فيلم خطة الشيطان ضد خدمة الأب مكاري يونان

58

العدد 141 الصادر في يونيو 2017
فيلم خطة الشيطان ضد خدمة الأب مكاري يونان

   مما لا شك فيه أنه لا يكاد يمر يوم واحد على مصر إلا وتتفجر قضية جديدة ويعمل منها فيلم مصرى خيالي جديد كأفلام الرعب المنتجة في هوليوود بأمريكا العظمى. البطل في كل منها هو مسلم مصرى، سواء أكان مسئول حكومي أو موظف رئاسى، قاض، شيخ سني أزهري، جماعة إسلامية سلفية أو أهل قرية أو مدينة ما، ودائمًا تكون الضحية في هذا الفيلم إما سيدة مسيحية مسنة تم تعريتها وسط قريتها أو أطفال قصر تم الحكم عليهم بأقصى العقوبات، طالبة متفوقة حصلت على درجة صفر في الثانوية العامة أو فتاة قاصرة تم أسلمتها بالقوة بعد خطفها، مسيحي تم ضربه في قسم بوليس إلى أن فقد الحياة أو شاب وأب وزوج عاد إلى بيته بعد تسديد الفدية المطلوبة من العصابات الخاطفة لابنه أو ابنته، عن يده وهو صاغر، أو حتى لم يعد بل قتل بسبب عجزه عن دفع الفدية أو لأنه لقي ربه في انفجار كنيسة أثناء الصلاة وغيرها الكثير. أما الموضة هذه الأيام في عالم المحروسة هي أفلام ازدراء الأديان سواء تلك التى تقام من أناس لا علاقة لهم بالأديان وما يحدث بها، فهم ليسوا بشيوخ أو أئمة أو حتى متدينين وهم ليسوا قساوسة أو أساقفة ولا باباوات، بل ما هم إلا بشر أغلبهم من رجال القضاء الذين لا تكلفهم القضايا المرفوعة منهم ضد ضحاياهم مليمًا واحدًا، حيث أنهم المعتادون على التعامل مع القضايا والمحاكم والقوانين، فهي ليست بجديدة عليهم وخاصة أولئك الباحثين عن الشهرة والذين يحاولون أن يلفتوا الأنظار لهم أو أن يتكلم عنهم العامة وكأنهم مصارعون محترفون في حلبة الصراع الخاصة بالأديان.

   ولقد علمونا في علم الإخراج الصحفي أو علم كتابة القصص والأفلام أن الفيلم يبدأ من نهايته. فالكاتب المحنك المؤثر يبدأ في كتابة وسرد أحداث فيلمه من نهايته وليس من بدايته، مثال على ذلك أنه إذا أردت أن أكتب قصة عن بطل ما لابد أن أضع منذ اللحظة الأولي للكتابة ما هو مصير هذا البطل، هل سيموت مثلاً أم سيحيا؟ هل إذا بقي على قيد الحياة، هل سيتزوج فتاة أحلامه أم سيطلقها أو يقتلها؟ وغيرها من التفاصيل ثم أبني على قراري هذا أحداث القصة من النهاية إلى البداية. وهكذا الحال في التعامل مع أي بطل في أي فيلم آخر، فإذا ما أردت أن أرعب أو أنهي خدمة أو عمل أو تأثير ناشط مسيحي أو قسيس أو كاهن أو غيره، لابد أن أضع في رأسي أولاً وقبل بداية الكتابة طريقة نهاية هذا الكاهن أو القسيس أو الشخص المسيحي، ولابد أن أحدد من البداية: هل أنهي الفيلم بقتل البطل أو اختفائه من التواجد على ساحة الخدمة أو تحجيمه وجعله يصبح مجرد منظر لخادم أو كاهن أو خدمة مثلها كمثل أي خدمة أخرى! وبعد أن أضع هذه النهاية أمام عينى، أبدأ في الرجوع من الآخر إلى أول الفيلم، وهذا معناه أن أضع إجابات للأسئلة المتعلقة بهذا الفيلم: ككيف انتهى هذا الخادم، ثم من أنهى خدمته، وكيف بدأت نهايته وما هي ذروة أو عقدة الفيلم التى من شأنها أن تحفظ المشاهد في حالة من التوتر والتساؤل والتوقع لنهاية ذلك الفيلم، وهكذا تتوالى الأحداث من الآخر إلى الأول.

   والحقيقة أن هذه الطريقة هي ليست طريقة وأسلوب الكُتَّاب والمؤلفين المحترفين فقط، بل هي طريقة المخابرات ومباحث أمن الدولة عند كتابتهم لمصائر كل من يريدون التخلص منه ومن وجع الدماغ الذي يسببه الضحية لهم، وهذا يحدث ليس في مصر وحدها، لكن في كل بلدان العالم وخاصة العربية منهم، فهي طريقة تحول أعين العامة عن السبب الحقيقي وراء اتخاذ أي موقف تجاه ناشط سياسي أو ناشط دينى أو كاهن… إلخ. دعني أقدم من “وجهة نظري الشخصية الخاصة التى قد يختلف عليها البعض بما فيهم الشخصيات التى سأكتب عنها أقدم بعض الأمثلة الحية  التي لدي منها الكثير والتى مازال أصحابها أحياء يرزقون من رجال دين أرثوذكس وإنجيليين على السواء، وكيف وضع لهم سيناريو خاصًا لفيلم حياتهم أدى في النهاية إما لاختفائهم من مسرح الخدمة تمامًا، وإما أجبروا على ترك مواقع أو أماكن أو نوعية خدماتهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ٍمن الإنجيليين القس المحبوب والراعي الأمين، وليم جيد من كان راعيًا للكنيسة الرسولية بالوايلى، والذي كنا كشباب صغير مغيب، لا يشغلنا سوى الضحك وإطلاق الأسماء والصفات المضحكة على كل من حولنا، كنا نعرفه ونطلق عليه اسم القس وليم “بتاع العفاريت”، هذا القس المحترم والذي لا أعلم إن كان لا يزال حيًا بالجسد يرزق أم حيًا بروحه مع الذي قال لنا: “أنا حي فأنتم ستحيون”، المسيح يسوع، تبارك اسمه، كانت موهبته التى منحه إياها روح الله القدوس هي موهبة إخراج الشياطين، حتى إن الشياطين أو الأرواح الشريرة كانت تخرج صارخة بمجرد نظره إلى الشخص المسكون بها. القس وليم من كان المسلمون قبل المسيحيين يلجأون إليه وإلى كنيسته طلبًا لإخراج الشياطين التى كانت تعذبهم، وكانت كنيسته تحمل على جدرانها صور العديد من مشاهير الفنانين والمغنين، وبعضهم باق إلى الآن أحياء، أولئك الذين لجأوا إليه في كنيسته لإخراج شياطينهم، وبعد أن تحرروا منها كانوا يوافقون على وضع صورهم في الكنيسة، كان هذا كله قبل عصر الفيس بوك والفضائيات وتواجد هيئات حقوق الإنسان، يوم أن كان السادات ورجاله ومن بعدهم مبارك وبطانته هم المتحكمون في مصائر الناس وأقدارهم، وأيضًا قبل انتشار أفلام قضايا ازدراء الأديان، حيث كان من الطبيعي يومئذ أن يأتيك زائر الفجر إلى بيتك في نصف الليل وفي دقائق معدودات تجد نفسك في غياهب السجون، دون أمر من النيابة بالقبض عليك، أو تهمة ما موجهة إليك، أو محاكمة يمكن أن تعبر بها عن نفسك أو حتى محامي شجاع يتطوع بأن يقبض منك آلاف الجنيهات ليتبنى قضيتك، لأنه يعلم أنها قضية خاسرة لا محالة! فهما كانت الأدلة على حسن نيتك وبراءتك، فأنت مسجون مسجون مسجون يا ولدي. في تلك الفترة والأجواء العصيبة في مصر كانت تؤم إلى كنيسة القس وليم أعداد غفيرة من المحجبات والملتحين طلبًا للتحرير، كانت المشكلة مع هذا القس بالذات هي أنه كان لا يُخْرِج الشياطين والأرواح الشريرة من الأجساد فحسب، لكنه كان يتعمد أن يسأل الملبوسين بها بعض الأسئلة الحساسة الصادمة لغير المسيحيين عن من هو المسيح، هل هو الله أم إنسان أم الاثنين, وهل حقًا تكلم في المهد صبيًا، وهل حقًا صُلب المسيح أم شُبه لصالبيه، هل قام المسيح حقًا من الأموات, أم أن قصة القيامة محض افتراء وغيرها من الأسئلة، قبل إخراجها من أجساد البشر؟! مما اعتبرته السلطات ازدراء للدين الإسلامي من ناحيته، حيث أن الشياطين كانت تقر وتعترف ولا تنكر أن المسيح هو الله الظاهر في الجسد، وأنه لم يتكلم قط في المهد صبيًا، وأنه صلب وقتل ولم يشبه لهم وأنه قام من الأموات في اليوم الثالث ولم يكن ممكنًا أن يمسك في القبر وأنه الوحيد الذي قهرها ظافرًا بهم في الصليب. ونتيجة لكل ذلك وضعه الأمن المصرى يومها في غياهب السجون. فكيف يمكن أن يقول إنسان أو حتى جن وشيطان أنهم صلبوه وقتلوه ولم يشبه لهم مع إيمان المسلمين وفقًا لما جاء في القرآن: “إنهم ما قتلوه وما صلبوه، لكن شبه لهم”؟!  وحتى لو كانت هذه العبارة قد كتبت ليس في كتاب المسيحيين أصحاب الشأن في قضية صلب المسيح من عدمه، أو حتى لو كتبت بعد ستمائة سنة من حادثة الصلب، وليس هناك من دليل غيرها، بالرغم من وجود آلاف الأدلة على صلبه وموته على الصليب قبل دفنه.

   وتحضرني قصة حدثت مع القس وليم وهو يخرج أحد الشياطين من عسكري شرطة في قسم البوليس، رواها لي هو بنفسه بعد الإفراج عنه وخروجه من سجن طرة في قضية ازدراء للإسلام، ولازلت أحتفظ بتفاصيل هذه القصة  مسجلة على شريط كاسيت. قال لي القس وليم: “كنت محتاجًا لاستخراج جواز للسفر من مكتب استخراج الجوازات في أحد أقسام البوليس، تذكرت أن نائب المأمور المسئول عن مكتب استخراج جوازات ذلك القسم تربطني به علاقات حسنة، فقررت أن أذهب إليه وأطلب منه مساعدتي في استخراج جواز سفري. ذهبت إلى قسم البوليس وأمام مكتب نائب المأمور كان يقف العسكري المنوط به خدمة سيادته. اقتربت منه وسألته: هل ممكن أقابل فلان باشا؟ التفت إلى العسكري وفجأة بدأ بالصراخ بأعلى صوته موجهًا الكلام لي قائلاً: “أنت إيه اللي جابك هنا؟. ابعد عني!؟ واستمر في الصراخ وسبي وشتيمتي بأعلى ما لديه من صوت، تجمع العساكر وأمناء الشرطة والمارة أمام مكتب سيادة الضابط. وخرج السيد المقدم نائب المأمور ليرى ما يحدث! ففوجئ بوجودي وبالعسكرى الواقف أمام بابه يسبني، بدأ الضابط يلعن في العسكري المسكين ويضربه على وجهه بكل قوته ويأمره بالصمت، أسرعت إليه وأمسكت بيده وقلت: لا يا سيادة المقدم الولد مسكين ومش هو اللي بيشتمني! توقف الضابط عن ضرب العسكري وسألني بعصبية: إزاي يا قسيس هو مين اللي بيتكلم دلوقت مش العسكري؟!، قلت: لا، قال إنت هتجنني مين اللي بيتكلم قدامك؟! شرحت له أن الولد ملبوس بأرواح شريرة. ابتسم ابتسامة من يستخف ومن لم يصدق لما سمع مني. وقال لي: يا قسيس شياطين إيه وأرواح شريرة إيه؟، وهز رأسه غير مصدق لما قلته له، وبدأ يعتذر لي عما بدر من العسكري الذي كان لا يزال يتمتم بشتائمه لي بصوت منخفض. كانت عينا العسكري جاحظتين محمرتين تكاد تفط من وقبيهما وهو يعض بكل قوته على شفته السفلى. قلت: لا داعٍ للاعتذار أنا قلت لك إن الولد ما له ذنب، سألني الضابط: قسيس أنت بتتكلم جد؟ أمال الذنب ذنب مين؟ أجبت: نعم وسأثبت لك ما أقول، قل للعسكري ييجي هنا، أمر سيادة المقدم العسكري ليأتي بالقرب منى. كان معظم المتفرجين على هذا المشهد من الضباط والعسكر والمخبرين مازالوا موجودين، جاء العسكري وما أن اقترب مني إلا وبدأ جولة أخرى من السباب بالصوت العالي. أمرت الروح الشرير أن يخرس ولا ينطق إلا إذا سمحت له، سكت العسكري، سألته: تعرف من هو يسوع المسيح؟، قال: لا تسألني عن هذا الاسم. قلت: أنا الذي أمرك أن تجيب. قال: نعم أعرفه. قلت: من هو؟ أجاب العسكري: هو الله وابن الله. قلت: هل صلب المسيح؟ قال: نعم وأنا شاهد على ذلك، أنا كنت واقفًا عند الصليب. عندها تدخل سيادة المقدم وقال لي: حضرة القسيس إحنا في قسم بوليس. انتهرت الروح الشرير فخرج منه وبعد أن هدأ العسكري حاولت أن أبرهن للمقدم أن العسكري غير مسئول عن تصرفاته وهو تحت تأثير عمل الروح الشرير. فسألته: يا ابني مين اللي ضربك من دقائق قليلة؟، أجاب العسكري: ما حدش ضربني يا باشا!، فسأله المقدم: أنت ما شعرتش بي وأنا بأضربك على وجهك؟، لا يا باشا سيادتك ما ضربتنيش. أنت معرفتش اللي حصل لك الآن, سأل الباشا. رد العسكري: أنا ما حصليش حاجة يا باشا. أنهي سيادة المقدم الموضوع بالقول: لا إله إلا الله، آمنت بالله وأمر الواقفين المتفرجين على ما حدث بالانصراف. كان كل هذا سببًا في أن ينتهي فيلم إيقاف خدمة التحرير من الأرواح الشريرة بطولة القس وليم جيد. ولكي يستطيعوا أن يوقفوا خدمته، قرروا حبسه لعدة أسابيع، ثم بعد خروجه من الحبس، قالوا له حجتهم المشهورة التى استعملوها مع كل أبطال أفلامهم من الخدام والقسوس والكهنة وهي أن هناك خطورة كبيرة على حياتك من الجماعات الإسلامية، وأنت تحتاج إلى قليل من الراحة، لذا فيمكنك البعد عن الكنيسة لمدة أسابيع قليلة ثم تعود في الوقت المناسب لخدمتك، أو ربما ترغب في اختيار الخروج من مصر لفترة وجيزة وبعدها ترجع لكنيستك وشعبك، وكثيرًا ما قبل الخادم أو القس أو الكاهن مرغمًا هذا الاقتراح وتوقف لوقت وبعدها لم يستطع الرجوع إلى حيث كان.

   قصة أخرى حدثت مع رجل الله الآب دانيال المشهور بدانيال البراموسي، والذي كان راهبًا وكان ولا يزال ممتلئًا من الروح القدس والقوة، الرجل الذي كانت الشياطين تفزع منه وتصرخ خارجة مغادرة الأجساد التى طالما عذبتها سنين عديدة,  والذي كان يعقد المؤتمرات الروحية في أماكن مختلفة من مدن الصعيد، فيحضرها الآلاف من المحتاجين إلى شفاء وتحرير من أمراض جسدية وروحية ونفسية ومرض الخطية، فيستخدمه الله في شفائهم. وفجأة قررت قوات الشر الروحية في السماويات أن تضرب هذه التجمعات الكبيرة الأرثوذكسية المصرية، حيث أن وجوده في هذه الاجتماعات سبب خراب لمملكة إبليس وجنوده، فخططت وقررت إنهاء الاجتماعات وتجمعات الدير، والطريقة التى استخدموها في ذلك كانت في هذه المرة ليس بوضعه في السجن، كما فعلوا مع القس وليم، بل بوضعه في قاعة الاجتماعات الكبرى بمدينة نصر، بأن تجعل مباحث أمن الدولة يوافقون له على تأجير واستخدام قاعة الاجتماعات الكبرى في القاهرة، التى لا تستخدم إلا في المناسبات الكبيرة الرسمية، وهم يعلمون أن استخدامه لهذه القاعة ودعوة هذا الجمع الغفير سيثير الرياسات الأرثوذكسية وخاصة إذا لم يتحفظ الراهب دانيال لنفسه ويأخذ موافقة رئيس الدير التابع له، ورئيس الدير بدوره يأخذ موافقة وبركة المطران المسئول عنه ثم المطران يأخذ الموافقة والحِل من غبطة البطريرك الراحل شنوده الثالث. وواضح إنه لم يمر بكل هذه الخطوات البيروقراطية وتخطى الكل واستحضر طلب الحجز بخطاب من جمعية خيرية لا تأثير لها ولم يكن أحد يسمع عنها لأنها كانت صغيرة العدد والنشاط، جمعية تابعة للشؤون الاجتماعية والمسئول عنها من طائفة غير أرثوذكسية، وبالتحديد من مجمع كنيسة المسيح، الجميع كانوا يهللون ويسبحون ويمجدون الله ويرون أنها معجزة المعجزات وكيف أن الرب صالح وقدير وعجيب، حتى إنه منح الأب دانيال أن يعقد لمدة ثلاث ليالٍ متواصلة اجتماعات تبشيرية في قاعة الاجتماعات الكبرى بمدينة نصر، مع أن الحقيقة كما كنت أراها أنا، ويراها معي قليلون، وأعتقد أن عندي أنا أيضًا روح الله، كان هذا فخًا من كاتبي قصة نهاية خدمة الأب دانيال بالطريقة الكبيرة التى كانت عليها داخل أسوار الكنيسة الأرثوذكسية من خلال هذه الموافقة بعقد هذه الاجتماعات، وحيث أن الخطة هي إنهاء مؤتمراته الكبيرة، فقد وافقوا على إعطائه قاعة الاجتماعات الكبرى وهم يعلمون أن السيناريو الذي كتبوه لابد أن يتحقق، وهو أن الخطوة التالية لعقد هذه الاجتماعات ستكون بأن يصدر مجمع أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية قرارًا بشلحه من الرهبنة وبالتالي لن يسمح له بعقد اجتماعاته في كنيسة أو دير أرثوذكسي. فليس أمامه إلا الإنجيليين والكنائس الإنجيلية، أو البروتستانتية كما يحلو للبعض أن يسموها، ليعقد فيها اجتماعاته، الأمر الذي لا يوافق عليه رجل الشارع الأرثوذكسي البسيط وستمتلئ اجتماعاته بالإنجيليين المصفقين المتكلمين بالألسنة الذين يتنقلون وراء كل خادم شهير أو ممسوح أو لديه مواهب روحية من رب السماء، وهذا عين ما حدث بالضبط، فكانت اجتماعاته تعقد في الكنيسة الإنجيلية بالزيتون ثم في الكنيسة الرسولية بشارع الترعة ومرات بالكنيسة الخمسينية بشارع شبرا وهكذا. ومع كل شكري للقدير على استخدام القس دانيال وتأثيره الدائم إلى الآن على النفوس، لكني أرى أن قصة الفيلم التى كتبت له والتى أوصلته إلى ما هو عليه اليوم كانت محكمة بحيث تحد الآفاق العظام التى كان القدير يريد أن يستخدمه فيها داخل الكنيسة الأرثوذكسية في مصر وخارجها وخاصة في تحرير النفوس المقيدة بالأرواح الشريرة.

   أما القصة الثالثة هي قصة الأب زكريا بطرس، الذي كانت مهمته في وقت من الأوقات المكلف بها من قيادات الكنيسة الأرثوذكسية، كما دون هو نفسه في أحد كتبه، كان التكليف الصادر له ككاهن أرثوذكسي شاب أن يقاوم كل ما يتعلق بجمعيات خلاص النفوس التى كانت لا تزال في المهد صبية تحبو، ثم افتقده المسيح بنعمته وأصبح ليس كاهنًا فقط، بل نال اختبار الخلاص أو التوبة أو أطلق على هذا الاختبار ما شئت من أسماء، ثم بدأ خدمته بكنيسة العذراء بمصر الجديدة بصلاح الدين. كان استخدام الله له وسط الكنيسة الأرثوذكسية والمسلمين واضحًا وكبيرًا ومؤثرًا على مستوى مصر كلها. وأتذكر عندما كنت شابًا في سن الثامنة عشر، ذهبت لأستمع إليه، ركبنا المترو من ميدان رمسيس إلى مصر الجديدة، كان المترو مليئًا بالمسيحيين الذاهبين لحضور اجتماع “أبونا زكريا”، كان بعضهم يرنم ترانيم روحية مسيحية داخل المترو، والبعض الآخر قد أحضر المسجل الخاص به وكان يذيع عظة له، صدقوني كان أصحاب العيون المفتوحة يمكنهم التأكد من حضور المسيح وسطهم في المترو. قبل أن يصل المترو إلى محطة صلاح الدين نادى المحصل بأعلى صوته، محطة أبونا زكريا، وما أن وقف المترو إلا وتسارع الناس في النزول وعبور الشارع والاتجاه جماعات للاجتماع. الترانيم كانت روحية معزية، القاعات مليئة بالحضور، الكاميرات تنقل الاجتماع للقاعات المختلفة في بث تليفزيوني داخلى مباشر، أبونا يرنم بصوته الجهوري المعزى، ثم بدأ يقرأ من الكتاب المقدس. وبالرغم من مرور أكثر من ٤٠ سنة على حضوري هذا الاجتماع، إلا أنني ما زلت أتذكر الشاهد الكتابي والذي كان من الإنجيل بحسب القديس متى والأصحاح الثالث عشر والعدد ثلاثة وأربعين “حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم، من له أذنان للسمع فليسمع”. بدأ الأب زكريا بتعريف من هم الأبرار، ثم كيف يضيئون، وكان يقارن بين الأبرار كما يعرفهم كتاب الكتب الكتاب المقدس وبين الأبرار كما يعرفهم العالم. وكان يقول بأعلى صوته أبرار المسيحيين، الناس اللي احتموا في دم المسيح وبيصلوا وجوههم تلمع، تضئ كالشمس، وكلما صلوا ازدادوا لمعانًا كالشمس “وما عندهمش حاجة سودة بتطلع لهم في جباههم”. لكن جباههم تلمع كالشمس، لكن ناس تاني كل ما يصلوا تسود جباههم”. استرسل أبونا زكريا في وصف هؤلاء وأولئك، أما أنا كشاب فكنت قد بدأت في حبس أنفاسي والالتصاق بالكرسي الذي كنت أجلس عليه.  كنت أصلى أن ينتهي الاجتماع على خير ولا نخرج جماعات إلى ما كان يعرف يومها بـ “البوكس”. والبوكس هو عربة البوليس التى كان الباشاوات يلقون فيه المساجين ساعة القبض عليهم أو عند ترحيلهم من سجن إلى آخر. أنهى أبونا زكريا خدمته وأسرعت أنا بالفرار خوفًا مما كنت أتوقع حدوثه. شكرت الله أننى حر طليق ولم يقبض على، قال لي بعض الرفاق الذين صاحبوني لحضور الاجتماع: إن هذا شئ عادي مع “أبونا زكريا” أن يتكلم في مثل هذه الموضوعات. وبهذه الطريقة، الحقيقة كشاب صغير لم استوعب كيف يمكن أن يكون هذا في مصر وخاصة في ذلك الوقت! مضى قليل من الشهور على هذه الحادثة ثم سمعنا أن اجتماع أبونا زكريا توقف، ثم سمعنا أنه قبض عليه، ثم سمعنا أن المسئولين بالكنيسة الأرثوذكسية طلبوا منه الابتعاد عن مصر لبعض الوقت حتى تهدأ الأمور. سافر إلى لندن وطال غيابه عن مصر، ثم جاء إلى أمريكا بعيدًا عن أحبائه الذين خدم بينهم طويلاً طويلاً. ونشكر الله أنه مازال قادرًا على العطاء ومازال بنفس الحماس. وهكذا كتب سيناريو فيلم إنهاء خدمة أبينا زكريا داخل مصر، وهذا هو بيت القصيد، المهم أن يبعد هؤلاء المستخدمون بقوة الروح القدس عن مصر، ليست هناك مشكلة كبيرة في أن يظهروا في القنوات الفضائية المسيحية أو حتى يؤسسوا قنوات فضائية مسيحية، وليست هناك مشكلة أن يقولوا ما يقولون عن الإسلام والمسلمين، لكن فقط من خارج مصر!

   لعل القارئ لما كتبت سابقًا يتساءل: لماذا ذكرت ما حدث مع كل رجال الله السابق ذكرهم؟ أليس الأمر يتعلق بخبر اتهام الأب مكاري يونان بازدراء الأديان وتقديمه للمحاكمة؟ الأمر الذي أقول نعم، الأمر كذلك، لكن الأب مكاري ليس أول من اتهم بهذه التهمة من القسوس والكهنة والكتاب المسيحيين ولن يكون آخرهم، وإني  على يقين أن الأب مكاري لن يقبض عليه ولن يقدم لمحاكمة ولن تثبت ضده أي شكاية من أي من خلق الله، ونظرًا لأن الأمر لا يتعلق أساسًا ومن الناحية الروحية بالأب مكاري، لذا ذكرت مجرد عينة بسيطة من رجال الله، وأكرر الأمر لا يتعلق بكاهن أو قس بالذات لشخصه، ولا علاقة له بالحديث عن الإسلام ولا الديانة الإسلامية أو الازدراء بها، الأمر كله هو حرب في السماويات بين إبليس وجنوده وبين القديسين والأفاضل الذين في الأرض، بينه وبين كل من يفضح أعماله الشريرة ويثبت للناس أنه عدو مهزوم في الصليب ومن السهل على أصغر مؤمن بالمسيح يسوع يعرف كيف يمارس سلطانه الممنوح له من المسيح في فضح أعمال إبليس، أولئك الذين أطلق أنا عليهم تسمية البقية التقية، الذين رفضوا ويرفضون أن يحنوا ركبة لبعل ولا يخلطون التبن مع الحنطة، العواطف والمشاعر مع الكلمة النبوية التى هى أثبت، ولا يسجدون لتمثال أو صورة، ملموسة أو مختفية، مما في السماء أو على الأرض يصنعها رئيس أو حكومة ما، ويسبحون ضد التيار في هذا العالم الحاضر الشرير، ويتحدون مملكة إبليس وأعوانه فهم يعرفون “أن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات”.

   ولعل أقوى دليل على صحة ما أقول هو أن هذه العينة التقية التى ذكرتها من رجال الله القديسين الأمناء اشتركوا جميعًا في نهاية مماثلة للأفلام المكتوبة عنهم، فهم جميعًا لم يعودوا يقدمون خدماتهم للمسيح والكنيسة وفقًا لما كانوا يظنون ويرغبون داخل مصر، فالقس وليم لم نعد نسمع عنه في خدمة السيد، والأب دانيال لم يعد راهبًا ولم يعد يعقد المؤتمرات الكبار كما كان يفعل سوى خارج مصر، والأب زكريا بطرس يحيا خارج حدود مصر ولم يعد بقادر حتى على زيارتها كالغريب. وأخشى ما أخشاه أن تنتهي قصة فيلم الآب مكاري بإقناعه بالخروج من مصر لفترة صغيرة، لتهدأ الأمور ثم تعود لمكانك وكنيستك. نعم قد اتسعت خدمات أغلبهم خارج مصر كثيرًا جدًا، مئات بل الآف الأضعاف من خلال القنوات الفضائية، إلا إن نهاية قصة كل منهم بالنسبة لمصر والسلطات في مصر هي القضاء على خدماتهم داخل مصر، حتى لو أدى ذلك إلى خدمات وآفاق أكبر لخدمة كل منهم، والملاحظ أن جميعهم اشتركوا بشكل أو آخر في الوصول للمسلمين وإظهار قوة وسلطان وتعاليم المسيح يسوع لهم وبالتالي ربحوا منهم مئات الآلاف للمسيح. جميعهم كانت ولا تزال لهم القدرة على إخراج الشياطين وشفاء المرضى روحيًا ونفسيًا وجسديًا، فالعامل المشترك الأكبر لكل منهم هو إخراج الشياطين.

   والحقيقة أنا أرى أن لا الأب مكاري يونان ولا الشيخ سالم عبد الجليل ازدروا كل بدين الآخر، فسالم عبد الجليل قال ما يعلمه إياه دينه وما يؤمن به تابعى هذا الدين، والأب مكاري قال ما يعلمه إياه مسيحه الحي إلى أبد الآبدين وما نص عليه التاريخ غير المحرف كما عاشه المسيحيون، لكن القصة كلها تبدو أن المستفيد الأول منها السلطات المصرية التى كتبت نهاية فيلم خدمة الأب مكاري في مصر وأن غدًا لناظره قريب. وللأمانة الصحفية أقول إنه ليس بالضرورة أن الحكومة المصرية كتبت هذه النهاية غيرة وخوفًا على الإسلام أو المسلمين، لكن أغلب الظن أنها لا تريد أن تفتح جبهات جديدة مع السلفيين والأزهريين والمتأسلمين والمسلمين حول حضور السيدات المحجبات والرجال الملتحين إلى الكنيسة ورؤيتهم وهم يصرخون طالبين العون من المسيح يسوع، تبارك اسمه، ومتوسلين للقبطي الأب مكاري يونان أن يلمسهم أو يرشهم بالماء أو يصلي لأجلهم، وسماعهم لعظات الأب مكاري أو غيره. فالحكومة والبوليس المصرى يعلم أن المتنصرين المصريين أصبحوا بأعداد غفيرة يصعب حصرها وهي تتظاهر أن الأمر طبيعي ما داموا يعبدون عيسى، على حد قولهم، في السر وليس في العلن ولا يسببون أية مشاكل مع جيرانهم وذويهم.

   أيضًا من المضحك المبكي أن يقوم مسلم برفع قضية ازدراء أديان على مسلم آخر لأنه ازدرى بالمسيحية، أليس هذا غريبًا حتى في حالة إخفاء وتغطية هذا المسلم رافع القضايا للهدف الرئيسي الذي جعله يرفع قضيته على المسلم وهو عمل نفس الشئ مع الأب مكاري؟  ألا يعتبر ازدراء بالمسيحية ومسيحها كل ما يدرس عن المسيحية والمسيح والمسيحيين في كتب الأطفال في المدارس جميعها وخاصة في المدراس الأزهرية؟ ألا يعتبر ازدراء بالمسيحية والمسيح عندما يُقْرأ القرآن من صورة مريم أو آل عمران ويؤكد القارئ أنهم “ما قتلوه وما صلبوه لكن شبه لهم”؟ هل أخطأ الشيخ عبد الجليل عندما قال إن المسيحية عقيدة فاسدة؟ ألا يكرر هو ما كتب إليهم وما يؤمنون به في كتابهم الذي يؤمنون أنه منزل من عند الله؟ أيعتبر مزدر بالمسيحية من أكد على كلام وتعليم ربه، وبالتالي فأين الازدراء إذن؟!. إن ما ينبغي أن يحاكم ويناقش ونأتي فيه إلى كلمة سواء هو القرآن ورب القرآن لا عباده الذين آمنوا بما قيل لهم بأنه في كتاب منزل من عنده سبحانه. والرجل لم يخطئ لأن كل إناء ينضح بما فيه، ثم لماذا يعترض المسيحيون الآن ويثورون على ما قيل من الشيخ عبد الجليل؟ هل فاض بهم الكيل ولم يعودوا يتحملون أطنانًا أخرى من الاضطهاد والازدراء؟ ولحل هذه المشكلة لابد للإسلام أن يقول لنا ما هي صفات وسمات الديانة الفاسدة؟ هل تعد المسيحية ديانة فاسدة بسبب تعاليم السيد المسيح -تبارك اسمه- عندما قال لسامعيه: “من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر”؟ هل لو كان المسيح قد علم أصحابه: “من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه” لكانت ديانته غير فاسدة؟ إن الديانة الفاسدة تعرف من تعاليمها ونتائج تطبيق هذه التعاليم وحياة وصفات نبيها أولاً ثم أتباعه من المؤمنين، فهل وجد الشيخ ما هو فاسد في تعليمها أو حياة وصفات نبيها أو من اتبعه من المقربين؟ إن الهدف الأساسي من إخراج هذا الفيلم الذي نحن بصدده هو إنهاء عقد اجتماعات الأب مكاري وإيقافه عن إخراج الشياطين من المسيحيين والمسلمين, وهذه خطة الشيطان ضد كنيسة الأب مكاري يونان.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا