حبا الله لبنان البلد الجميل بالموقع الجغرافي الفريد وجمال الطبيعة الخلابة حتى أطلق عليه سويسرا الشرق. وفي هذا الوطن الصغير، تلاقت على شواطئه الثقافات والحضارات والديانات والجنسيات المتنوعة، فشعب لبنان الراقي المثقف العاشق للحياة والجمال كان محتضنًا للكل، والتعددية في لبنان هي إحدى نقاط تميز النموذج اللبناني لكنها هي أيضًا إحدى عناصر التعقيد الشديد في هذا النموذج الفريد. فبرغم الطائفية في مكونه السياسي والاجتماعي، إلا أن الشعب اللبناني يتعايش مع بعضه بصورة فريدة جامعة ويعلم تمامًا أنه من رابع المستحيل إقصاء أي مكون من مكونات المجتمع اللبناني، بل يؤمنون بالعيش المشترك رغم بما ألم بالمجتمع اللبناني من حرب أهلية وحروب حدودية نتيجة التدخلات الدولية والإقليمية، فالنموذج الطائفي في لبنان حاضر بشدة، فرئاسة الجمهورية للموارنة المسيحيين ورئاسة الحكومة للسنة من المسلمين ورئاسة مجلس النواب للشيعة من المسلمين. ورغم ذلك، عاش اللبنانيون في وئام وسلام إلا في فترات الحروب والتي فُرضت علية بفعل التدخلات الخارجية، دولية كانت أو إقليمية أو من بلاد الجوار. وبرغم التقسيم الطائفي، فمن الناحية الشكلية لا يستطيع أي مكون من القوى السياسية أن يدعي لنفسه الصفة التمثيلية لعموم اللبنانيين أو حتى لغالبيتهم العظمى أو إقصاء مكون من المكونات الرئيسية. هذا الوطن الصغير عانى من أهوال الحروب الأهلية والحدودية والتي كانت أبرزها الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا وامتدت من 1975 حتى سنة 1990 وانتهت باتفاق الطائف. ففي هذا الاتفاق، تم تقليص النفوذ الواسع لرئيس الجمهورية “الماروني المسيحي” وتعزيز دور مجلس الوزراء مجتمعًا برئاسة رئيس الحكومة “المسلم السني” وأيضًا تضخيم نفوذ رئيس مجلس النواب “المسلم الشيعي” الذي صار يُنتخب لمدة عمر المجلس. ومن ناحية أخرى، أقر الاتفاق المناصفة في عدد النواب بعدما كانت الغلبة للمسحيين بنسبة 6 إلى 5. بعد الطائف، تولدت قناعات لدى البعض بأن اتفاق الطائف جاء لمصلحة السنة وحدهم، ومع الضغط السوري الساعي لإضعاف رئيس الحكومة السني لصالح الشيعة السياسية الصاعدة اختارت قوى مسيحية مثل “التيار الوطني الحر” الاستقواء بحزب الله أملًا في أن يستعيد لها الحزب ومَنْ خلفه الصلاحيات السابقة التي تقلصت بعد الحرب والطائف وهو ما لم يحدث. أما عن التدخلات فكان أبرزها الهيمنة السورية على مقاليد الأمور والحكم في لبنان بما يشبه الاحتلال، والتي تخلصت منها لبنان بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري واتُهم فيه حزب الله بدعم من المخابرات السورية فانسحبت سوريا بفعل الضغط الدولي. أما التدخل الآخر فهو الإيراني الذي أوجد ذراعًا قويًا له في لبنان ومده بالسلاح والعداد والمال ألا وهو حزب الله اللبناني الشيعي، هذا الحزب الذي كان سبب نكبات لبنان والذي كان بمثابة دولة داخل دولة فصادر القرار السياسي والعسكري للدولة اللبنانية. وكان هناك أيضًا تدخل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، والتي أصبح مقرها في لبنان، حيث استقوت على الحكومة والشعب اللبناني واتخذت من جنوب لبنان نقطة انطلاق لمهاجمة إسرائيل وتطورت الأمور حتى الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975 واستمرت حتى خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في حرب لبنان عام 1982 نتيجة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 والذي أخرج منظمة التحرير من لبنان، ثم جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في سنة 2006 واجتياح بيروت. ثم كان تحرش حزب الله بإسرائيل من خلال جعل جنوب لبنان جبهة مساندة لحرب غزة، فبدأ الهجوم على إسرائيل يوم 8 أكتوبر عقب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 والذي جرى فيه الهجوم على إسرائيل. ونتيجة الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، كان الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان بعد أن شنت هجومًا ضاريًا على حزب الله المتحصن في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت واغتالت إسرائيل قيادات الصف الأول وعلى رأسهم حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله. ونتيجة الهجوم الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، نزح أكثر من مليون شخص إلى الداخل اللبناني، ومُني حزب الله بخسائر فادحة. وما زالت المعركة محتدمة بين حزب الله وإسرائيل من جهة والتهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل من جهة أخرى وهو ما يثير مخاوف من تحول الصراع إلى حرب إقليمية.
أعود إلى لبنان والذي تحمل كل ويلات الحروب منها الحروب المفروضة عليه والتي ليس له ذنب فيها.
* ومن هنا نرى من أجل إنقاذ الوطن الجريح أن تتضافر كل الجهود الدولية والإقليمية والعربية والهيئات الدولية ممثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى جانب تضافر القوى السياسية على اختلاف انتماءاتها والشعب اللبناني ككل لاسترداد الدولة اللبنانية. ولكي يتم استرداد الدولة، لا بد من انتخاب رئيس توافقي للجمهورية ووقف الحرب وتنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي سنة 2006، والذي لا يسمح سوى للجيش اللبناني بحمل الأسلحة في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني عبر تسليح الجيش اللبناني وتقويته وإرساله إلى الجنوب بالتنسيق مع قوات اليونيفيل والتي تقوم بمهامه كاملة كقوات حفظ السلام مرسلة من الأمم المتحدة، وأيضًا تنفيذ القرار رقم 1559 الذي يطالب فيه مجلس الأمن بحل كل الجماعات المسلحة ونزع سلاحها، وهو ما يعني ضمنيًا نزع سلاح حزب الله، فلا بد للبنان من رئيس ولا بد أن يكون للبنان جيش واحد وسلاح واحد وقرار عسكري واحد. هذه هي بداية الوصول إلى الدولة الموحدة، فهل يستيقظ الضمير العالمي وتتدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي لإنقاذ لبنان من ويلات الحروب واسترداد الدولة اللبنانية من حزب الله؟
تذكرت ما جاء في (مزمور 137): “على أنهار بابل هناك جلسنا بكينا أيضًا عندما تذكرنا”، فبكيتُ بدوري على لبنان البلد الجميل الذي زرته مرتين وعشقته وأحببتُ شعبه. وقد أهداني وقتها الراحل الكريم الدكتور القس غسان خلف اللاهوتي الشهير كتابه “لبنان في الكتاب المقدس”.
دعواتي بالسلام للبنان البلد الشقيق ولشعب لبنان، وليحل الله بالسلام في كل منطقة الشرق الأوسط.