تُعد مشكلة الطلاق لدى المسيحيين في مصر من أكثر المشكلات الاجتماعية تعقيدًا، وهي تؤرق أعدادًا كبيرة من الأسر القبطية؛ إذ لا يُسمح بالطلاق في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهي من أكبر الكنائس في مصر، إلا لـ “علة الزنا” أو لتغيير الملة، أي الانتقال إلى طائفة أخرى، أو لتغيير الدين حسب القوانين المعمول بها حاليًا، أما الكنيسة الإنجيلية، وهي تأتي في المرتبة الثانية من حيث شعبها وتابعيها، فهي لا تسمح بالطلاق إلا في حالتي الزنا الفعلي وتغيير الدين، أي الانتقال إلى دين آخر غير المسيحية، كما يوجد في الكنيسة الإنجيلية ما يُسمى أسباب بطلان الزواج وهي عدة أمور إذا حدثت يكون الزواج باطلًا ولا يحتاج الطرفان إلى الطلاق، ومنها الهجر أو اكتشاف مرض خطير لدى أحد طرفي الزواج يهدد الحياة ولم يكن معلنًا أو اكتشاف أسرار لم تكن معلومة قبل الزواج. أما الكنيسة الكاثوليكية وهي تأتي في المرتبة الثالثة من حيث أتباعها فهي تمنع الطلاق نهائيًا وتسمح بالانفصال الجسدي مع استمرار الزواج.
ومع تعقد الحياة المعاصرة وظهور مستجدات جديدة لم تكن موجودة من قبل من أدوات التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي وكثرة المشاكل الأسرية ومشكلات الزواج واستحالة العشرة في بعض الأسر، بدأ التفكير في قانون جديد للأحوال الشخصية للمسيحيين يتصدى لتلك المستجدات والمستحدثات في هذا العصر. واجتمعت الكنائس الرئيسية المسيحية الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية والسريانية لصياغة قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين يتضمن مبادئ عامة مع وجود قسم خاص بكل كنيسة بسبب بعض الاختلافات العقائدية حول بعض القضايا.
ورغم الاتفاق بين الكنائس على قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين وتقدمها به لوزارة العدل، إلا أنه ظل سنوات حبيس الأدراج ولم يفرج عنه إلى أن وجَّه رئيس الجمهورية بسرعة الانتهاء من صياغة قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين. وتعمل وزارة العدل المصرية على صياغة أول قانون متكامل موحد ومفصل للأحوال الشخصية للمواطنين المسيحيين، حيث تم توجيه وزير العدل بالتنسيق الكامل مع جميع الأطراف والجهات ذات الصلة، وكذلك إجراء حوار مجتمعي معمق واستيعاب مختلف الشواغل والآراء، التي من شأنها تحقيق الأهداف من القوانين لصالح الأسرة المصرية وتحقيق المصلحة العامة.
وإزاء ذلك، سادت في الأوساط القبطية المصرية تساؤلات حول ما إذا كان المشروع يمكنه أن يحل مشكلات الطلاق التي تُعد واحدة من القضايا الاجتماعية الشائكة. لذا تعول كثير من الأسر القبطية على مشروع القانون الجديد في حل مشكلة الطلاق لدى المسيحيين تمامًا وإنهاء معاناة كثير من الأسر المسيحية؛ فالمشروع سيحل مشكلة الطلاق عبر التوسع في مفهوم “الزنا الحكمي”، حيث يتضمن مواد تجعل إثبات الزنا أسهل؛ منها الصور الفوتوغرافية أو رسائل التواصل الاجتماعي والمحادثات الإلكترونية وغيرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأي رسائل ومكاتبات غرامية (وقد وصف أحد المحامين ذلك بأنه أمر جيد يعبِّر عن انفتاح على ما يحدث بالعالم من تضمين الوسائل الحديثة في النظام القضائي). كما توجد مواد أخرى تتوسع في أسباب الطلاق منها الإلحاد، أو أن يقع الهجر بين الزوجين لمدة 3 سنوات في حالة عدم وجود أطفال و5 سنوات في حالة وجود أطفال. وعالج مشروع القانون الجديد مشكلات أخرى عديدة لدى الأقباط في مصر منها قضية الميراث، حيث أقر أحكام الشريعة المسيحية التي تأخذ بمبدأ المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث لينهي المعمول به حاليًا وهو تطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين، حيث تنص الشريعة الإسلامية على أنه للذكر حظ الأنثيين. والجدير بالذكر أن المادة الثالثة من الدستور المصري لعام 2014 والذي تم تعديله عام 2019 نصت على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية.
والغريب في الأمر من جهة أخرى، إذا كان الشيء بالشيء يُذكر، أن الدولة لا تريد أن تفصح عن عدد الأقباط في مصر وتخرج تلميحات أو تسريبات غير رسمية من بعض الأجهزة بأنهم 10 مليون، فكان هناك على ذلك من خلال تسريبات مسيحية بأن عدد الأقباط يبلغ 20 مليون. ووفق تصريحات صحافية للبابا تواضروس الثاني في إبريل الماضي 2023 فإن عدد الأقباط 15 مليون. وأتذكر أنني قرأتُ في أحد أعداد جريدة “الأهالي” منذ سنوات أن نسبة المسيحيين في مصر هي الـ 1/5 (الخُمس بضم الخاء). فماذا يضير الدولة إن أفصحت عن حقيقة عددهم؟
المهم أن الكنائس اتفقت على قانون موحد للأحوال الشخصية وتقدمت به لوزارة العدل، وتعمل وزارة العدل حاليًا على صياغته حتى يتم التقدم به إلى مجلس النواب للموافقة عليه. فهل يجد قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين طريقه إلى النور قريبًا؟ وهل يحل مشكلات الطلاق لدى المسيحيين وفقًا للكتاب المقدس؟