العدد 105 الصادر في يونيو 2014 مصريات (3) من فَرْعَنَ الفرعون؟
من المعروف عند المصريين منذ القديم، أنه إذا تعامل مصري بخبث ولؤم ودهاء أو بعنجهية وتجبر وكبرياء أو، إذا تصلف حاكم أو رئيس في معاملة شعبه، وصفه العامة بأنه فرعون. وعند وصفنا لصغير سن، كثير الحركة والكلام والأفعال السريعة المتهورة، يصفه الناس باللغة العامية الدارجة: “بالمفرعن”، نسبة إلى فرعون وأفعاله فى القديم، لذا كثيرًا ما سمعنا القول من أم عن مثل هذا الصغير: “أنا مش عارفة الولد ده طالع مِفَرْعَنْ لمين؟!” وفرعون في الكتاب المقدس يرمز إلى الشيطان أو الشرير وكل معاند لشعب الله ومقاوم له بظلمه أو حبسه أو رفض إطلاقه لعبادته سبحانه، بحرية ودون قيود. وكثيرًا ما استخدمنا في كنائسنا الآية الواردة في سفر حزقيال 30: 21 ” يا ابن آدم، إني كسرت ذراع فرعون ملك مصر”، وها هي لن تجبر بوضع رفائد ولا بوضع عصابة لتجبر فتمسك السيف”، كمرادف للآية القائلة: ” العدو تم خرابه إلى الأبد” وكلها تربط بين عمل الفرعون القديم وقوات الشر الروحية على مدى الأيام. وفي دراستي للمصريات التى قلت وبالفعل بدأتها سابقًا، تلك التي أحاول فيها دراسة كل ما جاء عن مصر في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس، شغلتنى كثيرًا شخصية الفرعون، أقواله، وتصرفاته وكبرياؤه وعنجهيته وتسلطه فى القديم على مصر وأهلها ومعاملته مع أنبياء العلي، منذ تقابل مع إبراهيم وأراد الزواج بزوجة إبراهيم التي عرفها بأنها أخته، التي هي في الحقيقة كانت زوجته، لكن لجُبن إبراهيم وأنانيته واهتمامه بنفسه فقط على حساب أهل بيته ليستبقيه المصريون حيًا، حتى لو نزعوا منه أهم ما لديه في الحياة، شريكة العمر ورفيقة الرحلات والتنقلات والهموم والآهات والمباهج والمسرات، ووجدتني أسأل نفسي: ترى من “فَرْعَنَ الفرعون” أي من الذى جعل هذا المدعو فرعون، أن تكون له هذه الصفات التي أغلبها صفات سلبية، ينبغى أن لا تكون حتى موجودة في أي إنسان على وجه الأرض، فهذا الفرعون كان حاكمًا بأمره، تحيط به جماعة من المتملقين والمنتفعين والانتهازيين الخانعين، الطائعين لكل ما يأمر به والمنفذين لكل أحلامه، والمصفقين لكل ما يتخذ من قرارات، حتى لو كانت خرقاء، عمياء، لا يمكن أن يقتنع بها حتى الجهلاء والأغبياء، ليس المصريون الحكماء، والدليل على ذلك أنه عندما رفض الفرعون أن يطلق شعب الله في القديم ليخرج من مصر، لم يتجرأ واحد من الملتفين حوله وقت أن حدثت الضربة الأولى ضد مصر من الإله القادر على كل شئ، ضربة الضفادع التي غطت كل أرض مصر، لم يجرأ أحدهم أن يعترض على قرار فرعون بالإبقاء على شعب الرب أسرى وعبيد فى أرض مصر، وهكذا عندما نزلت على المصريين ضربة البعوض، فضربة الذباب، فضربة موت كل مواشي المصريين، فضربة الدمامل والقرح الخبيثة، ثم ضربة البَرد، إلى أن كانت الضربة الثامنة ضربة الجراد على أرض مصر، عندها فقط تجرأ عبيد فرعون على الكلام ” فقال عبيد فرعون لهُ: «إلى متى يكون هذا لنا فخا؟ أطلقِ الرجال ليعبدوا الرب إلههم. ألم تعلم بعد أن مصر قد خربت؟». وما أشبه اليوم بالبارحة! ، ألا يوجد اليوم من يستطيع أن يقف فى وجه أى رئيس أو ملك ويقول له: إن بلدك قد خرب، أو أن يقول لأي حاكم أو حكومة في الأرض وخاصة في بلادنا العربية وبالذات في مصر أن أطلقوا شعب الله المسيحيين في عباداتهم وخدماتهم وكرازاتهم له، وأن تُرْجِعوا لهم حقوقهم المسلوبة منذ أن دخلتم إلى مصر آمنين، ونزلتم على أرضها كالضفادع والبعوض والذباب، فأمَتم مواشيها وأفنيتم خنازيرها، انتقامًا من أصحابها المسيحيين الآمنين، فانتشرت دمامل الأمراض الحديثة في مصر، ورأيتم تقلبات حتى فى الطقس والحر والبَرَد، التي لم نعهدها من قبل وشحت المياه في النيل وأنتم تحاولون أن تنقذوا ما تبقى منها، الذي ستمنعه الطبيعة والسدود عنكم، لتتميم مشيئته تعالى وخطته في محاولة إيقاذكم ورجوعكم إليه، سبحانه، ألا تعلمون أن مصر قد خربت؟! . وكيف للفرعون، بالرغم مما وصلت إليه مصر، لم يتخذ من قرارات حازمة لإنقاذ البلاد واكتفى بوعود وعهود أنه سيطلق الشعب ولم يحقق أيًا منها؟! إن الحرب الدائرة الآن في مصر إنما هي حرب روحية، كما قلت وكتبت أكثر من مرة، والعدو الحقيقى للمصريين ليست جماعة محظورة أو متطرفة وليست سلفية أو علمانية، إنما هي في الأصل جماعة شيطانية روحية في السماويات، لا يمكن تمييزها، إلا لمن أنعم عليه المولىَّ من عبيده بروح تمييز، أولئك هم الذين يسكن فيهم روح الله القدوس وهم الأقلية النادرة من المؤمنين المسيحيين والمخلصين بعمل المسيح الحي والممتلئين من روحه القدوس، الذي من ضمن مواهبه التي يمنحها ، تبارك اسمه، لأحبائه، موهبة تمييز الأرواح، أولئك هم الذين صارت لهم الحواس مدربة على تميز ورؤية وتحليل الأحداث والمواقف والأرواح المختلفة المسببة لها وتنفيذ خطة علاج، لما يحدث في مصر. فياليت هؤلاء المسيحيين المصريين يعلمون أن الحل الوحيد لاستقرار مصر وأمنها ورخاءها، لا يكمن فيمن سيحكمها إنْ كان السيسي أو صباحي، إنما فيما يقوله ويأمر به المسيح يسوع، تبارك اسمه.
ولعلمي أن الحقائق التى أكتبها الآن لا ولن يفهمها، كما أريد وأقصد أنا من وراء كتابتها، سوى القليل جدًا من المؤمنين المسيحيين الممتلئين من الروح القدس، وبالحري، فأنا على يقين أنه لن يفهمها على الإطلاق رجل الشارع العادي، مسيحيًا كان أم مسلمًا، ولن يفهمها قادة مصر ورجالاتها السياسيون، فأنا على استعداد أن أنزل إلى مصر واتقابل مع رئيسها، أيًا من كان، والساسة فيها، لأشرح لهم ما هي خطة الله، من الناحية الروحية، لازدهار مصر وانتصارها ورفعتها وجعلها واحدة من أعظم دول العالم، إنْ كانوا حقًا يريدون أن تصبح مصر مطابقة للأوصاف، سابقة الذكر وعلى الساسة والقادة المصريين أن يعلموا أن حل مشاكل مصر لا يكمن في عقولهم وخبراتهم ومؤسساتهم وجيشهم، فما كل هذه، بالرغم من أهميتها القصوى، ما هي إلا وسائل في يدي علام الغيوب. وكما قال تنزيل الحكيم العليم معلمًا إيانا هذه الحقيقة فى قصة يوسف “وكان في الصباح أن نفسه (أي الفرعون) انزعجت فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها وقص عليهم فرعون حلمه. فلم يكن من يعبره لفرعون” (تكوين 41: 8). لكن الحاجة كما قلت لمؤمنين مسيحيين، ممتلئين من الروح القدس لتفسير ما يحدث في مصر وكيفية التعامل معه.
وبناءً على ما تقدم، أرى أن أول إجابة على سؤالى ” من فَرْعَنَ الفرعون”؟، هي أن من يُمكن أن يجعل من الإنسان فرعونًا، إنْ لم ينتبه إلى تأثيرهم عليه وعلى سياساته وقناعاته وقراراته، أي “يفَرعن الفرعون” هم المحيطون به من أهل وأصدقاء وأصحاب ومعارف وأهل الثقة ورفاق الحزب أو الجماعة وما إلى ذلك.
وثاني إجابة، إن من يفَرعن الفرعون هو أن يترك زمام الأمور لأي من رجالاته أو الموثوق بهم من ناحيته وأن يصبح هو ما إلا فرعون وأعلى من الجميع في الكرسي والمنصب، ولكن المدير الفعلي للبلاد هو شخص آخر، تمامًا كما حدث مع المخلوع مرسى والمرشد للجماعة المحظورة، فالرئيس الذي كان يلقي الخطاب هو مرسي، أما المتحدث الحقيقى فهو المرشد الذي كان يصحح له ما يقول ويملي عليه أفكاره، وخاصة إذا لم يكن لهذا الرجل الذي يوكل له الفرعون تنفيذ الأعمال والخدمات أي خبرة في مجال عمله. وفى هذه النقطة دعنى أقدم قراءة مختلفة لقصة يوسف الصديق ابن يعقوب ربما تختلف قليلاً أو كثيرًا في تحليلنا لأحداثها، عما تعودنا على سماعه فى كنائسنا وقراءاتنا، وربما لن تروق للبعض من المؤمنين المسيحيين، والدليل على ذلك، هو أنه كلما ذكر اسم يوسف ابن يعقوب الوارد في سفر التكوين، قفزت إلى عقولنا الآية الشهيرة “فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟” وكأن هذا كل ما عمله يوسف أو قاله، وهذا رائع وجميل وحادثة تعلمنا الكثير عن العفة والطهارة وضبط النفس، ووضع الرب أمامنا في كل حين حتى لا نخطئ إليه، وقد تغلبنا عواطفنا، ونحن العرب خاصة شعب عاطفى، قليلاً ما يفكر بعقله وكثيرًا جدًا ما يفكر ويقرر وينفذ بعاطفته، تغلبنا عواطفنا، فنتعاطف مع يوسف بسبب خيانة إخوته وإلقائه في البئر ثم سحبه وبيعه لقافلة الإسماعيليين كعبد، ثم انتصاره في حربه مع خطية امرأة فوطيفار رئيس شرطة فرعون، ثم سجنه ثم وقوفه لدى فرعون وتفسيره لحلم فرعون وانتهاءً به إلى أن يصبح الرجل الثاني في مصر بعد الفرعون، فتأخذنا العاطفة ونشوة الانتصار مع يوسف وخروجه من السجن إلى المُلك، ونهتف لإمانة الإله العظيم الذي يكرم الذين يكرمونه والذي يعوض عن السنين التي أكلها الجراد والقادر على كل شئ ونصرة المظلوم وفك سجن المحبوس ظلمًا و… و… و… إلخ. لكن قراءتى الجديدة فى هذه القصة هى لموقف فرعون وقراراته الطائشة المتسرعة المتهورة والتي يضعها في قالب ديني ويعلنها بألفاظ دينية تسكت كل معارضة له ولها، ويتخذها بمفرده بناءً على تفسير حلم حلمه، هو دون استشارة رجاله أصحاب الخبرة والحكمة المحيطين به، اللهم إلا كما يفعل رؤساؤنا عندما يريدون تمرير قرار أو قانون بمجلس الشعب المصري، فيعرضه رئيس الجلسة أو المسؤول بصيغة لا تقبل المناقشة ولا تعطي فرصة للمفكرين ولا تسمح لهم بالنقاش وإبداء الرأى والرأى الآخر، فكما عبر عن هذه الحقيقة كاتب مسرحية الزعيم، عندما قال أحد الممثلين للزعيم عادل إمام: “إن شخبطة أولاد سعادتك خطة نمشي عليها سنة”، تلك القرارات الطائشة التي تجعل الفرعون أن يتخذ قرارًا متسرعًا بجعل شاب غير معروف الهوية، فما هو إلا عبدًا لوزير الداخلية، غير مصري “إسرائيلي” مسجون بتهمة محاولة اغتصاب امرأة فوطيفار رئيس الشرطة، لم يحاكم ولم يصدر ضده حكمًا بالسجن، بل أُلقي في الحبس لأجل غير مسمى، في الثلاثين من عمره، ليس لديه خبرة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية اللهم إلا أنه يعرف قراءة الغيبيات ويفسر أحلامًا، وهذه كل مؤهلاته التي أوقفته أمام فرعون والتي أوصلته إلى ما وصل إليه، أعلم أنها مشيئة الله الذي لا رادًا لإرادته ومقاصده وأحكامه،” لكن قراءتى هذه لقصة يوسف الصديق، ليست لانتقاد ما حدث مع يوسف، فالله كما قلت فعَال لما يريد، لكن هذه القراءة خاصة بفرعون لمعرفة ” من فَرْعَنَ الفرعون”. فيقول تنزيل الحكيم العليم في سفر التكوين عن يوسف الصديق بعدما فسر حلم فرعون وقال له إنه سيكون هناك سبع سنين شبع وخيرات، ستعقبها سبع سنين مجاعة وقحط، وبعد ما حسن التفسير للحلم في عيني فرعون وعبيده، سأل فرعون مشيريه وحكماءه ووزراءه سؤالاً لم ينتظر إجابته منهم ولا مناقشته معهم واتخذ قراره المتسرع، فيقول الكتاب المقدس عن هذه الواقعة:
فقال فرعون لعبيده: «هل نجد مثل هذا رجلاً فِيه روح الله؟” (تكوين 41: 38)
وهنا لم ينتظر الفرعون الإجابة منهم فقال:
“بعد ما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك” (تكوين 41: 39)
ثم استطرد قائلاً:
“أنت تكون على بيتي وعلى فمك يقبل جميع شعبي. إلا أن الكرسي أكون فيه أعظم منك. ثم قال فرعون ليوسف: «انظر. قد جعلتك على كل أرض مصر. وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف وألبسه ثياب بوص ووضع طوق ذهب في عنقه. وأركبه في مركبته الثانية ونادوا أمامه «اركعوا». وجعله على كل أرض مصر
وقال فرعون ليوسف: «أنا فرعون. فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر».
إلى هنا تنتهي هذه الجزئية في هذه القصة ولم يذكر الكتاب حال مشيري فرعون ولا حكمائه ولا وزرائه وخاصة وزير الداخلية التي بين لحظة وضحاها، تحول هذا العبد الإسرائيلي من سجينه وعبده وغريمه والرجل الذي كان يظن فوطيفار أنه قد حاول الاعتداء واغتصاب زوجته إلى رئيسه المباشر، حتى إنه وفقًا لأوامر الفرعون، لم يعد يستطيع فوطيفار وزير الداخلية أن يتخذ أي قرار في عمله إلا بعد الرجوع إلى يوسف وموافقة يوسف على ما يريد عمله، وأكرر لو كنت أذكر هذه الحقيقة على منبر لكنيسة من الكنائس الحية الحرة التي يستطيع أحد الحضور فيها أنْ يهتف من كل قلبه وبأعلى صوته بتمجيد الرب، لتعالت الهتافات والهليلويات لإله التعويضات، لكن ألم يكن فرعون متهورًا متسرعًا في تعيين يوسف في هذا المنصب؟! ، وبغض النظر عن اختلافنا البين في الإجابة، أقول إن من بين ما عمله يوسف في إدارته لمصر وسط كل حكمته وتوفيره الغلات وإطعام العالم كله وجعل مصر قبلة للعالم أجمع وأشهر بلاد الدنيا ومسددة احتياجات الخلق من القمح إلا أنه ارتكب في رأيي خطأً مازلنا ندفع ثمنه حتى الآن وهذا ما فعله يوسف، يقول تنزيل الحكيم العليم في سفر التكوين 41:47 : “وأثمرت الأرض في سبع سني الشبع بحزم. فجمع كل طعام السبع سنين التي كانت في أرض مصر وجعل طعامًا في المدن. طعام حقل المدينة الذي حواليها جعله فيها”.
“وخزن يوسف قمحًا كرمل البحر كثيرًا جدًا حتى ترك العدد إذ لم يكن له عدد”. وهنا نلاحظ أن يوسف لم يشتر في سنين الخير القمح من المصريين ويخزنه لهم لسني الجوع، ولست أدري ما قاله يوسف للمزارعين يومها، عن لماذا يأخذ منهم القمح الآن، ولست أدري ما وعدهم به أو إنْ كان يوسف قد دفع ثمن القمح المخزون هذا للفلاحين المصريين أم لا، فما لم يدونه الكتاب، لا أقرره أنا ولكن ما أدهشنى هو ما فعله يوسف عندما جاء المصريون يطلبون منه القمح المخزون لهم عنده، الذين أعطوه له في سنوات الرخاء، يقول الكتاب في (تكوين 41: 55)
“ولما جاعت جميع أرض مصر وصرخ الشعب إلى فرعون لأجل الخبز قال فرعون لكل المصريين: «اذهبوا إلى يوسف والذي يقول لكم افعلوا وكان الجوع على كل وجه الأرض. وفتح يوسف جميع ما فيه طعام وباع للمصريين. واشتد الجوع في أرض مصر.”
فلماذا انتظر يوسف حتى جاع شعب مصر، حتى صرخ الشعب إلى فرعون، لا لأجل الكعك والحلوى، بل لأجل الخبز قوام الحياة؟! لماذا لم يضع هذا الرجل الحكيم يوسف خطة لإشباع المصريين قبل أن يجوعوا وقبل أن يصرخوا من الجوع؟! ولماذا لم يتحرك الفرعون ويأمر يوسف أن يطعم شعبه الجائع الصارخ إليه ولديه من القمح ما يكفى لإطعام العالم كله كما ذكر تنزيل الحكيم؟! لماذا كُتب على المصريين الصراخ والمعاناة والشقاء في أخذ حقوقهم وما أدخروه بأنفسهم لأنفسهم ولأولادهم من طعام ومتاع؟! ولماذا لم تتحرك السلطات المصرية ممثلة فى يوسف لإطعامهم وإشباعهم، فهم أصحاب الأرض والخيرات؟! لماذا نطعم غيرنا من بترولنا وغازنا وقمحنا ونتسول نحن للمعونات والمساعدات؟! والعجيب أن تأتي هذه الخطة من إسرائيلي قديم فى تجويع المصريين وإيصالهم إلى نقطة الصراخ له حتى يتحنن عليهم ويلقى لهم بفتات القمح الذين تعبوا هم في زراعته وادخروه، ليجدوا الخبز فى زمان الجوع، أخشى أنْ يشبه اليوم البارحة دون أن ينتبه فراعنة المصريين الحاليين على اختلاف أنواعهم وانتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية، إلى أن هناك خطة دولية لإجاعة مصر ومن فيها وإبقائهم على حالة الجوع التى هم فيها، حتى يصرخوا من الجوع، فيتحكم فيهم إسرائيلى آخر بغض النظر عن اسمه أو مكان وجوده أو نواياه. لكن ما حدث من يوسف بعد هذا كان أسوأ ما بدر منه فى حياته فى مصر وهو الذى مازلنا نعاني منه حتى الآن، يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين 47 وابتداءً من الآية 18
“ولما تمت تلك السنة أتوا (المصريون) إليه (إلى يوسف) في السنة الثانية وقالوا له: «لا نخفي عن سيدي أنه إذ قد فرغت الفضة ومواشي البهائم عند سيدي لم يبق قدام سيدي إلا أجسادنا وأرضنا”
لِماذا نموت أمام عينيك نحن وأرضنا جميعًا؟ اشترنا وأرضنا بالخبز فنصير نحن وأرضنا عبيدًا لفرعون. واعط بذارًا لنحيا ولا نموت ولا تصير أرضنا قفرًا. فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون إذ باع المصريون كل واحد حقله لأن الجوع اشتد عليهم. فصارت الأرض لِفرعون وأما الشعب فنقلهم إلى المدن من أقصى حد مصر إلى أقصاه إلا أن أرض الكهنة لم يشترها، إذ كانت للكهنة فريضة من قبل فرعون. فأكلوا فريضتهم التي أعطاهم فرعون. لذلِك لم يبيعوا أرضهم فقال يوسف للشعب: «إني قد اشتريتكم اليوم وأرضكم لفرعون. هوذا لكم بذار فتزرعون الأرض ويكون عند الغلة أنكم تعطون خمسًا لفرعون والأربعة الأجزاء تكون لكم بذارًا للحقل وطعامًا لكم ولمن في بيوتكم وطعامًا لأولادكم فقالوا: «أحييتا. ليتنا نجد نعمة في عيني سيدي فنكون عبيدًا لفرعون”. (تكوين 47: 28)
وهكذا دخلت روح العبودية للمخلوق دون الخالق إلى أرض مصر، بيد إسرائيلي خطط ونفذ وساق وأجاع وأذل المصريين، فأصبح المصريون عبيدًا للإنسان الذى يمنحهم الخبز والقمح والمساعدات، وتغلغل فيهم فكر الاستجداء والخوف من الحاكم. وهكذا أصبح، فقد المصرى آدميته وأصبح سلعة تباع وتشترى وتنقل كالمتاع من مدينة إلى مدينة، وهكذا خدع يوسف الصديق المصريين ولم ينتبه أحدهم أن من حقه أن يحيا حياة كريمة ويجد طعامه، بعد أن تعب فى زراعة أرضه وحصدها وادخار غلاتها لينتفع بها فى وقت القحط والمجاعة، كل هذا حدث للمصريين أصحاب الأرض فى الوقت الذى جلب فيه يوسف إسرائيل أباه وأهله وعشيرته وأسكنهم فى أفخر البقاع فى أرض مصر وهى أرض جاسان وعالهم وأولادهم ولم يعترض لا الفرعون ولا أحد المصريين على هذا الظلم البين، فالغرباء يأكلون ويشربون ويستمتعون بأموال المصريين ويحفرون الأنفاق لتهريب بضائعهم وبترولهم وغيرها من المواد التموينية المنتجة فى مصر وبأيدى مصرية، بينما المصريون يعيشون على أكل الخبز الجاف إن استطاعو أن يجدوا إلى ذلك سبيلاً. ليس ذلك فقط، بل أصبح هناك تمييز ليس للإسرائيليين فى مصر فحسب، بل للكهنة أيضًا، فهؤلاء لم يجوعوا كبقية المصريين وسائر سكان الأرض، بل لربما جحظت عيونهم من الشحم، إذ كانت لهم فريضة يومية من الفرعون وأصبح المجتمع المصرى مقسمًا إلى طبقات وفئات، فهناك فئة الحكام والفرعون وهؤلاء هم المتحكمون فى المخزون من القمح والأكل المحسنون لشعب يتضور جوعًا، ثم طبقة المقربين من الإسرائيليين ليوسف وعائلته، وهناك طبقة الكهنة ورجال الدين الرسميين الذين اتخموا من الأكل وأخيرًا هناك طبقة المصريين المساكين الفقراء من لا وساطة لهم ولا عمل يقربهم من المسؤلين، أولئك الكادحون أصحاب الأرض والذين يعملون ليلاً ونهارًا ولا يجدون الخبز لملء بطونهم، أعلم أن المصريين في الثلاث السنوات الأخيرة قد تخلصوا من حكم طاغيتين بثوراتهم وبذراعهم وتمردهم ودمائهم، لكننى اتكلم في هذه الجزئية من نحو العبودية الروحية التى لازالت تضرب أطنابها في مصر في الكنائس والمساجد والمدارس، فبدلاً من أن نهتف مع من قال: إن الله خلقنا أحرارًا ولن نستعبد بعد اليوم وبالرغم من كل انجازاتنا الثورية وتطلعاتنا الطموحية فى الأيام والسنين القادمة، إلا أننا لا بد لنا من كسر إلهي لروح العبودية التى جلبها علينا آباؤنا بطلبهم أن يصبحوا عبيدًا لفرعون، يوم قالوا ليوسف بن يعقوب ” اشترنا وأرضنا بالخبز فنصير نحن وأرضنا عبيدًا لفرعون”. وإليك الطريقة لكسر هذه العبودية بسهولة وبساطة وحتمية:
1- على المصريين أن يعترفوا أننا مقيدون بروح العبودية للحاكم وأعوانه وحاشيته، حتى لو كان حاكمًا صالحًا، وهناك فرق بين روح العبودية التي اتكلم عنها وعن مبدأ الخضوع القانونى الواجب للسلطات وأولى الأمر منا.
2- على المصريين أن يعلموا أن الحرية اختيار شخصي وجماعي وأن يعلموا أنه لا حرية روحية إلا بالإيمان بالمسيح يسوع، تبارك اسمه، المكتوب عنه: ” إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا”.
3- على المصريين أن يلتجئوا إلى الله بالتوبة والاعتراف بذنوبهم وذنوب آبائهم وأن يعترفوا أن آباءنا قد جحدوه، سبحانه، وأعلنوا أن الفرعون هو سيدهم، فصاروا عبيدًا له وإننا نتوب عن خطية آبائنا ونعترف بها ونطلب صفحك وعفوك وغفرانك وإننا لن نعترف إلا بك ربًا وسيدًا ولن نقبل إلاك ملكًا ومليكًا ورئيسًا.
4- أخيرًا، إنه لا بد لنا أن نسلك في الحرية، عالمين أن إلهنا وسيدنا خلقنا أحرارًا ولن نكون إلا أحرارًا.
وفي النهاية، فإني أعلن أنني وبيتي وعائلتي أحرار من روح العبودية المُقيدة لمصر والغالبية العظمى من المصريين ولن أقبل إلا السيد المسيح يسوع، تبارك اسمه، سيدًا على حياتى وكتابه هو الدستور الوحيد للإيمان والأعمال، ولذا، فأنا حر فى المسيح الذى مات مقيدًا على صليب العار ليطلقنى حرًا، وأصلى لأجل مصر لتتحرر من كل روح عبودية باسم المسيح يسوع آمين.