عادل إمام زعيم الفن العربي

85

نشأت أبو الخير

الزعيم هي الصفة التي صاحبت النجم الكبير عادل إمام عندما لعب بطولة مسرحية “الزعيم”. وفي مطلع هذا العام، حضر ابنا الزعيم، وهما المخرج رامي إمام الابن الأكبر والفنان محمد إمام الابن الأصغر، حفل توزيع جوائز صناع الترفية 2024، والذي أقيم يوم 20 يناير في نسخته الرابعة والتي أقامتها الهيئة العامة للترفيه بالسعودية ضمن فعاليات موسم الرياض جائزة “جوي أووردز” لتكريم وتقدير فنان العرب الأول، حيث أعلن المستشار تركي آل شيخ رئيس هيئة الترفيه بالسعودية منح لقب زعيم الفن العربي لزعيم الفن المصري الفنان الكبير المبدع عادل إمام ليصبح زعيم الفن العربي قاطبة. وقال المستشار تركي آل شيخ إن هذا اللقب يُمنح لمرة واحدة وإنه لن يتوج به فنان آخر سوى عادل إمام.

ومؤخرًا أعلن المخرج رامي إمام الابن الأكبر للزعيم اعتزال الفنان عادل إمام لمهنة التمثيل، تلك المهنة التي مارسها ما يقرب من 60 عامًا على خشبة المسرح وأمام كاميرات السينما والتلفزيون وخلف ميكروفونات الإذاعة حينما تقاسم البطولة مع العندليب الأسمر ونجم الغناء العربي الأول عبد الحليم حافظ في مسلسل “أرجوك لا تفهمني بسرعة”.

عادل إمام هو نبت هذه الأرض الطيبة، أرض النيل، حيث بدأ مسيرته تلميذًا نجيبًا موهوبًا طموحًا مبدعًا على مسرح الجامعة حين كان طالبًا بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، وزامل نخبة من الموهوبين أتذكر منهم سعيد صالح وصلاح السعدني وغيرهم، وقبلها كان طالبًا بمدرسة المرقسية الثانوية التابعة لبطريركية الأقباط الأرثوذكس بشارع كنيسة الأقباط بمحطة الرمل بالإسكندرية (ومن محاسن الصدف أن كاتب تلك السطور ومَنْ يكتب عنه هذه السطور، الفنان عادل إمام، ينتسبان لتلك المدرسة العريقة والتي يمتد تاريخها إلى ما يقرب من 140 عامًا رغم فارق السن الكبير بيننا لصالح الزعيم). ثم كانت بداية الانطلاق من خلال مسرحية “أنا وهو وهي” بمشاركة الفنان الكبير الأستاذ فؤاد المهندس، ثم كانت مسرحية “مدرسة المشاغبين”، والتي كان نجومها عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي وهادي الجيار، وقد أحدثت ضجة كبيرة وقتها وكسرت الدنيا ولا زالت تحظى بأعلى نسبة مشاهدة حتى الآن. وبعدها بدأ البطولة المنفردة في المسرح والسينما والتلفزيون من خلال المسرحيات والأفلام والمسلسلات التي لعب بطولتها. وتوالت الأفلام والمسرحيات التي قدمها باقتدار وإبداع، ومنها مسرحية “شاهد ما شفش حاجة” والتي صنَّفها النقاد بأنها الأفضل بين مسرحياته بل ذهب البعض الآخر إلى أنها أيقونة جميع المسرحيات المصرية والعربية التي قُدمت عبر تاريخ الفن المصري والعربي.

عادل إمام كان له لونه المتفرد والمميز والمتميز، كان هذا الفنان الذي يُعتبر فلتة من فلتات الزمان يندر أن يجود الزمان بمثله. كان المعبِّر عن السواد الأعظم من طينة هذا البلد من نسيج هذا الشعب المصري الأصيل فهو يشبه الغالبية العظمى من المصريين إن لم يكن كل المصريين وكل العرب. هو ابن تربة أفرزها طمي النيل العظيم، هذا النهر رمز الخلود، لذلك كان معبِّرًا عن المصريين يفرح معهم عند الانتصار ويبكي معهم عند الانكسار، معبِّرًا عن آمالهم وأحلامهم أفراحهم وأحزانهم. هذا الفنان الموهوب لم يتسرع من أجل النجومية وحياة الشهرة والأضواء، لكنه بدأ السلم من أوله خطوة بخطوة بدأب وجهد ومثابرة وعزيمة وتحمل وعرق ودموع وكفاح ونضال حتى وصل إلى القمة متربعًا على عرش الكوميديا نجمًا متفردًا متألقًا بلا منافس لا في الكوميديا ولا في التراجيديا. لم يكتف بأن يكون النجم الكبير أو النجم الأشهر بل نصَّبه الجمهور والنقاد وصناع السينما كنجم النجوم، ولم يستطيع أي نجم آخر مهما علا شأنه أن يصل إلى ما وصل إليه نجم النجوم وأيقونة الفن العربي.

فحين نتذكر أيام التطرف والإرهاب لم يبال بما قد يصيبه من أخطار فكان في طليعة مَنْ يدافعون عن مصر والهوية المصرية، وذهب عام 1988 إلى أسيوط في قلب الصعيد حيث بؤرة وتمركز الإرهاب والتشدد والعنف والتطرف ليقدم مسرحيته ليقف أمامهم في عقر دارهم وبؤرة تمركزهم. وقف وجهًا لوجه يتحدى الإرهاب والتشدد والتطرف من أجل الانتصار للفن القوى الناعمة ومن أجل الهوية المصرية الأصيلة التي تعبِّر عن طبيعة المصريين في الوسطية والاعتدال والتسامح، وواجه المتطرفين والمتشددين بسلاح الفن ونجح في أن يكون صوتًا للغالبية العظمى من المصريين، فقدم في مطلع التسعينيات “أفلام اللعب مع الكبار” و”الإرهاب والكباب” و”طيور الظلام” درة الأفلام التي تصدت للإرهاب والتطرف مع المخرج العبقري شريف عرفة والكاتب الجسور المبدع وحيد حامد. وفي نهاية التسعينيات بإحساس بالغ وجَّه البوصلة بما يتلائم مع جيل التسعينيات حيث “الروشنة” فكان التحالف مع كاتب مبدع أيضًا متمكن من أدواته ينسج خيوطها بمهارة بالغة ألا وهو الكاتب يوسف معاطي. وحين اشتد التطرف والتعصب بالهجوم والاعتداء على الأقباط وكنائسهم وممتلكاتهم وأرواحهم شق الصفوف متقدمًا كفارس مغوار فارس نبيل شجاع وقدم فيلم “حسن ومرقس” وفي اعتقادي أن عادل إمام وصل به الأمر لأن يكون النجم الوحيد المصري المسلم الذي يقوم بدور شخصية مسيحية في فيلم “حسن ومرقس” مع النجم العالمي عمر الشريف حيث قام عادل إمام بدور حسن وقام عمر الشريف بدور مرقص، وذلك رغم تحرج كبار النجوم من تقديم شخصية من دين آخر غير دين الأغلبية كما قدمها عادل إمام المصري الأصيل والوطني حتى النخاع والذي آمن بالوحدة الوطنية.

(ودعوني أستأذن الكاتب الكبير المبدع السيناريست الأستاذ عبد الرحيم كمال في نقل ما ذهب إليه في مقالة بجريدة الأهرام الغراء عن عادل إمام: لم يكن الطريق أمامه سهلًا أو مفروشًا بالورود، فهناك دائمًا المنافسون وفي أول صفوف المتنافسين كان الزمن نفسه الذي كان يقدم في كل جيل منافسين جدد وأصبح الشاب كهلًا وعليه أن يقاوم بفنه أجيالًا موهوبة ونجح في الاختبار الصعب  وظل منفردًا بالقمة في ظاهرة لم تحدث حتى في بلاد السينما نفسها هوليوود. استطاع أن يخاطب جمهور السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات والألفية الجديدة حتى صار نجمًا عابرًا للأجيال وعابرًا للتقييمات الفنية. كان خفيفًا على قلب المشاهد في سن السبعين وما فوقها هذا النجم الثمانيني عادل إمام الذي خرج من عباءته الكثير من النجوم وظل هو صاحب العباءة والآن يقرر عادل إمام الاعتزال لكن صاحب المدرسة لا يعتزل أبدًا. انتهى الاقتباس).

أتذكر أن آخر مسرحية قدمها النجم الأيقونة عادل إمام هي “بودي جارد” وآخر فيلم هو “زهايمر” وآخر مسلسل تلفزيوني هو “فلانتينو”، فما زال في جعبته الكثير. بالله عليكم كيف تقولون اعتزل؟ إن اعتزل عادل إمام الفن فلن يعتزله الفن هذا النجم العابر للأجيال والذي لن يجود الفن العربي من المحيط إلى الخليج بمثله. سوف يحتفل عادل إمام زعيم الفن العربي يوم 17 / 5 بعيد ميلاده (ومن محاسن الصدف أيضًا أنه نفس تاريخ ميلاد ابني أمير مع الفارق الكبير جدًا في السن فأمير من مواليد 17 / 5 / 2004 وكأن أشياء كثيرة تربطني بهذا الإنسان الجميل). ففي يوم 17 / 5 / 2024، يحتفل بعيد ميلاده الـ 84 ويحتفل به ومعه جموع المصريين والعرب والعالم كله بعيد ميلاده. كل سنة وأنت طيب وبصحة وسعادة يا صاحب السعادة.

قراءنا الأعزاء، نهنئكم بعيد القيامة المجيد وعيد شم النسيم وكل سنة وأنتم طيبين كل سنة وأنتم بخير.

1 تعليق

  1. مقال رائع من صديقي الرائع..سلمت يداك ودام ابداعك..وكل سنة وزعيم الفن بخير وسعادة ومتعه الله بالصحة والعافية

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا