سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية،
مقدمه لسيادتكم الدكتور ناجي يوسف رئيس تحرير جريدة “الطريق والحق”،
بعد الاحترام الوافر والشكر العميق لسيادتكم لأجل خدماتكم وتضحياتكم وما تبذلونه من جهد منقطع النظير أدى لإعلاء شأن مصر داخليًا وخارجيًا،ً أضع بين يدي سيادتكم طلب الكثيرين جدًا من أبناء مصر مسلمين ومسيحيين، سواء مَنْ يعيشون داخل مصر أو خارجها. طلبنا هو أن تتكرم سيادتكم بتخصيص يوم واحد في السنة يكون بمثابة عيد واحتفال لشكر المولى تبارك اسمه على رعايته وعنايته وإكرامه لنا في مصر، نشترك فيه جميعًا بنفس واحدة، مسيحيين ومسلمين، في شكره تعالى، عملًا بما جاء في التوراة والإنجيل والقرآن من وجوب الشكر للمولى سبحانه وتعالى، كما أنني اقترح على سيادتكم الموافقة على أن يكون يوم عيد الشكر المرجو من سيادتكم يوم عطلة رسمية في كل مصالح مصر وهيئاتها الحكومية والخاصة، وليكن يوم الخميس الثالث من شهر نوفمبر من كل عام اتحادًا مع كثير من الدول الأوروبية والأمريكية.
مرة أخرى أتقدم لسيادتكم بكل الشكر طالبًا من الله حفظًا ورعايةً وقوةً لكم لتكمل المسيرة في إعلاء شأن مصر.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،
الدكتور القس ناجي يوسف
إلى هنا انتهى الخطاب المفتوح لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
أما بعد،
ففي كل عام، وبالتحديد في يوم عيد الشكر في أمريكا، أتذكر بلادنا المصرية والعربية وأتساءل متعجبًا كيف أننا تفننا في خلق أعياد دينية وقومية وسياسية كثيرة واحتفلنا بها وأبطالها جميعهم من البشر، وبعضها تعطلت فيها الهيئات والمصالح الحكومية، مع أن الغالبية العظمى منها قد لا تعبِّر عن حقيقة الأمور الحادثة أو التي قيل إنها حدثت في يوم ما في مصر، فهذا عيد ميلاد المسيح تبارك اسمه، مع أنه لا أحد يعرف متى وُلِد المسيح بالضبط. هل في الصيف أم في الشتاء؟ أهو في 25 ديسمبر أم في 7 يناير؟ وكذلك ذكرى ما يُعرف بـــ “خميس العهد”، وعيد القيامة، وعيد الفراعنة الوثني ”شم النسيم“، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وليلة القدر، والمولد النبوي مع أنه لا أحد يعلم يوم مولده بالضبط، وعيد الثورة، وعيد النصر أو عيد العبور، إلى آخر القائمة التي لا يعرف بدايتها أو نهايتها إلا الله.
كل هذه الأعياد احتفلنا ونحتفل وبعضها سنحتفل به إلى ما شاء الله، ومع ذلك نسينا أو تناسينا واحدًا من أهم الأعياد التي أوصى المولى تبارك اسمه بالاحتفال بها وحض الناس على ذلك بطريقة أو بأخرى، ألا وهو عيد تقديم الشكر له سبحانه.
أقول هذا عالمًا:
1- أن المولى ليس بمحتاج لشكرنا فهو منزه عن كل احتياج وهو قائم بذاته لن يزيده أو يقلل منه ومن مكانته شيء.
2- أن الإنسان هو مَنْ يحتاج لتقديم الشكر لله ليلًا نهارًا، ”فإن شكرتم لأزيدنكم“، و”اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم“، لأنه بالشكر ترتفع القلوب إلى السماوات وخالقها فتسمو عن كل ما في الأرض من عداوة وخصام وأنانية إلى آخر هذه القائمة البغيضة من أفعال الناس.
3- أن المولى لم يحدد يومًا محددًا ليرفع فيه الناس له تبارك اسمه الشكر، إلا أن وصاياه تملأ كلمته المنزلة منه تبارك اسمه، أي العهدين القديم والجديد، وهي تتضمن الكثير من الحث على الشكر ليلًا ونهارًا، فعلى أقل تقدير يمكننا أن نحدد يومًا فيه نشكر الله على عطاياه التي لا يُعبَّر عنها.
4- كانت هناك ذبيحة خاصة في العهد القديم تُعرف بذبيحة الشكر، وكان من بين الأسباب التي توجب على الناس أن يقدموا ذبيحة الشكر هي أن يرضى الله عن شعبه، كما جاء في قوله تعالى: ”ومتى ذبحتم ذبيحة شكر للرب فللرضا عنكم تذبحونها.“ أما في العهد الجديد، فكثيرًا ما صلى المسيح يسوع بنفسه تبارك اسمه وشكر الآب السماوي، مع أنه القائم بذاته. وكأمثلة على ذلك كانت صلاته وشكره على الخمسة أرغفة والسمكتين والتي أشبع بها الخمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد، وكذلك شكره تبارك اسمه للآب قبل إقامته للعازر من بين الأموات، وشكره على الكأس والخبز قبل ممارسة الفصح مع تلاميذه، وغير ذلك الكثير. وتظهر أهمية الشكر أيضًا في كتابات رسل المسيح القديسين إلى شعوب الكنائس المختلفة وخاصةً رسائل بولس الرسول التي يحض فيها المؤمنين بالمسيح على الشكر، والشكر الدائم كل حين، ويوضح فيها أهمية الصلاة لأجل الرؤساء والملوك والذين هم في منصب كقوله: ”فأطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس، لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب، لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار، لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلِّصنا الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، والى معرفة الحق يقبلون.“ وقال في موضع آخر: ”لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلم طلباتكم لدى الله“، وأيضًا: ”اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم.“ وهكذا يذكر الكتاب المقدس أن القديسين على الأرض وفي السماء سيقولون للمولى تبارك اسمه: ”آمين! البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى أبد الآبدين“، وأيضَا سيقولون: ”نشكرك أيها الرب الإله القادر على كل شيء، الكائن والذي كان والذي يأتي، لأنك أخذت قدرتك العظيمة وملكت.“
لقد سرحتُ بفكري بعيدًا في تخيُّل وتمني أن يأتي اليوم الذي يتفق فيه أبناء الشعب المصري كله، مسيحييه ومسلميه، على أن يصلوا ويبتهلوا شاكرين المولى سبحانه على كل مَنْ في مصر، وأن يشكر كل مَنْ في مصر الله على رئيس البلاد وجميع الذين هم في منصب، بغض النظر عن قبولنا لتوجهاتهم السياسية أم لا، ويشكر المسيحيون ويصلوا لأجل المسلمين، ويصلي المسلمون للمسيحيين بالبركة والحفظ والسلام، ويصلى الإنجيليون ويشكروا الله لأجل إخوتهم الأرثوذكس وإخوتهم الكاثوليك، ويشكر الأرثوذكس المسيح لأجل الإنجيليين والكاثوليك وهكذا. باختصار، يشكر كل منا الله ويصلي كل منا لخير الآخر وسلامه ويشكر الله من أجله. وبالطبع هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا توجهنا له، تبارك اسمه، أولًا وأخيرًا، وقدمنا جميعنا الشكر والحمد والتعظيم لجلاله، وعندها سيسكب الله سبحانه من روحه على كل بشر، ويمحو الضغينة من قلوبنا، ويوسع مداركنا لقبول الآخر حتى ونحن نختلف معًا في الدين أو العقيدة أو المذهب أو الطائفة، فالصلاة لأجل الآخر لا تلزمني بقبول إيمانه أو ما هو مقتنع به، وعندها لن يكون بيننا قسيس أو قمص أو كاهن أو أسقف أو بابا أو رئيس طائفة يكره الآخر أو يذمه أو يتهمه بأن زواجه باطل وأنه في حالة زنا هو وامرأته لأنهما تزوجا لدى الإنجيليين، ولن يرى أحدنا أن مَنْ لم يعتمد في طائفته فمعموديته باطلة، وأنه سيذهب إلى جهنم النار، ولن يصبح البطل فينا أو الحامي للإيمان هو مَنْ يحاول قتل الآخر أو إيذاءه بالفعل أو باللسان، بل سيصبح البطل الحقيقي هو مَنْ يستطيع أن يعيش تعاليم ووصايا المسيح في موعظته على الجبل وخاصةً قوله تبارك اسمه: ”أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.“
وأخيرًا،ً أكرر طلبي لسيادة الرئيس السيسي، حفظه الله ورعاه، بضرورة تحديد يوم قومي نطلق عليه “عيد الشكر”، وما من شك في أن من الأحلام والمستحيل ما قد يتحقق.