متلازمة القلب المكسور

8

د. فيولا موريس

انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي خبر وفاة أحد لاعبي كرة القدم المشهورين، نتيجة أزمة قلبية حادة، وقد يتم تشخيص الحالة بأنها متلازمة القلب المكسور. لقد قرر الفريق الطبي بأن هذه المتلازمة نتيجة صدمة نفسية حادة أصابت اللاعب بسبب تعرضه لضغوط وأذى نفسي عنيف أدى إلى دخوله في حالة من الحزن الشديد وانتهت بتوقف عضلة القلب ووفاته وهو لم يتجاوز عمره الواحد والثلاثين عامًا.

وفي الواقع فإن مصطلح متلازمة القلب المكسور لم يُعرف إلا منذ عدة سنوات قليلة، حيث كان من المعتقد أن تعبير القلب المكسور هو مجرد تعبير مجازي يدل على ما يحمله القلب من أوجاع وأحزان وآلام نفسية شديدة، إلا أنه في عام 1991 اكتشفت العالم الياباني (دوت) أن هناك علاقة مضطردة بين الأحزان والآلام النفسية وبين ما يحدث للقلب فعليًا من تغييرات فسيولوجية تسبب ضعف عضلة القلب وقد تؤدي إلى الوفاة الفعلية.

لقد اكتشف العلماء أن هناك أسباب متعددة لإحداث متلازمة القلب المكسور من أهمها:

– الضغوط النفسية stress التي يتعرض لها الشخص والتي قد تصيبه بالقلق والتوتر، وخاصةً إذا كانت هذه الضغوط محملة بالإجهاد سواء البدني أو الذهني.

– أو تعرض الشخص لصدمات عاطفية أو أحداث حياة Life events سواء مؤلمة أو سارة مثل وفاة شخص عزيز أو خسارة مالية أو زواج أحد الأبناء أو الحصول على جائزة مالية كبرى، إذ قد تؤدي هذه الأحداث إلى حالة من الانفعال الشديد الذي يعمل على زيادة هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين في الجسم، وهما هرمونان يسببان ضيق شرايين القلب.

– أو الإساءات المتكررة من الأشخاص المقربين، سواء البدنية أو الجنسية أو اللفظية. إن كل هذه الأسباب تعمل على دخول الشخص في حالة من الحزن والوجع النفسي الذي يؤدي إلى تعرض الشخص لمتلازمة القلب المكسور.

وتمثل هذه المتلازمة 2% من عدد حالات الإصابة بالنوبات القلبية، وهي تشمل السيدات أكثر من الرجال، وخاصةً اللاتي تتجاوز أعمارهن الخمسين عامًا، حيث يقل هرمون الإستروجين لدى المرأة والذي يعمل على حماية جسدها من الارتفاع المفاجئ لهرموني الأدرينالين والنورأدرينالين. هذا بالإضافة لأن المرأة أكثر حساسيةً للضغوط النفسية من الرجل، حيث إن تفاعلها مع الأحداث أكثر حدةً.

وفي الواقع فإن الآلام والأحزان لها دور هام ومؤثر على الصحة الجسدية للإنسان، فقد تسبب نوعًا من فقدان الشخص لإحدى حواسه الخمسة وذلك مثل حاسة التذوق. فكثيرًا ما نسمع بأن الشخص المصاب بالحزن يفقد الاستمتاع بلذة التذوق حيث يعترف بأنه ليس للطعام أي مذاق، أو قد يفقد حاسة السمع وذلك مثل السيدة التي فقدت حاسة السمع، وذلك بعد أن تعرضت لصدمة وفاة ابنها، وهو أحد الميكانيزمات الدفاعية المعروفة باسم الانفصال Dissociation، أي انفصال النفس عن الجسد. وفي أحيان أخرى، قد تؤدي الأحزان إلى إصابة جهاز المناعة بالضعف، حيث يفقد الشخص القدرة على مقاومة الأمراض العضوية التي تواجهه.

إلا أن أصعب نتائج الحزن والوجع الذي يصيب الإنسان هي تعرضه لمتلازمة القلب المكسور، حيث يعمل الحزن على إفراز مادتي الأدرينالين والنورأدرينالين في الجسم كما سبق القول، وهو ما يؤدي بدوره إلى إصابة الأوعية الدقيقة الداخلية للقلب الضيق الشديد، وبالتالي يمنع الدم والأكسجين من الوصول إلى عضلة القلب. وهنا يشعر المريض بآلام صدرية شديدة شبيهة بالجلطات القلبية، حيث تصاب الأوعية الداخلية بتشنجات حادة تؤدي إلى ترهل عضلة القلب، بالإضافة للارتفاع المفاجئ في نسبة الإنزيمات التي تؤثر على كفاءة القلب، وقد تؤدي في النهاية إلى الوفاة. وقد ذكر لنا الكتاب المقدس تأثير الأحزان على النفس البشرية حينما قال الوحي المقدس: “بحزن القلب تنسحق الروح” (أم 15: 13).

كيف تتفادى متلازمة القلب المكسور:

يقول الطبيب العالمي مجدي يعقوب إن الفرح يطيل أعمار الأشخاص، فهو يعني الحياة، بينما الحزن هو الطريق القصير للموت. وقد ذكر لنا جراح القلب كيف أنه اجتاز أحداث الحياة المؤلمة وذلك عند وفاة زوجته، إذ قد تغلب على صدمة الموت بأن حوَّل الحزن إلى تعزية، وذلك عندما يتذكر مع أسرته كيف كانت شريكة حياته عطية من الله وسبب بركة لهم، وقد استطاع أن يستمتع بعشرتها طوال سنين حياته معها، وهو ما يؤكده لنا الوحي المقدس حينما ذكر أن الله “يحول اللعنة إلى بركة”.

– ابتعد عن الأشخاص الذين يؤذونك بكلماتهم الجارحة أو يصيبونك باللوم والذنب المستمر، ويسببون لك وجعًا وألمًا نفسيًا، فغالبًا ما يحملون في داخلهم مشاعر مملوءة بالمرارة والكراهية، فقد ذكر لنا الكتاب المقدس أن “كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس” (1 يو3: 15).

– حوِّل أحزانك إلى عمل مبدع وخلّاق، وتذكَّر أن أغلب الأعمال الناجحة والتي غيرت في حياة المجتمعات كانت بفعل معاناة نفسية عنيفة اجتازها الكُتَّاب والفنانون المبدعون.

– اخرج من دائرة ذاتك (آلامك وأحزانك) وطيِّب قلوب كل مَنْ حولك لتكون سبب بركة ونعمة وتشجيع وفرح للآخرين، وتأكد أنك ستسترد فرحك وسلامك أضعاف (المروي يروى).

 – التصق بالكلمة فهي مصدر الشبع الحقيقي، لقد قال السيد المسيح: “كلامي هو روح وحياة”، فهي “حياة للذين يجدونها ودواء لكل الجسد”.

وتذكَّر أن العلاج الحيوي والفعال والذي يصلح لحالة متلازمة القلب المكسور هو حضور شخص المسيح والروح القدس في حياتنا حيث يغمرك بالفرح والبهجة والانتعاش “فلا تكون إلا فرحًا”.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا