فزاعات وشماعات

12

العدد 127 الصادر في أبريل 2016
فزاعات وشماعات

    عجيب هو الشعب المصرى العظيم في استخدامه للأشياء والكلمات والتعبيرات التى لا وجود لها في القواميس والتى يبتكرها ويخترعها من حين لآخر ولا تأخذ أكثر من أيام قليلة حتى تنتشر في مصر بأكملها ويستعملها الكبير كما الصغير، المتعلم والجاهل على السواء، وكأنها كلمة أو تعبير أصيل في اللغة العربية، من هذه الكلمات الشهيرة كلمة “فزاعة” وكلمة “شماعة”. أما كلمة فزاعة في مفهومها الدارج عند العامة فتعنى أمرًا أو شيئًا أو شخصًا أو جماعة ما يستخدمها شخص آخر أو حكومة أو جماعة أو أصحاب دين ليفزعك ويخيفك ويضغطك ويبتزك ليحصل منك على ما يريد وخاصة إذا قلت أو عملت أو طلبت أو حتى فكرت في شئ لا ترضى عليه هذه الجماعة أو هذا الشخص الذي له السلطان أو القدرة أو القوة ليفزعك. أما الشماعة فهي كلمة ليست حديثة الاستخدام، فالشماعة في الأصل وكما عرفناها منذ نعومة أظفارنا آلة من الحديد أو الخشب أو البلاستيك أو غيره يعلق عليها الملابس، أما الجديد في استخدامها، فقد أصبحت طريقة وسلوكًا تستخدمها الجماعات والحكومات والأفراد لتحميلها كل ما لا يريدون مواجهته أو الاعترف به أو تحمل مسؤلياته وتبعاته ويحاولون إلقائه على شئ أو شخص أو جماعة أو دين آخر غير أشخاصهم أو جماعاتهم أو أديانهم. وبالرغم من اختلاف كلمة فزاعة عن شماعة في اللفظ والمعنى والمراد من كل منهما إلا أنهما مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا في عمليات استخدامهما، فمستخدم الفزاعة في الغالبية العظمى من الأوقات لا يكون صادقًا مع نفسه، فيستخدم الشماعة لتبرير استخدامه للفزاعة، ومستخدم الفزاعة لعلمه أنه يستخدم الوسيلة الخطأ لتحقيق أهدافه، لذا فدائمًا يختفي وراء شئ أو شخص أو قل شماعة ليقنن ويبرر ويحلل لنفسه استخدام الفزاعة، وبالرغم من وجود الكلمتين واستخداماتهما منذ زمان هذا مقداره، إلا أنه قد كثر جدًا استخدام كلمتي “فزاعة وشماعة” في هذه الأيام وخاصة منذ قيام ثورة يناير 2011 ودخول أطراف كثيرة فيها بما تحمله هذه الأطراف من خبايا وخطط ومصالح وأغراض تسعى لتحقيقها بأي شكل من الأشكال، بحق أو غير حق، وإن لم تستطع، استعملت واحدة أو أكثر من صفاتها أو مكاناتها أو وظائفها لترويع الناس الذين حولها ولإفزاعهم وجعلهم ينفذون ما تريد بسبب استخدام الفزاعة. وهناك فزاعات وشماعات كثيرة لا حصر لها تستعملها الحكومات والجماعات وأتباع الأديان المختلفة دون استثناء سواء أكانت هذه الأديان من عند غير الله أو من عنده سبحانه، الذي لا شريك له. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك فزاعة وشماعة القضاء والقضاة، وفزاعة وشماعة ازدراء الأديان، وفزاعة وشماعة دخول الحجز أو السجن وما أدراك ما يحدث داخلهما والذي أفردت له مقالاً بعنوان: “وبرضه هتنضرب على قفاك!”، ثم فزاعة وشماعة الإخوان المسلمين، وفزاعة وشماعة جناب القسيس أو قدس أبونا أو سيدنا كما يحلو للبعض استخدام هذه الكلمة التى نص الكتاب المقدس صراحة على ضرورة عدم استخدامها عند الحديث مع أي انسان كما أمر كل إنسان أن لا يسمح لبشر مثله أن يناديه بها في قوله تعالى: “ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس: سيدي سيدي! وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وأنتم جميعًا إخوة. ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح. وأكبركم يكون خادمًا لكم. فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع ” . ثم فزاعة وشماعة الكهنوت وسلطان الحل والربط والأسرار الكنسية، وفزاعة وشماعة المسلمين عامة، حتى المسالمين منهم أصحاب الفضائل والقيم، وفزاعة وشماعة البوليس ومباحث أمن الدولة، وفزاعة وشماعة الأستاذ الجامعي المتعصب، وفزاعة وشماعة الحكومة وخاصة سيادة الرئيس، أي رئيس في أي مكان أو زمان.. و.. و.. و.. و.. والعجيب في الأمر أن أصحاب الفزاعات والشماعات هم الذين يستخدمون فزاعات وشماعات غيرهم في تنفيذ خططهم ورغباتهم شريرة كانت أم خيرة، قانونية كانت أم مزورة.

    فزاعة الإخوان المسلمين والبوليس

    دعني أشرح وأدلل على ما ذكرت، فبالرغم من أن أقدر وأخطر الفزاعات التى استخدمت على مر العصور والأزمان، في كل دولة ومكان وخاصة في مصر منذ قيام ثورة الضباط الأشرار في ١٩٥٢ هي البوليس المصرى ذاك الذي استخدمه الرؤساء والأغنياء أصحاب النفوذ والأموال كفزاعة لترويع العامة من الشعب المصرى الطيب الغلبان للوصول لأهدافهم الخبيثة، إلا أنه بدوره، وفي نفس الوقت، استخدم البوليس المصرى، ومنذ أن كنت طفلاً وحتى يوم كتابة هذا المقال مع شعبنا ومعي، أنا شخصيًا، وخاصة منذ أن أسست اتحاد الشباب المسيحي في أوائل الثمانينات، فزاعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة، وكانوا يستخدمونها أيضًا كالشماعة التى يعلقون ويدللون بها على سلامة نيتهم في منعنا، في معظم الأوقات، من بناء الكنائس، أو الحصول على ترقيات في العمل أو التعيينات في وظائف رئاسية على مستوى أية مصلحة أو هيئة مصرية، أو عند علمهم بأن مدرسًا ما من المسيحيين قرر أن يؤدي عمله بإخلاص وضمير وخاصة في تدريس حصص الدين المسيحي في مدرسته مثلاً، فالمدرس المسيحي المخلص لدينه متهم بفزاعة التطرف والتعصب وخطط ومكائد زملائه ورؤسائه، حتى يكف عن ما يعمل، والمُدَرِّسة التى عينت ناظرة أو مديرة للمدرسة لا يمكنها أن تمارس مهامها بسبب فزاعة وشماعة البنات المسلمات في المدرسة، فهن لا يقبلن أن تكون مديرتهن مسيحية، فتستخدم هذه الفزاعة في إقصاء المديرة عن منصبها بأمر من البنات الصغار الذين بعملهم هذا قد أهانوا بقية مدرسينهم ومدرساتهم حتى غير المسيحيين منهم، حيث أصبحت البنات القاصرات المراهقات المسلمات هن المديرات لهذه المدرسة بما فيها ومن فيها من تلاميذ وأساتذة وخلافه، وهن اللاتي يولين من يشئن عليهن ويقصين من يشئن ولله الأمر من قبل ومن بعد. وعلى هذا المنوال أيضًا فقد أهانت البنات السادة مسئولي التعليم في مصر ابتداء من سيادة الوزير وكل من أصدر أو وافق على قرار تعيين مدرسة مسيحية في منصبها الجديد وترقيتها لتصبح مديرة المدرسة، وأيضًا سيادة المحافظ الذي رفض مقابلة المدرسة، حسب ما ذكرته هي، متحججًا بأن لا وقت عنده لمقابلتها، بالرغم من أنه بات واضحًا أنه كان لديه الوقت الكثير والفائض عن حاجته هو أو معاونيه، فصرفوا أكبر وقت ممكن للبحث للمدرسة عن أخطاء يستعملونها كشماعة يحللوا بها عدم تعيينها ناظرة لهذه المدرسة وبالطبع لأي مدرسة أخرى، وحيث أن المدرسة التي يمكن أن تعين بها ناظرة مسيحية لا بد أن تكون خالية من البنات المسلمات وحيث أنه لا توجد أي مدرسة بنات خالية من الطالبات المسلمات، حتى لو كانت مدرسة مسيحية تديرها كنيسة أو طائفة أو سنودس، حتى تعين عليها هذه الناظرة المسيحية “ونخلص من هذا الموضوع ووجع الدماغ” إذا لن يتم تعيينها في منصبها الجديد أبدًا. وقد أهانت البنات حتى القضاء المصرى الذي لم يستطع أن يتخذ قرارًا نافذ المفعول، حتى الآن بالوقوف ضد غطرسة هؤلاء البنات، وهكذا تمتد الإهانة إلى كل قادة الدولة إلى أن تصل إلى أعلى مراتبها، حيث لم يتدخل لا رئيس أو مرؤوس في فض هذا النزاع، مستخدمين فزاعة البنات المسلمات الرافضات لتعيين المدرسات المسيحيات كمديرات عليهن حيث أنه لا ولاية لغير المسلمين على المسلم، وتعليق الأمر كله على شماعة صغر البنات وشماعة الفتنة نائمة، لعن الله من يوقظها وشماعة تهدئة الاحتقان وشماعة وفزاعة القضاء الذي لا بد أن يأخذ مجراه، تمامًا كما حدث في مسألة صفر مريم الطالبة المتفوقة في الثانوية العامة والتي نساها حتى المسيحيون أنفسهم ولم تعد تذكر في أية مناسبة، وغيرها من الشماعات الجاهزة والمنتظرة في دولاب الأحداث لتلبس واحدة من هذه القضايا، وعلى النقيض، يتحرك البوليس مسرعًا للقبض على أربعة صبية مسيحيين كانوا يمثلون ما تقوم به داعش الإجرامية من صلاة إسلامية ثم قطع الرؤوس والرقاب، ويتحرك القضاء المصرى بأسرع ما يكون التحرك وكأنه متفرغ لمثل هذه القضايا وينتظرها للحكم عليهم بالسجن لمدة أربع سنوات ثم يزور سيادة الرئيس، حفظه الله ورعاه، وأقصد هذا من كل قلبي لا خوفًا ولا تملقًا بل دعاء من القلب، الكاتدرائية ليلة العيد ليهنئ الأقباط بعيد الميلاد المجيد ويعتذر لهم عن تأخره وحكومته في تنفيذ وعده بإعادة بناء ما هدمه المتطرفون من كنائسهم، فتلتهب أيدي المسيحيين المغيبين بالتصفيق لهذا الخبر العظيم، وكأن إعادة بناء هيكل كنيسة قد تهدم أهم بكثير من إعادة هيكل مسيحي صغير السن والخبرة قد تدمر بسبب القبض عليه واتهامه بأنه ازدري بالإسلام، تلك الهياكل الصغيرة التى لا يمكن ترميمها أو إصلاحها أو إعادتها كما كانت عليه قبل القبض عليها مهما حاولنا ذلك إن لم يتدخل المولى بنفسه لإصلاحها، ألم يعلمنا تنزيل المولى القدير في كتابه المقدس قائلاً: “أنتم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم”؟ إذًا فأي الهيكلين أهم، أهيكل الصغار المصنوع من لحم ودم وعواطف ومشاعر وأحاسيس، أم هيكل الكنائس المصنوع من الحجارة والرخام والصور والتماثيل؟ وما من شك لدي بأن المسئولين على اختلاف مناصبهم سيستخدمون فزاعة وشماعة القضاة والقضاء المصرى في البعد عن الزج بأنفسهم في معترك هذه المعركة الحامية الوطيس، ألم تستخدم الحكومة نفسها فزاعة وشماعة المسلمين في إغلاق الكثير من الكنائس والاجتماعات وعدم الموافقة على إعادة فتحها للمصلين، أو في عدم إصدار ترخيص لبناء كنيسة في قرية ما لنفس السبب، والحقيقة إن وسيلة الفزاعة والشماعة كانت هي السائدة الاستخدام منذ أن كنت في بداية خدمتى في مصر. والحق يقال إنني كثيرًا ما خدعت بالفزاعة والشماعة، عندما كان البوليس يستخدمهما معي ومع غيرى من المسيحيين، وقبلتهما على أساس أنهما حقيقة واقعة، وليست فزاعة أو شماعة، وبالتالي كنت أتخيل أنه لا يمكن لنا تجنبهما وعلينا كمسيحيين أن نطوع أنفسنا لهما لأننا نحب مصر ولا نريد لها الأذى ولنتجنب الصدام مع المسلمين والجماعات والبوليس ومباحث الأمن وخاصة مباحث أمن شئون الكنائس المصرية، وحتى عندما لم نكن بمقتنعين بهذه الفزاعة والشماعة، كان حتمًا  علينا أن نمثل دور “عبده العبيط” الذي لا يقتنع بالأمر ويرى عكس ما يحاول من حوله إقناعه به، لكن ليس في مقدوره إلا أن يتصرف كالمغيب أو كالعبيط غير الفاهم حتى يحتفظ بماء وجهه أو يجد مخرجًا روحيًا ونفسيًا وعذرًا يستند عليه في قبوله الفزاعة والشماعة كحقيقة واقعة وبالتالي لعدم تنفيذه خطة المولى في حياته، ولعل هذا هو السبب وراء ما وصلت إليه الكنيسة وقادتها من استسلام للأمر الواقع وقبول أنصاف الحلول وفي كثير من الأحيان قبول الذل والمهانة على أنها مشيئة الله لحياتنا كمسيحيين، وتحججنا بالآيات الكتابية مثل: “ في العالم سيكون لكم ضيق” وسيأتي وقت يظن فيه كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله، وها أنا أرسلكم كحملان وسط ذئاب” وغيرها من الآيات المشابهة، والتى كثيرًا ما استخدمناها كشماعات للهروب من مواجهة الأمور ووضع حد فاصل لمعاناتنا كأقباط، لكنني اكتشفت من دراستي لكلمة الله أن هذه الآيات لم يكن يقصد بها السيد المسيح أن لا يطالب الإنسان بحقه، أو أن يقف مكتوف الأيدي وهو يظلم ويزج بأولاده وبناته في السجون، أو أن يستسلم للأمر الواقع دون اعتراض أو دفاع أو إجبار من أمامه على سماع رأيه في حقيقة الأمور، وهذا ما فعله بولس الرسول غير مرة، وما فعله المسيح نفسه المعلم العظيم، صاحب التعاليم السابقة.

    فزاعة أمن الدولة

    لقد جزت أنا شخصيًا في مثل هذه المحكات من قبل وواجهت كثيرًا من الفزاعات والشماعات عندما كنت أقوم بعمل بعض الاجتماعات أو اللقاءات التى كنا كاتحاد للشباب المسيحي نعقدها في مسرح أو كنيسة الدي لاسال بالظاهر. وإليك واحدة منها، كنا ولمدة ١١ سنة متواصلة نعقد مؤتمرًا سنويًا للترنيم، كان المؤتمر عادة ما يستمر ٣ أيام، في الصباح كنا ندرس قواعد التلحين والتأليف وكيفية اختيار الترانيم وقيادة فرص الترنيم في الكنائس، وفي المساء كنا نلتقي بالمرنمين والمؤلفين والملحنين للترانيم ونستمع منهم لاختباراتهم في كتابة ترانيمهم التى كانت تنشر فيما يعرف بكتاب ترنيم الصيف والذي كان يقوم بإعداده ونشره الدكتور المهندس وفيق صموئيل وهبي والدكتور المهندس فايق ساويرس تحت رعاية ما كان يعرف بلجنة الترنيم بسنودس النيل الإنجيلى، وكان في السنة التاسعة من سنوات عقد  مؤتمر الترانيم، وفي الليلة الثانية للمؤتمر، جاءني أحد الإخوة مسرعًا إلى بيتي حيث كان لا بد لي أن أكون بجوار والدي المريض وكانت درجة حرارة جسده فوق الأربعين، وكنت لحظتها أضع له كمادات الثلج على رأسه، جاء هذا الأخ مسرعًا يلهث وقال لي، لابد أن تتواجد الآن بمدرسة الدي لا سال، سألته خير، قال ومن أين يأتي الخير مادام الإخوان المسلمون وراءنا بالمرصاد؟!، سألته، ماذا حدث؟ قال: لقد تلقى ناظر مدرسة الدي لا سال مكالمة تليفونية من أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين هدد فيها الناظر أنه سيفجر المدرسة بسبب إقامة اتحاد الشباب المسيحي مؤتمر الترنيم السنوي، فقام مدير المدرسة بدوره بالاتصال بالبوليس الذي أمره بإيقاف المؤتمر وإخلاء المكان فورًا، تركت والدي ملتهبًا وجريت لمكان المؤتمر، وجدت قوات الأمن وقد أحاطت بالمكان وكأن إسرائيل ومن وراء إسرائيل قد قرروا غزو مدرسة الدي لاسال والاستيلاء عليها، أمن مركزي، عمداء وعقداء ومخبرين وعساكر يملأون المدرسة والطرقات والشارع المؤدي إلى مدخل المدرسة، حاولت أن أستفسر من أي من العمداء والعقداء الموجودين عما حدث وما السبب في كل هذه القوات، فلم يجبني أحد بالرغم من تقديمي نفسى لهم كرئيس اتحاد الشباب المسيحي والمسئول عن عقد هذا المؤتمر لكن لم يسمع أحد، كل ما كان قد سيطر عليهم أنه كيف لشاب صغير السن (يومئذٍ) مثلى أن يتكلم معهم كمسئول أو قل كندٍ لهم محاولاً الاستفهام عما يحدث، حتى لو كان هذا الشاب هو صاحب الليلة والمسئول عنها، فمن قائل: ” هذا مش شغلك”، فأجيبه لا هذا من صميم شغلي لأنني المسؤل عن اتحاد الشباب المسيحي وعن هذا المؤتمر، لمن قائل، اسأل ناظر المدرسة، وكانت إجابتي، ناظر المدرسة قال لي اسأل الضباط هم الذين أمروني أن أخلى المدرسة وأنهي المؤتمر حالاً، لقائل أنت تسمع الأوامر وتنفذ وبس، لدرجة أنه قد ساورني الشك الذي أصبح يقينًا مؤكدًا، عندي أن القصة كلها لا دخل لها بالإخوان المسلمين ولا بتفجير القاعة أو المدرسة، القصة تبدو فزاعة وشماعة بوليسية مختلقة لإنهاء المؤتمر، خضعنا بالطبع لأوامر البوليس، اللهم لا اعتراض، ونقلنا المؤتمر إلى مكان آخر، إلى هنا وقد كانت الواقعة عادية يمكن أن تحدث في أي مكان ولأي مؤتمر أو جماعة وبالطبع لا بد أن يتدخل البوليس ولنفترض حسن النية من قبل المسئولين عن قوات الأمن ونقول لكي ينقذوا المؤتمرين من قنابل متطرف بجماعة الإخوان المسلمين هدد بتفجير قاعة المؤتمر، وهكذا كان عليهم أن ينقلوا المؤتمر لمكان آخر، فكما قلت سابقًا، فنحن المسيحيين علينا أن نغيب عقولنا ونجبرها على قبول ما ترفض تصديقه من ضلالات لا يمكن أن يقبلها صاحب عقل سليم، لكن ما لم يكن طبيعيًا هو أن تستخدم هذه الحادثة ضدنا مرارًا وتكرارًا كفزاعة وشماعة لكي يمنعنا بها البوليس من إقامة اجتماعاتنا في أي موقع آخر.

    وإليك ما حدث بعد سنتين من هذه الواقعة، أي في السنة الحادية عشر  لمؤتمر الترنيم السنوي، قمت مع شركاء الخدمة بالإعداد للمؤتمر، كان مؤتمر الترنيم في تلك السنة سيبدأ اجتماعاته في السادسة مساء الثامن عشر من يونيو، قبل المؤتمر بإسبوعين جُرِّبْنا كعائلة بحالة وفاة في العائلة أخذت منا كل وقتنا وتفكيرنا بالإضافة أنني في شهر يونيو من تلك السنة أيضًا كان لابد لي من اجتياز الامتحان النهائي للحصول على دبلوم الدراسات العليا في الصحافة من كلية الإعلام جامعة القاهرة، إلى جانب الكثير من الأمور المربكة والتى كانت نتيجتها أن غاب عن بالي تمامًا إبلاغ مباحث أمن الدولة أن لدينا مؤتمر للترنيم، لم أتذكر أنني لم أبلغهم بالمؤتمر إلا قبل ميعاده بيومين، قمت بالاتصال بمكتب شئون الكنائس بلاظوغلي، كعادتي قبل عقد أية لقاءات أو مؤتمرات، عندما أحضر عامل التليفون سيادة الرائد (يومئذ) حامد العقيلي على التليفون قلت له مساء الخير، أنا ناجي يوسف وأحب أعطى سيادتك خبرًا أن لدينا مؤتمر الترنيم الذي نعقده كل سنة بمدرسة الدي لاسال بالظاهر، سيكون اللقاء إن شاء الله يوم 18 ،  لم يدعنى سيادة الرائد أن أكمل التفاصيل، سألنى بطريقة خشنة لم أعتادها منه أو من زملائه من قبل “أنت عارف يوم 18 ده بعد كام يوم”، حاولت أن أسترجع تاريخ اليوم الذي كنت فيه حتى أحسب باقي كام يوم على يوم 18 لم تسعفنى الذاكرة، فقلت له الحقيقة مش عارف هو يوم 18 ده بعد كام يوم؟ علا صوت سيادة الرائد واحتد في نبرته وقال لي، بعد يومين يا أستاذ، لأن النهارده 16 ، أنت عاوزني أجهز لك قوة تحرسكم بعد 48 ساعة من الآن، حاولت أن أخفف من حدة الموقف المتوتر وأجبته بكل احترام وبصوت كصوت صديق يتجنب غضب صديقه:  “يا باشا المؤتمر ده بنعمله زي ما سيادتك عارف من 10 سنين وبعدين سيادتك أنت الراجل بتاعنا”. كنت أعزم أن أقول له إنه الراجل بتاعنا الذي اعتنى بنا من قبل في مثل هذه المؤتمرات وقد مرت بسلام  ونحن نقدر لك ذلك كثيرًا حتى تهدأ ثورته، ولكنه لم يدعنى أكمل ما كنت قد نويت أن أقوله له من طيب الكلام، لأن سيادة الرائد صرخ بأعلى صوته مقاطعًا لي: “أنا مش الراجل بتاعكم، أنا ضابط مباحث، وأنا قلت إن المؤتمر ده مش هيتعمل”، كان سعادته يتكلم بطريقة أثارت أعصابي إلى قمتها، فقررت في لحظتها أنه إلى هنا ولن أحتمل أكثر من هذا في أن أحيا في الخوف من الفزاعة المسماة مباحث أمن الدولة، لم أدرِ بنفسى إلا بعد أن أجبت سيادة الرائد بأعلى صوتي وفي تحدٍ: “وأنا قلت إن المؤتمر ده هيتعمل” ازداد صراخ سيادته وقال: “أنت بتتحداني وأنا قبلت التحدي ونشوف مين اللي هيغلب” وأغلق الخط في وجهي، وساد الصمت المطبق، فشئ بداخلي يقول لي، لا تحيا فيما بعد كجبان تحت سيطرة روح الخوف، لن يحدث لك شئ إلا بإذني، لا تخف من وجوههم لئلا أريعك أمامهم وشئ آخر داخلي أيضًا كان يلومنى ويقول أعصابك يا ناجي، كيف تتكلم إلى ضابط مباحث أمن الدولة بهذه الطريقة، هذه ليست حكمة، رابح النفوس حكيم، كن مسالمًا لخصمك في الطريق، اعقل واستخدم عقلك، فأنت تتكلم مع ضابط مباحث أمن دولة، قررت أن أقابل الراحل الدكتور القس صموئيل حبيب لأشرح له الموقف بصفته رئيس الطائفة الإنجيلية وهو الرجل الذي أكد لمباحث أمن الدولة أكثر من مرة أنني واتحاد الشباب المسيحي تحت إشرافه شخصيًا، علمت يومها أنه كان مسافرًا للمنيا وسيأتي إلى القاهرة في ساعة متأخرة من الليل، لم يكن هناك وسيلة للاتصال به في سيارته، حيث لم يكن المحمول قد ظهر بعد، رجعت إلى منزلي بعد منتصف الليل، لأجد زوجتى الجميلة الوديعة الدكتورة أماني غارقة في دموعها وما أن رأتني، حتى طلبت منى أن نغادر شقتنا فورًا، ونذهب إما إلى بيت عائلتي أو عائلتها ونقضى الليلة في أي منهما، المهم أن لا نقضي الليلة بشقتنا، قلت، لماذا، قالت، اتصل بك القس صموئيل حبيب وسأل عنك وقال لي: “فين المجنون اللي عندك”، قالت، أجبته لم يعد للمنزل بعد، هو يبحث عنك لأنه يريد أن يتحدث إليك في أمر مهم حدث معه اليوم، فقال لها، قولي للمجنون اللي عندك “لو صبح عليك صبح وأنت في البيت يجي يقابلني في المكتب، مع أني لا أعتقد أنه هيصبح عليه الصبح وهو في البيت” قلت لزوجتي: مباحث أمن الدولة عارفين عنوان بيت عائلتي وعائلتك، وإن أتوا ولم يجدوني في واحد منها، سيذهبون للثاني، أنا لن أترك شقتنا هذه وليكن ما يكون، نمت ليلتها بملابسى متوقعًا زيارة من زائر الفجر، لكن الفجر أتى، والحمد للقدير المتسلط في مملكة الناس، لم يأتِ زائر الفجر، ذهبت في صباح اليوم التالي للقس صموئيل حبيب في مكتبه، قال لي: اتصل بي الرائد العقيلي وقال لي: إنهم قرروا اعتقالك وأن  سيادة العميد رئيسه سأله قبل التوقيع على قرار اعتقالك، مين هو ناجي؟ فأجابه، شاب دأب على عقد لقاءات ومؤتمرات للشباب المسيحي وكلما سألناه عن من هو قائده أو القس المسئول عنه، أجابنا الدكتور القس صموئيل حبيب، وعندما سمع سيادة العميد أنني المسئول عنك، قال للرائد العقيلي، أعط خبرًا للقسيس صموئيل قبل القبض عليه، ثم أكمل القس صموئيل، لذلك اتصل بي الرائد وقال لي: ناجي عامل مشاكل كثيرة لنا وكلما سألناه من المسؤل عنك،  “اتلزق” في اسمك وقال القسيس صموئيل. وهو عامل مؤتمر للترنيم وأنا على يقين أنك لا تعرف عن المؤتمر شيئًا، أجابه القسيس صموئيل لا، ناجي “مش بيتلزق” في اسمي، ناجي تبعي وهو شاب من شباب كنائسنا المعروفين، والمؤتمر أنا أعلم عنه وهو تابع لإشرافي شخصيًا، فأجابه الرائد: يا حضرة القسيس إحنا مش بنستأذنك للقبض على ناجي، إحنا بنفذ أوامر سيادة العميد وبنديلك خبر علشان تعرف ناجي هيكون فين غدًا حتى لا تسأل عنه”. قال لي القس صموئيل إنه أجاب سيادة الرائد بالقول: شكرًا لكم على إخبارى بهذه الواقعة قبل حدوثها، لكن هذا يعني أنني لست بصاحب قرار في هذه الحالة، وبالتالي أنا فقط صححت لك معلوماتك عن ناجي وهي أن ناجي تبعي والمؤتمر تحت إشرافي، وعندها قال له الرائد، بعد أن بات من الواضح أن إبلاغهم للقس صموئيل بواقعة القبض علىَّ قبل حدوثها، قد خلقت كثيرًا من التوتر بينه وبين سيادة الرائد، فلجأ الرائد إلى حيلة أخرى وقال للقس صموئيل: ناجي شتمني على التليفون، أجابه القس صموئيل لو ناجي شتمك على التليفون، أنا أبعته لك غدًا في مكتبك، فاشتمه أنت بدورك، لكن ليس لأنه شتمك تعتقله، ثم سألني القس صموئيل ماذا حدث، رويت له القصة كاملة وبصدق، قال لي: أنا مصدقك ولم أصدق رواية ضابط المباحث عندما قال لي أنك شتمته على التليفون، ثم أكمل أنا قلت له: إني ممكن أجعل ناجي يتصل بك لمقابلتك إن إردت، ثم طلب مني القسيس صموئيل أن أتصل بسيادة الرائد وأقول له إن القسيس صموئيل طلب منى أن أكلمك لننهي الموضوع الذي بيننا، تحب آجي لك إمتى؟، لم أرد أن أتصل بالرائد، لكن احترامًا للقس صموئيل ولأنه وعده أنني سأتصل به وفوق الكل، لأن المؤتمر كان سيعقد بعد ساعات من لقائي بسيادته ولم أكن مستبشرًا خيرًا بمؤتمر يقام على صراع وخناقة مع مباحث الأمن، اضطررت أن أكلمه، سألته، تحب أجيلك إمتى، حدد لي ميعاد الساعة الثانية ظهرًا أي قبل بداية المؤتمر للحاضرين بحوالي أربع ساعات، أما بالنسبة لي فكان قبل بداية المؤتمر بساعتين حيث كان لزامًا على أن أذهب مبكرًا لأطمئن على مدى دقة الترتيبات الخاصة بالمؤتمر، لم أشأ أن ابدأ مشكلة جديدة مع سيادته فوافقت على الميعاد، ذهبت في الميعاد المحدد لمبنى لاظوغلي، أعطيت بطاقتى الشخصية، كعادة زوار لاظوغلى، لعسكرى الاستقبال وقلت له أعطِ خبرًا للضابط حامد العقيلي وقل له الدكتور ناجي وصل، جلست في غرفة الانتظار، كانت هذه هي المرة الأولى التى انتظر فيها في تلك الغرفة أكثر من خمس دقائق بالرغم من كثرة ترددي على مبنى لاظوغلي، في كل مرة كنت أذهب لمقابلة أحدهم لم أكن أنتظر أكثر من خمس دقائق ويقوم عسكرى الاستقبال باصطحابي لمكتب شئون الكنائس بالمبنى، في هذه المرة استخدم معي سيادة الرائد فزاعة مبنى لاظوغلي وفزاعة الانتظار في غرفة استقبال مبنى لاظوغلي وسط لفيف من أرباب السوابق والمراقَبين أمنيًا أو الأبرياء المقهورين أمثالي الذين لم يرتكبوا ذنبًا ولا خطيئة يحاسبون عليها ويعاقبون بموجبها بزيارة لمبنى لاظوغلي، وبالطبع، فنحن جميعًا لا نستطيع الاعتراض على الاستدعاءات التى كان ضباط لاظوغلي يأمرون فيها الكبار والصغار، الأبرياء والأشرار شيوخ الجوامع وقسوس الكنائس وأرباب السوابق والجماعات وغيرهم من المضطهدين أو تعساء الحظوظ بالحضور إلى مبنى لأظوغلي،  باختصار في هذه المرة قارب وقت انتظاري بالغرفة على الساعة ولم يطلب منى أن أصعد لمقابلة سيادته.

    وكان على إما أن أرضخ لفزاعة ضابط شئون الكنائس بلاظوغلي وأنتظر حتى يعطف ويتحنن علىَّ سيادته ويسمح لي بالمقابلة أو أن أكسر تأثير هذه الفزاعة  وليكن ما يكون وليحدث ما يحدث، فأقصاها كان سيتم اعتقالي الأمر الذي كنت قد أعددت نفسي له منذ الليلة السابقة لهذا اللقاء وكنت قد وضعت خطة محكمة لكيفية نشر أمر اعتقالي في العالم كله وأسماء الأشخاص والهيئات والسفارات التي لا بد أن تعلم باعتقالي في الأربع والعشرين ساعة الأولى، ومن هو الذي سيقوم بالإبلاغ ومن أي تليفون أو فاكس وفي أي مكان وهكذا، وقررت أنه بعد خروجي من المعتقل سأكف عن عمل أي شئ آخر في حياتي سوى أن أطوف العالم كله لأخبرهم عن ما حدث لي وما يحدث في مصر للمسيحيين وسأبدأ بمعارفي في البلاد الأوروبية والأمريكية.

     كان كل هذا يُطْبَخُ في عقلى بسرعة البرق، وعلى نار مستعرة من الغضب والإحباط وتحت ضغط الظلم والاضطهاد وملاحقة مباحث أمن الدولة لي في كل حركة أو خدمة أو مؤتمر، هذا الضغط الذي هو أشد وأقوى من ضغط البخار في أواني الطهي التي تعمل بضغط البخار، وتجمع هذا كله داخلي في ساعة انتظاري لمقابلة رائد مبنى لاظوغلي، كنت أعلم أن مقابلتى لسيادته لن تكون مقابلة مسرة، لم أكن أعلم إلى أي حد سيتطور الكلام بيننا وكنت مستعدًا يومها للأسوأ، حتى إلى درجة اختفائي من أرض الأحياء، قلت لنفسي إما أن أعيش حرًا محترمًا لنفسى أنه ألف مرة أفضل لي حتى إن أموت وأدفن في هذا المبنى، مرت الساعة وكأنها الدهر بأكمله، فماذا عساي أن أفعل، فسيادة الرائد ليس أمامي لأصرخ في وجهه أو على الأقل لأتكلم معه، ولن يُسْمَح لي بالصعود إلى مكتبه إلا عند موافقته وعلى مزاجه، وإذا انصرفت فستزداد الأمور سوءًا بينى وبينه وربما أثر ذلك على المؤتمر وعلى الاتحاد وعلىَّ وعلى عائلتي تأثيرًا سلبيًا لا يعلم مداه إلا علام الغيوب، كانت الأفكار تعصف برأسى وما شعرت بنفسى إلا عندما قمت من مكاني وفي ثورة عارمة من الغضب، ذهبت للعسكرى الذي أخذ منى بطاقتى الشخصية، وبالمناسبة عساكر الاستقبال والاستعلامات هؤلاء سواء في مبنى لاظوغلي أو أقسام البوليس ومباني النيابات وغيرها، يعاملون الناس وكأنهم لواءات وليسوا عساكر وكأن بيدهم مقاصيرٍ الأمور وهم أصحاب القول والنهي فيها، وقفت أمام المكتب الذي جلس عليه العسكرى ومددت يدي في وجهه وقلت له بصوت مرتفع وغاضب: “إدينى البطاقة الشخصية بتاعتي الآن وحالاً” نظر إليّ العسكرى ومن هول المفاجئة قال لي بصوت مرتعش: هو فيه إيه يا أستاذ مال حضرتك منفعل كده ليه، هو سيادتك عايز تقابل مين، قلت له كنت أريد مقابلة الرائد العقيلى لكن خلاص رجعت في كلامي، كنت أتكلم كمن له سلطان أو كمن جن وفقد عقله، رد العسكرى بكل أدب سيادتك معلش استرح دقيقة واحدة وأنا هكلمه حالاً، الآن، وهقول له إن سيادتك مستعجل وعايز تمشي، دقيقة واحدة، قلت له قول للضابط حامد الدكتور ناجي بيقول لك أما أن تقابله في خلال ٥ دقائق وإما سأذهب إلى المؤتمر وبعد نهاية المؤتمر نتفق على وقت آخر نتقابل فيه، نظر إليّ العسكرى نظرة حيرة وكأنه يسأل نفسه، لو كان هذا الشخص ذا أهمية أو مكانة وسلطان، لما تركوه الضباط يجلس في صالة الانتظار لمدة ساعة، وإذا لم يكن صاحب مكانة وسلطان وأهمية، كيف يطلب منى أن أبلغ ضابط مباحث أمن الدولة هذه الرسالة على فمه وهو في هذا المبنى، وأعتقد أنه لم يصل إلى جواب شاف حتى الآن، طلب منى العسكرى أن أستريح لمدة لحظات وتكلم مع الضابط حامد بالتليفون، سمعته يقول له بصوت خافت: “الأستاذ ناجي اللي بلغت سيادتك عنه منفعل وبيقول لسيادتك إن قدامك خمس دقائق إن ما طلعش فيها هيمشي ويبقى يرجع لسيادتك بعد المؤتمر”، وبعدها قال لي في الحال سيادة الرائد حامد بيقول لك اتفضل، وهكذا سقطت الفزاعة الثانية، فزاعة الانتظار والإذلال في غرفة استقبال مبنى لاظوغلي، وبدا أنني أصبحت صاحب القرار في أن أقابل سيادته أم لا، أعددت نفسى لمقابلة عاصفة لا يعلم نهايتها إلا الله وخاصة بعد أن أجبر سيادة الرائد على مقابلتي في خلال خمسة دقائق وهو الوقت الذي حددته أنا، كنت أقول لنفسي ناجي استحمله، ناجي علشان خاطر الخدمة والمؤتمر والكنيسة خلي بالك طويل وتحلى بالصبر، سمعت في عقلي كل الأصوات التى يحاول عدو النفوس استخدامها معنا ليحفظنا في حالة من الذل والمهانة وكأن أمرنا مع ضابط في مبنى لاظوغلي،  لكن ما أن دخلت مكتب سيادة الرائد إلا وقام عن كرسيه لاستقبالي ومد يده لمصافحتي مبتسمًا ومرحبًا ترحيبًا حارًا وكأنه رأى صديقًا عزيزًا عليه لم يره منذ زمان بعيد، وقال أهلاً وسهلاً دكتور ناجي اتفضل يا أهلاً وسهلاً، قلت باقتضاب، أهلاً بيك، وأنا أهمس في داخلى وأقول لنفسي، يا سبحان الله، أليس هذا الذي كان يصرخ في وجهي بالأمس على التليفون بكل قوته ويقول لي، “أنت بتتحداني، أنا قبلت التحدي”؟ أليس هذا الذي أصدر قرار اعتقالي بالأمس وكان على وشك أن يأتي كزائر الفجر للقبض على؟ أليس هذا الذي كذب على القس صموئيل حبيب واتهمنى باطلاً أني شتمته؟ أليس هذا الذي أصدر أوامره أن لا يعقد المؤتمر لهذا العام، ما الذي جرى له؟ من غَيَّر أفكاره وطريقته، بين ليلة وضحاها، حتى تنازل عن التحدي وبالتالي خسره؟! وما أن جلست على كرسي أمامه حتى بادرني سيادته بالقول بنبرة عتاب كتلك التى تكون بين الأصدقاء الأعزاء: “كده برضه يا دكتور ناجي إحنا نتعامل مع بعض بالطريقة دي”، قلت، أنا ما اتعاملتش بطريقة مش صحيحة، أنا قلت لسيادتك إنك “أنت الراجل بتاعنا” وأنت لم تعطني الفرصة لتكملة ما أردت أن أقوله لك، أما أنت فقلت ما أردت أن تقوله، فابتدأ الرائد يستخدم معي فزاعة الإخوان المسلمين وقال: “أنت ناسي من سنتين لما الإخوان المسلمون كانوا هيفجروا الدي لا سال بسبب مؤتمركم، أكمل سيادته وقال: “ثم أنت بتبلغنى عن المؤتمر قبلها بيومين، المفروض يكون قبلها بشهرين، أنت متوقع أني أقدر أجهز لك فريق شرطة لحمايتكم في يومين، إيه رأيك لو واحد من الإخوان ضربك رصاصة أنت أو القسيس صموئيل أو أي شخص آخر من المحترمين اللي هيحضروا في المؤتمر؟ نقول إيه للعالم الخارجي إحنا بعدها؟ نقول لهم إن مباحث أمن الدولة في مصر مش قادرة تحميكم وتحمي مؤتمركم، وابتدأ يستعمل شماعة العالم الخارجي وفزاعة القتل بواسطة الإخوان المسلمين، قلت له أنت عارف أننا نحن المسيحيين حمايتنا ليست منكم بل من فوق، وأنا في حياتي لم ولن أطلب منك قوة لحمايتنا، فنحن نؤمن أن حمايتنا هي من الله القدير، وإن لم يكن الله بقادر على حمايتنا سنوقف خدماتنا، قال ونعم بالله، ضغط على زر في مكتبه فجاء العسكرى الخدام فبادره الرائد بالقول، “شوف الدكتور يشرب إيه؟” قلت له مفيش وقت علشان المؤتمر هيبتدي بعد ساعة واحدة، حلف بالعظيم أنني لا بد أن أشرب شيئًا قبل أن أنزل، تجاهل الرائد كلمة المؤتمر وبدايته وكأنه لم يسمعها منى وكأنني لم أقلها من الأصل، مع أنها كانت محط الرهان وسبب كل ما حدث من مشاكل بالأمس، شربت القهوة السادة كعادتي في مكاتب لاظوغلي في رشفتين ونزلت لأبدأ المؤتمر.

     كنت أفكر في نفسى وأقول لها اليوم أثناء كتابة مقالي هذا وتذكري لهذه الحادثة وأمثالها يا لها من فزاعات وشماعات اعتاد البوليس المصرى على اختلاف أنواعه على استخدامها معنا لشل حركتنا وإيقاف نشاطاتنا ومنعنا من الوصول إلى الآخر وحتى إلى إخوتنا المسيحيين برسالة المسيح المغيرة والمحررة للعالم أجمع من كل عبودية وقيود للخطية، وسمعنا واطعنا ونفذنا ما أمرنا به من جانب البوليس المصرى الذي اتقن استخدام الفزاعات والشماعات حتى يصل إلى مبتغاه.

    فزاعة الدواعى الأمنية

    لقد استخدم البوليس أيضًا على مر الزمان فزاعة الإخوان خاصة، والمسلمين عامة، لإغلاق الكنائس ولعدم التصريح ببناء كنائس جديدة أو إصدار التصاريح الرسمية لكنائس قائمة بالفعل منذ عشرات السنين أو حتى السماح لقسوس الكنيسة بترميم دورات مياه في كنائس عامرة بعُبَّاد الله منذ زمن طويل، وكانت الفزاعة تكتب على طلبات الكنائس  التى تقدم لأقسام البوليس أو مباحث شئون الكنائس بلاظوغلي، للسماح لهم ببناء كنيسة، أو ترميم دورة مياه  في كنيسة،  وتدون في كل التأشيرات التى يكتبها ضباط شئون الكنائس أو تلك التى ترد من أي مكتب من مكاتب البوليس دائمًا هي عدم الموافقة “لدواعي أمنية” وعند الحديث لقسم شئون الكنائس بمباحث الأمن وبالطبع عن طريق الوسطاء والمقربين وأصحاب النفوذ في الكنائس على اختلاف نوعياتهم بغض النظر عن الأسباب والوسائل التي جعلتهم من المقربين. كانت الإجابة التي تفسر عبارة لدواعي أمنية، وهي العبارة التي تُدَوَّنْ رسميًا في الأوراق هي أن معناها الحقيقي أن المسلمين في هذه البلدة غير موافقين على فتح الكنيسة أو ترميمها، أو أن المسلمون رافضون أن تبنى كنيسة في مدينتهم أو حيهم أو شارعهم، وكأن المدينة مدينة المسلمين فقط والحي حيهم فقط والشوارع ملكهم وحدهم ليس إلا، حتى إنه قيل لأحد الأساقفة الأرثوذكس، وهو الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة الذين أزاعوا ذلك علنًا على الفضائيات المسيحية “روحوا استأذنوا المسلمين وهاتوا موافقتهم على فتح الكنيسة وإحنا نفتحها لكم” وفي نفس الوقت وقبل انتهاء جلسة المباحثات التى كانت منعقدة بين هذا الأسقف وبين أعلى خمسة أشخاص مسئولين حكوميين بمحافظة المنيا كان وكلاء هؤلاء المسئولين بالمدينة يتصلون بوجهاء المسلمين بالقرية ليسألوهم هتقفوا معانا ولا مع المطران!! وهذا ما دونته بالتفصيل في مقالى “أنتبهوا أيها السادة الحرب الأهلية آتية لا محال”، وهكذا ينسحب الحال على تعيين المحافظين ثم إلغاء تعيينهم لأن أهل المحافظة المسلمين لا يريدون أن يحافظ عليهم محافظ مسيحي، كما حدث في محافظة قنا. أما أحدث الصيحات في عالم المصريين اليوم هي إقصاء الناظرة لأنها مسيحية وسجن الأطفال لأنهم مسيحيون يزدرون بالإسلام ولا يعلم غير القدير إلى أي مدى أو زمن سيستمر الحال على ما هو عليه بالرغم من أنني أثق أن الحال لن يصلح أبدًا وإلى الأبد بل وسيزداد سوءًا، فمن يغتصب أرض مسيحي لن يرجع الحق لذويه حتى ولو كان مخلصًا غير متطرف. ومن جرب مرة أن يقف في وجه السلطات والبوليس في مصر ونجح في تحقيق ما يريد لن يخاف البوليس ولا السلطات فيما بعد حتى لو كان مجرمًا معترفًا بجريمته، وحتى لو كان مخالفًا لما تريده السلطات، أو حتى تتظاهر بأنها تريده، ولن يتراجع في موقفه المتعسف أبدًا وسيكرره كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

    فزاعة ازدراء الأديان

    فزاعة وشماعة أخرى كثر في هذه الأيام استخدامها تسمى فزاعة ازدراء الأديان، وشماعة وجوب احترام الأديان ومؤسسيها، فبالرغم من أن احترام الأديان ومؤسسيها شئ واجب وبديهي لا يحتاج إلى لوائح وقوانين أن توضع له إلا أن هاتين الفزاعتين يستخدمهما المسلمون مع كل من يحاول أن يعبر عن آرائه وأفكاره ومعتقداته المخالفة للعقائد والتعاليم الإسلامية أو تقاليد أو موروثات إسلامية حتى لو كان المسلمون أنفسهم متأكدين من عدم صحتها وصحيح مصادرها والنوايا الحقيقة من وراء استخدامها. وتستعمل فزاعة وشماعة ازدراء الأديان ضد المسلمين والمسيحيين على السواء، مع فارق كبير وهو أن قانون ازدراء الأديان يطبق على المسيحيين إذا قالوا أو فعلوا أو مثلوا شيئًا يخالف التعاليم الإسلامية حتى لو كانوا يعبرون عما هو مدون ومعترف به في التعاليم المسيحية ويطبق حتى على فتيان في بداية مرحلة المراهقة لم يزدروا بالدين الإسلامي بل ازدروا بجماعة من القتلة والسفاحين يستخدمون الإسلام وتعاليمه في قتل الناس وحرقهم ونحرهم كالخرفان، وكيف أن هؤلاء السفاحين يصلون ثم يقتلون؟! ومع أن القانون يعرف بقانون ازدراء الأديان ومع أن التهمة تعرف بازدراء الأديان، لكن الحقيقة كان ينبغي أن يدعى هذا القانون بقانون ازدراء الإسلام، والتهمة تعرف بتهمة ازدراء الإسلام، فالإسلام هو ما يعتبره الأحباء المسلمون الدين عند الله، فالدين عند الله الإسلام” (وأعنى كلمة الأحباء من كل قلبي و ضميرى شاهد لي، دون مجاملة لهم أو خوفًا من ردود أفعالهم، فقد علمنا سيد الأرض والسماء أن نحب حتى أعداؤنا ونبارك لاعنينا) والدليل على ذلك، فإسلام البحيرى المسلم يسجن لمدة سنة بتهمة ازدراء الإسلام، وفاطمة ناعوت المسلمة تحاكم بتهمة ازدراء الإسلام، والمستشار وزير العدل السابق يقال من منصبه، لأنه ازدرى بالإسلام، والأربعة فتيان الصغار بالمنيا يحبسون بتهمة ازدراء الإسلام مع أنهم لم يزدروا لا بتعاليم الإسلام ولا كتاب الإسلام ولا شيوخ الإسلام ولا ممارسات إسلامية، هم كانوا يصورون ما يعمله الداعشيون المجرمون الذين لا يرحمون مسلمًا أو مسيحيًا ولا غيرهم، فإذا مثل أطفال تمثيلية مدتها٣٠ ثانية ليس إلا عن جماعة إرهابية إسلامية يتبرأ منها عقلاء المسلمين أنفسهم عوقبوا ب٤ سنين سجن، أما إذا أهان أستاذ جامعة مسلم ورئيس تحرير جريدة الأزهر المسيحيين والمسيح نفسه في كتاب ينشره الأزهر على نفقة الدولة أي بفلوس دافعي الضرائب من المسيحيين قبل المسلمين، فلا لوم على أمثاله ولا هم يحزنون.

    فزاعة الحرمان

    ويبدو أن استخدام الفزاعات والشماعات لا يقتصر فقط على ما يعمله البوليس أو المسلمون بل امتد أيضًا إلى الكنيسة والقائمين عليها، فهناك فزاعة الحرمانات وفزاعة الحل والربط التى يستخدمها قادة الكنيسة ضد كل من لا يخضع لهم وترتيباتهم وقوانينهم، وعادة ما يستعمل قادة الكنيسة شماعة أننا الكنيسة الأم، أو كنيسة الآباء، وأن ما نعمله يعود لعصر الآباء الرسل الذين تسلمنا منهم كل ما نقول أو نعمل أو نؤمن به حتى الآن، وإننا الكنيسة التى استطاعت أن تحافظ على الإيمان القويم المستقيم الرأي، أما الآخر حتى من المسيحيين فهم الذئاب الخاطفة الأجانب المستوردون، فإن لم تسمع وتطيع ما نأمرك به حتى نعطيك البركة، فليس من قوة أخرى أو سلطان آخر غير سلطاننا يستطيع أن يباركك، فابن الطاعة تحل عليه البركة، ولن نسمح لك بالتمتع بأسرار الكنيسة السبعة، لن نقبل أن تتزوج في كنائسنا وبالتالي فأنت في عرفنا زانٍ وعليك إعادة زواجك مرة أخرى إذا كنت تريد الانضمام إلى كنيستنا إذا كنت متزوجًا على غير طقسنا، وإذا اضطررت أن تطلق أو طلقت لسبب أو لآخر ممن كان لابد أن يكون شريكًا لحياتك إلى الأبد، فلن يمكنك بأي حال من الأحوال أن تعمل ذلك دون موافقتنا، فشهادتنا هي الوحيدة المعترف بها وبكل ما نكتبه فيها عنك وعن زواجك، وإذا لم نوافق لك على الطلاق وعاندتنا وطلقت شريك حياتك فستلبث غير متزوج، وإذا حاولت أن تتزوج زواجًا مدنيًا في مكاتب السجل المدني أو بأوراق ثبوتية رسمية في المحاكم، فسنقف بكل قوانا ضدك وضد الحكومة التى تريد أن تتدخل في شئوننا كمسيحيين وتقنن الزواج المدني، وسنُصَعِّد الأمور حتى نضمن أن الحكومة والمشرعين لابد أن يرضخوا لطلباتنا، فنظل نحمل في أيدينا وأكمامنا فزاعة سلطان القسوس والكنيسة على اختلاف طوائفها، ثم إذا اعتمدت في كنيسة غير كنائسنا، فأنت لم يحل عليك الروح القدس في معموديتك، فهي باطلة ولست من أبناء الملكوت حتى تطرف أحدهم في هذا الشأن وقال إن التابعين لغير طائفته، ليسوا بمسيحيين ولن يدخلوا ملكوت السموات، وعليه فلن نسمح لك بالتناول من خبزنا المقدس وخمرنا، فأنت على كل حال لا تؤمن باستحالتهما إلى دم وجسد حقيقي، حتى لو كنت عضوًا في كنيسة إنجيلية مشيخية عريقة يؤمن قسيسها باستحالة الخبز والخمر إلى جسد حقيقي ودم حقيقى، وفي النهاية عندما يأذن المولى ويأخذك من هذه الدنيا، فلن نقبل أن نصلى عليك في كنائسنا، لأنك لم تعش حسب مبادئنا وتعاليم طائفتنا، فعند موتك، فلن تموت حسب مبادئنا وتعاليم طائفتنا وبالتالي، فلن تحظى بشرف الصلاة عليك في كنائسنا، ومن لا نصلى عليه نحن ونطلب له غفرانًا لخطاياه بعد موته، لن تفتح له أحضان القديسين ولن يفتح له فردوس النعيم وسيصبح إن شاء الله من الخاسرين إلى أبد الآبدين.

    فزاعة القضاء

    أما آخر فزاعة وشماعة وأقواها وأكثرها استخدامًا ولها القول الفصل في كل نزاع وخلاف وعمل هي فزاعة القضاء والقضاة، فأين يذهب المرء من فزاعة القضاء والقضاة، فالمفروض أن يلجأ المرء إلى عدالة القضاء والقضاة ويسلم أمره لمن يقضي بعدل، ولمن له الكلمة الأولى والأخيرة في إنصاف المظلوم والحكم على الأمور بموضوعية ووفق معايير وقوانين ثابتة تطبق دون هوى على الكبير والصغير، ابن الباشا وابن الزبال، المسيحي والمسلم، ولطالما استخدم الرؤساء والمسئولين شماعة القضاء والأحكام القضائية وقدسيتها لكي يلقوا التهمة والمسئولية عنهم ويضعونها على رجال القضاء والقضاة وكأن رجال القضاء ليسوا من عالمنا الذي نعيش فيه والذي علمنا تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس أنه أي العالم قد وضع في الشرير، وكأن رجال القضاء مجردون عن الهوى ومعصومون كالأنبياء في كتابتهم للوحي الإلهي، ولا يمكن أن يميلوا مع أحد أطراف قضاياهم دون الآخر، فهم بلا خطأ أو خطية.

    يحكمون بالقسط والميزان وهم معصوبو العينين عن كل ما حولهم ومن حولهم إلا مخافة المولى – سبحانه وتعالى- كما هو مثبت في شعار القضاء، المرأة معصوبة العينين وبيدها الميزان، ولذا أحاط رجال القضاء أنفسهم بهالة من القدسية والحقانية والمهابة والألقاب التى تقتصر عليهم وحدهم والتى لابد أن تتقدم النطق بأسمائهم مثل “صاحب المقام الرفيع والمستشار الجليل” التى كتبت عنها في مقال “ ما بين محاكم الأرض ومحكمة السماء” على صفحات “ الطريق والحق” والويل كل الويل لمن ينبس ببنت شفة على القضاة وأحكامهم أو القضاء المصرى ونزاهته، ففي النهاية صاحب مقام رفيع ومستشار جليل هو الذي سيُقَيِّم ما كتبت أو قلت أو عملت أو صورت وسيحكم عليك إن كنت بريئًا أم مذنبًا وسيحدد إن كنت سترجع من قفص الاتهام بالمحكمة إلى بيتك الأرضي راضيًا مرضيًا أو ستخلد لمدة قصرت أو طالت وراء القضبان في غياهب السجون. وعليك وعلى أهلك وشركاء دينك وقادتك الدينيين أن يقبلوا الأمر الواقع وإن اعترضت، فأنت تعترض على القضاء والقضاة وتعديت الخط الأحمر وتدخل أنت ومن لك في نفس الدائرة التى لا مفر من الانتصار فيها لصاحب مقام رفيع ومستشار جليل، والعجيب أن تصدر الأحكام في كثير من الأحيان متضاربة، فالمدرس المتهم مع الأولاد الأربعة المحبوسين بتهمة ازدراء الأديان في نفس القضية، وهو الناضج كبير السن والخبرة والقادر على تحمل السجن والتكيف على ما سيلقاه من سوء معاملة من حفظة السجون، يخرج من الحبس بكفالة، أما الأولاد الأربعة صغار السن والخبرة وغير القادرين على تحمل السجن وغير القادرين على التكيف على ما يلقونه الآن من سوء معاملة من حفظة السجون، فلا كفالة لهم وهم لا بد يحبسون، وعندما حاول أحد المستشارين المسيحيين أن ينبه صاحب المقام الرفيع والمستشار الجليل مُصْدِر أمر التحفظ دون كفالة على الأولاد الأربعة يقول سيادته إنه يعلم ذلك، وقد أصدر هذا الحكم عن قصد ويعتبرها “قَرْصَة ودن” للصغار، ومع كل احترامي لصاحب المقام الرفيع والمستشار الجليل مُصْدِر الحكم أقول له يمكنك أن تعتبر الحكم كما تريد أن يحلو لك، لكن القانون يستخدم ويطبق على المخطئ بالعقاب أو بالبراءة ولم توضع قوانين على حد معرفتي البسيطة بالقوانين لقرص الودن فقرص الودن يصلح لإستخدامه في البيوت وليس في المحاكم، وقرص الودن لا يكون إلا من أب حنون في بيته يخاف على أولاده من الانحراف ونظرًا لفرط محبته لهم يخفف  ما يستحقونه من عقاب ويرحمهم مما كان لا بد لهم ان يحصلوا عليه ويكتفي “بقرصة الودن” ليس من قاض عادل صاحب مقام رفيع ومستشار جليل يجلس في محكمة والصغار في قفص اتهام يحيط بهم جبابرة بأس من رجال البوليس ويعاقب سيادته مساجينه الأطفال بأكثر مما يستحقون، بلا رحمة او شفقة، هذه ليست قرصة ودن لهؤلاء الصغار، بل هذه هي أسهل الطرق وأخطرها لإعداد قنابل بشرية موقوتة سيظهر تأثيرها في حياة هؤلاء الصغار عندما يكبرون وفي أولادهم وأحفادهم وستنفجر هذه القنابل الموقوتة يومًا ما بشكل أو آخر، ربما ليس فقط في واحد، صاحب مقام رفيع ومستشار جليل فحسب، بل في بلد وشعب بأكمله، ومع تعجبي الشديد من أحكام كهذه إلا أنني أقول بكل أسى وألم أنني  أسر (إن جاز التعبير) في كل مرة يحدث فيها مثل هذا الأمور إن كان حبس الصغار من المسيحيين، أو إقصاء ناظرة مدرسة عن منصبها التى كان ينبغي أن تكون فيه، أو حصول فتاة مسيحية على صفر ولا يدافع عنها أحد من المسئولين، أو خطف فتاة مسيحية وأسلمتها قهرًا، أو القبض على متنصر لا تهمة عليه سوى أنه مارس حقه الشرعي في اختيار الدين الذي هداه له صاحب الدين، أو الاعتراض على بناء كنيسة في قرية ما، أو هدم دورة مياه لكنيسة أو عدم السماح ببنائها وإجبار المصلين للرجوع لبيوتهم عندما تلح حاجتهم، أو تهجير عائلة مسيحية قصرًا من بلدتها أو..أو..أو.. فكلها ستؤدي في النهاية إلى أن يسمع الله سبحانه، صراخ شعبه الذين في مصر وسينزل بنفسه أو بملائكته أو خدامه ليخلصهم، وستقرب هذه الأحكام المسيحيين من إلههم، فيصرخون إليه فيستجيب لهم، وستقربهم بعضهم لبعض فتكون لهم مواقف موحدة لأنهم سيعلمون أنهم يحتاجون لبعضهم البعض، فيتخلون عن الصراع حول توافه الأمور، وستدين هذه الأحكام المسؤلون عن الكنيسة يوم الدين على وقوفهم صامتين في معظم الأحيان ضد ظلم أتباعهم وعدم إدانة هذا الظلم علنًا وبصوت عال أمام الجميع، وإنني أطالب مجلس الكنائس الموحد أن يصدر بيانًا واضحًا محددًا تجاه كل موقف من مواقف الظلم على الرعية وعدم الاكتفاء بالمسكنة والشعارات وبسرد الآيات والتأسفات والمناشدات والتمسحات في الكبار، الأمور التى لا طائل منها ولم ولن تأتي إلا بمزيد من المآسي علينا وعلى أولادنا. وكفانا من استخدام الفزاعات والشماعات بعضنا ضد بعض أو ضد الآخر إلى أن يقضى ربك أمرًا كان مقضيًا.

    اللهم اسقط القشور عن عيوننا، فنميز الحقائق من الفزاعات والشماعات، اللهم أعطنا حكمة للتعامل مع بعضنا، فنتحد ضد الفزاعات والشماعات، اللهم حطم بقدرتك الفائقة ما يعترضنا في طريقنا من الفزاعات والشماعات، اللهم طأطأ السموات وانزل، فمن حضرتك تتزلزل الجبال وتهرب الفزاعات والشماعات، اللهم قل كلمة، فتهتز الأساسات وتهدم الحصون وتفتح البوابات وتطرد الفزاعات والشماعات.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا