عندما قرر كوبرنيكوس إصدار كتابه المعنون: “حركات الأفلاك”، في زمن البابا بول الثالث الذي كان يتميز بنزعة إنسانية وبذهنية علمية، كان لديه إحساس بالأمن بعد قلق استمر لمدة ستة وثلاثين عاماً. أهداه له وجاء فيه أن ثمة نظريتين عن حركة الأفلاك: الأولى منسوبة إلى أرسطو والثانية إلى بطليموس وهما غير كافيتين، ومن ثَمَّ فلا مانع من إضافة نظرية ثالثة عثر عليها في إحدى المخطوطات اليونانية. وقد تسلم نسخة من مخطوطه قبل وفاته بساعات.
وفي أغسطس من عام 1563، ظهر طالب دنماركي لديه طموح إلى أن يكون من علماء النفس اسمه تيخو براهي. لم يكن معروفاً إلا لعلماء الفلك، ولم يكن لديه نسق فلكي مثل كوبرنيكوس، كما لم يكن مكتشفاً قوة جديدة مثل قوة الجاذبية لدى نيوتن. وقد وُلِدَ بعد ثلاث سنوات من استلام كوبرنيكوس أول نسخة من كتابه. ومع نموه العلمي في سياق علم الفلك، تسلم كتاباً مذهلاً في وصف تركيبة الكون من معلم الرياضيات جوهانس كبلر اكتشف فيه جرأة؛ فدعاه لكي يكون مساعداً له فالتقيا. وإثر موت تيخو براهي، انفرد كبلر بتنوير رؤية الإنسان للكون فارتأى أن الكواكب تتحرك بسبب قوة الشمس. وكان هذا أول إطار نظري جديد اسمه علم الفلك الفيزيائي. وفي عام 1930، تم الاحتفال بمرور ثلاثمائة عام على وفاة كبلر. وفي أغسطس من عام 2009، عُقد مؤتمر دولي تحت عنوان: موروث كبلر في عصر الفضاء، بمناسبة مرور أربعمائة عام على الكتاب وعنوانه: “علم الفلك الجديد”، وهو نتيجة أبحاثه في كوكب المريخ لمدة تسع سنوات وفيه اكتشف الأسباب الفيزيائية لحركات الكواكب في سياق قوانين جبرية. وكل ذلك في سياق إدخال تعديلات على نموذج كوبرنيكوس. ونشير هنا إلى الفترة التي استغرقت 144 عاماً، ابتداءً من كتاب حركات الأفلاك لكوبرنيكوس في عام 1543 إلى مبادئ نيوتن في عام 1687. وكانت معظم المكتشفات العظيمة ثمرة مشاركات. فمؤلفات كبلر متداخلة مع مؤلفات تيخو براهي. أما جاليليو فلم يكن له مشاركون معترف بهم، ومع ذلك فإنه يمكن القول إن نظريات جاليليو توليفة من تيخو وكبلر.
والسؤال إذن: مَنْ هو جاليليو؟ مولود في عام 1564 في بيزا بإيطاليا، وأثناء وجوده ببيزا كان مغرماً بدراسة مؤلفات أرشميدس وتحليل سقوط الأجسام. وبعد ذلك، عُين أستاذاً للرياضيات. وفي جامعة بيزا كان معجباً بنظرية أرسطو عن الكون ثم هجرها إلى نظريات تيخو وكبلر، ومعهما انتهى إلى أن الجسم في حاجة إلى قوة لكي يتحرك ويستمر في الحركة بنفس السرعة وفي نفس الاتجاه بلا نهاية. وقد اقتبس نيوتن هذا القانون من جاليليو وأدخله ضمن قوانين الحركات الثلاث. وفي عام 1630، عاد إلى روما للحصول على موافقة بإصدار أهم مؤلف له وعنوانه: “حوار حول أهم نسقين عن العالم”، والذي نُشر في فلورنسا في عام 1632، إلا أنه في أكتوبر من ذلك العام استُدعي من مكتب محكمة التفتيش وأشيع بعد ذلك أن جاليليو هو شهيد العلم إلا أنه قيل بعد ذلك إن هذه الشائعة ليست صحيحة لأن ذلك الاستدعاء لم يتم إلا في عام 1632، أي بعد تسعة وثمانين عاماً من موافقة الكنائس الأوروبية على موافقة تداول آراء كوبرنيكوس. وفي حينها، تحددت إقامته. وفي عام 1638، أصبح أعمى إلى أن توفي في 8 يناير 1642. ولكن في عام 1939، أعلن البابا بيوس الثاني عشر أن جاليليو من أعظم العلماء واعتذر عما حدث له من متاعب. وفي 31 أكتوبر من عام 1992، اعتذر أيضاً البابا جون بول الثاني عما حدث لجاليليو وأعلن أن المجلس البابوي للثقافة قد أقر أن الأرض متحركة.
وفي سياق ثورية جاليليو جاءت ثورية نيوتن. فمن هو؟ إنه مولود في العام الذي توفي فيه جاليليو وكان طفلاً ضعيفاً ومن ثَمَّ لم يكن متوقعاً أن يحيا بعد اليوم الأول من مولده. وأبوه مات قبل أن يولد وأمه تزوجت للمرة الثانية بعد أن كانت أرملة، وعاش نيوتن مع جدته لأمه تسع سنوات. والتحق بجامعة كمبردج لينال درجة علمية في الرياضيات، وفي حينها نشأت الفلسفة الحديثة ومعها نشأت نظرية مركزية الشمس لكوبرنيكوس وكبلر. ووضع جاليليو أسس الميكانيكا الجديدة. وفي فرنسا، بدأ ديكارت صياغة مفهوم جديد عن الطبيعة، إلا أن كل هذا التقدم لم يكن له تأثير على نيوتن، لأن جامعة كمبردج كانت في قبضة فلسفة أرسطو التي تستند إلى نظرية مركزية الأرض، ومن ثَمَّ انغمس نيوتن في هذه الفلسفة. وله عبارة مشهورة: “أفلاطون صديقي وأرسطو صديقي، ولكن الحقيقة هي الأفضل.” وفي مذكراته قال إنه كان مغرماً بقراءة مؤلفات عن الفلسفة الحديثة والرياضيات. وبعد نيله درجة البكالوريوس في عام 1665، ومع انتشار وباء ملعون، أغلقت جامعة كمبردج أبوابها لمدة سنتين، إلا أن نيوتن واصل أبحاثه العلمية فصاغ القانونين الأول والثاني من قوانين الحركة. وبعد ستين عاماً، صاغ قانون الجاذبية، ولكنه واجه اضطراباً في فهم اتجاه القوة التي تولد السرعة إذ تصور أنها قوة واردة من الخارج ومن ثَمَّ لم يفهم كيف تكون الشمس جاذبة للكواكب، إلا أن العالم الفلكي البريطاني آرثر ادنيجتون كانت له رؤية مغايرة أوجزها في وجود ذرة واحدة في البداية مع ما يُسمى البيج بانج أي اللحظة التي خرج فيها الكون إلى الوجود. وقد اكتملت هذه الرؤية بعد ستين عاماً من النظرية القائلة إن الكون يتحدد.