تسطر ريشة الوحي المقدس عن الملك هوشع بنُ أيلَةَ آخر ملوك إسرائيل في (2مل17: 1-6) أنه “ملك في السامرة على إسرائيل تسع سنين. وعمل الشر في عيني الرب، ولكن ليس كملوك إسرائيل الذين كانوا قبله. وصعد عليه شلمنأسر ملك أشور، فصار له هوشع عبدا ودفع له جزية. ووجد ملك أشور في هوشع خيانة، لأنه أرسل رسلاً إلى سوا ملك مصر، ولم يؤد جزية إلى ملك أشور حسب كل سنة، فقبض عليه ملك أشور وأوثقه في السجن. وصعد ملك أشور على كل الأرض، وصعد إلى السامرة وحاصرها ثلاث سنين. في السنة التاسعة لهوشع أخذ ملك أشور السامرة، وسبى إسرائيل إلى أشور.”
وأيضًا في (2مل18: 9-12) مكتوب أنه “في السنة الرابعة للملك حزقيا، وهي السنة السابعة لهوشع بن أيلة ملك إسرائيل، صعد شلمنأسر ملك أشور على السامرة وحاصرها. وأخذوها في نهاية ثلاث سنين. أخذت السامرة. وسبى ملك أشور إسرائيل إلى أشور، ووضعهم في حلح وخابور نهر جوزان وفي مدن مادي، لأنهم لم يسمعوا لصوت الرب إلههم، بل تجاوزوا عهده وكل ما أمر به موسى عبد الرب، فلم يسمعوا ولم يعملوا.”
بدأ مُلك الملك هوشع في السنة الثانية عشر للملك آحاز في يهوذا، عام أي 723 ق.م.، ودام مُلكه تسع سنوات. ولنا من سيرته ومسيرته العديد من الدروس الروحية المستفادة التي أذكر منها الآتي:
أولًا: لا توجد خطية كبيرة وخطية صغيرة
البعض يصنِّف الخطايا فيقول: هناك خطايا صغيرة وهناك خطايا كبيرة، وهذا يرجع إلى معايير وموازين اجتماعية معينة، ولكن في الفكر الكتابي لا توجد خطية صغيرة وأخرى كبيرة، فمَنْ يسرق مبلغًا كبيرًا من المال مثله مثل من يسرق مبلغًا صغيرًا، ومن يقتل شخصًا بسلاح كمن يقتل إنسانًا بلسانه عن طريق تشويه سمعته والنميمة عليه واغتياله باغتيابه وإشاعة المذمة ضده. وعندما يسطر الوحي: “وعمل الشر في عيني الرب، ولكن ليس كملوك إسرائيل الذين كانوا قبله” (2مل17: 2) فإن هذه العبارة الوصفية لا تعني أنه كان إنسانًا صاحب مبادئ سامية. إنها تعني ببساطة أنه لم يعطِ موافقة رسمية على عبادة الأوثان أو يبرزها كما فعل الـثمانية عشر ملكًا الذين سبقوه، وذلك لأن تغلَثَ فلاسِر حمل العجل الذهبي من دان وشلمناصر حمل العجل الآخر من بئر سبع، فلم تعد لهذه العبادة الوثنية الجاذبية التي كانت لها قبل ذلك.
كانت هذه هي النهاية المخزية لهذه السلسلة من الملوك، فعلى مدار قرنين وربع لم يتفق ملك واحد من ملوك إسرائيل منهم مع المشيئة الإلهية، أو يدرك أن الصالح الحقيقي للدولة وكرامتها أساسه العبادة المخلصة لله وحده لا سواه، وحفظ وطاعة وصاياه.
ثانيًا: الجماعة تتحمل نتائج خطايا الفرد
مكتوب في (2مل17: 20-23): “فرذل الرب كل نسل إسرائيل، وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من أمامه، لأنه شق إسرائيل عن بيت داود، فملكوا يربعام بن نباط، فأبعد يربعام إسرائيل من وراء الرب وجعلهم يخطئون خطية عظيمة. وسلك بنو إسرائيل في جميع خطايا يربعام التي عمل. لم يحيدوا عنها، حتى نحى الرب إسرائيل من أمامه كما تكلم عن يد جميع عبيده الأنبياء، فسبي إسرائيل من أرضه إلى أشور إلى هذا اليوم.”
كانت عبادة الأوثان هي السمة المميزة لعهود ملوك إسرائيل من أول إلى آخر ملك، والعبارة التي تتردد كثيرًا، “وسار في جميع طريق يربعام بن نباط”، تثبت كيف أن أول ملك لإسرائيل صبغ المملكة بصبغة ظلت تمثل طابعًا لها طوال تاريخها كله.
والجدير بالذكر أن مملكة إسرائيل (الأسباط العشرة) دامت 250 سنة بقيادة 19 ملكًا، وانتهت بتدمير عاصمتها السامرة على يد الأشوريين حوالي عام 722 ق.م… هذا وقد بُذلت خلال هذه الفترة محاولات لإبعاد الشعب عن عبادة الأوثان، ومع ذلك لم تكن التوبة صادقة بالدرجة الكافية، فعلى الرغم من خدمة إشعياء وإرميا إلا أن المملكة لقيت مصرعها المحتوم… شهد النبي صموئيل انتهاء عصر الحكومة الإلهية وقدوم المَلَكية، وشهد إرميا نهاية الملكية وقدوم عصر التبعية.
هذه هي النتيجة الطبيعية للخطية… فمَنْ يكسر وصايا الرب ينكسر، فمكتوب: “ورفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم وشهاداته التي شهد بها عليهم، وساروا وراء الباطل، وصاروا باطلًا وراء الأمم الذين حولهم، الذين أمرهم الرب أن لا يعملوا مثلهم. وتركوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين، وعملوا سواري، وسجدوا لجميع جند السماء، وعبدوا البعل. وعبروا بنيهم وبناتهم في النار، وعرفوا عرافة وتفاءلوا، وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عيني الرب لإغاظته. فغضب الرب جدًا على إسرائيل ونحاهم من أمامه، ولم يبق إلا سبط يهوذا وحده” (2مل17: 15-18).
لعل هذا يعلِّمنا أن القائد إما أن يكون نعمة أو نقمة… بركة أو لعنة… إما أن يكون بصمة فخار أو أن يكون وصمة عار على الجماعة التي يقودها… لذلك علينا أن ندقق في اختيار قياداتنا… ليقودوا سفينة حياتنا إلى بر الأمان بسلام.
ثالثًا: عار الشعوب الخطية
هذه حقيقة راسخة كالجبال، وقاعدة بلا استثناء، فلقد قيل عن الملك هوشع آخر ملوك إسرائيل إنه ل الشر في عيني الرب” (2مل17: 2) فكانت النتيجة ما سجَّله الوحي: “وصعد عليه شلمنأسر ملك أشور، فصار له هوشع عبدًا ودفع له جزية.” ويسجل الوحي أن شعب إسرائيل قد أخطأ، فمكتوب في (2مل17: 7-9، 16، 18): “وكان أن بني إسرائيل أخطأوا إلى الرب إلههم الذي أصعدهم من أرض مصر من تحت يد فرعون ملك مصر، واتقوا آلهة أخرى، وسلكوا حسب فرائض الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل وملوك إسرائيل الذين أقاموهم. وعمل بنو إسرائيل سرًا ضد الرب إلههم أمورا ليست بمستقيمة، وبنوا لأنفسهم مرتفعات في جميع مدنهم،… وتركوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين، وعملوا سواري، وسجدوا لجميع جند السماء، وعبدوا البعل… فغضب الرب جدًا على إسرائيل ونحاهم من أمامه، ولم يبق إلا سبط يهوذا وحده.”
ولما لم يؤدِ الملك هوشع ملك إسرائيل الجزية إلى ملك أشور تم القبض عليه وأدخله شَلمَنأسَر السجن، وصعد شَلمَنأسَر إلى السامرة وحاصرها ثلاث سنوات وتم سبي إسرائيل إلى آشور.
نعم! كل مَنْ يعمل الخطية هو عبد للخطية…
وأسفاه. لم يتعلم الملك هوشع من أخطاء الملوك الذين سبقوه في إسرائيل ولم يأخذ عبرة منهم، ولذا فقدت مملكة إسرائيل السمة المميزة للأمة عن طريق السبي. وعلى الرغم أن الأرض لم تخل تمامًا من سكانها اليهود إلا أن الباقين فقدوا هويتهم وطابعهم المميز بتأثير جيرانهم الوثنيين المحيطين بهم… وعندما عاد بقية يهوذا والأسباط العشرة من السبي بقيادة زربابل وعزرا ونحميا، أصبح الشعب بلا ملك منذ نهاية عصر ملوك اليهود (هو3: 4).
رابعًا: مَلعون مَنْ يتكل على ذراع البشر
على الرغم أن ملوك الفترة الأخيرة من مملكتي الشمال والجنوب (إسرائيل ويهوذا) كانوا يهودًا إلا أنهم كانوا يحتفظون بشعوبهم وعروشهم وتيجانهم وبلادهم معتمدين على إرادة قوتين أجنبيتين وهما مصر وبابل، وملوكهما شَلمَنأسَر وسنحاريب ومردوخ وآسر وفرعون ونبوخذ نصر،
ومع ذلك سقطت المملكة. ولعل هذا يفسر القول الكتابي: ” ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان، ويجعل البشر ذراعه” (إر 17: 5).
أما لو كانت إسرائيل اتكلت على ذراع الرب ففي يقيني كان سيصبح من المستحيل أن تسقط. كيف لا ومكتوب: “المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون، الذي لا يتزعزع” (مز125: 1)؟ والتاريخ خير شاهد على ذلك، فالمرنم يشدو: “عليك اتكل آباؤنا. اتكلوا فنجيتهم. إليك صرخوا فنجوا. عليك اتكلوا فلم يخزوا … اتكل على الرب فلينجه، لينقذه لأنه سر به” (مز22: 4، 5، 8). وفي المقابل نرى ما جاء في (إش42: 17): “يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات، القائلون للمسبوكات: أنتن آلهتنا!”
وما يقال على الممالك والحكومات ينطبق على الأفراد، فمكتوب في (مز31: 14، 19): “أما أنا فعليك توكلت يا رب. قلت: إلهي أنت… ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك، وفعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر!”
“طوبى لجميع المتكلين عليه” (مز2: 12). أما مَنْ يتكل على غناه أو صحته أو مركزه فكل هذا إلى زوال وليس فيه أمان على الإطلاق.