العدد 160 الصادر في يناير 2019 عودة المطاريد إلى قرى ومدن الصعيد
لا تزال تعلق بذاكرتي تلك الحادثة التي كنت أعتبرها من أغرب الحوادث التي مررت بها في صباي، كنت يومها في الرابعة عشر من عمرى عندما ذهبت لأول مرة لزيارة عائلتي في قريتنا “دير الجنادلة” بمحافظة أسيوط بالصعيد. الحياة في القرية كانت بسيطة، لم يكن هناك الازدحام الذي بها اليوم، كل ما كان بها من خدمات كانت مدرسة واحدة ابتدائية حكومية، ووحدة صحية ومركز للشرطة، لم يكن بالقرية مجال لبيع أية مستلزمات سوى ثلاثة أو أربعة دكاكين للبقالة بيتية صغيرة لبيع المنتجات الأساسية والتي لا يمكن زراعتها في الغيط أو إنتاجها في البيت كالسكر والشاي والزيت وخلافه.
كان ما يقرب من ٩٠٪ من ساكني دير الجنادلة من المسيحيين، حيث لم تكن بلاد البترول الخليجي العربي قد قررت بعد تغيير مكونات المجتمع الصعيدي المصري من حيث نسبة المسلمين للمسيحيين في كل قرية، ولم تكن قد وضعت بعد خطتها لضخ الأموال على المسلمين ليشتروا أراضي وبيوت المسيحيين بكل الطرق، وبأغلى الأثمان، ليحلوا محل المسيحيين بقرى الصعيد كما هو حادث اليوم.
يومها لم تكن الكهرباء ولا المياه الصالحة للشرب قد وصلت بعد إلى القرية، كان “السقا” هو الحامل والموصل الوحيد للمياه شبه النقية لبيوتها، وبالطبع حيث لا وجود للكهرباء، فلم يكن هناك وجود للمبات الإنارة أو التليفزيونات أو الثلاجات أو كل ما يدار بالكهرباء من أجهزة، باختصار لا وجود لأبسط مظاهر الحياة الطبيعية التي كنا نحياها ونستمتع بها في القاهرة غير شاكرين المولى سبحانه عليها يوميًا، وكأنه حق مكتسب لنا دون غيرنا من أهالينا بالصعيد، وغير عابئين حكومة أو حتى شعبًا بأن نوفر لهم حتى أدنى مستوى للمعيشة في مصر، وكتحصيل حاصل كانت حركة التواجد بالشارع خارج البيوت تتوقف تمامًا بمجرد دخول أول خيوط الليل البهيم إلى القرية، فلا أحد يجرؤ على السير بالشارع في عتمة الليل، والذين يعملون في الحقول ”الغيطان“ لابد أن ينهوا عملهم سريعًا والشمس بعد في كبد السماء، ويصلوا إلى داخل بيوتهم قبل غياب الشمس بوقت كافٍ، كان يوم الأحد هو يوم العطلة الوحيد الذي يذهب فيه بعض أفراد أسرتنا للكنيسة صباحًا ثم يتجمع الرجال منهم فقط في جماعات أمام البيوت يفترشون التراب ويتجاذبون أطراف الحديث حتى تبدأ الشمس في المغيب فيدخل كل إلى بيته.
في ليلة من ليالي الآحاد أثناء زيارتي الأولى للصعيد، حدث أنني كنت أجلس في وسط جماعة من أقاربي الرجال أمام بيت أحدهم، كانت الشمس قد بدأت في المغيب، ثم تسربت العتمة لشوارع القرية وحل الظلام بها والرجال لا يزالون منهمكين في حديثهم، وفجأت ظهر من بعيد شعاع نور أبيض كأنه منبعث من كشاف صغير موجه نحونا، في لحظة واحدة أسرع الكل بالركض السريع في محاولة للاختفاء من شعاع هذا الضوء الآتي من بعيد، للدرجة التي وقع فيها بعضهم فوق بعض، جذبني أحدهم من يدي وجرني راكضًا لاهثاً واختفى بي داخل مدخل أحد بيوت أقاربي، وقفنا هناك زمانًا يسيرًا حتى تأكد قريبي من أننا في مأمن من الخطر الذي لم أكن أراه أو أفهمه وبعدها قال لي دعنا نذهب إلى بيتنا، كنت كمن يشاهد فيلمًا رعبًا أو يحلم بكابوس أو اعتداء عليه من جماعة لا يراها. عندما دخلنا إلى البيت أقاربي الذي كنت أقيم به، سألت ابن عمتي عن ما حدث، لماذا أسرع الرجال في الجري وتكوموا فوق بعضهم خائفين؟، وما سر هذا النور الذي ظهر فجأة؟، ولماذا ارتعب منه رجال عائلتنا الشجعان؟ قال لي محدثي، خفنا وأسرعنا في الجري لأننا حسبناه نورًا منبعثًا من بطارية أحد المطاريد، سألته ومن هم المطاريد؟، ولماذا تخافون منهم؟، أجابني المطاريد أناس معظمهم، وليس كلهم، رجال قساة أشرار مجرمين. بعضهم ارتكبوا جرائم في حياتهم وصدرت ضدهم أحكام قضائية بالحبس لمدد طويلة أو مدى الحياة أو الإعدام فهربوا من البوليس واختفوا في الجبال واتخذوا منها مسكنًا دائمًا لهم، فالحياة في الجبال بالنسبة لهم أفضل من السجن المصري، حتى لو كانت الجبال مليئة بالثعابين والحيات والضباع وفي بعض الأحيان الأسود والنمور، ثم قال لي هناك البعض من هؤلاء المطاريد مظاليم اتهموا زورًا وبهتانًا في قضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وحكم عليهم بالسجن من قضاة ظلمة ومرتشين ولم يسمع أحد لدفاعهم عن أنفسهم ومحاولة إثبات براءتهم ولذلك فضلوا العيش في الجبال مع المجرمين الحقيقيين على السجن، وبعضهم من الرجال من يأس من حياته بسبب خلاف مع زوجته، أو فشل في عمل أو علاقة ما، فقرر أن يبتعد عن الناس تمامًا ويحيا في الجبال. سألته ولكن لماذا يخاف منهم الناس لهذه الدرجة، وكيف ينزلون بالليل من الجبال، ألا يخافون من البوليس أن يقبض عليهم، أجابني قريبي، ينزلون من الجبال لكي يسطوا على البيوت في الليل ليأخذوا ما يريدون من أهلها عنوة وبعضهم مأجورون بواسطة بعض الأشرار من أهل القرية ليقتلوا ويأذوا من يريد هؤلاء الأشرار أن ينتقموا منهم لسبب أو لآخر، قلت وهل يعلم البوليس بوجودهم في الجبال، وهل يعلمون بسطوهم على البيوت ونزولهم للقرية بالليل، قال للأسف يعلم، قلت ولماذا يتركهم البوليس يعيثون في الأرض فسادًا، قال بعض رجال البوليس يخافونهم حتى لا ينتقموا منهم، وبعضهم لا يريد أن يتعب نفسه في مطاردة رجال تعيش على الجبال، وبعضهم يعمل معهم ويسهل لهم مأمورياتهم السرية الليلية الشريرة، و”أهو” على رأي المثل شيلني وأشيلك. قلت وما ذنب الغلابة من سكان القرية من لا حول لهم ولا قوة، فالمطاريد يستهدفونهم ويسلبونهم ويقتلونهم خاصة المسيحيين منهم، والبوليس لا يحميهم ولا يهمه الدفاع عنهم، بل يقف ضدهم في كثير من الأحوال، نكس قريبي رأسه في صمت ثم بعد وقت طويل قال: هذا هو الواقع الذي نعيش فيه في الصعيد والذي لابد من التكيف معه، فلا حول لنا ولا قوة على تغييره إن لم يتدخل الله سبحانه وتغمدنا برحمته، فليس لدينا ما نفعله.
انتهى الحديث بيني وبين قريبي عند هذا الحد، لكن هذه الواقعة بكل تفاصيلها علقت بذهني منذ أكثر من ٤٥ سنة إلى الآن، ولا أدري لماذا طفت على ذاكرتي حالما رأيت رجل البوليس المكلف بحماية كنيسة نهضة القداسة بالمنيا وهو يخرج مسدسه ويقتل به المعلم عماد المقدس وولده، وكأن هذا الحادث قد فتح في عقلي وقلبي جرح قديم عميق قد أغلق على عثم، حتى قلت لنفسي إنني كنت أظن أنها حادثة قديمة وانتهت أحداثها فنسيتها، ولم يعد هناك الأشخاص الذين حدثت معهم هذه القصة الواقعية، حتى الأوضاع التي كانت تحيط بها وبي قد تغيرت تمامًا، فلم تعد القرى اليوم بلا إنارة، لكنها تتمتع بالكهرباء كما نحن في القاهرة، ولم يعد هناك السقا، بل دخلت المياه الصالحة للشرب في معظم بيوتها، ولم تعد القرية تحوى دكانًا واحدًا أو اثنين على الأكثر، بل تكاثر عددها جدًا وما تقدمه من خدمات لأهل القرية، الأمر الذي وصفه لي أحد أقاربي، مدللاً على مدى تقدم وتمدين قريتنا دير الجنادلة بالقول: “لدينا الآن محلات للحلاقة، وقهوة يجتمع فيها الشباب، ومحلات بقالة وصدق أو لا تصدق لدينا محل فول وطعمية، وكأن محل الفول والطعمية كان أقصى ما يصبو بلدياتي لتواجده بقريتنا.
وبغض النظر عن حادثة قتل المعلم عماد المقدس وابنه والأسباب التي دعت هذا الذي يدعى أمين الشرطة، الذي لم يكن أمينًا بالمرة في تعامله مع الموقف، وجدتني أرى أننا نعيش في عصر “عودة المطاريد إلى قرى ومدن الصعيد”، بل الحقيقة المرة هي أن مطاريد اليوم هم أكثر علمًا وقوة وتخطيطًا وافتراء ووحشية من مطاريد الأمس، وجدت أن مطاريد الأمس عادوا مرة أخرى في كل الهيئات والمصالح والوزارات والمحاكم والمستشفيات والشرطة وحتى المساجد والكنائس، الأزهر والكنيسة، ولذا أخذت أقارن بين مطاريد اليوم ومطاريد الأمس، فوجدت:
١- أنهما يجتمعان في صفات الخيانة والقسوة والكراهية للمجتمع واللارحمة والكبرياء وكأن لا رقيب عليهم في الأرض، في الحياة الدنيا، ولا محاسب لهم في السماء، في حياة الآخرة، فمطاريد الماضي بالرغم من تحديهم للسلطات الأمنية في البلاد لكنهم كانوا دائمًا في خوف ورعدة من الوقوع في يدي البوليس والعدالة ولذا كانوا دائمًا يعملون جرائمهم في الخفاء، في ظلمة الليل، يعيشون بعيدًا عن الأنظار، على الجبال، ولا أحد يعلم من هم ولا متى سيظهرون، أما مطاريد اليوم فمنهم من هو ضمن رجال البوليس أنفسهم أو من جيرانك الذين يأكلون العيش والملح في بيتك، والذين تربيت معهم منذ عشرات السنين وكانت والدتك، بل الله تربتها، تطعمهم وربما تكسيهم مثلك ومثل إخوتك تمامًا، أولئك الذين يعيشون معك في نفس الشارع أو الحارة التي تعيش بها أنت.
٢- مطاريد الماضي كانوا هم وحدهم الذين يحملون السلاح غير المرخص، والذي حصلوا عليه بالسطو المسلح على من يمتلكه، أو قاموا بشرائه بأموال الناس الذين سرقوها أو أخذوها منهم قسرًا، ويستخدمونها في ظلام الليل ويخفونها بالنهار، أما مطاريد اليوم من رجال البوليس والأمن فهم الذين يحملون السلاح الميرى المرخص لهم من الدولة ذاتها، والذي يحملونه علنًا في وضح النهار، ويمشون متبخترين به وكأن كل منهم هو عنتر ابن شداد، وهو السلاح المدفوع ثمنه من أموال دافعي الضرائب مسيحيين ومسلمين.
٣- مطاريد الأمس كان الجميع يتوقع منهم الغدر والخيانة والتصرف بلا عقل أو ضمير أو مسؤولية أو رادع، أما مطاريد اليوم من رجال البوليس الذين يدعون أن سبب وقوفهم أمام الكنائس هو لحمايتها، لا يمكن لمن له ذرة من العقل أن يتوقع منهم أي مما سبق ذكره، فعملهم ورسالتهم ومسؤوليتهم هي حماية بيوت الله في الأرض، الكنائس، بكل ما فيها ومن فيها من مسيحيين، حمايتهم من غدر الغادرين، وتخلف المتخلفين، وجنان المجانين، وغضب المتأسلمين بسبب أو بلا سبب.
٤- مطاريد الأمس كانوا في أغلب الأحيان، هم الهاربون من القانون، من تنفيذ الأحكام القضائية عليهم، أما مطاريد اليوم فهم في أغلب الأحيان المنوط بهم تنفيذ الأحكام القضائية على المجرمين. ولا يستطيع أن يحكم عليهم أحد بأية أحكام مهما عملوا في حياتهم، فالذين يعذبون الناس في السر والعلن، داخل أقسام البوليس أو خارجها لا تطولهم يد القانون، والذين يستأجرون سائقي الميكروباص والتوك توك ويجعلون منهم أقسى من عصابات مطاريد الصعيد في معاملاتهم مع الركاب وكأنهم آلهة في أماكن عملهم لا يستطيع أحد أن يعترض على ما يعملون، وزوار الظهر والليل والفجر الذين عادوا مرة أخرى كمطاريد يعيثون في الأرض فسادًا لا يجرؤ أحد أن يتكلم عنهم.
٥- مطاريد العهد القديم لم يكن أحد يمشي وراءهم اتقاءً لشرهم، ويتبرأ الناس من معرفتهم أو الاتصال بهم خوفًا من بطش السلطات بهم أو إجبارهم على الإرشاد عنهم، أما مطاريد هذا العصر فهم يجلسون علنًا على كراسي وأرائك أمام الكنائس وفي مداخل الفنادق والمصالح الحكومية وأقسام البوليس ومراكز الشرطة وفي مداخل ومخارج القرى والمدن وغيرها، ويمشي وراءهم الناس كالعبيد الذين يفتخرون بمعرفتهم كأسياد لهم، ويهددون بهم العامة من الشعب، فامرأة أمين الشرطة في الحارة هي سيدة الحارة الأولى حتى لو لم تعرف القراءة والكتابة، فكم وكم الهانم زوجة سيادة اللواء!
٦- مطاريد زمان كانت الحكومة بكل عناصرها لا تريد مطاردتهم والقبض عليهم في القديم ليعيش الناس في رعب، فيلتهون بمخاوفهم ليس إلا، فلا ينتبهوا إلى شيء آخر مهما كان، ولأنها ليست المتضرر المباشر من وجودهم ونشاطهم ولتلعب بهم ككارت رابح لتضغط على أهل أي قرية للحصول منهم على ما تريد. وبين الحين والحين كان سيادة مأمور بلدنا يقوم بزيارات خاصة لبعض كبار وأغنياء عائلتنا ويطلب منهم مجموعة من قطع السلاح الذي يقوم بتسليمها للإدارة المركزية للشرطة ويقنعهم أنه سطا على معاقل المجرمين وسلب منهم أسلحتهم.
وهكذا الحال مع مطاريد اليوم فالحكومة لا تريد التضييق عليهم ومراقبتهم ومحاسبتهم بصرامة ضد إفترائتهم ضد عامة الشعب حتى تتقي شرهم وما يمكن أن يحدث منهم كردود أفعال لذلك، وتضمن خضوعهم وتعاونهم فى حالة الاحتياج إليهم في الأحداث الحرجة. وفي الوقت نفسه ترعب بهم الخلق فيظل الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء الذى لن ينصفه أبدًا بأي شكل من الأشكال أو وقت من الأوقات وخاصة إذا كان مسيحيًا.
٧- مطاريد الأمس كان من الصعب على قوات الأمن القبض عليهم، هذا في حالة أنها أرادت ذلك، حيث أنهم كانوا متفرقين يقيمون بأحد الشقوق والمغاير على قمة أكثر من جبل، الوضع الذي كان يجعلهم هم المتحكمون في مصير القوات الآتية من أسفل الجبل، فكان من السهل عليهم جدًا أن يرموا الرصاص الحي على قوات الأمن في حالة محاولة تسلقها للجبال للقبض عليهم، ومع ذلك كانت حكومة عبد الناصر تحاول جهدها أن تغير عليهم في معاقلهم فوق الجبال، حتى شاع القول إن عبد الناصر كان يضرب تجمعات المطاريد على الجبل المقابل لمدينة الغنايم بمحافظة أسيوط بالطائرات، أما اليوم، وبالرغم من أن التكنولوجيا الحديثة المتطورة سهلت أمر اكتشاف مكان ونشاط المجرمين حتى في غرف نومهم في بيوتهم ومكنت من يهمه الأمر من الإغارة والقبض عليهم في مخادعهم، وما أدل على ذلك من حادثة القبض على ”بن لادن“ من كان يعتبر أخطر رجل في العالم يومه، بالرغم من كل هذا، لكن للأسف فبالرغم من تقدم التكنولوجيا وطرق الاتصالات فمطاريد اليوم هم الذين يستخدمون مسدساتهم الحكومية المرخصة لهم للدفاع عن الناس لقتل الناس علنًا وفي وضح النهار وأمام المارة بلا خوف أو تردد، ويستخدمون التكنولوجيا الحديثة في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية والهروب من الحبس ومحو الأدلة على إدانتهم وتورطهم في كل الجرائم التي يرتكبونها، ويساعدهم على التهرب من تبعات جرائمهم بعض زملائهم المطاريد المتطرفين وخاصة إذا كانت ضحيتهم من المسيحيين، وأيضًا يساعدهم بعض المطاريد من القضاة المرتشين المتأسلمين الذين يرون أن ما يؤمنون به من تعاليم إسلامية، كأن لا يقتل المسلم بدم غير المسلم، لأن دم المسلم أغلى وأعظم قيمة وثمنًا من دم غير المسلم عملاً بالقول إن المسلمين “خير أمة أخرجت للناس”، هؤلاء القضاة لن يحكموا بإعدام المسلم حتى لو قتل مسيحي العالم كله، وبالتالي لن يصدق بعض المطاريد من الأزهر على قرار إعدام المسلم، وسيخرج علينا بعض المطاريد من رؤساء الطوائف المسيحية ورتبها الكنسية ويهددوننا بسلطان الحل والربط، ويجلدوننا بسوط ابن الطاعة تحل عليه البركة ويخدروننا بمخدر أننا كنيسة الشهداء ويمنعوننا من اتخاذ أية خطوات إيجابية للدفاع عن أنفسنا وأهلنا بأن إلهنا وسيدنا يسوع المسيح قال: “في العالم سيكون لكم ضيق” و “بضيقات كثيرة ينبغي أن تدخلوا ملكوت السماوات”، إلى آخره من أساليب مطاريد العصر الحديث.
أخيرًا أقول إن الحلول لاكتشاف مطاريد هذه الأيام وحماية الناس عمومًا منهم وخاصة المصلين المسيحيين، ودور العبادة المسيحية، يمكن أن تكون:
١- بأن يتولى مسؤولية مكتب شئون الكنائس بمباحث أمن الدولة ضباط مسيحيين فقط على اختلاف رتبهم وتخصصاتهم.
٢- حل آخر إن تعذر الحل الأول هو عمل قطاع بوليس مسيحي، بكل رتبه وأقسامه وفروعه ومهامه، لا يخضع للكنيسة ورياساتها بأي شكل من الأشكال، ولا يتلقى أوامره أو تكليفاته من رئاسة الكنيسة، بل يتبع ويخضع لوزير الداخلية مباشرة، تمامًا كما يخضع له كل من يعمل في وزارة الداخلية، وتكون هذه الرتب من الشباب المسيحي هي المسؤولة عن حماية الكنائس والمنشآت والصيدليات ومحال الدهب والمصانع المسيحية، حيث أنه قد سبت فشل استخدام الضباط وأمناء الشرطة المسلمين في حماية الكنائس وغيرها مما سبق ذكره، فقبل التفجيرات التي تحدث للكنائس دائمًا يختفي الحرس الواقف أمامها وكأن الأرض انشقت وبلعتهم ويقتل المسيحيون فقط.
ويتم تمويل هذا البوليس المسيحي بالكامل عن طريق وزارة الداخلية.
٣- إذا تعذر الحلان السابقان، فعلى الكنيسة أن تقوم بحماية نفسها بنفسها دون الحاجة للحكومة المصرية، فتكون هذا القطاع من الشرطة الخاصة بها، وتقوم بتنظيمه وتدريبه وتزويده بأحدث الأسلحة والأجهزة الأمنية وتمويله من تبرعات وعشور المسيحيين بالداخل والخارج والمعونات والهبات من الدول الأجنبية، وأن تعطى الحكومة المصرية كل الصلاحيات والضمانات التي تضمن ممارسة هذا القطاع الشرطي الخاص لكل مهامه.
أخيرًا أحذر المسؤولين في البلاد وفي الكنيسة من عودة المطاريد لمصر كلها مرة أخرى، وخاصة إلى قرى ومدن الصعيد ولن يقضي عليها إلا بتعقبها ومطاردتها في كل المصالح والوزارات والهيئات والكنائس والجوامع، فإن لم يحدث ذلك سيظل القتل والظلم والإقصاء موجودًا وسيزيد إلى أن ينفجر أهل القرى والمدن في ثورة شعبية لا تحمد عقباها. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.