أُعلن في 3 يوليو عن التشكيل الوزاري الجديد، فقد جرى التقليد أنه بعد إجراء الانتخابات الرئاسية تتقدم الحكومة باستقالتها ويكلف الرئيس رئيس وزراء جديد بتشكيل الوزارة الجديدة، وهو ما حدث بالفعل خاصةً وأن تلك الحكومة لم تلب طموحات الشعب طوال فترة حكمها (2018-2024) بل عانى الشعب من آثار أزمات اقتصادية طاحنة، وكان الشعب يتطلع لحكومة جديدة تلبي احتياجات وطموحات الشعب بأفكار جديدة لها رؤية سياسية وإستراتيجية جديدة وليس تغيير أفراد بأفراد آخرين بحيث يشعر فيها بنتائج جيدة تنسحب على تحسن ظروف المعيشة وتخفف من وطأة ارتفاع الأسعار وتدني الخدمات هذا الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه ويستحق حياة أفضل وظروفًا معيشية جيدة. لكن ما حدث هو أنه تمت إعادة تكليف رئيس الوزارة المستقيلة بتشكيل الوزارة الجديدة بعد ثلاث تشكيلات وزارية في العهد الحالي: وزارة إبراهيم محلب ثم وزارة شريف إسماعيل ثم وزارة مصطفى مدبولي. وقد بلغ عدد الوزراء في التشكيلات الثلاث وما جرى عليها من تعديلات 110 وزراء و38 نائب وزير ثم جرت إعادة تكليف د. مصطفى مدبولي بتشكيل الوزارة الجديدة والتي أدت اليمين الدستورية في 3 /7 / 2024، وتكونت من 31 حقيبة وزارية وشهدت تغيير 23 حقيبة وزارية جديدة ودمج بعض الوزارات كالهجرة مع الخارجية وغيرها، وبالتالي تكون وزارة مصطفى مدبولي الثانية رقم 51 في تاريخ مصر منذ ثورة 1952 حتى آخر تعديل في أغسطس 2022، فقد بلغ عدد التشكيلات الوزارية خلال الفترة من 52 إلى آخر تعديل في أغسطس 2022 50 تشكيلًا وزاريًا يضاف إليها التشكيل الوزاري الجديد ليصبح رقم 51 في التشكيلات الوزارية.
*وما أريد أن أتناوله في هذا السياق هو أن التشكيل الجديد أنصف المرأة المصرية في الحكومة حيث ضم أربع وزيرات “التخطيط، البيئة، التنمية المحلية، التضامن الاجتماعي” وخمس سيدات كنائبات للوزراء “الاتصالات، الصحة، الكهرباء، التضامن، السياحة” إلى جانب تعيين سيدة محافظًا “البحيرة” وتعيين تسع سيدات كنائبات للمحافظين “القاهرة، الإسكندرية، الجيزة، القليوبية، الشرقية، جنوب سيناء، الوادي الجديد، دمياط، البحر الأحمر”.
* فمشاركة المرأة في مجال التمكين السياسي ووجودها في المجمل في التشكيل الجديد لمجلسي الوزراء والمحافظين هو في الحقيقة نوع من استعادة حقوق سُلبت من سنوات لصالح العقلية الذكورية. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر على أساس أن المرأة والأقباط هما الحلقات الأضعف في المجتمع الذكوري الطائفي، فالتساؤل الذي أود أن أطرحه وهو بالتأكيد ليس من منظور طائفي أو نسبي ولكن من منظور دولة المواطنة التي دعا فيها الرئيس إلى ترسيخ مفهوم المواطنة وعدم التمييز، فإذا كان محور المشاركة السياسة لكل الأطراف في العمل العام والسياسي عنصرًا هامًا في السلام الاجتماعي، وأيضًا تولي المناصب القيادة على أساس الكفاءة بغض النظر عن الجنس واللون والعقيدة، لذا فالتساؤل الذي يطرح نفسه هو: أين التمكين السياسي للأقباط شركاء الوطن؟ فمن بين 31 حقيبة وزارية تتضمن وزارة واحدة فقط للأقباط بل في حقيقة الأمر هي نصف وزارة على أساس أن وزيرة التنمية المحلية تنتمي للأقباط من ناحية وتنتمي للمرأة من ناحية أخرى “سياسة ضرب عصفورين بحجر واحد”. وحتى الوزارات التي يُرشَح لها الأقباط لا تشمل الوزارات السيادية “كالدفاع والداخلية والخارجية والعدل” وأيضًا ليست من الوزارات الرئيسية والأهم كالتعليم والثقافة والصحة والمالية والسياحة والاقتصاد على سبيل المثال، لكن تُسند للأقباط وزارات مثل الهجرة والبيئة والتنمية المحلية. ويراودني سؤال آخر وفي هذا السياق رغم أنني من مناصري المرأة لكن هذه الملاحظة لفتت نظري، فبالإضافة للسيدة الفاضلة التي تم اختيارها لوزارة التنمية المحلية وهي جديرة بالمنصب، ألا يوجد رجل من بين 20 مليون مسيحي يصلح لمنصب الوزير في وزارة يبلغ عددها 31 وزيرًا مثل يوسف بطرس غالي ومنير فخري عبد النور وسمير مرقص وكمال شاروبيم الذي كان محافظًا من قبل وغيرهم كثيرون. ويا لعجب العجاب نجد سياسة ضرب عصفورين بحجر انتقلت أيضًا من منصب الوزير إلى منصب نائب الوزير فتم اختيار سيدة مسيحية كنائب لوزيرة التضامن الاجتماعي فهي تنتمي للأقباط ومن ناحية أخرى تنتمي للمرأة، بالإضافة إلى اختيار مسيحي آخر نائبًا لوزير الخارجية والهجرة، أي أن المحصلة النهائية وزيرة ونائبة وزيرة ونائب وزير. ولو أردنا تنشيط الذاكرة ورجعنا للحكومات والوزارات السابقة والتمثيل القبطي فيها أو التمكين والمشاركة السياسية فيما قبل ثورة 1952. فعلى سبيل المثال، وزارة سعد زغلول رغم قلة عددها عن الوزارات الحالية ضمت وزيرين مسيحيين رغم اعتراض الملك فؤاد الذي طالب بوزير واحد لكن سعد زغلول اختار واصف بطرس غالي وزيرًا للخارجية ومرقص حنا وزيرًا للإشغال العمومية. والتاريخ يقول أيضًا إن الأقباط تولوا وزارات سيادية ووزارات هامة جدًا، فمكرم عبيد كان وزيرًا للمالية، من جهة أخرى تولى رجل القانون صليب باشا سامي (1885–1958) وزارات في حكومات مختلفة “الخارجية، الحربية، البحرية، التموين، الصناعة والتجارة والزراعة”، بل الأكثر من ذلك أن هناك من المسيحيين مَنْ تولوا رئاسة الوزارة والتي كانت تُعرف بالنظارة، حيث تولى نوبار باشا الأرميني رئاسة الوزارة وبطرس باشا غالي تولى رئاسة الوزارة أيضًا قبل ثورة 52، وأيضًا في العصر الحديث في عهد الرئيس المتعصب السادات صاحب أشهر عبارة “أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة” كان في الحكومة ثلاثة وزراء أقباط بل وكان فكري مكرم عبيد نائب رئيس وزارة والأمين العام للحزب الوطني إن لم تخني الذاكرة، وكان السادات أول مَنْ عيَّن محافظًا قبطيًا هو الفريق فؤاد عزيز غالي بطل تحرير القنطرة شرق محافظًا لجنوب سيناء كما اختار بطرس غالي وزيرًا للخارجية تحت مسمى الشئون الخارجية “مراعاةً للمتشددين للأسف” وهو الذي شرف مصر فيما بعد بتوليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة أي رئيس وزراء العالم ثم رئيسًا لمنظمة الفرانكوفونية. وفي عهد مبارك كان هناك وزيران منهما يوسف بطرس غالي للمالية وأيضًا منصب محافظ قنا. ورغم ذلك هناك نقطة مضيئة ينبغي الإشادة بها وهي تعيين اثنين من الأقباط كمحافظين أحدهما لبورسعيد وأخرى للبحيرة. وسبق ذلك تعيين سيدة مسيحية محافظًا لدمياط وأثبتت كفاءة عالية فاستحقت أن تتولى فيما بعد حقيبة وزارية إلى جانب آخرين للدقهلية والإسماعيلية. ونعود لتعيين سيدة مسيحية محافظًا للبحيرة كسياسة ضرب عصفورين بحجر واحد فهي تمثل من جهة الأقباط وتمثل من جهة أخرى المرأة كما تم تعيين اثنين من المسيحيين كنائبين للمحافظين أحدهما لأسيوط وسيدة للبحر الأحمر “سياسة ضرب عصفورين بحجر واحد”.
* وأختتم مقالي بما ذكره الأستاذ عباس الطرابيلي الكاتب الصحفي والمؤرخ المعاصر تحت عنوان: “المسيحيون والسلطة في مصر”: لستُ الأول ولن أكون الأخير الذي يتناول ملف اقتراب وابتعاد المسيحيين عن قمة السلطة في مصر… ولكن دعوني أنقل لكم رؤيتي… إذ ربما فيها ما هو جديد وهذا الجديد يؤكد أن مصر كانت في السابق أكثر عدلًا وتسامحًا في قضية تولي الأشقاء المسيحيين أعلى مناصب السلطة… فهل كنا كذلك حقيقة… ولماذا بعد ذلك تراجعنا عن هذا “القبول” وذلك التسامح… وهل كان جمال عبد الناصر وراء هذا الاتجاه أي “إبعادهم” بدليل أن مجلس قيادة ثورة يوليو 1952 لم يضم مسيحيًا واحدًا… بينما كان المسيحيون في صدارة المشهد السياسي خلال أعظم ثورات مصر الحديثة… بل كانوا في الصفوف الأولى طوال سنوات الصراع مع الاحتلال.. أم نسينا كل ذلك وخلال نصف قرن.. فقط؟! وأقول إن أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديث كان مسيحيًا… بل كان أرمينيًا… وخلال حكومته تولى بجانب الرئاسة وزارة الخارجية وأيضًا وزارة العدل وهو المسيحي. أترون كم كانت مصر متسامحة… ثم عاد مرة أخرى رئيسًا للوزراء بل عاد مرة ثالثة ليصبح أيضًا رئيسًا للوزراء واحتفظ في حكومته الثانية بوزارتي الخارجية والعدل وكان اسمها أيامها الحقانية. ولم يعترض أحد قائلًا: كيف يتولى مسيحي هذه الوزارة في بلد ذي أغلبية مسلمة!! هكذا كانت مصر أيامها وكان حاكمًا لها الخديوي إسماعيل ثم ابنه الخديوي توفيق ثم حفيده الخديوي عباس حلمي الثاني، ثم تكرر نفس الوضع عندما تم تعيين بطرس باشا غالي رئيسًا للوزراء في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني… ولا يمكن لأحد أن يطعن في مصرية هذا الخديوي الذي أحيا الوطنية المصرية، وكان قبلها بطرس غالي وزيرًا للخارجية وفي الحكومة الأولى احتفظ لنفسه بوزارة المعارف العمومية… ولم يقل أحد وقتها كيف نسلم عقول أولادنا لوزير مسيحي!! فالرجل كفاءة عالية كان قبلها وزيرًا للمالية 1893 ووزيرًا للخارجية 1895 ولا يقول قائل إن نوبار كان حليفًا للانجليز… أو يقول قائل إن بطرس غالي له مواقفه المناهضة للحركة الوطنية… فتلك قصة أخرى.”