مصر ورئيس مملكة فارس

39

العدد 62 الصادر في نوفمبر 2010
مصر ورئيس مملكة فارس

    سألني صديق عزيز كان في زيارتي في بيتي، وهو مصري الجنسية مسيحي الأصل والمولد، يحب مصر بكل كيانه، لم يكن إلى عهد قريب مقتنعاً بأن هناك اضطهاداً ضد المسيحيين المصريين حتى سعى الاضطهاد إلى بيته وأسرته، وهو أحد المسئولين الرئيسيين في الطائفة الإنجيلية، بل وفي رأيي الشخصي أنه من أكثر المسئولين خدمة وتأثيراً وتضحية فيها، وهو من يرفض بشدة أن يترك مصر إلى أية دولة أخرى بالرغم أنه كان بإمكانه الحصول على الجنسية الأمريكية منذ عدة عقود إلا أنه رفض وبشدة حتى الحصول على الجرين كارد. سألني صديقي هذا سؤالاً بسيطاً: “ناجي، ما هي المشكلة في مصر حسب اعتقادك؟ المشاكل في مصر في كل اتجاه، الأخلاق في انحدار،الاقتصاد فى انهيار والأسعار في ارتفاع مخيف، الناس في صراع مستمر، الكراهية بين المسلمين والمسيحيين فى أوجها، المذاهب فى صراع مع نفسها ومن حولها، البعض يشير بأصابع الاتهام إلى الكنيسة وضعفها وانقسامها، والبعض يشير للحكومة وتراخيها وقراراتها وفساد أغلب المصالح والهيئات والأجهزة التابعة لها، والبعض يقول الجماعات الإسلامية المسالمة والمتطرفة، والبعض يقول بسبب سيادة الاتجاه الوهابي المستورد والمصدر لمصر من الخليج والمدعم بأموال البترول، والبعض، والبعض.. وأخذ صديقي يعدد كل العناصر التي يمكن أن تكون، منفردة أو مجتمعة، مسئولة عن الوضع الحالي في مصر، لكنه توقف وقال: “لكن هناك شيئاً أو ضربة في قلب مصر، لا أحد يعرفها ويبدو أن الكل يبحث عنها، ومهما عدد المفكرون من أسباب تفسر ما نحن عليه، يظل هناك شيء غائب غير مفهوم هو ما يعصف بمصر في كل هذه الاتجاهات، فهل عندك تفسير لهذا الوضع؟” كان صديقي يشع إخلاصاً وحباً لمصر في بحثه ومحاولته إصلاح الأوضاع المصرية. وهذا ما أفهمه جيداً، فحتى وأنا بعيد عن مصر، مصر لا تزال وستظل داخلي. وعندما يأتيك هذا السؤال من رجل يتمتع بصدق بكل ما ذكرته عنه سابقاً، وهو مفكر وأحد صناع القرار فيما يتعلق بسير ومصير الكنيسة الإنجيلية بمصر، فلابد أن تكون الإجابة شافية وكافية ومقنعة لعقله الكبير. نظرت إليه وصمت لعدة لحظات، لم أكن فيها أبحث عن إجابة لسؤاله، فلطالما فكرت في هذا السؤال أنا نفسي من قبل، وقلبت كل العناصر والمؤثرات والتحديات التي تواجهها مصر، وحاولت تحليل الأمور والظواهر والبحث عن المسببات والحلول حتى أعياني البحث، وكعادتي فقد قمت بمقارنة ما يحدث اليوم ومطابقته لما حدث في القديم المدون في كتاب المولى الكريم الكتاب المقدس حتى كونت رأيي الخاص في إجابة هذا السؤال، ذلك الرأي الذي يتفق معي فيه القليلون، ويختلف الكثيرون، لكنه على أية حال هو ما توصلت إليه بنية خالصة وصادقة حسب النور الممنوح لي من السماء. لكن السبب في صمتي عن الإجابة لعدة لحظات هو أنني كنت أسأل نفسي، هل سيقتنع صديقي بإجابتي، وعلى الأقل يعطيها مساحة من تفكيره واختباره وصلاته، أم أنه سيكون من الأغلبية الرافضة لمثل هذه الإجابات، لا لشيء إلا لاعتبارها من قبل الكثيرين إجابات غيبية “متروحنة”؟ وبما أن عالمنا الذي نعيش فيه هو عالم مادي كما تراه الأغلبية العظمى من البشر، إذاً لا مجال للغيبيات أو الروحانيات فيه أو في الإجابات على ما يحير العقل من أسئلة والتي من ضمنها هذا السؤال. بعد صمتي لعدة لحظات قلت لنفسي: صديقي هذا رجل روحي وعاقل ونحن في جلسة محبة هادئة حول مائدة الإفطار، فلا مانع من أن أجيبه بكل صراحة وبساطة عن رأيي فيما هي ضربة مصر والسبب وراء كل هذا. نظر إلي صديقي وكأنه يريد أن يسحب الإجابة من فمي، فقلت: “رئيس مملكة فارس”. قال صديقي: هل هذه هي الإجابة؟ قلت: “نعم، رئيس مملكة فارس هو السبب في كل ما يدور في مصر الآن، وليس في مصر فقط بل وفي كل الدول العربية والإسلامية المحيطة بنا”. قال صديقي: “إجابتك تحتاج إلى توضيح، فمن هو رئيس مملكة فارس؟ وما علاقته بما يحدث حولنا؟” قلت له: لكي أستطيع أن أشرح لك إجابتي يجب أن تؤمن بعدة حقائق أو على الأقل أن لا ترفضها تماماً بل تعطي لنفسك الفرصة أن تسمعها وتدرسها في محيط الواقع وفي ضوء كلمة الله. قال صديقي: أعدك أن أفعل، لكن ما هي هذه الحقائق؟ قلت: لابد أن تؤمن أن هناك رؤساء وسلاطين وولاة العالم وأجناد شر روحية في السماويات، كما ذكر العهد الجديد في رسالة أفسس والأصحاح السادس، وأن محاربتنا ليست مع لحم ودم بل معهم، أي الرؤساء والسلاطين والولاة، وبالتالي فالرؤساء والسلاطين والولاة وأجناد الشر الروحية هم أرواح شيطانية ذات رتب مختلفة فى جيش الوسواس الخناس، وهم مازالوا موجودين وعاملين ضد شعب الله ومملكة المسيح. قال صديقي: هذه حقيقة بسيطة وأنا أؤمن بها. قلت: وينبغي أن تؤمن أننا في عالم روحي وليس مادياً كما يحاول البعض أن يؤكد لنا، صحيح أن كل ما نرى بأعيننا هو مادي، لكن هذا العالم المادي يحركه عالم آخر روحي، فالله روح، والإنسان روح وله نفس تسكن جسده، والملائكة أرواح، والشياطين أرواح، إذاً فلا انفصال للعالم الروحي عن العالم المادي. قال: وهذه أيضاً حقيقة روحية بسيطة أؤمن بها. قلت: هذا عظيم، إذاً فلنا أرض مشتركة للحديث.

    يروي كتاب الكتب الكتاب المقدس في سفر دانيال والأصحاح العاشر، أن نبي الله دانيال وجه قلبه لمعرفة الأزمنة والأوقات وتفسير ما كان يحدث معه ومع شعبه “شعب الله” في تلك الأيام، الشعب الذي كان مسبياً في مملكة بابل والذي سباه نبوخذ نصر ملك بابل العظيم. قرر نبي الله دانيال أن يصوم ويصلي واستمر 21 يوماً في صومه وصلاته، وعندها جاءه ملاك من المولى تبارك اسمه وقال له: “لا تخف يا دانيال لأنه من اليوم الأول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولإذلال نفسك قدام إلهك سمع كلامك وأنا أتيت لأجل كلامك ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحداً وعشرين يوماً وهو ذا ميخائيل واحد من الرؤساء جاء لإعانتي وأنا بقيت هناك عند ملوك فارس”.

سألت صديقي إذاً وعلى ضوء هذا المقطع الكتابي، من هو يا ترى رئيس مملكة فارس؟ قال: “يبدو مما هو واضح من هذا النص أنه كيان شيطاني ذو سلطة رفيعة في مملكة الشياطين، حتى أنه يستطيع أن يعطل توصيل الرسالة التي أرسالها الله لدانيال. قلت: وأين هو الآن حسب اعتقادك، هل مات أو كف عن عمله الشيطاني؟ قال: لست أعتقد أنه مات، فالأرواح لا تموت ولا تكف عن ممارسة عملها. ثم قال: لكن ما علاقة هذا الروح الشرير بما يحدث في مصر والعالم العربي اليوم؟ ألا يكفيه ما يعمله في إيران وهى مملكة فارس الحالية، ما دخله بمصر؟ قلت دعنا ندرس معاً ما عمله هذا الروح في القديم وما يحدث في مصر والعالم العربي اليوم.

    1. إن أول ما عمله هذا الروح هو أنه دفع نبوخذ نصر ملك بابل أن يذهب إلى أورشليم ويحاصرها، ثم يفتحها، ويأخذ غنائمها، بالرغم من عدم تحرش شعب الله في أورشليم به أو بمملكته، لكنه قرر أن يمد مملكته وسلطانه على كل الأمم والشعوب والألسنة. ففي عقيدة هذا الملك أن الكلدانيين خير أمة أخرجت للناس، فله الحق أن يأتي ويحتل شعباً مسالماً لم يذهب له ولم يستفزه للحرب. قلت لصديقي: ألا يذكرك هذا بالحصار والفتح المبين لمصر وسلب غنائمها ومواردها وإجبارها على الدخول تحت سلطان الغزاة وتحويلها إلى جزء من الإمبراطورية الإسلامية العربية التي كان أصحابها ولازالوا يحلمون بامتدادها لتشمل كل دول العالم؟ أجاب صديقي: نعم، لكن ربما كان هذا بمحض الصدفة إن تشابهت الحادثتين. قلت: 2. بعد فتح أورشليم دمر الجيش أجزاء من هيكلها واستولوا على آنية بيت الرب ومنعوا إعادة ترميمه أو إصلاحه، فما ذنب الهيكل في عملية الحصار والفتح، فهذا الروح “رئيس مملكة فارس” يكره بيوت العبادة وكل ما يذكر فيه اسم يهوه القدير أو تقدم فيه ذبائح دموية كما كان في القديم أو ذبائح روحية كما هو الحال اليوم في العهد الجديد. لقد كان الهيكل تحفة فنية في بنائه في عصره ومكاناً للعبادة، فما بال هذا الجيش يقوم بتدميره؟ لم يكن شعب الله يخزن في الهيكل الأسلحة والمفرقعات استعداداً للحرب، ولم يكن هناك من بدلوا دينهم من الشعوب التي كانت تعيش في أورشليم واعتنقوا اليهودية حتى يخفيهم الكهنة داخل الهيكل، فلماذا أتلفه هذا الجيش؟ الإجابة: إن رئيس مملكة فارس له حرب مع رئيس مملكة الله من دور فدور، لذا فهو لا يزال ينفث تهديداً وقتلاً وإهلاكاً وتدميراً لبيوت الله في الأرض. قلت لصديقي: ألا ترى أنه ما أشبه اليوم بالبارحة؟ فلماذا تغلق الكنائس اليوم ولا يسمح بترميمها أو إعادة بنائها عند تهالكها، ويكفي أن يشك جيران أي مبنى يرمم أنه سيصبح كنيسة حتى تقوم القائمة ويهدم المبنى ويمنع أهله من دخوله؟ ألا ترى معي أن نفس هذا الروح مازال يعمل اليوم. سكت صديقي وقال: أكمل. قلت: وماذا عمل نبوخذ نصر في الولدان الحسان وكل من كان ذا حرفة أو صنعة أو من نسل ملكي شريف؟ قال أخذهم إلى بابل مملكته. قلت: ومحا لغتهم وعلمهم اللسان البابلي الكلداني، وغير أسماءهم وقطع كل صلاتهم ببلادهم، ولم يبق من شعب الله إلا المساكين في أورشليم التي كانت منهدمة وأبوابها محروقة بالنار. ثم سألت صديقي: هل قرأت كتاب “حكايات الدخول” للكاتبة سناء المصري؟ قال: لا. قلت: إذا قرأت هذا الكتاب، وكاتبته بالمناسبة مسلمة، ترى أن نفس ما عمله نبوخذ نصر في شعب الله القديم هو ما حدث معنا نحن المسيحيين عند احتلال أهل الجزيرة العربية لمصر. اختار الخلفاء والولاة أفخر شباب مصر وسبوهم ورحلوهم إلى الجزيرة العربية ليعلموا أهلها كل حكمة وفنون المصريين. بدلوا لغتهم إلى العربية وأجبروهم على نسيان لغتهم القبطية، وثقلوا عليهم النير الذي كانوا يربطون فيه كل من يتحدث القبطية أو ينتقل من قرية إلى قرية دون إذن الوالي المستعمر، والنير هو عصا تربط خلفية رقابهم معاً، حتى إذا ما تحول لون الرقاب إلى الأزرق من شدة احتكاك العصا بعظام الرقبة أطلقوا عليهم أصحاب “العظمة الزرقاء”. نسى شعب الله في مصر أنهم أقباط وصدقوا المحتل أنهم عرب. فدخل المساكين والفقراء في دين المستعمر أفواجاً اتقاء لشر المستعمر الفاتح.

     هز صديقي رأسه وقال: بقليل تقنعني أن ضربة مصر في سيطرة روح رئيس مملكة فارس عليها. قلت: بقليل أو كثير أنت سألتني وأنا أجيبك، هذا أصل الداء وإن لم تدرك الكنيسة حقيقة هذا الأمر سيظل الحال على ما هو عليه. قلت: اسمع للنهاية، إن ما عمله نبوخذ نصر في القديم من نصبه تمثالاً كبيراً لنفسه وطلبه من كل الألسنة والشعوب والممالك التي حاصرها وفتحها بأن تسجد له إنما هو أمر يفوق خيال الإنسان، فالإنسان بطبيعته يعلم أن السجود لله وحده بغض النظر عن من هو الله بالنسبة له واختلاف الشعوب والأمم حول تعريفه، فالذين يعبدون النار يسجدون لها لأنهم يؤمنون أنها إلههم، والذين يعبدون العجل يسجدون له على أنه إلههم، والذين يعبدون التماثيل يسجدون لها، والذين يعبدون يهوه القدير يسجدون له، والذين يعبدون الله يسجدون له، لأنه إلههم، أما أن ينصب إنسان صنماً ويطلب من الناس السجود له فهذا أمر مرعب، ثم إنه يجبر الناس على السجود بهذه الطريقة ولإله لا يؤمنون به، ويحفظون كتاباً لا يؤمنون بوحيه ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار، وإلا حق ضدهم الجهاد حتى يؤمنوا بما يؤمن به، ويسجدوا لما يسجد له وإن تخلفوا عن هذا يزج بهم في أتون النار المحمى سبعة أضعاف، وإن فعلوا وسجدوا يأخذون الحلاوين والمديح من المستعمر. وقسم نبوخذ نصر الناس قسمين، الساجدون ورافضو السجود، والساجدون في رأيه هم المقربون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أما الرافضون فهم الكافرون الذين تنتظرهم جهنم النار وبئس المصير. أليس هذا ما فعله المستعمر بعينه؟ فالذين دخلوا في دينه وسجدوا لما يسجد وعبدوا ما يعبد سلموا من سبيه وحفظت أموالهم ودماؤهم ونساؤهم واتقوا شر القتال. ألم يكن هذا الفاتح يعلم أن شعب الله كان يعبده سبحانه وتعالى من قبل الفتح والقتال، وأنهم يعبدون الإله الحي الحقيقي وحده، فلم فرض عليهم السجود خمس مرات في اليوم لمن لا يؤمنون به؟ وهل مبدأ الإجبار على الإيمان بما لا أؤمن به يصنع مؤمناً أم سفاحاً متطرفاً يريد تدمير ما حوله ومن حوله.

   قلت لصديقي: هل تعلم ما هو الدور الأساسي والرئيسي الواضح الذي كان لرئيس مملكة فارس في هذه القصة والمنصوص عليه بصراحة في سفر دانيال؟ قال: ما هو؟ قلت: هو أن يمنع كلمة الله من الوصول إلى يد عبيده حتى يظلوا في جهلهم وعدم إدراكهم للأزمنة والأوقات، ولا مانع عنده إذا صلوا وصاموا مادام طريق وصول كلمة الله مقطوعاً عليهم. قال صديقي: وكيف يكون هذا؟ قلت في القديم وقف رئيس مملكة فارس مقابل الملاك المرسل من الله برسالة إلى دانيال، أما في الحديث فإن نفس الروح يقف قبالة الكتاب المقدس، كلمة الله حتى لا تصل للنفوس. قلت: إن أعظم الكتب محاربة في العالم هو الكتاب المقدس. انظر إلى أية دولة إسلامية فإنها لتسمح باستيراد كل أنواع الكتب تقريباً إلا الكتاب المقدس، ليس فقط الدول الإسلامية، حتى في أمريكا، الناس يقترعون ويقررون أن ينزعوا كل ما هو من الكتاب المقدس في المدارس والمصالح وحتى البرامج الدينية المسيحية يريدون أن يمنعوها من أن تذاع على القنوات الأمريكية. إذاً فلماذا الخوف من هذا الكتاب بالذات؟ هل يمكن لحاكم أو محكوم لديه أقل قدر من العقل أن يمنع انتشار الكتاب المقدس؟ وهب أن هذا الكتاب المقدس محرف كما يؤمن المسلمون، فماذا يضيركم في أن يقرأ المسيحيون والمسلمون كتاباً محرفاً مادام هذا الكتاب يدعو للمحبة والرحمة ومساعدة الفقير والمسكين، ويحرم على الناس أن يفجروا أنفسهم ويقتلوا غيرهم وينتقموا من أعدائهم. فأنا أفهم أن يمنع وصول الكتاب المقدس لأيدي الناس إذا احتوى على أية آيات تدعو للعنف والقتل والقهر، أما أن يمنع كتاب مثله من القراءة ويترك غيره بكل ما فيه من حض على الكراهية والقتل والنهب والضرب والجلد وقطع الأيدي والأرجل فهذا ما لا تفسير له سوى أن هناك قوة خفية تقف ضد إيصال رسالة الله إلى النفوس، تماماً كما فعل رئيس مملكة فارس مع رسالة الله المرسلة لدانيال.

    قال صديقي: وماذا أيضاً؟ قلت: ألا يكفيك كل هذه الأدلة؟ قال: بلى. قلت: ومع ذلك فإن السفر مليء بأدلة أكثر. فما رأيك في إنسان روحي عابد لله كدانيال ومصل ومتكلم بالعدل والحق في وسط مملكة تموج بالشر، فهل يستحق دانيال أن تحاك ضده المكايد وتوضع له الخطط الشيطانية للتخلص منه ويحاول كارهوه أن يجدوا علة عليه لكنهم لم يجدوا علة واحدة إلا من جهة شريعة إلهه، فجعلوا الملك يضع خاتمه وتوقيعه على بيان بأن كل إنسان يطلب من إنسان أو إله سواه يلقى في جب الأسود، وترقب المترصدون دانيال لأنهم يعلمون أنه يتضرع إلى الله ثلاث مرات في اليوم، وما إن رأوه في عليته يصلي إلى الله حتى انتهى به الأمر في جب الأسود (راجع دانيال أصحاح 6).

     فهل هذا كلام يعقل، أن يحارب الشخص في سمعته ووظيفته وتحيط به الأسود الفتاكة لتأكله إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً لا لسبب إلا لأنه يصلي لإلهه ولا يدين بدين الأغلبية؟ أليس هذا عين ما يحدث اليوم في المدارس والجامعات والمصالح والوزارات مع كل مسيحي أمين يعرف بتدينه، كما يقولون، لا لشيء إلا لأنه مسيحي، فأي منطق هذا؟ هل هذه طبيعة بشرية إنسانية؟ أم أن هناك قوة شيطانية وراء هذا العمل اللا إنساني؟ نعم هناك، إنه رئيس مملكة فارس.

     قال صديقي: كفى، أقنعتني أن هناك علاقة وثيقة بما كان يعمله رئيس مملكة فارس في القديم مع شعب الله وما يحدث معنا اليوم في مصر. نعم هذه ضربة مصر والروح المسيطر عليها، لكن هل هناك من خلاص منه؟ ثم ماذا نعمل لنتخلص منه؟

    قلت: يا صديقي ليس عند الله مستحيل، لكن لابد من الانتباه إلى عدة نقاط:

    1. لابد للكنيسة، أولئك المؤمنون باسمه تبارك اسمه، أن يؤمنوا أن هناك حرباً ومصارعة ضد أجناد الشر الروحية وبالذات ضد روح رئيس مملكة فارس، ولنبدأ بالقادة والقسوس والمعلمين في الكنيسة، عليهم أن يدرسوا سفر دانيال ويوجدوا أوجه التشابه بين ما حدث له ولشعبه في القديم وبين ما يحدث لهم ولشعب الرب في مصر في هذه الأيام، ولابد لهم أن يعلموا شعب كنائسهم هذه الحقائق ويدرسونها لهم ليفتح الله بصائرهم فيعرفوا سبب ما يقع عليهم من اضطهاد.

    2. لابد للمسئولين عن الكنيسة أن يعلموا أنه كما انتصر دانيال على كل أعدائه مع أنه كان رجلاً واحداً والمملكة كلها ضده، كذلك هم أيضاً يمكنهم الانتصار على رئيس مملكة فارس. وبالطبع لن يتمكنوا من هذا إلا إذا عملوا ما عمله دانيال حتى يحصلوا على نفس النتائج التي حصلت معه.

    قال صديقي: وماذا عمل دانيال في القديم حتى ينتصر على رئيس مملكة فارس؟ قلت: عمل الكثير، أولاً: وضع في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، أي أنه حفظ نفسه وابتعد عن كل شر وشبه شر، لم يتحجج بحالته الصعبة وسبيه واضطهاد المستعمر له ولشعبه ولم يتقوقع وفضل الهرب إلى الصحراء وانسحب من كل مشاركة دينية أو سياسية من شأنها أن تظهره كواحد من شعب الله وآثرالعيش كالجبناء على أن يواجه العدو ويتحمل نتائج شجاعته ودفاعه عن شعبه الأعزل والمضطهد من هذا الروح الشرير، بل أعلن تمرده ورفضه لكل ما قدم له من قبل الملك من الملذات الأرضية مفضلاً بالأحرى أن يزل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتى بالخطية.

    ثانياً: لم يساوم دانيال على الحق بل كان لسان حاله أنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، فلم يسجد إلا لله وحده ولم يكف عن الصلاة اتقاء لشر أعدائه، بل صلى إلى الله وكواه مفتوحة كعادته، ولم يخف من الأسود ولا جب الأسود حتى أنقذه المولى نفسه من رئيس مملكة فارس ومن أفواه الأسود.

    ثالثاً: لم يلجأ دانيال للمحاولات البشرية للوقوف ضد أعدائه ولم يرد لهم الشر بالشر بل وثق فيمن قال لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. لقد وجه دانيال قلبه وعقله للفهم وأصر على ذلك حتى أتاه الله بما طلبه، وعلى الكنيسة وقادتها أن يمشوا في إثر خطواته لعلهم يفهمون من هو روح رئيس مملكة فارس وحيله ومكره وتدميره ويفهمون كيف يتعاملون معه.

    رابعاً: لقد شهد أعداء دانيال له أنه ممتلئ من روح الله. الصراع مع الأرواح الشريرة وقهرها وإسكاتها لن يكون إلا بالامتلاء من روح الله، الروح القدس الذى لا يعرفه العالم ولا يقبله لأن عنده جهالة.

    خامساً: صام دانيال وصلى وناح وأصر على التشفع لأجل شعبه حتى أرسل له الرب ملاكاً ليبلغه بالمستقبلات، فلدانيال يرجع الفضل في معرفة كثير من الأسرار الإلهية في عالمنا الذي نعيش فيه، ولابد لكل دانيال مخلص حكيم في بلادنا أن يتحد مع أخيه في صلاة للقدير أن يقهر رئيس مملكة فارس ويشفي مصر من ضربتها ويكشف كل روح شرير مسيطر عليها.

    اللهم إني بلغت، اللهم فأشهد.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا