لعبة المتنصرين.. و “كش ملك”

64

العدد 44 مايو 2009
لعبة المتنصرين.. و “كش ملك”

     من يتابع ما يحدث في مصر اليوم فيما يتعلق بقضية المتنصرين أو كما يحلو للبعض أن يطلق عليهم “العابرين” يرى أن الموضوع يتم التعامل معه كلعبة الشطرنج التي لابد أن يستخدم فيها الطرف المهاجم عبارة كش ملك، وإن لم يتحرك الملك بعد سماعه هذه الكلمات لمات وأصبح في خبر كان. وهذه اللعبة قديمة قدم التاريخ مع الاختلاف في أدواتها.

     ومع أن هذه اللعبة قد تطورت كثيراً في الآونة الأخيرة إلا أن لاعبيها في مصر مازالوا يستخدمون الطرق القديمة، والخطط المفضوحة البالية المعادة، ومازالوا يعرضون الملك للقتل في نهاية كل دورة، فنحن لا نتعلم من أخطائنا أبداً. واللعبة دائماً تدور بين الحكومة والأمن والصحافة والأزهر والقضاء والكنيسة من ناحية، والمسكين المتنصر الذي يواجه كل هؤلاء بمفرده كما يتحرك عسكري الشطرنج في المحاولة للوصول للصف الأخير للعدو فيرتقي ويصبح أكثر تأثيراً في حركة هذه اللعبة.

     وكما قلت وكتبت سابقاً أن لعبة المتنصرين لا تلعبها جماعة صغيرة من الخارجين على الدين ليعتنقوا دين المسيح، فلو كان الأمر بهذه البساطة والسهولة لما كانت هناك مشكلة ولا لعبة ولا غالب أو مغلوب، ولكن لعبة المتنصرين اليوم قد دخل عليها الكبار والصغار المسئولين والمغرضين، الأجانب والمحليين وحيث أننا شعب تحكمه عواطفه وليس عقله بما ينبغي من أن يكون في هذا العقل من حسابات وخطط، وموازنات للأمور، فأصبح الكلام عن لعبة المتنصرين ضمن المحظورات، والجهات الرسمية تصر على دفن رؤوسها في العسل وتتظاهر بأنها لا تعرف أصلاً أن هناك متنصرين مصريين وعرباً بكمية ليست بقليلة، وإن استطاع صحفي أو كاتب أو رسام الكلام عن هذه اللعبة خرجت كل هذه الجهات مجتمعة لتقول له كش ملك، فلا يكون منه سوى أن يتراجع ويتعانق مع الواقع، وفي النهاية عاش الصليب مع الهلال.

     أليس هذا عين ما حدث في قضية أندرو وماريو ثم محمد حجازي وزوجته وابنته الصغيرة، وأخيراً ماهر المعتصم بالله وابنته، وهذه القصة الأخيرة هي أوضح مثال وأعنف شوط في لعبة المتنصرين. فقد أجبر ماهر المعتصم بالله وابنته على أن يلعبا شوطاً ساخناً مع القضاء المصري، بدأ الشوط بإعلان ماهر عن قبوله للسيد المسيح تبارك اسمه رباً وفادياً ومخلصاً، تقدم بطلب لتغيير بيانات بطاقته، اعتبره المسئولون ورجال الدين والأمن كمن يحرك قطعة من الشطرنج في وجههم ويقول لهم “كش ملك”. وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد غالباً لا يكون للعساكر تأثير كبير في نهاية الشوط، لابد من قطعة كبيرة تتحرك ضده، فيل، أو وزير، أو حصان الوزير يقف في مكان استراتيجي بعيداً يراقب الشوط ولا يتحرك بسهولة، نزل أمامه فيل القضاء. فمن يستطيع أن يقف ضد الفيل، الفيل يخفس الأرض وما عليها ومن عليها تحت أقدامه وليس منقذ. رأى الفيل أن يطلب من ماهر المعتصم بالله أن يقدم شهادة للمعمودية، وبعد أن قدم فيل القضاء هذا الطلب غير الشرعي أو القانوني، فليس هناك قانون مصري أو عربي يطالب من اعتنق المسيحية أن يقدم شهادة المعمودية حتى يتم الاعتراف به من السلطات ضمن المسيحية، ألقى القضاء المصري بهذا الطلب في وجه ماهر المعتصم بالله وفي وجه الكنيسة المصرية على اختلاف طوائفها وكأنه يصرخ في الكل “كش ملك”.

     فمن يستطيع في مصر من كهنة أو مسئولين في الكنيسة أن يتحدى الفيل والملك وأن يقدم شهادة معمودية لهذا المتنصر، إن فعلوا داسهم الفيل بقدميه متهماً إياهم بالتحريض على التنصير وزعزعة الأمن في البلاد، وتربص بالقائمين بالتعميد من نصبوا أنفسهم للدفاع عن دين الله في الأرض، ووضع رؤوساء الطوائف المسيحية في موقف محرج أمام السلطات والأمن والأزهر وفيل القضاء. ومن خلال مشاهدتي لهذا الشوط في هذه اللعبة حامية الوطيس أرى الفيل وقد ابتسم ورفع زلومته منتصراً مطمئناً الملك والوزير والعسكر الراجلة والمعتلية للأحصنة بأن الشوط انتهى لصالحهم كما هو الحال في كل مرة سابقة، صفق المشجعون للفيل وانتظروا موت الملك. وكانت المفاجأة، أن تحرك العسكري ماهر المعتصم بالله وقدم شهادة معموديته التي جاءت من خارج مصر وكأنه يقول لمحاوريه “كش ملك” فلقد طلبتم شهادة المعمودية وها هي شهادة المعمودية، صفق المشجعون لماهر.

     تقدم حصان جامح واتحد مع الفيل ووقفا في وجه ملك ماهر المعتصم بالله وطلبا طلباً آخر خارج أصول اللعبة وقوانينها، طلبا من العسكري ماهر المعتصم بالله شهادة تفيد انضمامه لأحد الكنائس المصرية، وهنا ظن الفيل والحصان أنهما ضربا الملك في مقتل، فمن هو الراعي أو الكاهن الذي سيظهر في الشوط في هذه المرة، في المرة الأولى كان اللاعب المُعَمد خارج مصر، أما في هذه المرة فلابد من وجود رجل دين مسيحي مصري يقف بجوار العسكري المجاهد ماهر المعتصم بالله ويمنحه شهادة عضوية الكنيسة. ولن أخوض فيما يمكن أن تسببه هذه الشهادة من مشاكل ومتاعب ومدى مشروعيتها والحكمة من وراء هذا الطلب، لكن في شجاعة نادرة وسبق روحي لم يحدث من قبل، قدم القمص متياس نصر كاهن كنيسة السيدة العذراء مريم والبابا كيرلس بعزبة النخل الشهادة المطلوبة، وكأنه يقول بأعلى صوته “كش ملك”.. تماماً كما وقف موسى كليم الله في القديم ورفع صوته في محضر فرعون مصر وقال له يقول ملك العبرانيين يهوه الإله القدير “أطلق شعبي ليعبدوني”. وما زلنا ننتظر نهاية هذا الشوط. وبغض النظر عن النتائج ونوع النهاية، فكمواطن مسيحي مصري عاش أجدادي في هذه البلد قبل وفود المستعمر إليها أطالب بحق دماء أهلي وأرواح أجدادي التي سالت على هذه الأرض، التي راحت ضحية لأجل تسليمنا حق الإنجيل المقدس، أطالب الكنيسة بكل مسئوليها بعقد لقاء عاجل لتعلن للعالم أجمع وقوفها مع كل من يختار بمحض إرادته أن يدين بدين المسيح، أطالبهم بعمل لجان مسيحية موحدة تتولى إصدار أية شهادات رسمية وأوراق يطالب بها المتنصر، لابد أن يكون هناك سجل تفصيلي كامل بأسمائهم وأحوالهم، لابد من متابعتهم روحياً للتأكد من أن دخولهم للحياة مع المسيح بلا غرض أو عزم حسب الجسد، بل جاءت بطريقة روحية سليمة، لابد لهذه اللجنة أن تضم محامين ورجال قانون للدفاع عنهم أمام القضاء والهيئات الرسمية، لابد من صدور شهادات عضوية لهم من طوائف مسيحية مختلفة وليس من كنيسة فرعية أو كاهن واحد، لابد لهذه اللجنة أن تضم متخصصين في التربية والتعليم المسيحي الكتابي الصحيح الذي يضمن تقدم وبناء المتنصر الروحي، لابد من أن تضم هذه اللجنة مشيرين للاستماع للمتنصرين وحل مشاكلهم النفسية والاجتماعية، لابد من التضافر لتمويل هذه اللجنة وتزويدها بكل الإمكانيات التي تعين المتنصر على العيش حياة كريمة وحتى يتعلم أن يكسب رزقه من عرق جبينه، لابد من نشر تقرير سنوي رسمي من هذه اللجنة عن أعداد المتنصرين، وقضاياهم المختلفة، وموقف السلطات الحكومية والأمن منهم في كل البلاد العربية على الأقل. لابد أن تطالب هذه اللجنة بقانون موحد لتغيير الملة أو الدين. لابد أن تولي الكنيسة اهتماماً خاصاً بقضية زواج المتنصرين وأن تصدر لهم كغيرهم من المسيحيين العاديين عقود زواج وفقاً للشريعة المسيحية. لابد من الاهتمام بتربية أولاد المتنصرين والاهتمام بهم نفساً وروحاً وجسداً، لابد لهذه اللجنة من التواصل مع السلطات الحكومية، والأمنية والاجتماعية والدينية لضمان رعاية المتنصرين وأسرهم وأولادهم. وعلى المتنصرين أن يتحدوا معاً ويقوموا بتسجيل أسمائهم وظروفهم والإبلاغ عن كل ما يواجههم، لابد من التضامن معاً في قضايا موحدة حتى يعرف الجميع حجم المأساة التي يعيشونها، لابد لهم من المواظبة على حضور الكنيسة ودراسة الكتاب المقدس ومشاركة إيمانهم وما حصلوا عليه من سلام وفرح وضمان للحياة الأبدية مع غيرهم. والإله القدير الذي حفظ الكتاب المقدس وحفظ كنيسته من كل سهام العدو الملتهبة هو قادر على حمايتهم إلى يوم مجيئه.. اللهم فاشهد.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا