أجاب عن هذا السؤال الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الثامن للشباب الذي انعقد في 14/9/2019، وجاء الجواب على النحو الآتي: باستثناء الثوابت فإن الخطاب الديني في العالم الإسلامي المكون من 55 دولة متخلف في تفسيراته سبعمائة عام، لأنه مصطدم مع الحياة ومع الإنسانية ومع التطور. ثم استطرد الرئيس قائلًا: إن تكلفة مواجهة الإرهاب تُقَدَّر بمليارات الدولارات في حين أن تكلفته من قِبل الجماعات الإرهابية بسيطة للغاية. واللافت للانتباه أن دولًا بعينها حاضنة لهذا الوحش الذي هو الإرهاب. ثم أضاف قائلًا: شاعت ظاهرة الخروج من الدين، بل إن الدين نفسه فقد ظله، ومع ذلك فليس لدينا مركز واحد لمواجهة الإرهاب فكريًا.
والرأي عندي أنه بسبب غياب هذا المركز لم يعد في الإمكان منع الإرهاب من التصاعد. ولا أدل على هذا التصاعد مما جاء في أربعة تقارير وهي على النحو الآتي:
التقرير الأول صادر عن مجلس نادي روما وعنوانه “الثورة الكوكبية الأولى” (1991)، وجاء فيه أن قوى السوق محكومة بجنون الربح أيًا كانت الظروف، وأن تجارة المخدرات أكثر ربحًا من تجارة البترول، وأن التعايش بين القيم أصبح موضع تساؤل بعد بزوغ الأصولية، وأن الفوضى والهمجية والعنف من علامات العصر، وأن العنف يولد الإرهاب الذي يجذب المتعصبين.
والتقرير الثاني عن حالة وسائل الإعلام العربية جاء فيه أنه حتى منتصف الثمانينيات كانت بعض الصحف العربية ممولة من العراق وليبيا. وفي عام 1989، اتُهمت ليبيا بالضلوع في حادثة لوكيربي وحوصرت دوليًا فتوقفت عن تمويل الصحف التي لم تقف إلى جوارها. وأجبر العراق على الخروج من لعبة التمويل بعد حرب الخليج 1991.
والتقرير الثالث عنوانه “تنظيف الاقتصاد الكوكبي” وجاء فيه أن ثمة مالًا دوليًا يقع خارج الاقتصاد الدولي الرسمي قيل إنه يصل إلى 500 بليون دولار، وقيل أيضًا إنه يصل إلى 100 بليون دولار سنويًا.
والتقرير الرابع عن علاقة بين المخابرات المركزية الأمريكية والأصولية الإسلامية والمخدرات، وجاء فيه أن حكمتيار كان يتلقى وحده ما يوازي 60% من المعونة الأمريكية طوال فترة الحرب بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي سابقًا والتي قُدِّرت بنحو ثمانية مليارات من الدولارات، بل إن الأمر وصل بالمخابرات المركزية الأمريكية إلى تسهيل تهريب كميات هائلة من الهيروين، فالناقلات التي كانت تُستخدم في نقل الأسلحة من باكستان إلى أفغانستان لم تكن تعود فارغة بل كانت تعود مملوءة بالمخدرات. وكانت النتيجة أن باكستان التي لم يكن بها مَنْ يتعاطون الهيروين في عام 1979، قد أصبح بها أكثر من مليوني متعاطٍ قرب نهاية الحرب.
واللافت للانتباه هنا أن هذه التقارير الأربعة تكشف عن علاقة عضوية بين ثلاث ظواهر كوكبية وهي الرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية والإرهاب. ومن هنا تلزم إثارة السؤال الآتي: ما هو القاسم المشترك بين هذه الظواهر الكوكبية الثلاث؟
أستعين في الإجابة عن هذا السؤال بالقانون الثاني لعلم الديناميكا الحرارية، وهو أن الإنتروبي، أي النتوء، في ازدياد بلا نقصان وهو في النهاية يفضي إلى الموت، لأنه يماثل الصدفة أو الفوضى. وقد قيل عن هذا القانون إنه لا ينطبق إلا على الأنسقة المغلقة، حيث يمتنع التفاعل بين النسق والبيئة. وحيث إن كلًا من الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية نسق مغلق لا يتفاعل مع المسار الحضاري المتجه من الفكر الأسطوري إلى الفكر العقلاني، فإن الإرهاب وهو ثمرة الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية هو أيضًا نسق مغلق، وبالتالي ينطبق عليه القانون الثاني لعلم الديناميكا الحرارية. والجدير بالتنويه أنني قد انتبهتُ إلى مفهوم النسق المغلق عندما كنتُ طالبًا بالسنة الثانية بقسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول في عام 1945. وكان الفضل في هذا الانتباه مردودًا إلى قراءتي لكتاب فيلسوف التنوير الألماني كانط المعنون “نقد العقل الخالص” والذي يكشف فيه أن وظيفة العقل هي التوحيد، وذلك لأن الظواهر المدركة كلها ظواهر مشروطة، بمعنى رد كل ظاهرة إلى ظاهرة أخرى سابقة عليها. غير أن المشروط يستلزم في النهاية لا مشروط، أي يستلزم مطلقًا حتى يمتنع التسلسل إلى ما لا نهاية. والانتهاء إلى اللامشروط حركة يقوم بها العقل من تلقاء ذاته لتوحيد المعرفة توحيدًا نهائيًا. إلا أنني مع التطور أدركتُ أن هذا النسق المغلق مانع من تطوير الحضارة، ومن هنا يلزم تأسيس نسق آخر منفتح لكي يسمح بهذا التطوير. وكان الفضل لمفهوم النسق المنفتح مردودًا إلى الفيلسوف الفرنسي برجسون، وذلك في كتابه المعنون “التطور الخالق”. والمغزى بعد ذلك كله كامن في منع النسق المغلق من التحكم في الحضارة، لأن من شأن هذا التحكم نهاية الحضارة. وإذا كانت الظواهر الثلاث وهي الرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية والإرهاب متحكمة الآن، فمعنى ذلك أنها تشكل خطورة الانقضاض على الحضارة، أو بالأدق تشكل نهاية الحضارة.
والعالم الإسلامي متهم بأنه حاضن لهذه الظواهر الثلاث، فهل معنى ذلك أن يكون متهمًا بتدمير الحضارة؟ أستعين في الإجابة عن هذا السؤال بكتاب عنوانه الرئيسي “المعلومات والعالم الإسلامي”، وعنوانه الفرعي “إستراتيجية للقرن الحادي والعشرين”، لمفكر باكستاني اسمه ضياء الدين سردار. أما تأليفه لذلك الكتاب فمردود إلى بحث كان قد ألقاه في افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر الثاني لأمناء المكتبات الإسلامية وعلماء المعلومات تحت عنوان “المعلومات والعالم الإسلامي”. وقد انتهى هذا المؤتمر إلى توصية تنص على ضرورة وضع إستراتيجية للمعلومات للعالم الإسلامي. والسؤال إذن هو: هل إذا حدث ذلك يتوقف الإرهاب؟