ماذا ينتظر الأقليات القومية والدينية في سوريا بعد سقوط الأسد وتولي الجولاني؟

0

نشأت أبو الخير

توالت ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية تعقيبًا على المشهد السياسي الجديد في سوريا، إذ تراوحت التعليقات بين ترحيب بسقوط بشار الأسد، وتحميله مسئولية ما حدث، والدعوة إلى توحيد الصف السوري وحماية السيادة وسلامة الأراضي السورية، وصولًا إلى الإعراب عن مخاوف مما قد ينتظر البلاد في المستقبل، وخاصة الأقليات.

لكن يراودني سؤال: لماذا في بلادنا العربية إما يكون النظام السياسي استبداديًا ديكتاتوريًا، ولنا أسوة في صدام حسين، ومعمر القذافي، وعلي صالح، وجعفر النميري، وحافظ الأسد، ومن بعدهم بشار الأسد، وحسن البشير، أو يكون البديل فاشية دينية مستبدة؟ لماذا لا يكون نظام حكم ديمقراطي لدول مدنية؟

لقد سقط بشار الأسد في أيام معدودة وكان سقوطه عظيمًا، ولم يستطع حلفاؤه كروسيا وإيران وحزب الله اللبناني الاستمرار في إنقاذه من السقوط والهروب، إلى جانب الدور الكبير الذي لعبته تركيا في هذا السقوط.

ثم تولت ما أطلقت على نفسها هيئة تحرير الشام قيادة العمليات العسكرية، وهي أقوى فصيل في سوريا حاليًا، وقد مرت بتحولات كبيرة في السنوات الماضية، حيث تأسست سنة 2012 باسم جبهة النصرة وتحالفت مع داعش قبل أن تنفصل عام 2013 وتبايع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ثم أعلنت فك ارتباطها بالتنظيم عام 2016 وغيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام. ومنذ تأسيسها، يقود الهيئة المدرجة على قوائم الإرهاب في العالم أحمد الشرع المعروف بمحمد الجولاني، والذي انضم لجماعات متشددة لقتال القوات الأمريكية في العراق عام 2003 قبل أن يعود إلى سوريا بعد عام 2011 لينخرط في الصراع السوري.

وقد كثرت التساؤلات في الآونة الأخيرة عن كيفية تعامل هيئة تحرير الشام ذات المرجعية الإسلامية مع الأقليات العرقية والدينية في سوريا وهي كثيرة، فبعد سقوط نظام بشار وسيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، تشهد سوريا تحولًا كبيرًا على الصعيدين السياسي والاجتماعي وهو ما ينعكس على مكونات الشعب السوري والذي يواجه مستقبلًا غامضًا في ظل تعدد الميليشيات وتوجهاتها، خاصةً المتشددة والمتطرفة. هذا التحول أثار القلق والمخاوف والتوجس لدى العديد من الأقليات في البلاد، خاصةً المسيحيين والعلويين والدروز والأكراد الذين يخشون من الاعتداءات من قِبل الجماعات المتطرفة.

فالمسيحيون يتكونون من الروم الأرثوذكس والأشوريين (السريان، الكلدان، الآراميين) والأرمن والإنجيليين والأرثوذكس والكاثوليك، وتتركز تجمعات منهم في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وعين العرب وغيرها، وُتعتبر بلدة معلولة ذات الغالبية المسيحية، تلك البلدة التاريخية الأثرية الواقعة في ريف دمشق، ذات طابع أثري حيث تبدو بيوتها وكنائسها القديمة وكأنها صفحة من صفحات تاريخ سوريا الممتد. لكن ماذا حدث لها يوم سقوط بشار؟ أصيب أهالي بلدة معلولة بحالة من الفزع وفر بعضهم باتجاه دمشق عقب انسحاب الجيش السوري من بلدتهم على أثر تقدم مقاتلي هيئة تحرير الشام الذين أطاحوا بحكم الأسد ثم عادوا لبلدتهم، ثم رأينا تعرض مقر مطرانية حماه للروم الأرثوذكس لاعتداءات شملت إطلاق النار على مبناها وتكسير الصلبان والرموز المسيحية.

ويبقى السؤال: ما هو مستقبل الأقليات الدينية والعرقية في سوريا؟ هل نستوعب دروس التاريخ ونتعلم من أخطاء الماضي فيكون النظام السياسي في الدولة السورية على أسس ديمقراطية لدولة مدنية تحترم حقوق جميع المواطنين على قدم المساواة وتستوعب كل المكونات على أساس الحقوق والواجبات والمواطنة؟ أم يكون البديل نظام حكم إسلامي متطرف، وهو ما تخشاه دول المنطقة ودول العالم لأنه في هذه الحالة سيستمر نزوح وهجرة المسيحيين والأقليات الدينية نتيجة التهميش والاضطهاد، مما قد يؤدي إلى تدخل المجتمع الدولي لحماية الأقليات، وقد تتعرض سوريا للتقسيم؟ وماذا يكون مردود ذلك على الدول المجاورة ودول المنطقة؟ نتمنى سلامًا لسوريا وشعب سوريا.

وقفات في محطات

الإخوان وما أدراك ما الإخوان، ذلك التنظيم الذي يقارب الـ 100 عام منذ أسسه حسن البنا في الإسماعيلية، ذلك التنظيم الإرهابي المتشح بالدين والذي بدأ بنشر قيم الإسلام والعمل الخيري ثم سرعان ما انخرط في العمل السياسي وربط عمله السياسي بالعمل الخيري. وقد مرت الجماعة على مدار تاريخها بعدة منعطفات؛ تحالفت مع ضباط 23 يوليو للإطاحة بالملك فاروق، ثم لعبت دورًا داعمًا لقادة 23 يوليو، ثم تحولت علاقتهم بجمال عبد الناصر من تعاون وتحالف إلى صدام عنيف وكراهية انتهى بمحاولة اغتياله في ميدان المنشية فحُكم على 6 من قيادتها بالإعدام وزُج بالإخوان في السجون. وف عهد أنور السادات، أفرج عنهم ودعاهم للعمل السياسي ومكَّنهم من الانتشار ودعمهم وأعطاهم أكثر مما كانوا يحلمون به، ثم انقلبوا عليه واغتالوه في حادث المنصة. وجاء حسني مبارك الذي سعى لتحقيق مطالبهم وسمح للتنظيم بالعمل السياسي والمشاركة في الانتخابات وعقد معهم الصفقات مما أدى لحصول الجماعة على 88 مقعدًا في مجلس الشعب، ولكنهم انقلبوا عليه وأطاحوا به بعد أن ركبوا انتفاضة الشعب في 25 يناير و28 يناير باقتحام السجون وحرق الأقسام والمديريات بمشاركة حماس وحزب الله اللبناني. وتم خلع مبارك وسجنه، وقفزوا على حكم مصر سنة 2012، وكان أسود عام في تاريخها بعد أن هددوا الشعب: يا نحكمكم يا نقتلكم، وهددوا بحرق مصر إلى أن قامت ثورة 30 يونيو 2013 وتم استرداد مصر. لذا كان الأمر محيرًا وتوجس المصريون حين جاء قرار محكمة الجنايات في مصر برفع أسماء 617 شخصًا من قوائم الكيانات الإرهابية. يصعب على البعض تذكر هواجس الماضي وأحداثه، خاصةً ما حدث مع المسيحيين والجيش والشرطة وحلم المصالحة والتوبة. فهل توقف هؤلاء عن أي نشاط إرهابي فعلًا؟ لكن ما يخشاه المصريون هو استغلال العفو ليتحول إلى فرصة يتكرر خلالها ما سبق من تحريض والعودة للأنشطة الإرهابية. وهذا ما يذكِّرنا بالمراجعات التي حدثت في التسعينيات مع أعضاء الجماعة الإسلامية التي قررت الإعلان عن التراجع عن أفكارها بالمراجعات الفكرية التي تمت معهم وما أن خرجوا من السجون حتى قرروا الارتداد على المراجعة الفكرية وعادوا للعنف والتحريض (لذا أجد نفسي معجبًا بعبقرية التعبير الذي قدمته الزميلة حنان فكري في تلك العبارة التي صاغتها في مقالها في جريدة “وطني”: “بين ضفتي العدالة والخوف تسكن الحيرة، بين ترحيب الحالمين بالانفتاح والتعايش الاجتماعي وتحفظ المتخوفين من العودة للتحريض ضد المجتمع… لذلك تظل القصة مفتوحة والخاتمة مرهونة بما ستكشفه الأيام من تبعات القرار”).

القراء الأعزاء: ونحن نودع عامًا مضى بحلوه ومره ونستقبل عامًا جديدًا بآمال جديدة عام 2025، نهنئكم بأعياد رأس السنة والكريسماس وعيد الميلاد وعيد الغطاس. أعاد الله عليكم تلك الأيام بالخير والأمان والسلام، ونصلي أن يعم السلام العالم كله ومبارك شعبي مصر. كل سنة وأنتم طيبون. كل عام وأنتم بخير.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا