العدد 2 الصادر في نوفمبر 2005
قصة الارهاب
منذ أن أسقطت جماعة القاعدة الأبراج التجارية في ولاية نيويورك الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، والعالم يقوم وينام ويقوم على الحديث عن الإرهاب والإرهابيين وخطط القضاء على الإرهاب والإرهابيين، وأخبار العمليات الإرهابية في كل العالم. ويرى كثير من أبناء شرقنا العربي أننا لسنا إرهابيين، بل نحن مدافعون عن أرضنا وعرضنا وديننا، أو قل أدياننا، من عبث الغربيين الكفرة الذين نعيش على منتجاتهم واختراعاتهم وتكنولوجياتهم وأطعمتهم الفاسدة التي يرسلوها لنا لنأكلها ونرفض آراءهم ودينهم وأفكارهم. وإذا ما وضعتنا الظروف في لقاء أو تحد معهم في مجال طب أو علم أو هندسة أو تسليح تباهينا أننا المصريون أو البابليون أصحاب أقدم الحضارات، والأرض التي نزلت عليها الديانات، وأننا من دهنا الهوا دوكو وخرمنا التعريفة. وعلقنا كل فشلنا داخلياً وخارجياً على الغرب، والإمبريالية والرأسمالية والاستعمارية (وما إلى ذلك من ألفاظ حفظناها ورددناها حتى فقدت معناها) ومع ذلك واصلنا العيش على أطعمتهم الفاسدة التي استوردها لنا تجارنا. وأسمدتهم المحملة بمسببات السرطانات المختلفة، مساهمة منهم في إطعام شعوب المنطقة الفقيرة، وليس من المهم إذا أصابتهم هذه السرطانات فهم أيضاً أصحاب شركات الأدوية (منتهية المفعول) والأجهزة الحديثة التي يمكن من خلالها اكتشاف السرطانات مبكراً وعلاجها، وإذا تعذر على مستشفياتنا علاجها دفعت الدولة العملة الصعبة لترسل رعاياها لمستشفياتهم في الخارج التي اغتنت من العرب وخاصة أهل الخليج. وإن لم تُعالج وقضى المريض نحبه فالأمر بسيط فالفقراء لا يجب أن يعيشوا فالبقاء للأغنى والأقوى في عالم الإرهاب الذي نعيش فيه. وليس من المهم نوع المرض الذي أودى بحياة المتوفى ولا يفرق كثيراً من أي دين هو. فإن مات مسيحي ردد الكهنة ألحانهم وقالوا عنه: ” طوبى (يا لسعادة) للأموات الذين يموتون في الرب” ويطلبون من السماء أن تفتح له أحضان القديسين، وإن مات مسلماً قُرأ عليه: ” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية”. ولو أعطيت هذه النفس الفرصة أن تعود مرة أخرى لصرخت: “أنا لم أمت في الرب، ولم تفتح لي أحضان القديسين، وأنا لست راضية مرضية ولم أكن في هذا العالم الإرهابي نفساً مطمئنة. بل أنا نفس بائسة يائسة عشت في الأرض بين وحوش الإرهاب. الذين أطعموني الخوف منذ طفولتي، الخوف من سلطة الأب والأم، الخوف من سلطة المدرس والناظر بعصاه الغليظة التي طالما مزقت يدي الصغيرتين، وكادت يده تخلع أذني من مكانها، الخوف من فراغ لانهائي ينتظرني بعد تخرجي من الكلية، الخوف من العسكر والحكومة والمخابرات وزائر الفجر والظهر والليل.