في الرد على إبراهيم عيسى: مَنْ يعطل الإصلاح في الكنيسة؟

5

العدد 198 الصادر في مارس 2022

في الرد على إبراهيم عيسى: مَنْ يعطل الإصلاح في الكنيسة؟

بينما كنتُ أكتب مقالي لهذا الشهر، مارس 2022، والذي كان من المقرر له أن يحتوي ضمن ما يحتوي تحذيرًا للكنيسة من تقاعسها عن الوصول للأغلبية العظمى من أولادها المسيحيين، وبالتالي عدم وصول بتأثيرها الروحي الإيجابي في جيرانها المسلمين من خلال رسالة الحب والتغيير الحقيقي من داخل قلب الإنسان، لضمان دخوله، وهو لا يزال حيًا يُرزَق على الأرض، للنعيم الأبدي الذي أعده المسيح، تبارك اسمه، لكل الذين يؤمنون به مخلِّصًا وربًا وسيدًا على حياتهم، أولئك الذين أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. هذا الوصول للجيران، وعرض رسالة المسيح عليهم، وإعطاؤهم الفرصة الكاملة والحرية المطلقة لقبولها أو رفضها، هو ما يجب أن يكون أهم اهتمامات الكنيسة على الأرض، فمنذ أن أسسها السيد المسيح تبارك اسمه، وهو جزء لا يتجزأ من وصيته تبارك اسمه لتلاميذه القدامى ولنا في هذه الأيام بالوصول للعالم أجمع، والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، ودعوة الجميع للدخول في دين الله، المسيحية، بل ودعوتهم للدخول في علاقة وشركة شخصية حبية أبوية مع الله القدير تبارك اسمه.

بينما كنتُ أكتب ما تقدم أرسل لي أحد الأصدقاء الأعزاء الرابط الإلكتروني للحلقة الأخيرة من البرنامج الشهير “مختلف عليه” للكاتب الصحفي المعروف إبراهيم عيسى، والتي كانت بتاريخ 21 فبراير 2022 وتحت عنوان “مَنْ يعطل الإصلاح في الكنيسة؟”.

وفي البداية أريد أن أقرر أن الغرض من كتابة مقالي هذا لا هو الدفاع عن إبراهيم عيسى أو الإدانة له، ولا للكنيسة وشعبها ورؤسائها، ولكن إبداء الرأي وإعلان ما أراه شخصيًا فيما ورد في هذه الحلقة، إحقاقًا وإظهارًا للحق كما أراه من وجهة نظري، وإزهاقًا للباطل، فإن الباطل كان زهوقًا.

والواقع أنني ما أن سمعتُ وشاهدتُ عنوان الحلقة إلا وتواردتُ في ذهني عدة أسئلة واستفسارات وقناعات وظنون خاصة بهذه الحلقة، تأكدت لي جميعها بعد أن شاهدتُ البرنامج كله حتى الثانية الأخيرة، بالرغم من ضيق وقتي الشديد، حيث إنه ليس من عادتي أن أكتب في موضوع ما قبل أن أقتله بحثًا، محاولًا فهم أبعاده التي قد تخفى عليَّ وعلى غيري إذا لم ندرس الموضوع من كل جوانبه.

والحقيقة أنني تساءلتُ بيني وبين نفسي، فبالرغم من أن إبراهيم عيسى واحد من أهم مشاهير مقدمي البرامج التليفزيونية المصريين، نظرًا للقضايا الشائكة التي يتناولها بالدراسة والتحليل، والتي ينتقد فيها حتى رؤساء وملوك الدول المختلفة، ويقدمها للمشاهد الناطق بالعربية، لمساعدته على فهم معظم الموضوعات والأمور المختلف عليها، إلا أنني تساءلتُ: لماذا قام إبراهيم عيسى بعمل هذا البرنامج بالذات؟ فموضوع البرنامج لا يتوفر فيه عنصر واحد من العناصر التي يجب أن تتوفر في موضوع يستحق أن يقدمه صحفي أو مذيع، فعناصر البرنامج الناجح كما علَّمونا إياها في كلية الإعلام، وكما تطبقها المحطات التلفزيونية العالمية المحترمة، أذكر منها في ما يلي، على سبيل المثال لا الحصر، لضيق مساحة النشر أربعة عناصر أساسية عند تناول موضوع ما في الميديا المرئية أو المسموعة:

أولًا: مواصفات لا بد أن تتوافر في مقدم البرنامج.

ثانيًا: مواصفات لا بد أن تتوافر في عنوان وموضوع البرنامج أو القضية المراد التحدث فيها.

ثالثًا: مواصفات لا بد أن تتوافر فيمن يستضيفهم مقدم البرنامج لسؤالهم ومناقشتهم بشأن موضوعه.

رابعًا: مواصفات لا بد أن تتوافر في خاتمة البرنامج والتي هي خلاصة ما سيخرج به المستمع أو المشاهد.

ولتفصيل ما أوجزتُ في النقاط الأربع السابقة أقول:

أولًا: مواصفات لا بد أن تتوافر في مقدم البرنامج:

ما من شك في أن هناك أهمية قصوى لمعد ومقدم أي برنامج، وخاصةً إذا كان معد البرنامج هو مقدمه أيضًا، كما هو الحال في الحلقة الخاصة المعنونة “مَنْ يعطل الإصلاح في الكنيسة؟” من برنامج “مختلف عليه” والذي يعده ويقدمه “إبراهيم عيسى” على قناة الحرة التليفزيونية.

 هناك أهمية قصوى لمعد ومقدم البرنامج كما ذكرتُ سابقًا، سواء أكان هو الذي اختار موضوع برنامجه، والقضية المراد البحث فيها، وضيوفه الذين يريد أن يتحاور معهم، والواضع لعنوان برنامجه، أو كان مجبرًا علي عمل هذه الحلقة، لسبب أو لآخر، أو مجبرًا من شخص أو آخر، كمدير القناة، أو المتحكم فيها من السلطات الحكومية والأمنية، أو الممول لها من الحكومات أو رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، مجبرًا من بعض أو كل مَنْ سبق ذكرهم على اختيار موضوعات معينة، في أوقات معينة، لتقديمها بأشكال معينة لمشاهديه لتشكيل أذهانهم، أو تشتيت انتباههم  وتركيزهم حول قضايا أخرى غير موضوع الحلقة، أو تغيير مساراتهم واتجاهاتهم، أو إرضاءً للسلطات أو الممولين، أو للحفاظ على المرتب والمكانة في القناة، أو لأسباب أخرى كثيرة لا داعي ولا مجال للخوض فيها الآن. وفي كل الأحوال، لا بد أن تتوافر في معد ومقدم البرنامج عدة صفات أهمها:

أ – لا بد أن يكون مقدم البرنامج متخصصًا أو على الأقل ملمًا دارسًا فاهمًا، له من الخبرة العلمية والعملية الذاتية ما يكفيه للتحدث والبحث في موضوع القضية التي يطرحها على مَنْ يستضيفهم في برنامجه لسؤالهم ومحاورتهم بشأن الأمور التي يتكلم ويتحاور فيها. فمن الناحية التقنية الفنية، لا يصح أن يتناول كاتب أو صحفي أو مقدم برنامج تلفزيوني مسلم، المسيحية، وهو لا يعرف شيئًا عنها سوى ما سمعه وشاهده من أصدقائه المسيحيين أو أقرانه المسلمين، أو ما قرأه من كتب أو حتى مجلدات عن المسيحية وتعاليمها وطقوسها وطوائفها وقسوسها وكهنتها لكنه ما عاش ليوم واحد مسيحيًا، أو عضوًا في كنيسة، أو حتى مترددًا عليها لسبب أو آخر، ولم يتعامل مع كاهن أو قس أو أسقف كأحد أعضاء كنيسته أو أبرشيته أو حتى كصديق حميم لأحدهم، فما سبق ذكره كله لا يكفي ولا يعطي الحق أو الأهلية لمسلم ما، مهما كان مكانه ومكانته وشهرته، أن يتدخل فيما لا يعنيه شخصيًا أو شعبيًا وإعلاميًا، وأن يتناول قضايا ليست من شأنه في شيء.

لقد ذكَّرتني هذه الحلقة بالحوار الذي أجراه المذيع وائل الإبراشي مع القسيسين عزيز مرجان رئيس المجمع الخمسيني يومئذٍ، والدكتور القس إكرام لمعي، المتحدث الرسمي باسم المذهب الإنجيلي المشيخي في مصر، وكان الحوار حول ما إذا كان هناك شياطين أم لا، وإذا ما كان بإمكان الشياطين أن تسكن أجساد البشر، وهل شعب إسرائيل هو شعب الله المختار أم لا. (يمكنك قراءة المقال المتواجد على صفحة جريدة الطريق والحق الإلكترونية، والذي كتبته بعنوان “نعم هناك شياطين وإسرائيل هم شعب الله المختار”.

ب ـ لا بد أن يكون مقدم البرنامج منزهًا عن الهوى الشخصي، ودوافعه واضحة ومعلنة على لسانه في برنامجه، وخالصة لوجه الله تعالى، وغايته الوحيدة هي عرض قضية مجتمعية هامة لعلاجها ولخير المجتمع ككل، ولا بد أن يكون محايدًا، يستمع للرأي والرأي الآخر، ويترك المستمع أو المشاهد يقرر لنفسه ما يختاره أو يقتنع به ويقبله، أو يرفضه بعد أن سمع وشاهد بحثًا وافيًا كافيًا مخلصًا لقضية تهمه هو في المقام الأول. فما هي أهدافك المعلنة والخفية لتقديمك هذه الحلقة من برنامجك يا سيد إبراهيم؟ هل كان هدفك مخلصًا نابعًا من خوفك على الكنيسة واهتمامك حقًا بإصلاحها وتقويم اعوجاجها، أم أن هدفك هو فتح الملفات المغلقة، لمجرد فتحها وإثارة المسئولين عنها، وإثارة الشعب المصري، كل حسب موقعه ودوافعه، شريفة مخلصة كانت أم خبيثة مضللة؟ هل كان هدفك هو أن تقول للمصريين جميعًا إن مشكلات الفساد والاعوجاج هي مشكلات عامة موجودة بين المسيحيين ووسط المسلمين أيضًا، وإن كل من الكنيسة والأزهر، المسيحيين والمسلمين، بحاجة إلى إصلاح مؤسسي داخلي تعليمي سلطوي، وإن هناك مَنْ يريد أن يصلح كل هذا، لكن يوجد أيضًا مَنْ يعطل هذا الإصلاح؟ هل كان هدفك هو أن تنفخ في كور الخلافات بين الكنيسة وقادتها وكهنتها وبين المسيحيين في مصر، أم أن تساعد البعض على تصفية حساباتهم مع البابا شنودة حتى بعد رحيله من عالمنا؟ ليتك كنت واضحًا وصريحًا ومخلصًا وقلت لنا بلسانك ما هو هدفك الحقيقي من عمل هذه الحلقة التي أساءت إليك ولم تنفعك إلا قليلًا مع نفر قليل الحجم والشأن، وفي الوقت نفسه لن تشفع لك عند مَنْ يريدون التخلص منك حتى لو أظهرت لهم أنك تضرم النار في بيوت وكنائس أعدائهم المسيحيين.

ج ـ لا بد لمقدم البرنامج وباحث القضية، إن كان مخلصًا وحِرَفيًا أن يضع، في نهاية حديثه، الحلول الجذرية القابلة للتنفيذ للتغلب على المشكلة أو القضية التي يطرحها في برنامجه، بغض النظر عن قبول أصحاب هذه القضية لحلوله وطرقه في التغلب على مشكلتهم أم لا. فالأمانة الصحفية تقتضي ذلك وتحتمه على الصحفي الحر المخلص الحكيم.

ثانيًا: صفات لا بد أن تتوفر في موضوع البرنامج أو القضية المراد التحدث فيها ودراستها ووضع المقترحات والحلول والتوصيات لعلاجها بعد  دراستها وفهمها:

أ – تبدأ الصفات الواجب توافرها في موضوع القضية بعنوان البرنامج عامةً، ثم بعنوان الحلقة الخاصة بموضوع معين. أما عن عنوان البرنامج وهو “مختلف عليه” فلا يدل على حقيقة موضوع هذه الحلقة بالذات، حيث إنه من المتفق عليه، وما كان يومًا ضمن “المختلف عليه”، سواء من شعب الكنيسة عامة أو قادتها، على اختلاف طوائفها واختلاف رئاساتها، أنه في داخل الكنيسة العامة، في كل المذاهب والطوائف والكنائس، كان ولا يزال وسيظل إلى مجيء المسيح ثانيةً ما يحتاج أن يُصلَح ويتغير، وما يحتاج أن ينتبه إليه القادة والمسئولون لتصحيحه وإصلاحه وتغييره. والحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها أيضًا هي أن الكنيسة منذ أن كانت تضم نفرًا قليلًا يتكون من اثنا عشر رجلًا دعاهم السيد المسيح تلاميذ، ومعهم عدد قليل من النساء اللواتي كن يخدمن سيد الأرض والسماء، الرب يسوع المسيح، من أموالهن، فيها كل نوعيات البشر، وكل نوعيات المشاكل والخطايا والخلافات والأمور التي كانت تحتاج إلى إصلاح منذ زمن وجود سيد كل الأرض بالجسد عليها. هذه الأمور مجتمعة هي نفسها المتواجدة بين عامة الناس في الكنيسة اليوم، وبين قسوسها وأساقفتها ورؤسائها، ببساطة لأن الكنيسة الصغيرة التي كانت ملتفة حول ربها ومعلمها السيد المسيح وهو على الأرض كانت تضم أيضًا بشرًا مثلنا نحن اليوم، فكان بينهم اللص الذي كان يختلس الأموال التي توضع في الصندوق، والخائن الجشع الذي باع سيده بثلاثين من الفضة، والمتكبر الذي ظن أنه أفضل من بقية إخوته والذي قال للسيد المسيح: “وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا”، والجبناء الذين سكتوا عن إعلان الحق وتركوا سيدهم وهربوا عندما جاء العسكر ليقبضوا عليه، وأصحاب الأجندات الخاصة ومحبي الكراسي والمتكئات الأولى الذين كانوا يرون أنفسهم أحق من أقرانهم بأن يجلسوا عن يمين السيد وشماله في ملكوته، والمتعصبون المتطرفون الذين كانوا يريدون أن ينزلوا نارًا من السماء ليحرقوا قرية بأكملها لأنها رفضت قبول سيدهم المسيح، وأصحاب البطون الواسعة الخاوية الذين كانوا يتبعون المسيح ليملأوا بطونهم، والذين قال لهم السيد: “الحق الحق أقول لكم: أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم.” وأيضًا كان من بين الأساقفة بعد قيامة المسيح من الأموات، وحلول الروح القدس على التلاميذ والشعب الواقف حولهم في يوم الخمسين، مَنْ وصفهم بولس الرسول بالروح القدس بأنهم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية، إذ قال: “احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه. لأني أعلم هذا: أنه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم.”

أما عنوان الموضوع أو الحلقة المسجَّلة والمذاعة والتي نحن بصددها فإن دل على شيء فهو يدل على عدم حِرَفية ومهارة واضعه، فقد علمونا في الدراسات الصحفية أن اختيارك لعنوان موضوعك أو القضية التي تبحثها لا يجب أن يجعل المتلقي يصل إلى النتيجة التي تريده أن يصل إليها بمجرد سماعه، بل ينبغي أن يكون عنوان موضوعك مشوقًا، غامضًا إلى حد ما، حتى يتابع المشاهد أو المستمع برنامجك بشغف ليصل إلى النتيجة في نهايته. أما عنوان هذا البرنامج للإعلامي الأشهر إبراهيم عيسى فقد أخبرني بعدة أمور بمجرد سماعه؛ أخبرني عنوان البرنامج أن هناك أمورًا غير مصلحة لا بد من إصلاحها في الكنيسة ولم يقل لي ما هي هذه الأمور بالتحديد، وكيف يتم إصلاحها، وما هي الحلول المقترحة منهم لإصلاحها؛ أخبرني العنوان منذ اللحظة الأولى لقراءته أن هناك مَنْ يعطلون الإصلاح في الكنيسة، ولم يقل لي في سياق الحديث مَنْ هم أولئك الذين يعطلون الإصلاح في الكنيسة، وكيف يجب أن نتعامل معهم ونجبرهم على عدم تعطيل الإصلاح في الكنيسة، اللهم إلا تحويل اللوم كله للبابا شنودة الذي لا يمكن محاسبته الآن، ولا يمكن إجباره على إصلاح ما أفسده على حد قولهم. وحتى نهاية البرنامج لم يقل لي مَنْ الذي يعطل الإصلاح في الكنيسة؛ خدعني العنوان لأنني ظننتُ أنه سيتكلم عمن يعطلون الإصلاح في الكنيسة العامة، الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية في مصر، فهذا ما نعرفه عن مدلول كلمة الكنيسة دون إضافة اسم طائفة بعينها، وكأن الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية ليس بهما ما ينبغي إصلاحه وليس بهما مَنْ يعطلون إصلاحها، وخاصةً عندما سمعت الدكتور القس إكرام لمعي رئيس مجلس الإعلام المشيخي الإنجيلي يدلي برأيه في هذه القضية حيث ظننتُ أنه سيتكلم عما ينبغي إصلاحه في الكنيسة المشيخية خاصةً والإنجيلية عامةً، لكن أضلني هذا العنوان عن مضمونه، وهذا غش صحفي لا يليق بصحافي مخضرم إلا إذا كان هو قاصده لغرض ما في نفس يعقوب.

ب ـ أما الصفات التي يجب أن تتوفر في الموضوع الذي يتناوله الصحفي أو الكاتب فينبغي أن يكون ذا أهمية كبيرة لأكبر عدد من المستمعين أو المشاهدين، وأن يعود بالفوائد المختلفة على السامعين أو المشاهدين. وما من شك في أن إبراهيم عيسى يسمعه ويشاهد برنامجه العدد الأكبر من العرب، مسيحيين ومسلمين، ليس في مصر وحدها لكن في العالم العربي كله وبين المتحدثين بالعربية في كل أقطار الدنيا. وسؤالي هو: كم عدد المسيحيين المتحدثين بالعربية في مصر والعالم العربي مقارنةً بعدد المسلمين؟ لستُ أعتقد أنهم أكثر من 3% من المجموع الكلي لهم في العالم كله. ثم كم عدد المسيحيين المصريين المقيمين في مصر بالنسبة لعدد المسلمين؟ يقال على أكثر تقدير إنهم 15% وخاصةً بعد هجرة الغالبية العظمى منهم خارج مصر لأسباب نعرفها جميعًا. ثم كم عدد المسيحيين من الـ 3% على مستوى العالم الذين يسمعون أو يشاهدون ويهتمون بمتابعة البرنامج الأسبوعي “مختلف عليه”؟ ثم كم عدد أولئك الثائرين والرافضين لسياسة الكنيسة الأرثوذكسية في مصر؟ ثم كم عدد الذين سيقتنعون بكلامك يا إبراهيم ويصفقون لك “كمسلم” تتحدث عن وضد معطلي الإصلاح في الكنيسة من أساقفتها وكهنتها؟ ألم تسمع سيادتكم  من قبل المثل القائل: “أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب”؟ إن استطعت يا سيد إبراهيم الإجابة المخلصة على هذه الأسئلة فستعرف أنك لم تكن موفقًا أو حِرَفيًا بقدر كافٍ في اختيارك لهذا الموضوع السخيف الذي لا يهم سوى حفنة قليلة جدًا لا تتعدى بضعة آلاف، مع أكثر تقدير، من أكثر من 104 مليون مصري؛ أولئك الذين اصطدموا بالكنيسة لعدم تمكنهم من تحقيق مصالحهم الشخصية أو الذين كانت لهم خبرات شخصية مؤلمة مع البابا شنودة أو مع أحد الأساقفة أو القسوس. لذا فقد أضعت وقت مشاهديك فيما لا ينفعهم لا في دنياهم ولا في آخرتهم، وأججت النيران في قلوب الإخوان بعضهم مع بعض، وخلقت لك أعداء من بين مستمعيك الأقباط الذين كانوا يحبون أن يسمعوك ويشاهدوك ظنًا منك أنك تدافع عنهم وعن قضاياهم ضمن الأقليات والمهمشين الذين من أولهم مشاهدوك من المسيحيين المصريين. فكما علَّمونا في ممارسة الصحافة والإعلام لا بد أن نراعي أن تكون الموضوعات التي نتناولها بالدراسة والتحليل لتقديمها للمستمعين أو المشاهدين مهمة وضرورية للغاية ومقدمة لأكبر عدد ممكن من المشاهدين في البقعة الأرضية التي تقدم فيها. مثال على ذلك: لو قدمت حلقة تلفزيونية عن التحرش الجنسي في مصر، والذي ارتفعت نسبة ممارسيه إلى نسبة كبيرة ومخيفة، أو عن التطرف الإسلامي، أو المسكوت عنه في كتب التراث الإسلامية، أو حتى غلاء الأسعار من فول وعدس، لكانت مثل هذه الموضوعات التي تهم مسيحي مصر ومسلميها وكل مَنْ يعيش على أرضها أنفع لهم ولك، ولكانت الحلقة سببًا لأن يدعوا لك المصريون جميعًا بالصحة والعافية، مع علمي أنك قدمت مثل هذه الموضوعات التي ذكرتها لك سابقًا، رغم أنني لست بمتابع مستديم لبرنامجك.

ثالثًا: أما المواصفات التي لا بد أن تتوفر فيمن يستضيفهم مقدم البرنامج لسؤالهم ومناقشتهم بشأن موضوع البرنامج فتتلخص على سبيل المثال لا الحصر فيما يلي:

أ – من حيث العدد، لا بد أن تأتي بعدد متساوٍ من الرافضين لفكرة أن هناك ما يحتاج للإصلاح في الكنيسة الأرثوذكسية وأن هناك مَنْ يعطل هذا الإصلاح، وفي المقابل أن تأتي بمن يرون أن هناك ما يحتاج التصحيح وأن هناك معطلين لهذا التصحيح. لكن من الواضح أنك اعتمدت على مَنْ هاجموا الكنيسة لأسبابهم الخاصة، وعلى مَنْ لا ينتمون للطائفة القبطية الأرثوذكسية بالمرة من الكاثوليك والإنجيليين، ومنهم مَنْ لم يكن حتى مصريًا من أصله لكنك جئت به ليتكلم في الشأن الأرثوذكسي المصري، وناقشته في وثيقة وضعها مجلس كنائس الشرق الأوسط، وشارك هو في وضعها، وكنت تؤكد في أسئلتك له، نعم من واقع الوثيقة نفسها، لكن بتفسيرك الخاص المغرض الذي قدمته في صورة أسئلة لضيفك، الأسئلة التي كان من بينها: هل مجلس كنائس الشرق الأوسط علاه التراب؟ وقولك “نفض الغبار من مجلس الكنائس الشرق الأوسط” هل معناه أنه لا يعمل أو غير فعال؟ لقد قلت مستفسرًا عن إحدى التوصيات  الواردة في وثيقة مجلس كنائس الشرق الأوسط والتي تقول: “تجديد الخطاب الكنسي واللاهوتي بما يتلاءم مع أحوال العصر”، وأضفت من عندياتك، وكأن هذا الخطاب متجمد أو قديم لا يتماشى مع متطلبات العصر وما فيه من متغيرات. ثم توصية أخرى تساءلت فيها عما إذا كان اللاهوت الحاضر يفتقد للوطنية والإقليمية (مقاربة قضايا المنطقة وشعوبها بالاستناد إلى لاهوت سياقي وطني وإقليمي)، وأضفت السؤال، وكأن اللاهوت الحاضر يفتقد للوطنية والإقليمية.

 فهل هذه هي الحِرَفية الصحافية والتليفزيونية يا حضرة الصحافي المحترف. هل تعتقد أنه ليس بين المسيحيين مَنْ يملكون عقولًا فاهمة متخصصة دارسة يمكنها أن تقرأ ما أردت أن تدسه بين سطور مقابلاتك وفيديوهاتك التي عرضتها من سم زعاف قاتل، ليس للمسيحيين فحسب بل لعلاقتك أنت أيضًا بهم؟

ب ـ علَّمونا أنه لا بد أن يكون الضيف مخلصًا محايدًا، وأكاديميًا متخصصًا، وخبيرًا دارسًا لموضوع الحديث، والمقصود هنا بالتخصص والخبرة والدراسة هو أن تكون له أبحاثه العلمية أو الأدبية أو الفنية المكتوبة والمعتمدة من معاهد وكليات عالمية أو حتى محلية، ولا تكون كل مؤهلاته أنه صحفي كتب عددًا من المقالات، أو فبرك عددًا من اللقاءات والمحادثات، أو حتى كتب عدة كتب أو قصص مختلفة، حتى لو كان ضمن ما كتبه ما يخص موضوع الحلقة. فهناك فرق بين أن تستضيف كاتبًا لكتاب أو رواية أو صحافيًا لتناقشه فيما كتب، حتى لو لم يكن قد كتب غير كتاب واحد أو قصة واحدة طيلة حياته، وأن تستضيفه على أنه متخصص في الشأن القبطي والكنسي الأرثوذكسي، والأسوأ من الاثنين أن تعطي أحدهم لقب “مؤرخ” في سياق تقديمك له بقولك: “دعوني أرحب بالكاتب الصحفي المؤرخ المتميز”، وأنت رجل الصحافة والإعلام وأعتقد، والله أعلم، أنك تعرف مَنْ هو الذي يمكن وصفه بالمؤرخ. فهل كل مَنْ سجَّل خلافاته مع كنيسته أو طائفته ورؤسائها أو مجتمعه، من وجهة نظره، أصبح في نظر سيادتكم “مؤرخًا متميزًا”؟ ففي برنامجك الذي لخصت في عنوانه، كما سبقت الإشارة، أن هناك ما لا بد من إصلاحه في الكنيسة وأن هناك مَنْ يعطل هذا الإصلاح، استضفت أكثر من رجل يعمل على طول الخط ضد الكنيسة وقادتها، كما استضفت رجلًا أكاديميًا غير أرثوذكسي أو حتى مصري ليتكلم بكل تحفظ، حتى لا يغضب الكبار، عن الإصلاح المنشود في رؤساء الكنيسة، وأسهبت في مدح بابا الفاتيكان لأنه اعتذر لكم أيها المسلمون عن الحروب التي أطلقتم عليها أنتم اسم “الحروب الصليبية” وأنتم تعلمون جيدًا أنها ما كانت لا صليبية ولا كانت لها علاقة بصليب المحبة والمسامحة والغفران وضمان الحياة الأبدية التي في السيد الرب يسوع المسيح الذي تنكرونه أنتم ودينكم وكتابكم. وهل يهمك في قليل أو كثير أمر الطلاق والزواج الثاني في المسيحية وفي تعاليم المسيح، لتصف ما شرَّعه سيد كل الأرض والسماء المسيح يسوع بأنه مجرد اجتهاد من رئاسة الكنيسة، وتصفه بأنه موضوع غير إنساني؟ فماذا لو كتبتُ أنا لك أن ما شرَّعه كتابك في أمر الطلاق والزواج بأربع زوجات هو الأمر غير الإنساني، فهل تقبل هذا مني؟ إن هذا هو ما لن أقوله على الإطلاق، فلكل دينه وقناعاته وكتابه. فما دخلك أنت بالطلاق والزواج الثاني للمطلَّق في المسيحية، أم أنك تريد أن تفتح جرح المشاكل بين المسيحيين بعضهم البعض وبين كنيستهم وقادتها؟ هل هذه هي الطريقة المحايدة لتناول موضوع شائك مثل هذا، موضوع لا يجب أن يهمك في الأصل، ولا يهم أمثالك، ولم يطلب منك أحد تسجيله للدفاع عن شعب الكنيسة؟

رابعًا: المواصفات التي لا بد أن تتوفر في خاتمة البرنامج والتي هي خلاصة ما سيخرج به المستمع أو المشاهد:

علَّمونا أن الخلاصة لا بد أن تكون بذكر حقائق معينة، وطريقة التعامل معها، وترك المشاهد أو المستمع يصل لقناعته الشخصية. لكنك يا مستر إبراهيم قدمت ما يدور بفكرك أنت، وما أردته من بداية اختيارك لعنوان الحلقة، وهو أن هناك حاجة إلى الإصلاح الديني والكنسي المسيحي الأرثوذكسي، تمامًا كما توجد حاجة إلى الإصلاح الديني الأزهري المسلم، وأن فترة الأصولية الإسلامية أنتجت أصولية مسيحية قادتها الكنيسة برئاسة البابا شنودة، وعليكم أيها المسيحيون ألا تنظروا إلى القشة التي في عين المسلمين وتتغاضوا عن القذى الذي في عيونكم.

أما نصيحتي الأخيرة لك فهي ألا تنطق بآية من آيات الكتاب المقدس إلا بعد أن تحفظها جيدًا عن ظهر قلب أو تمسك بها مكتوبة وتقرأها من مصدرها بصورة صحيحة. فماذا لو اقتبستُ أنا من قرآنك آية نطقتها خطأ، وخاصةً إذا قلتها لك في أهم وآخر مقطع من مقال آو برنامج تلفزيوني، أي في نهاية الخلاصة. فصحيح الآية التي شوهتها أنت في نهاية برنامجك، والواردة في الإنجيل بحسب البشير لوقا والإصحاح السادس والعددين 41 و42، يقول: “لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أو كيف تقدر أن تقول لأخيك: “يا أخي دعني أخرج القذى الذي في عينك‘، وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك. يا مرائي! أخرج أولًا الخشبة من عينك وحينئذٍ تبصر جيدًا أن تخرج القذى الذي في عين أخيك.”

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا