ما أجملها وما أعظمها مصر فيما رواه عنها كتاب الكتب، الكتاب المقدس بعهديه، قبل نزول شعب إسرائيل إليها مع نبي الله يعقوب ليلتقي على أرضها بابنه يوسف من بعد سنين عديدة عاش بها يعقوب مصدقًا كذب أبنائه عليه، إذ قالوا له إن وحشًا رديًا افترسه، ليخفوا جريمتهم بنزع القميص الملون الذي كان يخص يعقوب به يوسف دون إخوته، نزعوه عنه، وألقوه في البئر، ثم باعوه لقافلة الإسماعيليين النازلة إلى مصر بالرغم من بكاء يوسف وتوسلاته وإسترحامه لإخوته لكي لا يقتلوه أو يبيعوه إلى القافلة التي باعته بدورها لفوطيفار رئيس شرط مصر، والذي بارك الرب كل ما كان له بسبب وجود يوسف في حياته وبيته، حتى اتهمته امرأة فوطيفار زورًا وبهتانًا بتهمتها الشريرة والتي تسببت في دخوله السجن الذي خرج منه يوسف ليكون الرجل الثاني في مصر بعد الفرعون الرئيس.
كانت مصر منذ خلقها ووجودها على الأرض بلد الأمن والأمان والملاذ لكل المضطهدين والمحتاجين، والشبع والخيرات الكثيرة، لذا نزل إليها نبي الله إبراهيم وخرج منها بغنائم ومواشي وفضة وعبيد وإماء، ونزلها يعقوب وذريته نفرًا قليلًا لا يتعدى السبعين شخص وخرجوا منها ثلاثة ملايين كما يذكر التاريخ. وعندما أراد الله أن يخبئ المسيح في أرض بعيدة عن عيني هيرودس القاتل الشرير أرسله وأمه مريم إلى مصر التي قال الوحي الإلهي في وصفها: “كجنة الرب، كأرض مصر”. ولم تبدأ مصر في الانحدار من مرتفع مكانتها والخراب في كل نواحيها إلا بعد أن طلب المصريون بيع أرضهم وأنفسهم وأولادهم عبيدًا لفرعون من دون الله، ليحصلوا على ما يملأ بطونهم، وبعد أن سالت دماء أطفال شعب الله في نيل مصر بأوامر الفرعون ليتحول النيل هبة المولى للحياة في مصر إلى وسيلة قتل وإبادة جماعية لأطفال شعبه، وبعد أن سخرهم الفرعون لبناء الأهرامات ومخازن مدينتي رعمسيس وفيثوم، واحتال لهم وسلط عليهم مسخريهم فأذلوهم ومرروا حياتهم في الطين واللبن، فجلب الفرعون على نفسه وأرضه وشعبه لعنة الحاكم العادل الديان المتسلط في مملكة الناس سبحانه القادر على كل شيء، فمزج في وسطها المولى روح الغي فأضل وجوه أسباطها. لكن مهما كانت معاناتها وحالتها ومستقبلها فمصر هي أرض طفولتي وذكرياتي وحبي ومحبتي لها ولأهلها، مسلمين ومسيحيين. هي وطني الذي قال عنه الشاعر: “وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي”، والذي استمتعتُ برؤية ناسه الطيبين، ونيله العظيم، وشوارعه المزدحمة، وكنائسه وقسوسه وشبابه المؤمنين، منذ أقل من ثلاثة أسابيع مضت قبل كتابة هذا المقال. ولستُ أدري لماذا عندما شاهدتُ أحوال الناس ومعاناتهم اليومية في زيارتي الأخيرة لها واستمعتُ إلى كلامهم وشكواهم من غلاء المعيشة وقلة الدخل الشهري، ورأيتُ احتياجاتهم المادية والنفسية والروحية تذكرتُ ما قاله المولى تبارك اسمه إلى عبده وكليمه ونبيه موسى في سفر الخروج بالتوراة، وما نصه: “إنِّي قَدْ رَأيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إنِّي عَلِمْتُ أوْجَاعَهُمْ فَنَزَلْتُ لِأنْقِذَهُمْ مِنْ أيْدِي الْمِصْرِيِّينَ وَأصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأرْضِِ إلَى أرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ إلَى أرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا إلى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ أتَى إلَيَّ وَرَأيْتُ أيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ فَالآنَ هَلُمَّ فَأرْسِلُكَ إلَى فِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ.”
وعندها امتلأت رأسي بأسئلة لا إجابة لمعظمها عندي وعند الغالبية العظمى من البشر، حيث إنني لا أعرف بلدًا أو شعبًا آخر في كل الأرض عانى ما عاناه المصريون حتى اليوم، وحُكم بهذا الكم الهائل من الأغراب عن شعبها من الفراعنة والأباطرة والقياصرة والخلفاء والملوك والموالي والملالي والباشاوات من مماليك وفاطميين وعباسيين وأتراك، ولم أسمع عن شعب آخر كان المستعمرون المحتلون يقطعون لسان أفراده إن تكلموا بلغاتهم الأصلية، كالقبطية المصرية، إلا الشعب المصري.
لم أدرِ لمن أذهب وأسأل ما في عقلي وقلبي من أسئلة، فمصر هي حبي الأول، ولستُ بقادر على الحياة بها والاستمتاع بحبها وخدمة أهلها، ولا على تركها وإهمالها والانفصال عنها ونسيانها، ولستُ أدري، وأنا في هذه الحالة من البحث عن الأسباب والمسببات لما فيه مصر اليوم، لماذا تذكرتُ قصيدة الشاعر السوري نزار قباني، “قارئة الفنجان”، والتي تختلف في كثير من كلماتها وجملها عما غناه منها عبد الحليم حافظ قديمًا، وتخيلتُ أنني عاشق مصر الولهان الذي فكر أن يذهب لقارئة الفنجان ليسألها عن مصر وعن أحوالها وأين يمكنه أن يجد مصر التي وُلِدَ فيها وقضى طفولته وشبابه بها، حيث إنه من الواضح أن مصر الحالية تختلف تمام الاختلاف عن تلك التي وُلِدَ وتربى فيها، مصر التي كنا نلعب فيها كأطفال، مسيحيين ومسلمين، دون أن يسأل أو حتى يعرف الصغير فينا إن كان صديقه ورفيقه مسلمًا أم مسيحيًا فهذه المفردات لم تكن في قاموسنا الطفولي، مصر الخالة أم إبراهيم المسلمة التي كنتُ أذهب إلى بيتها فتستضيفني وتطعمني ونستمتع معًا أنا وأولادها بمشاهدة التليفزيون الذي في بيتهم، وهكذا كانت أمي تعامل صديقي إبراهيم المسلم في بيتنا. ذهبتُ بفكري وفي مخيلتي إلى قارئة الفنجان لأسألها كيف أستطيع أن أساعد مصر في غربتها وبُعدها عني، وكيف يمكنني الوصول إليها والتعبير لها عن حبي، بالرغم من كل ما عانيته فيها ولأجلها، عانيته من قادة أديانها، ومباحث أمنها، ورفاق دروبها من المسلمين والمسيحيين وخاصةً القادة المسيحيين المؤمنين الحقيقيين فيها، لكنني قلتُ لنفسي: “تريث، أنت لست في حاجة إلى قارئة فنجان لتخبرك بما تبحث عنه في قلبك، لأن ما لم يذكره الكتاب المقدس من أمور تخصك وتخص حبيبتك مصر لا حاجة لك أن تبحث عنه في أي مكان آخر، وبالذات عند قارئة الفنجان، فقارئة الفنجان هذه تمارس عملها وهوايتها الشيطانية بروح العرافة والسحر، تلك الروح الشريرة التي نهى المولى تبارك اسمه شعبه إسرائيل في القديم عن التعامل معها، بل وأمر بضرورة بغضها وقتل وسطائها من البشر ومَنْ تسكنهم لكي لا تستطيع هذه الروح الشريرة أن تتواصل مع الناس المحيطين بمن تسكنه روح العرافة، والذين يتواصلون مع تلك الروح لمعرفة ما خفي عنهم”، فلقد أوصى المولى في القديم شعبه قائلًا: “لَا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ ٱبْنَهُ أَوِ ٱبْنَتَهُ فِي ٱلنَّارِ، وَلَا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً، وَلَا عَائِفٌ وَلَا مُتَفَائِلٌ وَلَا سَاحِرٌ، وَلَا مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلَا مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً، وَلَا مَنْ يَسْتَشِيرُ ٱلْمَوْتَى. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ ٱلرَّبِّ”. وفي كل الأحوال، روح العرافة مع أنها تستطيع أن تخمن وتتوقع ما سيحدث مع الإنسان في المستقبل لكنها لا تعرف الغيب أو المستقبل، فواحد هو سبحانه علام الغيوب، وهو وحده كاشف الأسرار والقادر وحده على أن يكشف ما في الصدور والقلوب. وفي كل الأحوال، روح العرافة يمكنها أن تخبر الناس ببعض ما خفي عنهم في حياتهم لكنها لا تعطي الإنسان حلولًا صحيحة مخلصة لحل مشاكله، فهي تكره الإنسان بطبيعتها التي لا تعرف المحبة، لكنها تشعل عقل الإنسان وعواطفه فقط بمشاكله واحتياجاته ونواقصه، ودائمًا ما تصور للإنسان أن أمامه طريقًا مسدودًا مسدودًا مسدودًا، وقد تقترح هذه الروح الشريرة على الإنسان حلولًا شيطانية أرضية غير روحية للمشاكل اليومية والعائلية أو حتى الدولية، وكلها تكون مبنية على كراهيتها للإنسان، لا لإصلاح حاله وحالته. لذا قلتُ لنفسي: “لا بد من التوقف الفوري عن التفكير أو التعامل مع روح العرافة أو حتى التفكير في التواصل معها، بل لا بد من طردها من قارئة الفنجان إن أذن لك المولى بالتواصل معها، كما فعل بولس، رسول المسيح تبارك اسمه، مع الجارية التي كانت في القديم تكسب مواليها مكسبًا كبيرًا بعرافتها، ولا بد أن تواجه أنت روح العرافة بالروح القدس الذي يعطي المعرفة والفهم الحقيقي غير الكاذب لمن يبحث عن حل مشاكله من الناس، أو من الطوائف المسيحية ورؤسائها، والبلاد ورؤسائها، إن أرادوا وطلبوا منه تبارك اسمه علاجًا لكل إمراضهم ونواقصهم ومشاكلهم، علاجًا سماويًا، روحيًا، صحيحًا جذريًا، وحلولًا لما يعترضهم في حياتهم وعملهم، حلولًا مبنية على الكلمة النبوية التي هي أثبت والواردة فقط في الكتاب المقدس، الإنجيل والتوراة، كتاب المولى الوحيد المنزَّل والمعصوم بأمره تعالى.
قلتُ لنفسي: “لا تخف من أن تتذكر قصيدة قارئة الفنجان، فهي مجرد قصيدة، كلمات مكتوبة بحبر على ورق، عمل فني شعري، فأنت لن تلجأ فعليًا لقارئة فنجان لتخبرك بشيء عن مصر، وخاصةً لأن ما يحدث في مصر الآن لا يحتاج روح عرافة ولا إلى فنجان مقلوب ولا حتى معدول، ولا لقارئة فنجان نجمّت أو فسرّت كثيرًا أو قليلًا من الفناجين، فمعرفة القضايا الدولية ومشاكل الناس المجتمعية والروحية والحلول المدروسة الحكيمة لها لا تحدث بقراءة الفنجان بل بالدراسة والتحليل والمعلومات الدقيقة والخبراء الدارسين كل في تخصصه، والمواجهة والتخطيط النابع من عقول ملأها القدير بحكمة وعمل روح الله القدير، فهو الوحيد الذي يعلم الغيب وحده، وله في الموت مخارج، ويقول للشيء: “كن فيكون”، ويحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.” وعندها قررتُ أن أجري حديث داخلي في مخيلتي، بيني وبين قارئة الفنجان لأرى ما يمكن أن تقوله لي حتى أستطيع أن أقارنه بما يحدث في أرض الواقع في مصر وما رأيته بأم عيني في زيارتي الأخيرة لها. تخيلت أنني ذهبتُ لرؤية قارئة الفنجان وجلستُ أمامها وسألتها” “أين حبيبتي مصر؟ ما الذي يحدث بها؟ كيف يمكن الوصول إليها والتحدث معها؟ هل يمكن أن تخبريني إن كانت هي أيضًا تحبني أم أنه حب من طرف واحد، من ناحيتي أنا فقط متجهًا إليها؟ هل تفكر فيَّ كحبيبها أم أنها لا تعرف عنيّ شيىًا وقد نستني بعد أن دفعتني بعيدًا عنها لأتركها وأذهب وحيدًا بعيدًا بعيدًا عنها في بلاد الله الواسعة، قالت لي قارئة الفنجان: “لا بد أن تشرب القهوة أولًا، وبعدها اقلب فنجانك، ثم أقرأ لك أنا ما فيه.” ابتسمتُ وتساءلتُ بداخلي: “لماذا يصر قارئو الفنجان على استخدام القهوة السوداء اللون بالذات، الثقيلة القوام بالنسبة لغيرها من المشروبات؟ ولماذا تحدث القراءة بعد أن يكون المرء قد شرب القهوة للنهاية؟ فهل ترسم طريقة سحب القهوة من الفنجان وملامسة شفاه الشارب لجدران وحافة الفنجان واختلاط لعابه بالقهوة السوداء وكأنه اتحد كجسد ونفس وروح بالفنجان هل ترسم حبات القهوة طريق ومستقبل الإنسان في الفنجان، وبالتالي فهي توضح مستقبله وما سيصل إليه؟ وهل تعطي كل هذه الأمور مصداقية لما يمكن أن تقوله قارئة الفنجان؟” ضحكتُ في نفسي وعليها وعلى طريقة تفكيري في أمر قارئة الفنجان وذكَّرتُ نفسي مرارًا كثيرة بأنني أتخيل ما هو ليس بحقيقي في عالم الواقع، وأنني أكره روح العرافة ولا أوافق لأي إنسان مهما كان أن يتعامل معها. أنهيتُ شرب القهوة، ولم تشأ القارئة أن تلمس الفنجان بعد أن شربتُ أنا كل ما فيه من قهوة. قالت لي: “رُج الفنجان ثلاثة مرات، واقلبه على فوهته في طبق الفنجان.” فعلتُ كما قالت لي، ثم قالت: “ضع الفنجان على الطاولة”، فوضعته، وأخذته بيدها، فعلمتُ أنها لا تريد أن تلمس طبق الفنجان بينما أنا ألمسه بيدي، وكأن شيئًا خفيًا أو شحنات روحية أو نفسية يمكن أن تخلط بين ما سيحدث لي وما سيظهر في فنجاني وبين ما يحدث معها هي أيضًا إن كنا سنلمس كلانا الفنجان في نفس الوقت. مرة أخرى ابتسمتُ وقلتُ لنفسي: “كفاك تخيلات.” وبعد ثلاثة دقائق من التطلع لفنجاني المقلوب، مدت القارئة يدها وأمسكت بالفنجان المقلوب ونظرت فيه و:
جلست والخوف بعينيها،
تتأمل فنجاني المقلوب،
قالت: يا ولدي لا تحزن
فالحب عليك هو المكتوب
كانت قارئة الفنجان تنظر لوجهي بعينين خائفتين مضطربتين ثم تدفن عينيها في الفنجان مرة أخرى لترفعهما مرة ثانية وتنظر إليَّ والخوف بعينيها، تساءلت في نفسي: “لماذا هذا الخوف الذي بعينيها؟ هل رأت بعينيها في الفنجان أن شيئًا سيئًا أو مخيفًا سيحدث لي أو لحبيبتي مصر؟” فأنا لم أخض هذه التجربة من قبل، بل بالحري أنا أكره حتى أن أتخيل أنني أخوض هذه التجربة الشريرة لأعرف ما سيحدث معي، لكن أخوضها الآن في مخيلتي، لأعرف ما هو حادث وسيحدث لحبيبتي مصر. هل ستحدث بها ولها حرب أو صراع أو شر مخيف مما دفع هذه المرأة للخوف ويجعل الخوف ظاهرًا بعينيها بهذه الطريقة المخيفة، هل ستتنبأ قارئة الفنجان بمزيد من المشاكل في مصر؟ كدتُ أسألها: لماذا هذا الخوف الذي بعينيك ولماذا طلبت مني هذه المرأة أن اقلب الفنجان؟ ألا يمكن أن تقرأه وهو معدول؟ فهل هناك خير يمكن أن يأتي من قراءة فنجان مقلوب؟ هل يمكن أن يتوقع المرء أن يسمع أي شيء معدول من فنجان مقلوب؟”
كنتُ أحاول أن أفهم وأطبق كل ما أسمعه من قارئة الفنجان وما أفكر فيه وما يهمني ويشغل بالي في المقام الأول هو حبيبتي مصر. قلتُ لنفسي: “هذا أمر طبيعي في مصر وفي هذه الأيام بالذات، فمن في مصر كلها لا يخاف من الحاضر أو المستقبل أو من شيء يتوقع أنه سيأتي عليه فجأة فيقلب حياته رأس على عقب؟” تذكرتُ أيضًا أن الكثير من الأشياء التي في مصر تسير بالمقلوب، فنحن المصريون نعيش في مصر بالرغم من كبر حجم أرضها، نعيش على جزء بسيط منها وكأننا محبوسون في فنجان مقلوب، فلا اتصال للمواطن المصري بالخارج ولا بقياداته على اختلاف أنواعها في الداخل. الأبراج السكنية عالية والشوارع ضيقة حجبت الشمس عن مدنها، الأرصفة في الشوارع أصبحت مقرًا لركن العربات والناس تمشي في وسط الشارع، تذكرتُ هذا عندما حاولتُ أن أصل إلى بيتنا الذي عشتُ فيه أكثر من 10 سنين بحي شبرا، مدفوعًا بحنيني إليه وإلى ذكريات شبابي، بعد غياب أكثر من 15 سنة عنه فلم أستطع لذلك سبيلًا ولم أتعرف عليه إلا عندما وصلتُ مع الأصدقاء إلى كنيسة المسيح بشبرا، كنيستي التي أعتز بالانتماء إليها حتى الآن وإلى أن ألقى ربي في الآخرة، فعرفتُ عمارة سكني القديم حيث كانت، ولا زالت بالطبع، هي الملاصقة لكنيسة المسيح. الناس تشتكي من العوز والاحتياج المادي والمولات مكتظة بالمشترين، كل شيء مقلوب في الشارع المصري.
نظرت إلى قارئة الفنجان وقلتُ: “أكملي حديثك لي”، قالت:
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب…
ستُحِبُّ كثيرًا يا ولدي…
وتموتُ كثيرًا يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض…
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
قلتُ لنفسي: “هذا صحيح، ففنجاني، وبالتالي فنجان مصر ودنياها، أصبحت مرعبة كما هو الحال مع الكثير من دول العالم، حروب أهلية ودولية، زلازل وهزات أرضية، أوبئة وأمراض جسدية، فيضانات وأمطار صيفية وشتوية، حوادث ومصائب بشرية، احتياجات لأساسيات مخفية، اتهامات وإعلانات همجية، مشاجرات ومشاحنات سياسية لا أخلاقية على صفحات الجرائد والمجلات اليومية، وفي برامج الراديو والتليفزيونات الخاصة والحكومية، تشويش عالٍ جدًا في الأذهان وفي الأجواء الروحية، بالرغم من تدين هذا الشعب المسكين وتمسكه وافتخار كل من أفراده بدينه وعقيدته، حيث قالت الاستفتاءات العامة إن أكثر شعب متدين في الأرض هو الشعب المصري، ولذا أصبح من المستحيل أن تركب أتوبيس أو تاكسي يقوده سائق مسلم دون أن تسمع القرآن يكاد يسد أذانك لأنك تجلس في الكرسي الخلفي بجوار السماعات لراديو التاكسي، أو الأغاني من المسيحيين. ولو كنت مسيحيًا وتتحدث مع صديق لك يستقل معك نفس التاكسي وطلبت من السائق أن يخفض صوت القرآن المنبعث من الراديو حتى تتمكن من سماع ما يقوله لك الجالس بجانبك اعتبر السائق المسلم هذا الطلب وكأنك تهينه ولا تحترم دينه، وبالتالي لا يمد يده ليخفض صوت الأذان أو القرآن أو البرنامج الديني الإسلامي الذي يستمع إليه، هذا إن كان السائق مؤدباً ولم يطلب منك النزول من التاكسي، وأكمل السائق مشواره معك لتوصيلك حيثما تريد. وهكذا الحال أيضًا ليس في العالم الخارجي فقط بل في الكنيسة في داخلها أيضًا وعلى منابرها وداخل هياكلها ودور عبادتها، الكنيسة التي يحتاج المجتمع المحيط بها إلى صفاء ذهنها، وحكمة قراراتها، وصبر عملها، وقيادة الروح القدس لها.
نعم، في مصر دنيا مرعبة: دولار يقفز كالمجنون، ويسخر من الكل، من المستثمرين والمستوردين والمستهلكين والاقتصاديين في كل الحكومات وخاصة في مصر، ويضرب بهم جميعًا وبآرائهم ومحاولاتهم للتحكم في سعره عرض الحائط؛ ويستهزئ بهم جميعهم ويضحك عليهم جميعًا وعلى طريقة تعاملهم معه، فمرة يعوموه ومرة يثبتوه، مرة يتعامون عن ما يحدث للدولار في السوق السوداء، ومرة يهددون تجار العملة خارج البنوك ويتوعدونهم بالقبض عليهم إن هم تاجروا في سعر الدولار، والكبار هم الذين يشترونه ويعيدون بيعه للأصغر منهم بسعر مبالغ فيه، الذهب العملة الرسمية المثبتة السعر عالميًا ترتفع وتنزل في مصر وحدها بطريقة مجنونة لا يعرف أسرارها إلا المولى سبحانه وتعالى، والمستثمرين ومشتري وصانعي الذهب، سلع أساسية يجن جنون أثمانها، فالناس في مصر لا حديث لهم سوى عن غلاء المعيشة، وثمن الفول والطعمية وكيلو العدس والبصل والبطاطس، هذا كل ما يشغلهم وينغص عليهم عيشهم، وخاصةً بعد أن امتنع وأحجم الناس وأوقفوا الحديث عن أسعار اللحم والسمك والدجاج، فقد نسوا شكلها وطعمها منذ زمن بعيد، ولم تعد هذه هي السلع الغذائية الأساسية التي يتوسلون إليها لتزورهم ويتطلعون إلى زيارتها لهم في بيوتهم ولو مرة واحدة كل شهر أو حتى سنة. فهذه المأكولات قد نسوها ونسوا طعمها بسبب طول الزمان الذي باعد بينهم وبين المرة الأخيرة التي استضافوا فيها هذه السلع الغذائية في بيوتهم. وعند سؤالهم يجيب المسئولون على أسئلة الناس بأن الدولار المجنون هو السبب في ارتفاع أسعار كل شيء في مصر، هو الذي تركنا وذهب وتطوع كجندي ليحارب في حرب روسيا وأوكرانيا، وبعدها ذهب إلى السودان للحرب مع الإخوة السودانيين، وأخيرًا تطوع لنصرة أصدقائنا في غزة ضد أعدائنا اليهود الصهاينة، يلومون الدولار المجنون الذي يصعد سعره فتصعد معه كل أسعار السلع والمنتجات في مصر، وكأن سعر الدولار وارتفاع الأسعار صديقان ورفيقان لا يفترقان، ويؤثر كل منهما في حياة الآخر اليومية والدولية. ينخفض سعر الدولار فتسخر منه الأسعار وتعايره وكأنه ارتكب فعلًا فاضحًا بسماحه بنزول سعره في السوق فتظل أسعار السلع مرتفعة وكأنها لا ولم تعرف من هو الدولار من قبل. أسعار السيارات في كل العالم تنخفض بمرور الزمن إلا في مصر، فأسعار السيارات كلما مر عليها الزمن زادت، حكومة تذهب وحكومة تجئ، وتظل الأسعار والدولار متعانقين متحالفين ضد المواطن المصري المسكين الذي لا يعرف يمينه من شماله والذي بعضه لم يسمع كلمة دولار من قبل ولا يعرف ما هو أو مَنْ هو هذا المدعو دولار ومدى تأثيره في حياتهم، ولا يعرفون لماذا يصر هذا الدولار على أن يجعل حياتهم في مصر مرعبة، وصدق مَنْ قال لو كان الدولار رجلًا لقتلته.
قلتُ لنفسي: “ما تقوله قارئة الفنجان صحيح. نعم، حياتي أسفار وحروب، فقد سافرتُ ربما إلى ربع أقطار الأرض في خمس قارات، وواجهتُ حروبًا كثيرة في كل بلد زرتها، الأمر الوحيد الذي كذبت فيه قارئة الفنجان هو أنني لم أعشق كل نساء الأرض، بل واحدة فقط هي معشوقتي، فأنا لم أحب وأعشق سوى مصر، ولم أرجع إلى مصر كملك مغلوب أبدًا، فكل مرة أرجع إليها، أرجع كملك منتصر لزيارة ملكة العالم كله مصر.” تذكرتُ الحروب التي واجهتها في سوريا، العراق، الأردن، السودان، لبنان، فلسطين، إسرائيل، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، انجلترا، فرنسا، أمريكا، المكسيك، تركيا، اليونان، سويسرا، جمهورية التشيك، ألمانيا، هولندا، كوستاريكا، نيجيريا، ايطاليا وغيرها الكثير من الأقطار، ولم أهزم أبدًا في هذه الأقطار بل أحمل في داخلي أجمل الذكريات لكل منها وأعظم الانتصارات والبركات الروحية والعلاقاتية في كل منها أيضًا.
سألتُ قارئة الفنجان: “لماذا يحدث كل هذا لحبيبة قلبي مصر؟”
قالت لي قارئة الفنجان: “لأن “مصر”
حبيبة قلبك يا ولدي
نائمة في قصر مرصود،
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُه… وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ…
مَنْ يدخُلُ حُجرتها مفقود…
مَنْ يطلبُ يَدَها…
مَنْ يَدنو من سورِ حديقتها… مفقود
مَنْ حاولَ فكَّ ضفائرها…
يا ولدي..
مفقودٌ… مفقود
قلتُ لنفسي: “حقًا مصر حبيبة قلبي نائمة، بكل مؤسساتها ومصالحها وحتى طوائفها وكنائسها، وكأنها في قصر مرصود بالأرواح الشريرة وخاصة، من روح الخوف وروح الكذب، وروح ضد المسيح وروح التدين، وروح النوم العميق، أو ما يعرف بروح السبات، وبالذات، مصر، مرصودة من روح الغي، الذي قال عنه تنزيل الحكيم العليم في سفر إشعياء والإصحاح التاسع عشر: “إنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءَ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ. كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: ‹أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ.› فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ انْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا مَزَجَ ٱلرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ ٱلسَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ.”، بالرغم من أن الله تبارك اسمه حذر في كتابه التوراة والإنجيل من النوم الروحي ووصف النائمين الروحيين بأنهم أموات، فالنائم بطريقة أو بأخرى يشبه الميت، حيث إنه في نومه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم لكنه يحلم. وكم من الأزمنة والأوقات مرت على كنيسة الله وحكوماتها في مصر وهي حالمة وتظن أنها مستيقظة، وتترجم كل ما رأته وقالته ومرت به ومن خلاله في أحلامها وكأنه حقائق حادثة حقًا وفعليًا في عالم الأحياء المستيقظين، وهو في الحقيقة ليس أكثر من أحلام ظلام دامس في ليل بهيم وطويل أو أحلام يقظة تعزلها كحكومة أو ككنيسة عن الواقع المجتمعي والكنسي وتجعلها تسرح خارج الواقع المعاش والذي لا بد له أن يفهم ويصلح وتتخذ الخطوات السريعة لتنفيذه حتى ينقذها المولى تبارك اسمه مما هي مقبلة عليه. نعم، تعيش الكنيسة في قصر كبير يا ولدي، وكلاب تحرسه من خارجها وجنود تحرسه من داخلها حتى لا يحاول أحد المصلحين أن يدخل حجرتها، ليوقظها من سباتها، أو يحاول أن يفك ضفائرها وتعقيداتها وروتينها وتقاليدها التي تدعى أنها تقاليد الأقدمين والآباء الأولين. وقد مضت عليها الأيام والسنون دون أن تسمح الكنيسة أو البلاد لأحد من غير رجال حراستها أن يدخل إليها أو أن يفك ضفائرها، لذا فقد عشش في هذه الضفائر كل ما هو ضار ومميت من تقاليد وممارسات وقناعات وإيمانيات ليس لها وجود إلا في ضفائرها التي تتباهى بها دون علم لها بما في هذه الضفائر من أمراض روحية وآفات لا تريد الكنيسة فكها، ولعلم الكنيسة ومصر كلها أن فك هذه الضفائر سيكشف ما بداخلها من المستور والمسكوت عنه، لذا فمن حاول الاقتراب حتى من سور حديقتها أو حاول فك ضفائرها مفقود مفقود مفقود يا ولدي.
أكملت قارئة الفنجان تنجيمها وقالت أيضًا: “ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان، وستسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن، فهي صاحبة الشعر الغجري المنكوش التي ليس لها عنوان.” سألتُ نفسي: “صحيح ترى أين عنوان حبيبتي؟ وأين أذهب للقائها؟ وكيف اقترب إلى سور حديقتها على فرض أنني عرفتُ عنوانها؟ كمواطن عادي في الكنيسة أو في مصر حبيبتي، كيف أتقابل مع المسئولين عنها؟ هل يمكن لصوتي أن يصل إليهم؟ هل يهتم أحد بأن يعرف رأيي كفرد أو كمجتمع؟ فمن خبراتي مع الكنيسة ومسئوليها، والبلاد وحكامها ليست هناك قنوات شرعية إنسانية طبيعية يمكن أن توصل من خلالها صوتك وآراءك للمسئولين عن الكنيسة بمختلف طوائفها أو عن البلاد على اختلاف رؤسائها وقادتها، ولن يسمع لك أحد، ولن يعرف عنك شيئًا ولا حتى يريد أن يعرف عنك أي شيء إلا إذا كنت من المشاغبين، حسب مفهومهم، المجاهرين بآرائهم، ممن يقلقون نومهم، ويتحدونهم مباشرةً أمام وجوههم. وعندها قد يستيقظ البعض لا ليسمعك بإخلاص وبغرض الإصلاح للمعوج من تصرفاته وقراراته لفائدة الناس بل لإتقاء شرك وإسكاتك عن فضح المستور والمسكوت عنه.”
امتلأت رأسي بالأسئلة للمولى الذي نستغفره ونتوب إليه والتي من بينها: لماذا هذا الشعب بالذات؟ لماذا كل هذه المعاناة والصراع والاحتياج المادي بالرغم من أنك وصفت مصر في القديم بأنها كجنتك التي خلقتها وكونتها كأحسن تقويم، ووضعت فيها من خيراتك الكثير: مياه نيل يفيض بالخير إذ يغرق أراضيها ويجلب معه الطمي الكثير فتؤتي الأرض أؤكلها وخيراتها، وجعلت في حجارتها وجبالها النفائس الكثيرة، وفي باطنها زيتك الأسود قوام الحياة، وفي بحارها الغاز الطبيعي والثروات السمكية، وجعلت ممرها المائي يربط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب؟ ألست أنت سبحانك الله القادر على كل شيء الذي باركت مصر التي تنتظرها بركتك في المستقبل عندما يتم فيها القول النبوي: “فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلْثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ بَرَكَةً فِي الأَرض بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ.”
توقفتُ عن استكمال التفكير في لقائي مع قارئة الفنجان وقلتُ لها: “أعترف لكِ أن بعض ما قلتيه صحيح لكن أغلبه لا ينطبق على محبوبتي مصر. صدقتي عندما قلتِ لي عنها:
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى و ورود
لذا فسأظل على حبها، وسأجدها،
حتى لو كانت نائمة في قصر مرصود،
وحتى لو كان القصر كبير وكلاب تحرسه وجنود،
وسأقترب من سور حديقتها،
وسأدخل حجرتها
وسأفك ضفائرها
حتى لو كانت سمائي ممطرة
وطريقي مسدودًا، مسدودًا
ولن أكون في حبها مفقودًا، مفقودًا، مفقودًا، بل موجود، موجود، موجود لإعلاء شأنها والذود عنها وعن أرضها وسمائها.”
اللهم حمق قراءة قارئة الفنجان،
فأنت الرحمن، خلقت الإنسان،
صنعته بإتقان،
علمته البيان،
زودته بالعقل والبنان،
أعطيته الخير والأمان،
حذرته من الشيطان
قلت: يا آدم إني خلقتك في فردوس جنات وبستان
وأني لواضع أمامك الطاعة والعصيان
أعطيتك الإرادة الحرة بحسبان،
وطبيعة الخير والحملان،
وإني لمحذرك من لوسيفر الثعبان
الحية القديمة الجديدة وفسادها للأذهان
فابتعد عن روح الغي ولا تسمع لقارئة الفنجان
شكر أخي الكريم..