في البداية أود أن أهنئ الشعب المصري كله بانقضاء سنة الكورونا ٢٠٢٠، وأصلي أن يكون عام ٢٠٢١ سنة الشفاء الجسدي والنفسي والروحي والتعويض والمحبة والسلام، كما أهنئ الشعب القبطي بذكرى ميلاد وتجسد المولى – تبارك اسمه – في شخص الرب والسيد يسوع المسيح.
أما بعد، فلقد كنت أتمنى أن يكون مقالي لشهر يناير ٢٠٢١ خاليًا من ذكر المشاكل والخلافات والقضايا الشائكة بين المسيحيين والمسلمين في مصر، لكن الحكم ببراءة المتهمين في إيذاء وتعرية سيدة الكرم، وتهديد ووعيد محامي المتهمين لها ولعائلتها برفع قضية ضدها ومطالبتها بتعويض مادي للمسيئين إليها لما سببته هي، على حد قول المحامي، من إيذاء وضرر لمن عروها وأهانوها علنًا في وضح النهار كان سببًا من الأسباب التي دفعتني للحديث عن هذا الأمر.
لكن، والحق يقال، إن هذا الحكم ببراءة المذنبين، بالرغم من أهميته القصوى، بالنسبة للسيدة المتضررة ولنا كمسيحيين مصريين جميعًا، وبالرغم من ضرورة الكتابة عنه، إلا أن هذا الأمر لم يكن أقوى الأسباب ولا أهمها بالنسبة لي للكتابة عن هذا الحكم الجائر والمتحيز غير الموضوعي أو المبني على صحيح الأقوال والأدلة والبراهين والذي يؤكد عدم المساواة بين أفراد الشعب المصري وتمييز أحدهم عن الآخر بسبب الدين، لكن الأمر الذي دفعني للكتابة عن هذه القضية هي أن العدو الشرير، الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، يحاول باستمرار أن يبعد الأنظار عن حقيقة ما يحدث مع الأقباط في مصر ويحاول أن يجعل الشعب القبطي لا يرى أو يدرك أو حتى يفكر في أن القضية القبطية هي “قضية شعب” وليست قضية أفراد. فيقلل من أهمية القضية القبطية حتى في أذهان الأقباط أنفسهم، فكم بالحري مع غيرهم من المحيطين بهم!، ويحاول العدو أن يجعل القضية القبطية قضية كنائس مبنية من طوب وطين يتم تقنين حالتها والاعتراف بوجودها والسماح للمصليين أن يصلوا فيها، العمل الذي يراه المسيحيون عملاً بطوليًا من الحكومة المصرية يشكرون عليه لا عملاً كان لا بد أن يكون تلقائيًا منذ بداية العبادة في تلك الأماكن حيث أنها أماكن عبادة لأصحاب الأرض المصرية، أو امرأة واحدة مسنة في صعيد مصر، حتى لو كانت أم قد تعرت وأهينت أمام أهل قريتها، ويصرف أنظار الأقباط أن هذه الأم تمثل شعب بأكمله وأنه في تعرية امرأة واحدة قبطية يكون الشعب القبطي كله قد تعرى، وحتى إذا تم ستر العجوز التي قد تعرت بعد دقائق من وقوع التعرية، إلا أن للشعب القبطي كله أربعة عشر قرنًا من الزمان وهو معرى، ولا يعلم أحد متى سيتم ستره وتغطية ما تعرى منه، هذا إن كان سيُستر ويُغطى على الإطلاق، لا يعلم هذا إلا علام الغيوب، سبحانه.
ويحاول أن يختزل عدو الأقباط أيضًا القضية القبطية لتصبح قضية طالبة متفوقة في الثانوية العامة حصلت على صفر لأن شخصًا ما قد سرق ورقة إجابتها واستبدلها بورقة طالب فاشل صايع يعيش هو ووالداه على ظلم المسيحيين وخطف مجهودهم وفرحتهم وإنجازاتهم، وهذا أيضًا ليس بالغريب على مصر والمصريين، فما سرق من الأقباط على مر العصور من تاريخ ولغة وتفوق وإنجازات للبشرية أكبر بما لا يقاس من سرقة أوراق امتحان طالبة واحدة أو حتى كل الطلاب المسيحيين بالثانوية العامة.
وهكذا الحال أيضًا مع محاولة اختزال القضية القبطية، إلى قضية خلاف بين عائلة مسيحية وعائلة مسلمة، كما ادعت السلطات المصرية في عصر الرئيس المؤمن السادات. إن الحقيقة وراء تفجير أحداث الزاوية الحمراء الدموية كان بسبب نشر غسيل مبلل أدى إلى إسقاط قطرات من الماء من بلكونة الأسرة المسيحية على غسيل الأسرة المسلمة التي كانت تسكن في الطابق الأسفل لسكن الأسرة المسيحية، هذا بالإضافة إلى الصوت المرتفع لإذاعة القداس الإلهي الذي كانت تسمعه الأسرة المسيحية من إذاعة صوت العرب، والذي كان بالنسبة لنا كمسيحيين مصريين مغيبين منة ونعمة وعطية من حكومتنا الرشيدة العادلة تهبنا إياه لمدة نصف ساعة كل أسبوع في صباح أيام الآحاد، الأمر الذي أشعل أحداث الزاوية الحمراء، وقتل العشرات من المسيحيين وسجن المئات منهم. وغيرها من الأمثلة الكثير كالاعتداء على مصلين مسيحيين في أماكن مختلفة في مصر، أو قضية مناصب حكومية أو ترقيات وعلاوات ومشاجرات بين الإخوة في الوطن الواحد.
المهم في الأمر عند الوسواس الخناس وأتباعه ومنفذي خططه على الأرض أن لا يفكر الأقباط في حقيقة قضيتهم كـ “قضية شعب”.
شعب له كل المقومات التي تجعل معها من الممكن أن يعرفهم المجتمع الدولي بأنهم شعب مستقل بذاته، من وحدة التاريخ والعِرق واللغة والعقيدة والدين والأرض والعرض، ولا يشترك معهم غيرهم من الشعوب والأجناس في كل هذه المقومات حتى لو توفرت بعضها للمحيطين بهم، فتاريخ الأقباط منذ دخول المسيحية إلى مصر وما قبلها مختلف تمام الاختلاف عن تاريخ من وفدوا إليها من الجزيرة العربية، ولهم لغتهم القبطية الخاصة بهم، والتي لا يشاركهم فيها أية أجناس أخرى على الأرض، والتي أنساهم إياها المستعمر الوافد وقطع، حرفيًا، السنة من يصرون على استخدامها في سني احتلاله الأولى لمصر، وفقًا لما دونته الدكتورة المسلمة سناء المصري في رسالتها التي حصلت بها على درجة الدكتوراه بامتياز، حتى إن هذه اللغة القبطية لم تعد بقاياها تستخدم إلا في بعض الكنائس الأرثوذكسية ومعظمهم يرددونها وراء الكهنة دون فهم لمفرداتها، وهكذا الحال أيضًا مع العقيدة والدين، فدين وعقيدة الأقباط في مصر مختلفان تمام الاختلاف، بل ومتضادان مع دين وعقيدة جميع من حولهم من سكان مصر. ولم تتمسك قومية أخرى في العالم كله بأرضها كما تمسكت البقية العرقية القبطية المصرية، بالرغم مما تعرضت له من اضطهاد وتفرقة دينية وعنصرية وبالرغم من كل محاولات الخصوم في مختلف الأزمنة والأوقات من إجبارهم بشتى الطرق على التخلي عن أرضها والهجرة الجماعية خارج مصر.
والعجيب إنه بالرغم من كل ما سبق ذكره، لا يزال الأقباط يتعاملون مع قضيتهم القبطية، وينظرون إليها، ليس على أنها “قضية شعب”، بل يرونها ويتعاملون معها وفقًا لما يصدّره لهم المسؤولون والشعب المصري والشيطان من أن قضية ما يحدث معهم ولهم من ظلم وتفرقة واضطهاد ممنهج ليس إلا قضية حوادث متفرقة وخلافات شخصية بسيطة يمكن أن تحدث بين الإخوة في أي مكان، أو تعصب ديني من بعض المتطرفين أو داعمي الإسلام السياسي أو المختلين عقليًا في دين ما.
والأعجب أن المسيحيين المغيبين كانوا ينتظرون حكم بإدانة من ارتكبوا الجريمة بشهادة شهود عيان كثيرين، ومعاقبتهم وتعويض سيدة الكرم عن ما حدث لها، لكن كيف كان يمكن أن تتحقق أحلام سيدة الكرم وتخيلات المسيحيين جميعًا مع حقيقة أن الجناة في الجريمة مسلمون، والمحامي مسلم والقاضي مسلم والمستشارون مسلمون!، الدستور دستور دولة إسلامية ينص على أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للدستور والتشريع، والتعاليم والمفاهيم السائدة في المجتمع تعاليم ومفاهيم إسلامية، وضع بعضها الخليفة العادل عمر بن الخطاب فيما يعرف بالشروط العمرية، وكيف يتم إدانة الفعلة للجريمة والمفعول بها امرأة ومسيحية، والرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض درجات، كيف والقاعدة في تعامل المسلم مع غير المسلم هي أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، ولا يهدر دم مسلم بدم غير المسلم، فماذا ينتظر أن يكون الحكم على متضررة واحدة، مسيحية، لا حول لها ولا قوة، فلا كنيسة ولا قادة لشعب مسيحي يطالبون بوضوح وحزم بحقها، ولا عائلة كبيرة لها، لا في الحجم أو المكانة أو الغنى حتى تخيف الكبار في قريتها، وهي مجرد سيدة مسنة في قرية من قرى الصعيد؟! فماذا كان ينتظر أن يكون الحكم في قضيتها بعد كل الحيثيات التي ذكرتها سابقًا؟!
في رأيي الشخصي إن الحل لمثل هذا الوضع الجائر الذي نعيشه كمسيحيين في مصر هو أن ننظر للأمر كله كوحدة واحدة، ونراه ونفهمه ونتعامل معه ونخطط لحله لا كحالات منفردة واحداث متفرقة بسيطة، بل نرى الوضع كله على أنه “قضية شعب”.
وفي هذه الحالة تكون الحلول المطروحة والتي لابد أن توضع على طاولة المفاوضات لقضية الشعب القبطي، بينهم وبين بعضهم أولاً، ثم بينهم وبين السلطات والمؤسسات والهيئات المصرية، وأخيرًا بينهم وبين الشعب المسيحي والإسلامي في مصر، لابد أن تتناول هذه الحلول المطروحة للقضية القبطية جميع البدائل بالمناقشة والدراسة ووضع الخطط القصيرة والطويلة الأمد وخروجها للنور ثم لتنفيذها وطرق تمويلها، إلى آخره، بالرغم من أن هذه البدائل تبدو مستحيلة، وفي بعض الأحيان غير منطقية، وقد يراها البعض مستفزة وغير مسؤولة، وسيراها قادة الشعب المسيحي على اختلاف طوائفهم على أنها مجنونة تفتح الباب لكثير من المشاكل مع أفراد الشعب والمسؤولين عن قيادته سواء السياسية أو الدينية أو الأمنية، بالرغم من كل ما تقدم، إلا أنه إذا أراد الشعب القبطي حقيقة أن يعيش شعبًا حرًا يملك قراره ويمارس حريته التى خلقه المولى ليحياها، فلا مفر له من أن يبدأ الآن في التفكير العملي لحل القضية القبطية من منطلق أنها “قضية شعب”. وقد يحدث الحل في أيامنا أو أيام أولادنا أو أحفادنا أو حتى أحفاد أحفادنا إن تأنى المسيح يسوع في مجيئه، ليس من المهم متى سيحدث المهم أنه يحدث في يوم ما، فما مات حق وراءه مطالب، وإذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للغيم أن ينقشع.
أما الأطروحات والحلول للقضية القبطية والتى لابد أن يدرسها الشعب القبطي المتفرقين في العالم أجمع على سبيل المثال لا الحصر فهي:
١- التدويل، أي تحريك القضية القبطية على أنها “قضية شعب” دولية وليست مجرد قضية حقوقية واضطهاد ممنهج ضد أقلية ما، ويطلب الشعب القبطي من العالم كله التدخل لإرجاع أرضه، وماله، وحريته الدينية والاجتماعية، واعتباره شعبًا مستقلاً عن من لم يشاركوه من قديم الزمان وقبل القرن السادس في أرضه وتاريخه ودينه وإلهه ولغته وعاداته وتقاليده وتراثه وقوميته المسيحية القبطية.
٢- التقسيم: وهو أن تقسم مصر إلى قسمين “جمهورية الكوبتCOPT الديمقراطية” “أي الجمهورية القبطية الديمقراطية” وجمهورية مصر العربية أو ما يختاره لها رعاياها من أسماء.
الأولى بدستور علماني يحكم جميع أفرادها من المسيحيين المصريين المقيمين بمصر وخارجها بالإضافة إلى المسلمين الذين يرغبون العيش فيها مع المسيحيين، والذين يعرفون ويقبلون حقيقة أن دستور “جمهورية الكوبت الديمقراطية” دستور علماني مبني على ما جاء في عظة السيد المسيح – تبارك اسمه – على الجبل الواردة في الإنجيل بحسب البشير متى والأصحاحات ٥و٦و٧، وجمهورية مصر الإسلامية بدستورها الحالي الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام وكل ما يتبعه من ممارسات مختلفة، فلكل من القسمين الحق في إدارة بلده بطريقته الخاصة ووفقًا لتعاليم الكتاب الذي يؤمن أنه منزل من عند إلهه.
٣- إخراج الكنيسة ورياساتها وأنظمتها البشرية من المشهد تمامًا ومن الاشتراك بأية صورة من الصور في إدارة “جمهورية مصر القبطية الديمقراطية” وضمان عدم تدخلها في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية للبلاد وحصر دورها على العبادة داخل كنائسها، ومنعها منعًا باتًا من لعب أي دور في سياسة أو إدارة الجمهورية القبطية، الأمر الواضح كل الوضوح في تعاليم السيد المسيح ورسله المكرمين، حيث أنه:
أ- لم يرض السيد المسيح في أيام حياته بالجسد أن يؤسس مملكة أو جمهورية على الأرض أو حتى أن يكون قاضيًا أو حاكمًا لحل خلاف بين شقيقين حول الميراث عندما جاءه أحدهما طالبًا إليه قائلاً: “قل لأخي أن يقاسمني الميراث”، فقال تبارك اسمه قولته الشهيرة: “يا إنسان من أقامني عليكما قاضيًا أو مقسمًا”.
ب ـ رفض تلاميذ المسيح في القديم أن يكونوا حكام دول أو جماعات أو مدن، بل ورفضوا أن يتركوا خدمتهم الأساسية التى هي الصلوات والأصوام وخدمة الكلمة والبشارة بالإنجيل لنشر رسالة المسيح بين الناس، والتي كانوا مدعوين إليها من الله للقيام بها بين الشعب اليهودي في أورشليم يومئذ ويقومون بالتوزيع العادل للمواد التموينية والخدمة اليومية للشعب المسيحي، وهذا واضح كل الوضوح فيما جاء بكتاب الله الوحيد الكتاب المقدس في قوله تعالى: “وفي تلك الأيام إذ تكاثر التلاميذ، حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين أن أراملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية. فدعا الاثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا: لا يرضي أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد. فانتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم، مشهودًا لهم ومملوين من الروح القدس وحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة. وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة” (أع6: 1-4).
ج ـ لابد من إخراج الكنيسة تمامًا من إدارة جمهورية مصر القبطية الديمقراطية للأسباب الآتية:
ا- تاريخ الكنيسة باختلاف طوائفها لم يكن مشرفًا على مر العصور والأزمان، وخاصة عندما يأتي الأمر لتدخل الكنيسة في حكم البلاد والشؤن الإدارية والحكومية والعسكرية والمالية والتشريعية لها، فلا نريد تكرار ما حدث في العصور الوسطى من ضلال وتخلف وانقسام وقتل وتناحر بين المسيحيين وقيادة البشرية إلى عصور مظلمة مؤلمة لم يستطع العالم أن يتخلص منها إلا بعد أن قررت الشعوب الفصل بين الكنيسة والدولة.
ب- الكنيسة انسحبت من المشهد بل ساعدت على دخول المسلمين إلى مصر ولذا، فلابد لها من أن تعترف بتقصيرها وتقاعسها عن عمل دورها في التصدي للفاتح المغوار وإلا لابد من محاكمتها وإقصائها عن المشهد تمامًا.
ج- الكنيسة لم تدافع عن أولادها لا باليد والقلب ولا حتى باللسان، لا في القديم يوم أذاقهم الوافد الجديد مر العذاب ولا في الحديث وهي ترى معاناتهم والشدائد التي يمرون بها، بل على العكس كانت مُكبِلة لهم بالقوانين الروحية من الحل والربط ومانعة إياهم من رفع أصواتهم للمطالبة بحقوقهم، فلا هي رحمتهم ولا تركت رحمة الله تنزل من السماء لإنقاذهم وتحريرهم.
د- الكنيسة لم تطالب بالكينونة المستقلة حتى بعد أن أدركت بدايةً من دخول المحتل إلى أرضها بل استسلمت لحكم الطغاة على مر عصورها ولم يكن لها على مر العصور ملامح محددة يمكن لمن يريد أن يتعامل معها من الأعداء والأصدقاء أن يتعامل معها على أساسها.
هـ- حكم الكنيسة لجمهورية مصر القبطية أو حتى مجرد مشاركتها في الحكم أو الحصول على وطأة قدم واحدة في إدارة البلاد بصفة دينية مسيحية معاصرة سيكون أسوأ بما لا يقاس من حكم المسلمين لها، فالاضطهاد والإرهاب الدينى الطائفى والبغض والكراهية وتدبير المهالك اليوم في كنيسة لاودكية التى نعيش نحن في زمانها لهو أقسى وأفظع من حكم قادة الكنيسة في العصور المظلمة ومما يقوم به أعداؤها في هذه الأيام. ثم من هي الكنيسة بالضبط حتى نسمح لها بالاشتراك في حكم “جمهورية مصر القبطية الديمقراطية” أهي كنيسة الأقباط الأرثوذكس مضطهدى الإنجيليين والذين يصف بعض قادتها الكنيسة الإنجيلية بالذئاب الخاطفة، والتى صرح بعضهم أنها ليست كنيسة وطنية بل هي كنيسة مستوردة وأن كل الإنجيليين سيدخلون النار ولا مكان لهم في السماء فهم غير مسيحيين؟ أم الكنيسة هم جماعة الإنجيليين الذين يحرفون الكلم عن موضعه؟، ويرون أن هناك لاهوت محبة حرًا، وبرًا آخر إلى جوار بر المسيح، أم أصحاب نشر ثقافة زواج الرجل المسلم من المرأة المسيحية؟، فما أجمل أن يكون أعمام المولود الصغير من المسلمين، حيث أن أباه مسلم وأخواله مسيحيون حيث أن الأم مسيحية، أم أولئك الذين يشككون في الوحى الكتابي والأصحاحات الـ11 الأولى من الكتاب المقدس، أم اعتبارية وجود آدم ووجود خليقة قبل آدم وتطور آدم عن كائنات قبله؟ أم مترجمي الترجمات الإسلامية القرآنية للكتاب المقدس، أم فضائيات ممولة من الشيطان شخصيًا لتدمير القيم المسيحية وليست المسيحية المبنية على شخص المسيح؟ فهذه لا يمكن تدميرها وإلا لكانت دمُرت من زمان قديم مضى.
و- الكنيسة دورها روحي وعملها هو تنفيذ أوامر ووصايا إلهها وسيدها المسيح الذي أوصاها أن تذهب للعالم أجمع وتكرز بالإنجيل للخليقة كلها وتعمد وتتلمذ الذين يقبلون سيدها مخلصًا وحيدًا لحياتهم في الدنيا والآخرة دون سواه. فإذا ما خرجت الكنيسة عن هذا الدور الرعوي، الخدمي، الروحي، الدعوي تكون قد خرجت عن إتمام إرسالية المسيح لها وخرجت عن طوعه وتنفيذ وصاياه.
ز- الكنيسة على مر العصور كان ولا يزال لها مشغولياتها ومشاكلها الروحية والتعليمية والسلوكية وطموحاتها الأرضية البشرية وفي بعض الأحيان الشيطانية، لذا فهي لا تصلح لقيادة غيرها من البشر.
ح- ليس هناك ملامح واضحة للكنيسة من هي بالضبط، وليس بداخلها من الرتب الكنسية أو الكهنوتية من هم قادرون على قيادتها في مختلف مجالات قيادة دولة، حيث أن قادتها عزلوا أنفسهم في أديرة وعظات وقداسات وعالم مختلف تمامًا عن ذلك الذي نعيش فيه، وهذا ليس بالعيب أو الخطأ إذا ما عرفت الكنيسة إمكانياتها الحقيقة وعاشت للدور الذي طلبه منها مسيحها أن تتممه كما ذكرت سابقًا، أما أنها تتدخل في السياسة والحكم والعلاقات الدولية، فهذا ما يجب أن يمتنع عنها.
إذا أرادت الحكومة المصرية أن لا تقسم مصر فعليها:
أ- أن تنظر للقضية المصرية على أنها “قضية شعب”، لا قضية أقلية أو أحداث فرعية بسيطة متفرقه أو مجرد قضية دينية لا بد معها أن تُحكم فيها مصر بتطبيق شريعة دين واحد على ساكني البلاد جميعًا.
ب- أن تقوم مصر بوضع دستور مختلف تمامًا عن دستورها الحالي، دستور يحترم عنصري الأمة، وينص بوضوح على أن مصر جمهورية تتكون من شقين، أو عنصرين أو شعبين، شعب مسيحي سابق الوجود للشعب الإسلامي، وأن ينص على الخطوات التي يمكن أن تتخذها مصر في حالة تعدي أي شعب أو عنصر من عنصري الأمة على العنصر الآخر، وإن من حق أي عنصر أن يطالب بالتقسيم في حالة تعدي العنصر الآخر عليه بأي شكل من الأشكال بعد فشل الوساطة الدولية بينهم، دستور يطبق على أرض الواقع لا يطبق ويوضع في إدراج مكاتب الحاكمين.
ج- لابد من إعادة هيكلة التعليم في مصر الواحدة وضمان المساواة في كل المناهج التعليمية والمؤسسات التعليمية وإنشاء مدارس وكليات وجامعات قبطية تخدم مصر كلها ويكون الالتحاق بها بناء على الكفاءة لا الدين، وأن تخضع مناهجها لمراجعة عنصري الأمة، وأن تخضع جامعة الأزهر إلى نفس المعايير والشروط المطبقة في بقية الجامعات المصرية حكومية، قبطية أو إسلامية.
ج- لابد من إعادة هيكلة القضاء والبوليس والقوات المسلحة بما يدل على حقيقة وجود دولتين قبطية وإسلامية داخل هذه الأجهزة وأن يتم تقسيم القيادة والمسؤولية في الوزارات المعروفة بالسيادية بين من هم بالحقيقة كفء لتولي هذه المناصب، فعلى سبيل المثال لابد أنه إذا تولى قيادة الجيش مسلم لابد أن يتولى قيادة البوليس مسيحي، أو العكس بالدستور والقانون، وإذا تولى وزارة الخارجية مسلم يتولى وزارة المالية مسيحي، إذا تولى وزارة التربية والتعليم مسيحي يتولى وزارة التعليم العالي مسلم وهكذا.
لكن ماذا لو لم توافق مصر حكومة وشعبًا ورياسات كنسية قبطية وإنجيلية على هذا الاقتراح أو حتى الالتفات إليه؟ وهذا بالطبع ما أعرف يقينًا أنه سيحدث وما تظنه الأغلبية الساحقة وتعتبره غير منطقي وخارجًا عن دائرة الأحلام التي قد يرى الجميع أنني أعيش فيها بكتابتي لهذا المقال وحديثي في هذا الأمر، تكون الإجابة هي الأمر اليوم في يد الشعب القبطي وهو القادر على أن يطالب الجميع، الرياسات الكنيسة أولاً ثم الحكومية للنظر للقضية القبطية على أنها “قضية شعب”. والله هو القادر وحده على تحقيق الرؤى والأحلام وهو وحده المستعان.