. أما نحن فلقد رجعنا بردود أفعالنا وتصرفاتنا وتعاملنا مع مَنْ يختلف معنا في الدين أو العقيدة أو التوجه إلى ما قبل القرن الأول، أي قبل المسيحية والإسلام. ولا خوف من الشعب المسيحي كله حتى لو كان عدده16 مليون وأكثر، وحتى لو كانوا هم أصحاب الأرض، وأصحاب الدين الذي يدعون لمحبة الأعداء ومباركة اللاعنين، وبالتالي إذا كان رؤساء الدين لا يخافون أصحاب المسيح فكم وكم المتنصرين، فالمتنصرون محرومون حتى من حضور الكنائس ودراسة الكتاب المقدس أو الحصول على أية مواد أو دراسات مسيحية حتى لقراءتها في غرف نومهم وليس في الكنيسة أو الهيكل.
ليس ذلك فقط بل كان من حق المتنصرين والمؤمنين بالمسيح يسوع تبارك اسمه أن يعلنوا عن إيمانهم ويتوجهوا للهيكل ويجتمعوا داخل الهيكل ويتلقوا تعاليم الدين الجديد بكل تفاصيله في وضح النهار وعلى مرأي ومسمع من أعداء الدين الجديد. وواضح أن التعليم الذي كان يتلقاه اليهود علنًا دون إخفاء أو خوف أو تكفير أو اتهام بازدراء الأديان هو أن عهد الناموس والوصايا والفرائض والاغتسال والوضوء والصلوات في زوايا الشوارع والميادين العامة والأصوام والإفطار والحج إلى بيت الله في أورشليم وذبح الأضاحي كلها أمور لم تعد ذات قيمة بعد أن أتمها المولى تبارك اسمه لنفسه في تقديمه شخص المسيح على الصليب مرة واحدة فوجد لنا فداءً أبديًا. ومع كل هذا الاختلاف في الرأي والتعليم المنفرد أو المجتمع لم نسمع أن أحدهم كبيرًا أو صغيرًا كاتبًا أو مفكرًا طالبًا في الإعدادية والثانوية أو شيخًا في أواخر السبعينات من عمره قد قبضت عليه حكومة اليهود بتهمة ازدراء الأديان، أو الإساءة لنبي الله موسى وتعاليمه وكتابه، ولا قُدم أحد للمحاكمة ولا حكم عليه بسنة أو ثلاث سنوات أو خمس سنوات حتى على سبيل قرص الودن كما قيل عن أحد الأحكام القضائية التي أصدرها صاحب المقام الرفيع والمستشار الجليل (والسابقة هي ديباجة رسمية لا بد من ذكرها في حالة النطق باسم أحد قضاتنا في مصر) ضد مجموعة من المراهقين مثلوا مشهد فكاهي مدته 30 ثانية لما كانت تعمله داعش من صلاة وتقتيل للناس في نفس الوقت. اليوم لا يستطيع المسيحي أن يصلي في بيته وبين أهله ليس في بيت الله فحسب دون مراقبة ومتابعة، اليوم أصبح مَنْ يخالفون المسيحيين في الفكر والإيمان هم الذين من حقهم أن يوقفوهم عن الصلاة لإلههم حتى لو لم يكونوا من المسئولين في الدولة، ويكفي أن يُتهم مسيحي يبنى بيت له بأنه يبنى كنيسة فتقوم القيامة ويهد البيت ويُشرد مَنْ يبقى سليمًا أو حيًا فيه ويُنقل ليعيش في مدينة أخرى، اليوم أصبح كل مَنْ يتكلم حتى عن دينه متهمًا بازدراء دين الأغلبية ما دام يخالف ما قاله تعاليم دين الأغلبية، وإذا لم يقتنع كاتب أو كاتبة بمسألة ذبح الأضاحي أو زواج القصر وعبَّر عن رأيه صراحة اتُهم بازدراء الأديان وأجبر على الفرار من مصر كلها، وهكذا يستمر الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء الذي لن ينصفه.
وهكذا ينطبق الأمر على بقية ما يُعرف بوسائط النعمة في المسيحية والمذكورة في نفس المقطع من كسر الخبز والشركة بين المؤمنين وصلوات الجماعة في الكنيسة، فالمتنصر مغترب في بيته، مغترب في عالمه، مغترب وسط أصدقائه، مغترب بين المسيحيين، مغترب حتى في الكنيسة إذا تجرأ وحضر في إحدى الكنائس، مضطهد مراقب يظهر عكس ما يبطن مطارد، أولاده في البيت مسيحيون وفي المدرسة مسلمون، مطارد من قوات الشر الروحية في السماويات. وإذا تجرأ مجموعة من المتنصرين على أن يقيموا اجتماعًا سريًا لهم في بيت أو ما شابه، تابعتهم قوات الأمن بلا هوادة من ناحية وجبن الغالبية العظمى من القادة الدينيين وأصحاب الكراسي المسيحية المصرية من الدفاع عنهم وحمايتهم، وخاف الغالبية العظمى من معلمي الكلمة الحقيقيين من مد يد العون لهم لزوم نموهم وغالبًا ما تولى أمرهم وتعليمهم المبادئ المسيحية متنصر منهم، وغالبًا ما يكون قليل الخبرة والحكمة والدراسة في كلمة الله المعصومة الكتاب المقدس، وللأسباب سابقة الذكر تختلط معهم التعاليم المسيحية بالإسلامية فتنتج تركيبة دينية تعليمية عجيبة لا هي مسيحية خالصة ولا هي إسلامية خالصة كالخلط بين تعليم الإيمان والسير مع المسيح من نعمة وجهاد، إيمان وأعمال، حلال وحرام، حرية في المسيح وعبودية لأركان العالم الماضي، وهذا بدوره يؤثر على نموهم، وعليه فكما قلتُ، فالمتنصر يصارع حتى يبقى على علاقة شخصية بالمسيح وأكثرهم ليستسلمون ويرجعون ويتوهون في عالم غادر أصم وُضِعَ في الشرير، ولولا رحمة الله وحفظه وتشجيعه للمتنصرين لما عرفنا أنهم بموجودين.
3-الأمر الثالث الذي يمكن أن يؤدى لما سجلته ناهد متولي هو الخلط بين الحياة المسيحية الحقيقية والانغماس في نشاطات حتى لو كانت روحية أو مسيحية من زيارة الكنائس وسرد اختباراتهم فيها والانشغال بكتابة وتسجيل دراسات ومعلومات واختبارات، دون تكليف خاص من المولى تبارك اسمه ودون وجود رقيب كقامة روحية عالية تضمن خضوع المتنصر لروح الله في كل ما يعمل أو يقول أو يشارك فيه من قضايا مسيحية، فيُختزل المتنصر إلى اختبار يحكيه في كل الكنائس، وواحدة من وسائل استنزاف المؤمنين الحقيقيين بالمسيح هي أن يُبتلع المتنصر الحقيقي المؤمن الخادم للمسيح في الدفاع عن حقوقه وحقوق إخوته من المتنصرين أو حتى المسيحيين بكل الطرق دون أن يرجع إلى مرجعنا الوحيد في المسيحية وهو روح الله القدوس لأخذ التكليف الخاص بذلك. ومع إنني ضد السلبية على الخط المستقيم وضد عدم التواجد بصورة فعالة في المجتمع الذي نعيش فيه لكنني ضد أن تكون أسلحتنا التي نواجه بها العالم وما فيه ومن فيه أسلحة منطقية جسدية سياسية عنجهية عنترية إلى آخره، فالمؤمن الحقيقي بالمسيح لا يختار لنفسه إن كان سيتحدى الحكومة والبوليس بكتاباته وتسجيلاته ويطلب تغيير القانون الأرضي بالقوة أم لا. نعم، هو مطالب بأن يكون له تواجد في الأحداث والتعبير عن رأيه بصورة واضحة وصريحة لكننا لسنا مدعوون لفعل ما نستحسنه من طبيعتنا البشرية، فهناك من المؤمنين مَنْ كُتب عنهم: “قبلوا سلب أموالهم بفرح، وآخرون عُذبوا ولم يقبلوا النجاة”، لا لجبنهم ولا لتقاعسهم عن الدفاع عن أنفسهم وإخوانهم بل إطاعة لأمر المولى لهم بالذات في مواقف محددة بالذات من قبل روح الله القدوس. ولا بد من الانتباه إلى أننا مطالبون بأن نميز الأرواح التي تواجهنا ونفطن لمدى تأثيرها علينا كمؤمنين سواء مسيحيين أو متنصرين، فإن محاربتنا كمسيحيين حقيقيين ليست مع لحم ودم، حكومة أو بوليس مسلمين أو مسيحيين أو مَنْ يخالفوننا في الدين والعقيدة، بل وفقًا لما جاء بالكتاب المقدس: “مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات.”
4- بالرغم من بئس ما عملته ناهد متولي من تسجيل ونشر هذا الفيديو إلا أنه قدم للعالم كله صورة حية مسجلة بالصوت والصورة، فناهد متولي رسمت الحقيقة في أمور كثيرة من بينها ما يحدث مع مسلم مصري يؤمن بالمسيح من إنكار حقه في كتابة ديانته الجديدة في هويته والحياة باسم لا يعبِّر عن إيمانه وقناعاته إلى ما يحدث مع متنصر يطالب بحقوقه من القبض والتعذيب والإجبار على ترك ديانته التي اختارها والعودة الى ما كان عليه، فالعالم كله سمع بقصة ناهد متولي، والعالم كله سمع وسيسمع لسنين قادمة بأنها سجلت هذا الشريط ورد فعل العالم كله هو الاقتناع التام بانعدام حقوق الإنسان في مصر، فمن سيصدق هذه الرواية الخطيرة؟
5- أما بالنسبة للشعب المسيحي وقادة الكنيسة، فليت هذا الفيديو يكون كناقوس يضرب في عقولهم وقلوبهم ليصحوا من غفلتهم ويعرفوا أن عليهم دورًا كبيرًا للقيام به ليس فقط بالكرازة بالإنجيل للخليقة كلها كما أمرنا السيد له المجد، بل دورهم الأكبر في رعاية والسهر على نمو أمثال ناهد متولي في النعمة حتى تتحمل وتعرف كيف تميز الحرب الروحية التي تبدأ ضد المتنصرة أو المتنصر بمجرد قبوله للمسيح، ويرتفع مستوى إيمانه وإصراره على تبعية المسيح ويهتف: “مَنْ سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ كما هو مكتوب:» إننا من أجلك نمات كل النهار. قد حُسبنا مثل غنم للذبح”. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا.”
أخيرًا أقول: قد يسمح القدير أن ينكره بطرس، ويضطهد بولس أتباعه ويضطرهم للتجديف، وتعلن ناهد متولي عن رجوعها للإسلام، وقد يسمح للشيطان بأن يعمل حربًا مع القديسين ويغلبهم كما ورد في سفر الرؤيا، لكن المسيح لن يُهزم أبدًا، والمولود من الله لا يهلك وجلاله قادر أن يُخرِج من الآكل أكلًا ومن الجافي حلاوة، ويحول الأتون إلى ممشى، وجب الأسود إلى اختبار عن قدرته جل شأنه، وهو مَنْ ائتمن بطرس المتنكر له أمام العبيد والجواري وطلب منه أنه متى رجع إلى إخوته يكون هو الشخص الذي يقوم بتثبيتهم على الإيمان، فقد يستخدم المولى تبارك اسمه المواقف المخجلة والمحزنة التي نعملها أو نمر بها لتكون سببًا في نمونا وأداة للشهادة للآخرين وتحذيرهم وتبصيرهم وإرشادهم وتثبيتهم على الحق المُسَلَّم لنا من الله. لذا فكلمتي الأخيرة لناهد متولي: “وأنتِ متى رجعتِ فثبتي إخوتك.”
اهم شي في المقال انه لاتوجد ديانة مسيحية